مشاركة هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
-
الوقائع لا تُنزَّل عليها أحاديث الفتن بعينها جزماً !
الوقائع لا تُنزَّل عليها أحاديث الفتن بعينها جزماً !
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فقد انتشر في هذا الزمان من بعض الدّعاة والخطباء ؛ أنّ كلّما حدثتْ حادثة بعينها أنزلوا عليها حديثاً من أحاديث الفتن حتى أن البعض يُنزلونها على "ثورات الخوارج" التي حدثت في الدول العربية ، ولسنا ننكر أحاديث الفتن وما يحصل بين يدي الساعة من هرجٍ ومرج – قتل واضطرابات – ومن قتل المسلمين والأقارب بعضهم بعضاً ، ولكننا ننكر على أنهم يجعلونها محصورة في إطارٍ ضيِّقٍ - في الخوارج والتكفير والفرق الضالة المنحرفة عن الهدي النبوي - ؛ حتى أشكل الأمر على كثير من العامة والخاصة ، والأمر ليس كذلك .
فأحاديث الفتن جاءت عامة ومنها ما هو مقيد ومخصوص بحوادث وأسماء معينة ستحدث قبل قيام الساعة ؛ والعامة الأكثر – وَهو كَثْرَةُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ - ، ومن ذلك ما يستشهد به بعض الدعاة والخطباء كقوله صلى الله عليه وسلم :
(حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَيَقْتُلَ أَخَاهُ وَيَقْتُلَ عَمِّهُ وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ) رواه أحمد (4/406) .
وفي لفظ لابن ماجه (3959) : (يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ) .
وفي لفظ : (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَأَخَاهُ وَأَبَاهُ) . أخرج البخاري في "الأدب المفرد" (118) .
وصححها جميعها الألباني انظر "الصحيحة" (1682) ، و "صحيح ابن ماجه" ، و "صحيح الأدب" على التوالي .
فيُنزلونها على الخوارج والدواعش والثوار والتكفيريين - أفراداً وجماعات - فحسب .
والناظر والمتأمل في هذه الأحاديث وأمثالها يجد أنها عامة لا تحدد مسألة بعينها ولا سبباً للقتل معيناً ، إذْ إن ليس كل حادثة قتل وإرهاب ننزل عليها حديثاً ونجزم بذلك ، فكم من ولدٍ قتل أباه من أجل الملك والسلطان ، وكم من ابن عم قتل ابن عمه أو عمه أو خاله من أجل العرش ، وكم من زوجة قتلت زوجها بسبب مشاكل أسرية أو غَيرة من ضرتها ، وأخٍ قتل أخته ، وكم من ابنٍ قتل أباه بسبب المال والأرض ، وكم من جار قتل جاره عمداً لأسباب تافهة وحقيرة ، وكم من زوجٍ قتل زوجته وأبناءه ، والحوادث في زماننا هذا لمثل هذه الأسباب وغيرها كثيرة ولا تخفى على الكثير من المتابعين للأخبار في الفضائيات والصحف .
فلماذا نُعلق هذه الأحاديث على جرائم الإرهاب بعينها – بل أقول جرائم الخوارج وهو المصطلح الشرعي لهم – ولا نبين للناس أنها تَعُمُّ جميع الحوادث أمثالها التي تحدثُ بين الفينة والأخرى هنا وهناك بسبب التدين وغيره .
غير أني استثني الإنكار في الاستشهاد بها في حال حدوث مثل ذلك ؛ أننا نذكرها ونستشهد بها كونها من علامات النبوة وأشراط الساعة ، وأنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بها ، ونبين ذلك للناس لرفع الإيمان في قلوبهم بالغيبات التي أخبر عنها المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتصديق بها ، حتى لا يتعجب الناس في هذا الزمان – بسبب بعدهم عن السُّنَّة - من حدوثها ولا يستغربونها إذا وقعت – كما حصل من البعض – حين قتل ذلكم الخوارج "الدواعشي" الولد والده والرجل خاله وابن ابن عمه .. الخ . ، وحتى يؤمنوا أنّ قتل القريب قريبه حادثٌ حادثٌ لا محالة – سواء اليوم أو غد أو بعد غد - ؛ لإخبار الصادق المصدُوق بها ، وأن ذلك من أشراط وعلامات الساعة كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ) .
و (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ ..) .
و (لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ) . أخرجه مسلم (2908) .
وقد كتبتُ مقالاً قبل فترة بعنوان : "لا أتعجب من فعل "داعش – الخوارج -" ولكن أتعجب ممن يتعجب ويستغرب أفعالهم" ؛ أعني أنهم - الخوارج - قتلوا خير البرية بعد الأنبياء : "عثمان وعلي رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا" فلا عجب أن يقتلنا خوارج عصرنا وأبناؤنا .
قلتُ : ومثل ذلك – التأويل - ما صنعه بعضهم ؛ فحَمَل أحاديث السفياني "المنكرة" على بعض الشخصيات المعاصرة .
وكذلك أحاديث خروج يأجوج ومأجوج "الصحيحة" على أنهم من جنسيات سكان "شرق آسيا" الحاليين ، وهذا كله من التكهنات والتخرصات التي لا دليل عليها ، والتأويلات الباطلة ، ومن إنزال الأدلة في غير مواضعها .
نرجع إلى حديث أحمد رحمه الله أعلاه واستغراب بعض الصحابة رضي الله عنهم من كثرة قتل المسلمين بعضهم بعضاً ، وفيه : "قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قَالَ : (لاَ ؛ إِلاَّ أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكُمُ الزَّمَانِ ؛ حَتَّى يَحْسِبُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ)" .
ولفظ ابن ماجه : قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ ؛ تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لاَ عُقُولَ لَهُمْ) .
ففي اللفظين : نزع العقول ؛ إما حسي على ظاهر اللفظ : (تُنْزَعُ عُقُولُ [أَهْلِ ذَاكُمُ] أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ) .
أو معنوي ؛ كغسل العقول اليوم بعقيدة الخوارج ومحاولة إقناع البعض بها حتى يقتنع ويعتنق مذهبهم ، فيصبح همه - على مذهبهم ومعتقدهم - أنهم هم المؤمنون والناس كفار ، وأنهم سيدخلون الجنة بقتلهم هؤلاء وتنتظرهم الحور على أبواب الجنان . والله أعلم بالمتقين .
وإما أن تذهب عقولهم بفعل تعاطي المخدرات والمسكرات ومغيبات العقول اليوم المختلفة ، فيقتل ولا يرى في ذلك بأساً لذهاب عقله بسببها .
وإما أن تذهب عقول القتلة لذويهم وغيرهم ؛ لهوسهم الدنيوي وحبهم للمال والعقار ، والملك والسلطان ؛ الذي تمَلَّك عقولهم ، فعند ذلك يقتل ولا يبالي .
كل ذلك مع بقاء العقل الحسي ويُفهم ذلك من قوله :
(حَتَّى يَحْسِبُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ) .
وقوله : (وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لاَ عُقُولَ لَهُمْ) .
قال العلامة السندي : "(وَيَخْلفُ لَهُ) ؛ أَيْ : يَحْصُلُ ذَلِكَ النَّزْعُ (هَبَاءٌ) ؛ أَيْ : نَاسٌ بِمَنْزِلَةِ الْغُبَارِ" . "حاشية ابن ماجه" (2/469) .
والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ,,
كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
يوم الأحد 21 / 12 / 1436هـ
-
رد: الوقائع لا تُنزَّل عليها أحاديث الفتن بعينها جزماً !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل ونفع الله بعلمك
هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
حمل من هنا
http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 01-Mar-2020, 08:54 AM
-
بواسطة أم عمر الموحدة في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 23-Jan-2014, 11:28 PM
-
بواسطة السلفية الصغيرة في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
مشاركات: 9
آخر مشاركة: 19-Aug-2013, 01:07 PM
-
بواسطة أبو هنيدة ياسين الطارفي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 18-Aug-2013, 01:21 AM
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 08-Sep-2011, 11:28 PM
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى