النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1

    أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى الشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري



    أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى للشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري




    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
    الْحَمْدُ لله رَبِّ العَالِمين وَالصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ عَلى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وآله وصَحْبهِ أَجْمَعين، وَبعدُ:
    تمهيدٌ:
    فَإنَّ الله عزَّ وجلَّ قَدْ أَتَمَّ عَليْنَاالنِّعمة بِأَنْ أَرْسَلَ إلينا خَيرَ رُسله مُحمَّداً صلى الله عليه وآله وسلَّم،

    وأَنْزَلَ عَليهِ خَيرَ كُتُبه الَّذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42)

    وَتَكَفَّلَ سُبْحَانَهُ بِحِفْظهِ فَقَال ( إِنَّانَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر:9)

    ووجه الدلالة: أنَّ الله تعالى تَكفَّل بِحِفْظ الذِّكر الَّذي أَنْزَلَهُ، وَالذِّكْرُ يَشْمَلُ الكتَاب وَالسُّنَّة،
    فَكِلاَهُما مُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ الله بِنَصِّ الآية،وكلاَهُما مَحْفُوظٌ، قَال الْحَافِظُ ابنُ حَزْمٍ:" وَضَمَانُ الله تعالَى قَدْصَحَّ فِي حِفْظِ كُلّ مَا قَالَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم " ( النُّبذ )(ص 86)
    لذَا فَإنَّ مِنْ أَهمِّ و آكَد الوَاجِبَات الْمُحَافَظةُ عَلى الشَّريعة الْمُحَمَّدية، وصيَانتهَا وَتَنقيتهَا مِنَ الدَّخيل، وَ قَدْ أَدْركَ الصَّحابةُ رضي الله عنهم هَذا الوَاجب؛ فَقَاموا به حَقَّ قيامٍ، وتَبعهم عليه مَنْ سلكَ سبيلهم من التَّابعين وأئمَّة الدِّين والملَّة، قَالَ الحافظ أبو حاتم ابنُ حبَّان البستي (ت 354هـ):" فُرْسَانُ هَذاالعِلْم الَّذين حَفِظُوا عَلى الْمُسْلِمينَ الدِّين، وهَدوهم إلى الصِّراط المستَقيم، الَّذين آثروا قَطْعَ الْمَفَاوِزِ وَ القِفَار علَى التَّنَعُم فيالدِّيار والأوْطان في طَلَبِ السُّنَنِ في الأمْصَارِ، وجَمْعِها بالرَّحَلِ والأسْفار والدَّورانِ في جميعِ الأقطارِ،حتَّى إنَّ أحدَهم لَيَرْحُلُ في الحديثِ الواحِدِ الفَرَاسخَ البعيدة وفي الكَلمةِ الواحدةِ الأيامَ الكثيرةَ، لِئَلايُدْخِلَ مُضِلٌّ في السُّنَنِ شيئاً يُضِلُّ به، و إنْ فَعَلَ فَهُمُ الذَّابُّونَ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ذَلك الكَذب، والقَائمونَ بنُصْرةِالدِّينِ(المجروحين)(1/27)
    وَ إنَّ من المسلَّماتِ أنَّ الصِّراعَ بين الحقِّ والباطل بَاقٍ ومُستمرٍ حتَّى قيام السَّاعة، وعليهِ فلا بُدَّ - والحالةهذه- اسْتِمْرَارُ مَنْهج الصَّحابة رضي الله عنهم والتَّابعين وأئمَّة الدِّين.
    مِنْ حِرَاسةِ الشَّريعة المحمَّدية مِنْ تَحريفِ الغَالين وانْتِحَال المبطلين وتَأْويل الجاهلين، وَ الْمُحَافَظة عَلى بقائها نقيَّة صافية، مَعَ القِيامِ بِمَا أَوجبَ اللهُ مِنْ بَيَان الحقِّ للخلقِ وردِّ الباطل.
    وفي نصوص الشَّرْع مَا يدَلَّ على ذَلكَ:
    1-ما أخرجهُ البخاريُّ في (صحيحه) (13/رقم 7022)واللفظ له، ومسلمٌ في (الصَّحيح)(رقم 1037) منْ حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم يقولُ: ( لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتي أمَّةٌ قائمةٌبأمرِ اللهِ، مَا يَضُرُّهم مَنْ كذَّبهم وَلا مَنْ خَالَفَهُم حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ).
    ووردَ نحوهُ من حديث المغيرة رضي الله عنه في الصَّحيحين أيضاً، ومنْ حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم، و عَنْ غيرهما منَ الصَّحابة رضي الله عن الجميع.
    2-ما أخرجه البُخاريُّ في (صحيحه)(8/رقم 4547/209- فتح) واللفظ له، ومسلمٌ في (الصحيح) (16/ ص 216- نووي) مِنْ حَديثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
    تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّم هَذِهِ الآيةَ{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَتَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُإِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رسول الله صلى الله وسلَّم :
    فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ
    وجهُ الاستدلال: ما قَاله الحافظُ النَّووي في (شرحها صحيح مسلم)(16/218):" في هَذا الْحَديثِ التَّحْذيرُ مِنْ مُخَالَطَةِ أَهْلِ الزَّيغِ وأَهْلِ البِدَعِ وَ مَنْ يَتَّبعُ الْمُشْكلاَت للفِتْنةِ..".

    3-وَ أيضاً قَوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (سَيَكُون في آخر أمتي نَاسٌ يُحدِّثونكم بِمَا لَمْ تَسْعَمُوا أَنْتُم وَ لاآبَاؤُكُم فَإيَّاكُمْ وَإيَّاهُمْ)، أَخرجه مسلمٌ في (مقدِّمة الصَّحيح)(رقم 6) (باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها).
    قال الإمامُ البغوي في (شرح السنة)(1/ص 223):" حديثٌ حسنٌ..".
    وجه الاستدلال: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أخبرَ بِهَذا الغَيْبِ عَنْ أَقوامٍ يَأتونا بِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ،فَأَمَرَنَا بِمُجَانبتهم، وحذَّرنا منْهُم.

    إذَا تقرَّر هذا لابُدَّ وأنْ يُعلمَ أنَّ:
    منَ الأصول الشَّرعيَّة المقرَّرة والمدلَّل عليها من الكتاب والسُّنَّةوعمل سلفِ الأمَّة الصَّالح: الرَّدُّ على المخالفِ ومخالفتِهِ.
    1-قَالَ الإمام مُحمَّدُ بْنُ يَحيى الذهلي: سمعتُ يَحيى بن معين يقولُ: " الذَّب عنِ السُّنَّةِ أفضل من الْجَهادِ فِي سبيل الله.
    فقلتُ ليحيى: الرَّجُلُ يُنْفِقُ مَالَهُ وَ يُتْعِبُ نَفسهُ وَيُجَاهِدُ، فَهذَا أفضل منْه؟! قَالَ: نَعَمْ، بِكَثيرٍ".
    (سير أعلامالنبلاء) للذهبي (10/518)
    2-قالَ الإمامُ عثمان بن سعيد الدارمي في (الرَّد على الجهمية)(ص18/ رقم 15):"..فحينَ رأينا
    ذلكَ منهم، وفطنَّا لمذهبهم، ومايَقصدونَ إليه من الكُفر وإبطالِ الكتُب والرُّسل، ونفي الكَلام والعِلْم والأمر عن الله تعالى، رأينا أنْ نُبيِّن من مذاهبهم رسوماً من الكتاب والسُّنَّة وَ كلام العُلماءِ، ما يَسْتدل به أهل الغفلةِ منَ النَّاسِ على سوءِ مذْهَبهم، فيحذروهم على أنفسهم وعلى أولادهم وأهليهم، ويجتهدونَ في الرَّدِّ عليهم، محتسبين منافحين عندين الله تعالى، طالبين به ما عند الله".
    3-قَالَ شيخُ الإسلام ابن تيميَّة كما في(المجموع)(28/231-232):" ومثل أئمَّة البِدَعِ مِنْ أهل المقالات المخالفةِ للكتاب والسُّنَّة، أو العِبَادات المخالفة للكتِابِ وَالسُّنَّة، فإنَّ بَيانَ حَالهم،وتَحذيرَ الأُمَّةِ مِنْهُم، واجبٌ باتِّفاق المسلمين، حَتَّى قيل لأحمد بن حنبل: الرَّجل يَصُوم وَ يُصلِّي ويعتكفُ أحب إليك أو يتكلَّم في أهل البدعِ؟ فقال: إذاقَام وصلَّى واعتكفَ فإنَّما هو لنفسهِ، وإذا تكلَّم في أهلِ البدعِ فإنَّما هوللمسلمين، هذا أفضل.

    فبيَّن أَنَّ نَفْعَ هَذا عامٌّ للمسلمين فِي دِينهم،مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبيل الله؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيْل الله وَ دِيْنهِ وَمِنْهَاجهِ وَشِرْعَتهِ، ودفع بغي هَؤلاء وعُدوانهم علَى ذَلك، وَاجبٌ علَى الكِفَايَةِ باتِّفاقِ المسلمينَ، ولَولا مَنْ يُقِيْمهُ الله لدَفْعِ ضَرَرِهَؤلاء لَفَسَدَ الدِّين، وكانَ فَسَادُهُ أَعظم مِنْ فَسادِ اسْتِيْلاءِ العَدوِّمِنْ أَهْلِ الْحَربِ؛ فإنَّ هَؤلاء إذَا اسْتَولوا لَمْ يُفْسِدُوا القُلُوبَ وَمَا فيها مِنَ الدِّينِ إلاَّ تَبَعاً، وأمَّا أُولئكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ القُلُوبَ ابْتِدَاءً".

    وقالَ أيضاً:" المقصودُ أنَّ هذه الأُمَّة- ولله الحمد- لم يزلْ فيها مَنْ يتفطَّنُ لما في كلامِ أهلِ البَاطلِ و يردّه، وهم لماهداهم الله به، يتوافقونَ في قبولِ الحقِّ، وردِّ البَاطلِ رأياً وروايةً من غيرتشاعرٍ ولا تواطؤٍ" (المجموع)(9/233).
    4-وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّم في (مفتاح دارالسعادة)(1/103) في وصْف أهل السُّنة وجهَادهم :" فَكْمْ مِنْ قَتِيْلٍ لإبليس قدأَحْيَوه، ومِنْ ضَالٍ جاهلٍ لا يَعْلَم طَريق رشده قَدْ هدوه، ومِنْ مُبْتَدعٍ فيدينِ الله بشُهُبِ الْحقِّ قد رَموهُ، جِهَاداً في الله، وابتغاءمَرضاته..".
    وقال في النُّونيَّة:
    (هذا ونصرُ الدِّين فرضٌ لازم...لا للكفاية بل على الأعيان
    بيدٍ وإما باللسان فإنْ عجز...ت فبالتَّوجه والدعابجنان)
    وقالَ أيضاً في (مدارج السَّالكين)(1/372):" واشْتدَّ نكيرُ السَّلفِ والأئمَّة لَهَا- أي البدعة-، وصَاحوا بأهلهَا مِنْ أَقطارالأرضِ، وحَذَّروا فِتْنَتَهُمْ أَشدَّ التَّحذير، وبَالغوا في ذلك ما لَمْ يُبَالِغُوا مثله فِي إنكار الفَواحشِ، وَالظُّلم، والعُدوان؛ إذْ مَضرَّةُالبِدَعِ، وَهَدْمِهَا للدِّينِ، وَمنافاتها لَه أَشدّ".
    وقال في (هداية الحيارى)(ص 10):" مِنْ حقِّ الله على عبادهِ رد الطَّاعنينَ على كتابهِ ورسولهِ،ودينهِ، ومجاهدتهم بالحجَّةِ والبيان،والسَّيفِ والسِّنان، والقلبِ والجنان، وليس وراء ذلك حبَّة خردل من إيمان".
    5-عَقدَ العَلاَّمة ابنُ مفلح في (الآداب الشَّرعية)(1/230) فَصْلاً فقالَ:" فَصْلٌ: في وُجُوبِ إبْطَالِ البِدَعِ الْمُضِلَّةِ، وَإقَامَةِ الْحُجَّة عَلى بُطْلانِهَا".

    ثُم قالَ:" قالَ في (نِهَاية المبتدئين): ويَجِبُ إنكارُ البدعِ المضلَّة، وإقامة الحجَّة على إبطالها،سواءٌ قَبِلَها قائلها أو ردَّها، ومَنْ قدر على إنهاءِ المنكر إلى السُّلطانأنهاهُ، وإنْ خَافَ فوتهُ قبل إنهائهِ أنكرهُ هُو".


    لعلَّ فيما سبق منَ هذاالتَّمهيد يتَّضحُ لنا أهميَّة الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ.


    فالله أسأل التوفيق والسداد للجميع، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلَّم.
    كتب
    عبدالله بن عبدالرحيم البخاري

    بالمدينة النبوية

    في 16-12-1429هـ




    (يتبعه في حلقة أخرى -بحول الله- الكلام عن جملة من ثمار الرَّد على المخالف)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى الشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اخي ابو الوليد احببت ان اكمل تحت موضعك تتمت لموضعه الشيخ عبد الخباري حفظه الله

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    رد: أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى الشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري

    أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ/ الحلقة الثانية
    للشيخ/عبدالله بن عبدالرحيم البخاري
    بسم الله الرحمن الرَّحيم

    الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين، أما بعدُ:

    فقد سبقَ أنْ كتبتُ منذٍ زمنٍ مقالاً بعنوان (أهميَّة الرَّدِّ على المخالفِ وبيانُ جملةٍ من ثماره)، وذكرتُ في ذلكم المقال ما يتعلَّق بشطرِ العنوان الأول، أعني (أهمية الرَّدِّ على المخالف)، ووعدتُ بأنني سأُتبعه بما يتعلَّق بذكر جملةٍ من ثمرات الرَّدِّ على المخالف؛ فهذا إيفاءٌ بالوعدِ المذكور، والله أسأل التَّوفيق والسَّداد في القول والعمل، إنَّه سميعٌ مجيب.

    وهنا ألفتُ إلى أمرٍ؛ وهو أنَّني في أثناء كتابتي لـ(الثمرات)، بدا لي أنْ أتطرَّق إلى بيانِ نقاطٍ عدَّة لها علاقة بالموضوع والمقال، وللحاجة إليها فيما يبدو لي- ولعله لغيري أيضاً-، وهذه النِّقاطُ هي كالتالي:

    النقطة الأولى: المرادُ بالمخالف هنا؟
    النقطة الثانية: التفرقة بين العالم المخطئ والأتباع.
    النقطة الثالثة: واجبنا تجاه غلط وخطأ العالم السُّنِّي.
    النقطة الرابعة: ذكر بعض الأمور التي ينبغي توفُّرها فيمن يتولى الرد على المخالف.
    النقطة الخامسة: ذكرُ جملة من ثمار الرد على المخالف.

    وطريقتي في عرض هذه النقاط: أنني أعنون للنقطة، مع بيانٍ مُختصر لها، مُدلِّلاً عليها بأقوالِ سلفنا وأئمتنا رضي الله عنهم، تَقريباً للمَعْلومة وإيضاحاً لها.

    وليعلم الجميعُ:أنَّ ما أقومُ به، وما يقومُ به غيري من أهل العلم وطلابه الجادين، إنَّما هو جمع و ترتيب و بيان و تقريب كلام أئمتنا المبثوث في كتبهم، والمنقول عنهم في كتب من بعدهم من علماء أهل السنة، فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينفعني بما أبذله لوجهه الكريم يوم العرض عليه يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

    تنبيهٌ:
    نظراً لطول الموضوع وتعدد نقاطه، فإني آثرتُ أنْ أورده على حلقاتٍ؛ ليتمكَّن الإخوة من الاطِّلاع عليه والتأمل فيه، والله والموفِّق.

    النُّقطةُ الأُوْلَى: أَنَّ الْمُرَادَ بـ(الْمُخَالِف) هُنا ، هُو: مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ، مُبْتَدِعَاً كَانَ أمْ سُنِّيَّاً مُخْطِئاً!!
    فَالْمُبْتَدِعُ يُردُّ عَليهِ وَ تُدْحَضُ بدْعتهُ، وَ يُظْهَر الْحَقّ، نَصِيْحَةً لله وَرَسُولهِ وَلِكتَابهِ وَلعَامَّةِ الْمُسْلمين.

    أمَّا السُّنِّي الْمُخْطئُ الَّذي ظَهَرَ وذَاعَ خَطَؤهُ، فَنَردُّ غَلَطهُ وَ لَهُ عَلْيَنَا ابْتِداءً- تَفَضُّلاً وَ إحْسَاناً لاَ وُجُوبَاً- حَقّ النَّصيْحَة وَ التَّذكير سِرَّاً قَبْلَ نَشْرِ الرَّدِّ عليه؛ فَإِنْ رَجَعَ وبيَّنَ فَذَلكَ هُو الْمُرَادُ، وإنْ لَمْ يَنْتَصحْ مِنْ غَيْرِ عِنَادٍ وَاسْتِكبارٍ؛ نُشِرَ الَّردُّ، ولاَ إِشْكَالَ فِي هَذا؛ لأنَّ الْحقَّ أَحب إليْنا وَ أَعزّ، وهُو عَلَى الكفَايَةِ، صِيَانَةً للحقِّ ونُصْحاً لعامَّة الأُمَّةِ، كمَا قرَّره أئمَّة الْحَقِّ.

    قَالَ الإمَامُ البربهاريُّ في (شرح السُّنَّة)(رقم 9/69):" واعْلَم أنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الطَّريقِ عَلَى وَجْهَين:
    أمَّا أَحَدُهُمَا: فَرَجَلٌ قَدْ زَلَّ عَنِ الطَّريقِ، وَهُو لاَ يُريْدُ إلاَّ الْخَير، فَلا يُقْتَدى بِزَلَّتِهِ، فَإنَّه هَالِكٌ.
    وآخَر عَاندَ الْحَقَّ وخَالَفَ مَنْ كانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمُتَّقِيْنَ؛ فَهُو ضَالٌ مُضِلٌ، شَيْطَانٌ مَريدٌ فِي هَذهِ الأُمَّة، حَقيقٌ علَى مَنْ يَعْرِفْهُ أنْ يُحَذِّرَ النَّاسَ مِنْهُ، وَيُبَيِّنَ للنَّاسِ قِصَّتَهُ، لِئَلاَّ يَقَعَ أَحَدٌ فِي بِدْعَتهِ؛ فَيَهْلَك".
    وَ يُنْظَرُ: (مقدّمة صحيح مسلم)(1/29) و(الإبانة الصُّغرى)(ص 348) و(مَجموع الفتاوى)(2/357) وغيرها كثيرٌ.

    ومِمَّا سَبَقَ يَتَقرَّر أنْ لاَ تَلاَزُمَ بين الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَالتَّبديع، فَقَدْ يكُونُ الْمَرْدُود عَليه مُبْتَدِعَاً وقَدْ لاَ يَكُونُ،بِمَعنى:
    أنَّ الرَّدَّ علَى الْمُخَالِفِ لا يَعْني بِالضَّرورة تَبْدِيعَ الْمُخَالِفِ، إلاَّ إنْ عَقَدَ ألويَةَ الوَلاَءِ وَ البراء عَلَى مُخالفَتهِ، فَيُبَدَّع علَى ذَلِكَ؛ لِعَقْدِهِ الوَلاَءَ وَ البَرَاء عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ عَقْده عليهِ- ينظر (الْمَجموع)(20/164)-.
    أوْ خَالفَ الكتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمُسْتَفِيْضَة أوْ مَا أَجْمَعَ عليهِ سَلَفُ الأُمَّةِ خِلاَفَاً لاَ يُعْذرُ فيهِ، فَهَذَا يُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ أهْل البِدَعِ، كمَا قَالَهُ شَيخُ الإسلام – (الْمَجْمُوع)(24/172)- و للمسألةِ تَفْصِيلاتٌ أُخْرَىَ لعلَّ الله يُيَسِّرُ بَيَانَها وتَفْصِيْلهَا.

    "ومِنَ الأَمْثِلَةِ عَلَى عَدَمِ التَّلازم بَيْنَ الرَّدِّ والتَّبْديعِ ؛ أنَّ عَدَداً مِنْ عُلمَاءِ أهْلِ السُّنَّة ردَّ بَعْضُهمْ عَلَى بَعْضٍ، ولَمْ يُبدِّعْ أَحَدهم الآخر، بلْ حَفِظَ كلٌّ منْهُما للآخر مكانَتهُ وَاحْتِرامهُ، مَع رَدِّهِ لِغَلطهِ، ولَمْ يَعْقِدْ أيَّاً منْهُما علَى قَوله وَلاءً وَ بَراءً، بَلْ مِنْهُم لَمَّا ظَهَرَ لَه غَلطهُ رَجَعَ عَنْ قَولهِ إلَى قَولِ مُخَالِفِهِ، وَهَذا لا يَعِيْبهُ بَلْ يَرْفعهُ؛ لِرُجُوعهِ إلَى الْحَقِّ وبُعْدِهِ عَن الْمُعَانَدةِ وَالْمُكَابَرَةِ!
    فَمَثَلاً:
    خَالَفَ العَلاَّمة عبدُالعزيز بن بَاز شَيْخهُ العلاَّمة مُحمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخِ في (مسألة طَلاقِ الثَّلاث بِلَفْظٍ واحد)، وَردَّ أيضَاً علَى العلاَّمة الألباني في مسائل منْها (وضع اليدين على الصَّدر بعد الرَّفع من الرُّكوع) و غيرها منَ المسائل، وَردَّ العلاَّمة الألباني علَى العلاَّمة عبدالعزيز بن باز وغيره في الْمَسْأَلةِ الْمُشَارِ إليْهَا وفِي غَيرها، وردَّ العلاَّمة بديع الدّين السِّندي على العلاَّمة الألباني في المسألة السَّابقة، وردَّ عليه الألباني، وردَّ العلاَّمة حُمود التُّويجري على العلاَّمة ابن عُثيمين، في مَسْأَلَةِ تَتعلَّقُ بِصِفَةِ الْمَعيَّة، و رَجعَ العَلاَّمَةُ ابن عُثيمين عنْ قولهِ إلى قَول التّويجري، وردَّ العلاَّمة التويجري على الألبانِي فِي مَسائل في صفة الصَّلاَة وغَيرهَا، وردَّ عليه العلاَّمة الألباني، وبَيْنَهما وِدٌّ واحترامٌ، بَل إنَّ التويجري استضافَ الألباني في بَيتهِ لَمَّا زَارَ الرِّياض!!
    وَهَكَذا فِي رُدُودٍ كثِيرةٍ مَشْهُورةٍ مَنْثُورةٍ بَيْنَ عُلمَاء أهْلِ السُّنَّة، ولَمْ يُبدِّع أَحدهم الآخر، ولَمْ يَمْنَع ذَلكَ من ردِّه ِعلَى مَنْ يَراهُ خَالفَ الصَّوابَ، ونَشْرِ الرَّدِّ عليهِ، وَ لَمْ يَعْقِد أَحدهُما وَلاءً وبراءً على قَولهِ، بلْ إنَّ الإمَام الألباني مَع أنَّه يَرى (بدعيَّة وضع اليدين على الصَّدر بعد الرَّفع منَ الرُّكُوع) يَرَى أنَّه لَو صلَّى خَلْفَ مَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّة الوَضْعِ بَعد الرَّفع لتَابَعَهُ فِي ذَلكَ لِعُمُوم الْحَديثِ (إنَّمَا جُعِلَ الإمِامُ ليُؤْتَمَّ بهِ..)، فهَذا دَليلٌ علَى عَدَمِ عَقْدهِ الوَلاَء وَالبَراءَ عَلَى قَولهِ!!

    الثَّانية: التَّفرقةُ بين العَالِمِ الْمُخْطئ وَ الأَتْبَاع.
    وذلكَ: أنَّ بَعضَ مَنْ يُخطئُ مِنْ أَهل العِلمِ والسُّنَّة لاَ يَتَعمَّدُ الْخَطَأ أو الْمُخَالفَة لِلْحقِّ، بلْ يَبْذُلُ وسْعَه للوصولِ إليه، لكنْ لاَ يُوفَّق لإصابَةِ الْحَقِّ.
    وتَرَى مَنْ يُعَظِّمه مِنْ أتْباعهِ يَتَّبعهُ فِي خَطَأهِ عِنَادَاً وَ اسْتِكباراً، ويَعْقِدُ وَلاءً وَ بَرَاءً عَلَى خَطَأ شَيْخهِ!! دَلَيلهُ فِي ذَلك: أنَّ فُلاَناً قَدْ قَالَ بهِ!
    فالعالَمُ الْمُخْطئُ يُعْذَرُ ولا يَأْثَمُ، بِخِلاَفِ مَن اتَّبعهُ عِنَاداً واستكباراً فَلا يُعْذَر وَيَأْثَمُ.

    وَ فِي أَمْثَالِ هَؤلاَء يُقرِّرُ الإمَامُ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبليّ كَلاماً فِي غَايَةٍ مِنَ النَّفَاسَة وَالْمَتَانَةِ حَيثُ قَالَ فِي (جَامع العُلُوم والْحِكَمِ)(2/ ص267-268-ط الرِّسالة):" وهَا هُنَا أَمرٌ خفيٌّ يَنْبغي التَّفطُّن لَه؛ وَهُو:

    أنَّ كَثِيْراً منْ أئمَّة الدِّين قَدْ يَقُولُ قَولاً مَرْجُوحاً، ويكونُ مُجْتَهِداً فيه، مَأْجُوراً عَلى اجْتِهَادهِ، مَوضُوعاً عنْهُ خَطؤهُ فيْه، وَلاَ يَكُونُ الْمُنْتَصِرُ لِمَقَالتِهِ تِلْكَ بِمَنْزِلتهِ فِي هَذه الدَّرجة؛ لأنَّه قَدْ لا يَنْتَصرُ لِهَذا القَول إلاَّ لِكَونِ مَتْبُوعه قَدْ قَالَهُ، بِحَيثُ إنَّه لَو قَالَهُ غَيْرُه مِنْ أئمَّةِ الدِّين لَمَا قَبِلَهُ، ولا انْتَصرَ له، ولا وَالَى مَنْ وَافقه، ولا عَادى منْ خالفه، وَهُو مَع هَذا يَظَنُّ أنَّهُ إنَّما انْتَصَرَ لِلْحقِّ بِمنْزلة مَتْبوعه، وليس كذلكَ، فَإنَّ مَتْبُوعه إنَّمَا كاَنَ قَصدهُ الانْتِصَار لِلْحقِّ، وَإنْ أخْطَأَ فِي اجْتِهَادهِ، وَأمَّا هَذَا التَّابعُ، فَقَدْ شَابَ انْتصارَه لِمَا يظنُّه الْحقَّ إرَادَة عُلوِّ مَتْبُوعهِِ، وَ ظُهُورِ كَلمتِهِ، وأَنْ لا يُنْسَبَ إلَى الْخَطَأ، وهَذهِ دَسِيْسةٌ تَقْدَحُ فِي قَصْدِ الانْتِصَارِ لِلْحَقِّ، فَافْهم هَذَا، فَإنَّه فَهْمٌ عَظِيمٌ، واللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ".
    وينظر: (مِنْهَاج السُّنَّة النَّبِّوية)(4/543-544) و(مجموع الفتاوى)(11/ 14-16).

    قالَ شَيخُ الإسْلاَم ابن تَيمية كمَا في (المجموع)(35/69-70):" وَسَائِرُ أَهْل السُّنَّة والْجَمَاعة وأئمَّة الدِّين لا يَعْتَقدونَ عِصْمَةَ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلاَ القَرابَة ولا السَّابقين ولا غَيرهم، بلْ يَجُوزُ عنْدَهم وُقُوع الذُّنُوب منْهم، واللهُ يَغْفرُ لَهم بالتَّوبة، ويرفعُ بِهَا دَرجاتهم، ويغفرُ لَهم بِحسناتٍ ماحيَةٍ، أو بِغير ذَلك من الأسْبابِ..- ثم ذكر بعض الآيات في الباب...إلى أن قال- فأمَّا الصِّديقون والشُّهداء والصَّالُحون فَليسوا بِمَعْصُومينَ، وهَذا في الذُّنُوب الْمُحَقَّقَةِ.
    وأمَّا ما اجْتَهدوا فيه: فتارةً يُصيبون، وتارةً يُخْطِئون.
    فإذَا اجْتَهَدوا فأصَابوا فَلَهُمْ أَجْرَان، وإذَا اجْتَهدوا و أَخْطَئُوا فَلَهُم أجرٌ على اجْتِهَادهم، وخَطَؤُهم مَغْفُورٌ لَهم.
    وأَهْلُ الضَّلالَ يَجْعلونَ الْخَطَأ وَالإثْمَ مُتَلازِمَيْنِ، فَتارةً يَغْلُونَ فيهمْ؛ فَيَقولونَ:
    إنهم معصومون.
    وتارةً يَجْفُون عَنْهم؛ فَيقولونَ:
    إنَّهم بَاغُون بالْخَطَأ.
    وأهلُ العِلْمِ وَالإيْمَانِ: لاَ يعْصمونَ، وَلاَ يُؤثِّمونَ ".

    وقالَ الإمامُ مُحمَّدُ الأمين الشَّنيقطيُّ في (أضواء البيان)(538 -7/533،537):" اعْلَمْ أنَّ الْمُقَلِّدينَ اغْتَرُّوا بِقَضيَّتين ظنُّوهُما صَادِقَتَيْن، وَهُما بَعِيْدَتَانِ عَن الصِّدقِ..."، ثُمَّ ذَكرَ الأُوْلَى- وسَتَردُّ في مَحلِّها بِحولِ الله، ثُمَّ قَالَ-:" وأمَّا القضيَّةُ الثَّانية؛ فَهِيَ: ظَنُّ الْمُقَلّدين أنَّ لَهُم مِثْل مَا لِلإمَامِ مِنَ العُذرِ في الْخَطأِ.

    وإيْضَاحه : أنَّهم يَظنُّون أنَّ الإمامَ لَو أَخْطَأَ فِي بَعْضِ الأَحْكَام، وقلَّدوهُ فِي ذَلِكَ الْخَطَأ؛ يَكُونُ لَهُم مِنَ العُذْر فِي الْخَطَأ وَالأَجْر مِثْل مَا لذلك الإمَام الَّذي قلَّدوهُ؛ لأنَّهُم مُتَّبعونَ لَه، فَيَجْري عليهمْ مَا جَرَى عليهِ.

    وهذَا ظَنٌّ كَاذبٌ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ ؛ لأنَّ الإمَامَ الَّذي قَلَّدُوهُ بَذَل جهْدهُ في تَعلُّم كِتَاب الله وسُنَّة رَسولهِ وأَقْوَال الصَّحَابة وفتَاويهم، فَقَدْ شَمَّر، ومَا قَصَّرَ فِيْمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعلُّم الوَحي والعَمَل بهِ، وَطَاعة الله علَى ضَوء الوَحْي الْمُنْزَلِ، ومَنْ كَان هَذا شأنُهُ؛ فَهُو جَديرٌ بالعُذْرِ فِي خَطئهِ وَالأجر عَلَى اجْتِهَادهِ.

    وأمَّا مُقَلِّدوهُ؛ فَقَدْ تَرَكُوا النَّظَر فِي كتَاب الله وسُنَّة رَسولهِ، وَأَعْرَضُوا عَنْ تَعَلُّمها إعْرَاضاً كليَّاً، معَ يُسْرهِ وَسُهُولتهِ، وَنَزَّلوا أقوالَ الرِّجَال الَّذين يُخْطِئونَ وَيُصِيْبُونَ مَنْزَلةَ الوَحي الْمُنْزَلِ مِنَ اللهِ، فَأَيْنَ هَؤلاءِ مِنَ الأئمَّةِ الَّذينَ قَلَّدُوهُم؟! .
    يُتبعُ بحول الله تعالى.

    وكتبه
    عبدالله بن عبدالرحيم البخاري
    8/ صفر/ 1430ه

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى الشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري

    أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ/ الحلقة الثالثة
    بسم الله الرحمن الرَّحيم
    الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ و آله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
    فإتماماً لما سبقَ في (الحلقة الثَّانية) من نقاطٍ تتعلَّق بموضوعنا؛ فهذه هي النُّقطةُ:

    الثَّالِثَةُ: وَاجبنا تجاهَ غَلَطِ وَخَطأ العَالِم السُّني.
    إنَّ مِنَ الثَّوابتِ المتقرِّرة لدَى أهل السُّنة والجماعة: وُجُوبُ احْترام وتَقْدير العُلَماء، كمَا أبَنْتُهُ مُفَصَّلاً في ردِّي علَى أبِي الْحَسن المأربي في كتابِي (الفَتْح الرَّبَّانِي) (الثَّابت الأوَّل).

    و إنَّ مِنَ المتقرِّر أيضاًأنَّ العصمةَ عنْهُم مَنْفيَّة،والْخَطأَ منْهُم واردٌ؛لأنَّهم بشرٌ يصيبون ويُخْطِئونَ، وَأنَّ السُّنة قَد تَخْفَى علَى بعض أفَاضِلِ العُلماء، هَذَا الَّذي قرَّره جمعٌ من أئمَّة الدِّين، فَمِنْ ذلك:

    قولُ الإمام الشَّافعيُّ:" مَا مِنْ أحدٍ إلاَّ وتَذْهب عليه سُنَّة لرسُول الله صلَّى الله عليه وسلَّم و تَعْزُبُ عنه" (إعلام الموقعين)(2/267).

    وقالَ الإمامُ ابنُ عبدالبر:" وقدْ أجَازَ عَلى كثيرٍ منْهُم جَهْل كَثيرٍ مِنَ السُّنن الوَاردة على أَلْسِنَةِ خَاصَّة العُلماء.
    ولاَ أعْلَمُ أحداً منَ الصَّحابة إلاَّ وقدْ شَذَّ عنه بَين علم الخاصَّة واردة بنقلِ الآحاد أشياء حفظها غيرهُ، وذلك علَى مَنْ بَعْدَهُم أَجْوَزُ، والإحاطةُ مُمْتَنِعةٌ علَى كلِّ أحدٍ" (الاستذكار)(1/58).

    وقالَ الإمامُ ابن المنذرِ:" لأنَّ أَحَداً لا يُحِيْطُ بِجَميعِ السُّنن" (الأوسط)(1/469).

    وقالَ العلاَّمة الحبر محمد الأمين الشنقيطيُّفي (أضواء البيان)(7/533-534):".. والأئمَّةُكلُّهم مُعْتَرِفُونَ بأنَّهم مَا أَحَاطُوا بِجَميعِ نُصُوصِ الوَحْي... وكَثْرَةُ عِلْمِ العَالِمِ لاَ تَسْتَلزمُ اطِّلاعه عَلَى جَمِيعِالنُّصوص....فَهَؤلاءِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدونَ وَهُمْ هُمْ، خَفِيَعَليهمْ كَثيرٌ مِنْ قَضَايا رَسَول الله صلَّى الله عليه وسلَّموَأَحَادِيْثِهِ، مَعَ مُلازَمَتِهِم لَهُ، وَشِدَّةِ حِرْصِهمْ عَلَىالأَخْذِ مِنْهُ، فَتَعَلَّموه مِمَّن هُو دُونَهم فِي الفَضْلِوَالعِلْمِ.
    فما ظنُّكَ بِغَيرهم منَ الأئمَّة الَّذين نَشَأَوا وَ تَعَلَّموا بعدَ تَفَرُّقِ الصَّحَابَةِ فِي أَقْطَارِ الدُّنيا؟.."، وغيرهم كثير.

    وإذَا كانَ الأمْرُ كَذَلكَ فَالوَاجِبُ في مثلْ هَذا الْمَقَامِ:
    اتِّباع السُّنة وَالدَّليل الَّذي خَفِيَ عَلى ذَلكالعالِم السُّني، أو الَّذي خَالَفه،لاَ التَّعصب لقولهِ وردِّ الدَّليل لأجله!! معَ بَقَاء الاحْتِرَام وَالتَّقْديرِ لَهُ.

    1/ قَالَ الإمامُ الشَّافعيُّ رحمه الله مُجيباً عن مسألةٍ :" جَائزٌ، وأحبُّه ولا أكرهه؛ لثُبوتِ السُّنة فيه عنْ النَّبي صلَّى الله عليه وسلم والأخبار عَنْ غَيرِ وَاحدٍ، ومِنَ الصَّحابة....- إلى أنْ قال- وسُنَّةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أَحقُّ أنْ تُتَّبع.
    - ثُمَّ قال- وهكذا يَنبغي أنْ يَكُونَ الصَّالِحُونَ وَأهل العلم، فأمَّا مَا تذهبونَ إليه مِنْ تَرْكِ السُّنَّة وغيرهاِ، وَ تَرك ذَلكَ لِغَيرِ شَيءٍ بَلْ لِرَأي أنْفُسِكمْ، فَالعِلْمُ إذاً إليكم تَأتونَ منْهُ مَا شِئْتُم وَتَدَعُونَ مَا شِئْتُم؟" نَقله الإمام ابن القيم في (إعلام الموقعين)(2/269).

    ونقل عنْهُ أيضاً قوله (2/270):" منْ تبِعَ سُنَّةَ رَسُولِ الله صلَّى الله وسلَّم وَافَقْتُهُ،ومَنْ خَلط فَتركها خَالفتُه حتَّى صَاحبي.
    الَّذي لاَ أُفَارِقُ: الْمُلاَزِم الثَّابت مَعَ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلم وإنْ بَعُدَ.
    وَ الَّذي أُفارقُ: مَنْ لَمْ يَقُلْ بِحَديث رسول الله صلى الله وسلم وَ إنْ قَرُبَ".

    2/ قَالَ الإمامُ ابنُ القيم في (إعلام الموقعين)(3/294-299):" فصْلٌ: ولا بدَّ من أمرين:
    أحدهما أعظمُ من الآخر؛ وهو النَّصيحة لله ولرسولهِ و كتابهِ ودينهِ، وتنْزيههِ عَنِ الأقْوَال البَاطِلةِ الْمُنَاقِضِة لِمَا بَعثَ الله به رَسُولهُ مِنَ الْهُدى وَ البَيِّنات...

    والثَّانِي:مَعرفةُ فَضْل أئمَّة الإسلام ومقَاديرهم وحُقُوقهم وَمَراتِبهمْ، وأنَّ فَضْلَهُم وَعِلْمَهُم وَنُصْحَهُمْ لله وَرسولهِلاَ يُوجِبُ قَبُولَ كُل مَا قَالُوه.

    وما وقع في فَتَاويهم منَ الْمَسائلِ الَّتي خَفِي عَليهم فيها مَا جَاء به الرَّسُولُ، فَقَالُوا بِمَبلغِ عِلْمهمْ،وَالْحَقّ فِي خِلاَفهَا،لايُوجبُ اطِّرَاح أَقْوالِهم جُمْلةً، وتَنَقُّصِهم وَالوَقيعةَ فيْهم؛فَهَذانَ طَرَفان جَائِرَان عَنِ القَصْدِ، وَقَصْدُ السَّبِيْلِبَيْنَهُما: فَلا نُؤثِّمْ وَ لا نَعْصِم.....
    وَمَنْ لَهُ عِلْمٌ بالشَّرع والوَاقعِ يَعْلَمُ قَطْعاً:
    أنَّالرَّجُلالْجَليلَ الَّذي لَهُ فِي الإسْلاَمِ قَدمٌ صَالِحٌ، وآثارٌ حَسَنةٌ،وهُو منَ الإسلامِ وَأهلهِ بِمَكانٍ قَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْهَفْوةُوَالزَّلة هُو فِيْهَا مَعْذورٌ بَلْ وَمَأْجورٌ لاجتهادهِ، فَلاَ يَجوزُأنْ يُتْبَعَ فِيْهَا، وَلاَ يَجوزُ أنْ تُهْدَرَ مَكانَتهُ وَإمَامتُهُوَمَنْزِلتُهُ مِنْ قُلُوبِ الْمُسْلِمينَ....
    - ثم ذكر مناظرة جميلة للإمام ابن المبارك مع بعض من أجاز النبيذ، ثم قال-
    قالَ شيخ الإسلام: وهذاالَّذي ذكرهُ ابنُ المبارك مُتَّفقٌ عليهِ بَيْنَ العُلماءِ، فإنَّه مَامِنْ أَحَدٍ مِنْ أعيانِ الأئمَّة مِنَ السَّابِقينَ الأَوَّلينَ وَمَنْبَعْدَهم إلاَّ وَلَهُ أَقوالٌ وأفعالٌ خَفِيَ عَليهم فيها السُّنة....
    وهذا بَابٌ واسعٌ لا يُحصى، مع أنَّ ذَلكَ لاَ يَغضّ مِنْ أَقْدَارهمْ، ولا يُسوغ اتَّباعهم فيْها، قال تعالى (فإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَردُّوهُ إلَى اللهِ وَالرَّسُولِ).
    قَال مُجاهدٌ والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم: ليس أحَدٌ مِنْ خَلق الله إلاَّ يُؤخذ مِنْ قَوله وَيُتْرَك إلاَّ النَّبيصلى الله عليه وسلَّم.

    قال سُلَيْمَان التَّيمي: إنْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمعَ فيْكَ الشَّرُّ كُلُّه.
    قَالَ ابن عبدالبر: هَذَا إجْمَاعٌ لاَ أَعْلَم فيهِ خِلاَفاً....

    فَإذَا كنَّا قَدْ حُذِّرنا مِنْ زَلَّةِ العَالِمِ، وَقيلَ لنَا: إنَّهَا مِنْ أَخْوَف مَا يُخَاف عَلينا، وأُمِرْنَا مَعَ ذَلكَ أن لاَ نَرْجعَ عنْهُ، فَالوَاجبُ علَى مَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ إذَا بَلغتهُ مَقَالة ضَعيفة عَن بَعض الأئمَّة: أنْ لا يَحكيها لمن يُقَلِّدها، بَل يَسْكُت عَن ذِكرها إنْ تَيَقَّن صِحَّتها، وإلاَّ تَوقَّف في قَبولِها، فَكثيراًما يُحْكى عن الأئمَّة مَالاَ حَقيْقَةَ لَه، وَكثيرٌ مِنَ الْمَسائلِيُخَرِّجُها بَعض الأَتْبَاعِ عَلَى قَاعِدَةِ مَتْبُوعهِ مَعَ أنَّ ذَلكالإمامَ لَو رَأى أنَّها تُفْضِي إلَى ذَلك لَمَا الْتَزَمَها.

    وَ أَيضاً فَلازم الْمَذْهَب لَيسَ بِمَذْهَبٍ،وَإنْ كَانَ لاَزِمُ النَّصِّ حَقَّاً؛ لأنَّ الشَّارِعَ لاَ يَجُوزُ عَليهِ التَّنَاقض، فَلاَزِمُ قَولهِ حَقٌّ...

    وقَد اتَّفقَ السَّلف على أنَّهَا بِدَعةٌ مُحدثةٌ- أي الحيل-؛فَلا يَجُوز تَقْلِيدُ مَنْ يُفتي بها،وَيَجبُ نَقْضُ حُكْمهِ، وَلاَ يَجوزُ الدّلالَة لِلْمُقَلِّدِ عَلَى مَنْ يُفْتِي بِهَا، وَقَد نَصَّ الإمام أحْمَد عَلى ذَلكَ كُلِّه...".

    3/ عَقَدَ العلامة الشَّاطبي في (الموافقات)(5/132-140) فَصْلاً حوى نَحواً مِمَّا قاله الإمام ابن القيم هُنا مِنَ التحذير مِنْ زَلَّة العَالِمِ وَعَدمِ مُتَابَعَتهِ فِيْها، فَقالَ بعد أنْ نقل عدداً من الآثار في الباب:
    " هَذا كُلُّه وما أشبهه دليلٌ على طَلَبِ الْحَذرِ مِنْ زَلَّةِ العَالِمِ، وَأكثرمَا تكونُ عنْدَ الغَفْلَةِ عَن اعْتِبَارِ مَقَاصد الشَّرْع فِي ذَلكالْمَعْنى الَّذي اجتهدَ فيهِ، و الوقُوف دُونَ أَقْصَى الْمُبَالغةِ فِيالبَحْثِ عَن النُّصوصِ فيْها،وهُو وإنْ كَانَ عَلَى غَيْر قَصْدٍ وَ لاَ تَعَمُّدٍ وَصَاحبهُ مَعْذُورٌ وَمَأْجُورٌ،لكنْ مِمَّا يَنْبَنِي عَليهِ فِي الاتِّباعِ لِقَولهِ؛ فِيْهِ خَطرٌ عَظِيْمٌ...
    وهكَذا الْحُكُمُ مُسْتَمر فِي زَلَّتهِ فِي الفُتْيَا مِنْ بَاب أَوْلَى؛ فإنَّه رُبَّمَا خَفي عَلى العَالِم بَعض السُّنة أو بعض الْمَقَاصد العامَّة فِي خُصُوص مَسألته،فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى أنْ يَصيرَ قَوله شَرْعَاً يتَقلَّد،وقولاً يعتبرُ في مَسائل الْخِلاَف، فَربَّما رجَعَ عَنْهُ وَتَبيَّنَ لَه الْحقّ، فَيَفُوتهُ تَدَارك مَا سَار فِي البِلاَدِ عَنْهُ، وَيَضلّ عنْه تَلافيهِ، فَمِنْ هُنا قَالوا: زَلَّةُ العَالِمِ مَضْرُوبٌ بِهَا الطَّبْل.
    إذا ثبتَ هَذا؛ فَلا بُدَّ مِنَ النَّظرِ فِي أُمُور تَنْبَنِي عَلَى هَذا الأَصْلِ:

    منْها:أنَّزلَّةَ العَالِمِ لاَ يَصِحُّ اعْتِمَادُهُا مِنْ جِهَةٍ وَلاَ الأَخْذُبِها تَقْليداً لَه؛ وذَلكَ لأنَّهَا مَوضُوعة علَى الْمُخَالفَةِللشَّرْع، ولذلك عُدَّت زلَّة، وإلاَّ فَلَو كانَتْ مُعْتداً بِهَا لَمْ يُجْعَل لَها هَذه الرُّتْبة، ولاَ نُسبَ إلَى صَاحبهَا الزَّلل فيْها، كمَاأنَّهُ لاَ يَنْبَغي أنْ يُنْسَبَ صَاحبهَا إلَى التَّقْصيرِ، وَلاَ أَنْيُشَنَّع عَليهِ بِها، وَلاَ يُنْتَقص مِنْ أَجْلهَا، أوْ يُعْتقد فيْهالإقْدَام عَلَى الْمُخَالفة بَحْتاً، فَإنَّ هَذا كُلّه خِلاف مَا تَقْتضيرُتْبتُه فِي الدِّين، وقدْ تَقدَّم مِنْ كَلامِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغيره ما يُرْشِدُ إلَى هَذا الْمَعْنى.....

    ومنْها: أنَّهلاَ يَصحُّ اعْتِمَادُها خِلاَفاً فِي الْمَسائلِ الشَّرعيَّة؛ لأنَّهالَمْ تَصْدُر فِي الْحَقيقةِ عَنِ اجْتِهَادٍ، ولاَ هِيَ مِنْ مَسائلِالاجْتِهَادِ، وَإنْ حَصلَ مِنْ صَاحبهَا اجْتِهَاد، فَهو لَم يُصادف فيهامَحلاً، فصَارت في نسبتها إلى الشَّرع كأقوالِ غَير الْمُجتهدِ، وإنَّمايُعدُّ في الخلافِ الأَقْوال الصَّادرة عن أدلَّةٍ مُعتبرةٍ في الشَّريعة،كانت مِمَّا يَقْوى أو يَضعف.
    وأمَّا إذا صَدرت عَن مُجرَّد خَفَاءِ الدَّليل أو عَدمِ مُصَادفتهِ فَلاَ؛ فلذلك قيلَ: إنَّه لا يصحّ أنْ يُعْتَدَّ بِها فِي الْخِلافِ، كما لَمْ يَعتدّ السَّلف الصَّالح بالخلافِ فِي مَسألةِ رِبَا الفَضْلِ... وَأشْبَاههَا مِنَ الْمَسائلِ الَّتي خَفِيت فيْه الأدلَّة عَلَى مَنْ خَالفَ فِيْهَا..".
    4/ قال العلاَّمة الحبر محمد الأمين الشنقيطيفي (أضواء البيان)(7/ 533-534) : " اعلمْ أنَّ المقلدِّين اغْتَرُّوا بِقَضيَّتين ظنُّوهما صَادِقَتين، وهُما بَعِيْدَتَان مِنَ الصِّدق...
    أمَّا الأُولى منْهُما:
    فَهِي ظنُّهم أنَّ الإمامَ الَّذي قَلَّدوهُ لاَبُدَّ أنْ يَكُونَ قَد اطَّلعَ عَلى جَميع مَعانِي كِتَابَ الله، ولَمْيَفتهُ منْها شَيءٌ، وَعلَى جَميعِ سُنَّة رسول الله صلَّى الله عليهوسلَّم وَلَمْ يَفتهُ منْها شيءٌ.
    ولذلكَ فَإنَّ كُلَّ آية وكلَّ حَديثٍ قدْ خَالفَا قَوله؛ فَلا شكَّ عنْدهم أنَّ ذَلك الإمَام اطَّلعَ عَلى تلكَ الآيَة وعَلِمَ مَعْنَاها، وعَلَى ذَلكَ الْحَديث وعَلِمَ مَعْنَاهُ، وأنَّهُ مَا تَرَكَ العَمَلَ بِهما إلاَّ لأنَّهُ اطَّلعَ عَلَى مَا هُو أَقْوَى منْهُما وَ أَرْجَح....وهَذا الظَّنُّ كَذِبٌ بَاطلٌ بِلاَ شَكٍّ.
    والأئمَّة مُعْتَرِفُونَ بأنَّهمْ مَا أَحَاطُوا بِجَميعِ نُصُوصِ الوَحْي...- ثُمَّ ذَكرَ أمثلةً مِنْ خَفَاء بَعْضِ السُّنن عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَة كَالْخُلَفاء الرَّاشدين، ثُمَّ قَال-
    فَهؤلاء الْخُلَفاء الرَّاشِدُون وَهُمْ هُمْ، خَفِيَ عَليهمْ كَثِيْرٌ مِنْ قَضَايا رَسُول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وَ أَحَاديثِهِ، مَعَ مُلازَمتِهِمْ لَهُ، وَشِدَّةِ حِرْصِهمْ عَلَى الأَخْذِ مِنْهُ، فَتَعَلَّموهُ مِمَّنْ هُو دُونَهم فِي الفَضْلِ وَ العِلْمِ.
    فمَا ظنُّك بغيرهمْ مِنَ الأئمَّةِ الَّذينَ نَشَأُوا وَ تَعَلَّمُوا بعدَ تَفَرُّقِ الصَّحَابَةِ فِي أقْطَارِ الدُّنيا؟...

    وَالْحَاصلُأنَّ ظنّ إحْاطَةِ الإمَامِ بِجَميعِ نُصُوصِ الشَّرعِ وَمَعَانيْها ظَنٌلا يُغْني منَ الْحَقِّ شيئاً، ولَيْسَ بِصَحيحٍ قَطْعاً؛ لأنَّه لا شكَّأنَّهُ يَفوتُهُ بَعض الأحَادِيث، فَلَمْ يَطَّلع عَليها، ويرويه بَعضُالعُدُولِ عَن الصَّحَابَة فَيَثْبُت عنْدَ غَيره.
    وهومَعْذُورٌ في تَرْكِ العَمَلِ بِه، بِعَدمِ اطِّلاعهِ عَليهِ مَعَ أنَّهُبَذَل الْمَجْهُودَ فِي البَحْثِ، وَلِذَا كانَ لَه أَجْر الاجتِهَادوَالعُذر فِي الْخَطَأ....
    فَاللازِمُ هُو مَا قَالهُ الأئمَّةُ أنَفْسُهُم رَحمهم الله مِنْ أنَّهُم قَدْ يُخْطِئُونَ، ونَهوا عن اتِّباعهمْ فِي كُلِّ شيءٍ يُخَالِفُ نَصَّاً مِنْ كتَابٍ أو سُنَّةٍ.
    فالْمُتَّبِعُلَهُم حَقِيْقةً؛ هُو مَنْ لاَ يُقَدِّمُ عَلَى كِتَاب اللهِ وَ سُنَّةرَسولهِ شَيئاً، أمَّا الَّذي يُقدِّم أقَوالَ الرِّجَالِ عَلَى الكتَابِوَصَحيحِ السُّنَّةِ، فَهُو مُخَالِفٌ لَهُم لاَ مُتَّبِعٌ لَهُم،وَدَعْواهُ اتّباعهمْ كَذِبٌ مَحْضٌ".
    وقاَلَ أيضاً(7/555-556):" اعْلَمْ أنَّ مَوْقفنَا مِنَ الأئمَّة رَحمهم الله مِنَ الأَرْبَعَةِ وَغيرِهم، هُو مَوقْفُ سَائر الْمُسْلمينَ الْمُنْصِفين مِنْهُمْ، وهُو:
    مُوالاَتُهُمْ، وَمَحبَّتُهُم، وَتَعْظِيْمُهُم، وَإِجْلالُهُمْ،وَالثَّنَاءُ عَليْهم، بِمَا عَليهِ مِنَ العِلْمِ وَالتَّقْوىَ، وَاتِّبَاعُهُمْ فِي العَمَلِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَقْديهمَا عَلَىرَأْيهمْ، وَتَعلُّمُ أَقْوالِهِمْ لِلاسْتِعَانة بِها عَلَى الْحقِّ، وَتَرك مَا خَالَفَ الكتَابَ وَالسُّنَّةَ منْهَا.

    وأمَّا الْمَسائلُ الَّتي لاَ نَصَّ فيْهَا فَالصَّوابُ؛ النَّظَرُ فِي اجْتِهَادهمْ فِيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ اتِّبَاعِ اجْتِهَادهمْ أَصْوَبُ مِن اجْتِهَادنَا لأَنْفُسنَا؛ لأَنَّهُم أَكْثر عِلْماً وتَقْوىً مِنَّا، ولكنْ عَلينا أنْ نَنْظُرَ ونَحْتَاطَ لأَنْفُسِنَا فِي أَقْرَبِ الأَقْوالِ إلَى رِضَى الله، وَأَحْوطِهِا وَأَبْعَدِهَا مِنَ الاشْتِبَاهِ، كمَا قَالَ صلَّى الله عليه وسلَّم (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إلَى مَا لاَ يَريبكَ)...

    وحقيقةُ القَولِ الفَصْلِ فِي الأئمَّة رحمهم الله:
    أنَّهُم مِنْ خِيَارِ عُلَمَاء الْمُسْلمين، وأنَّهُملَيْسُوا بِمَعْصُومينَ مِنَ الْخَطَأ، فَكُلُّ مَا أَصَابُوا فيهِفَلَهُمْ أَجْرُ الاجْتِهَادِ وَأَجْرُ الإِصَابَةِ، وَ مَا أَخْطَأوا فيهِفَهُمْ مَأْجُورونَ فيهِ بِاجْتِهَادِهم مَعْذُورونَ فِي خَطَئِهمْ، فَهُممَأْجُورونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لا يَلْحَقُهُم ذَمٌ وَلاَ عَيْبٌ ولانَقْصٌ فِي ذَلكَ، ولكنْ كتَاب اللهِ وَ سُنَّة نَبيِّه صلَّى الله عليهوسلَّم حَاكمَان عَليهمْ وَعَلَى أَقْوَالِهم كمَا لاَ يَخْفَى:
    فَلاَ تَغْل فِي شَيءٍ مِنَ الأَمْرِ وَاقْتَصِد....كِلاَ طَرَفِي قَصْدِ الأُمُور ذَمِيْمُ
    فَلاتَكُ مِمَّن يَذُمُّهُمْ وَ يَنْتَقِصُهُم، وَلاَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُأَقْوالهم مُغْنِية عَن كتَابِ الله وَسُنَّةِ رَسُولهِ أوْ مُقَدَّمةعَليهمَا".

    ومنْ أمثلَة هَذا الْمَقَام:

    1/ قالَ الحافظُ ابنُ المنذرفي (الأوسط)(1/469) بعدَ أنْ حكَى الْخِلاَفَ فِي مَسألةِ (الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ فِي الوضُوء) قالَ:" وليسَ فِي إنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى العِمَامَةِ حُجَّة؛ لأنَّأحَداً لا يُحيطُ بِجَميعِ السُّنَن، ولعَلَّ الّذي أنكرَ ذَلكَ لَوعَلِمَ بِالسُّنَّةِ لَرَجَعَ إليْهَا، بَلْ غَيرُ جَائزٍ أنْ يظنَّمُسْلِمٌ لَيس مِنْ أَهْلِ العِلمِ غَيرَ ذَلكَ، فَكيفَ مَنْ كَانَ مِنْأهلِ العِلْمِ؟ وَ لاَ يَجوزُ أنْ يُظنَّ بِالقَومِ غَير ذَلكَ.
    وكمَا لَمْ يَضر إنْكَار مَنْ أنكرَ الْمَسحَ عَلى الْخُفَّين، ولَمْ يُوهن تَخَلُّف مَنْ تَخلَّفَ عَنِ القَولِ بِذَلك؛ إذْ أَذِنَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المسحِ عَلَى الْخُفَّينِ، كَذَلك لاَ يُوهنُ تَخلُّفُ مَنْ تَخلَّفَ عَن القَولِ بِإِبَاحةِ الْمَسحِ عَلَى العِمَامَةِ".
    وقال في موضع أيضاً (1/434):"...وإذا ثبتَ الشَّيءُ بِالسُّنَّةِ وَجَبَ الأَخْذُ بهِ، وَلَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ عُذَراً في تَركهِ وَلاَ التَّخلّف عنْهُ".

    2/ قال الحافظُ ابنُ عبدالبرفي (الاستذكار)(1/199) متكلَّماً عن فقهِ حَديثِ (الطُّهُورُ مَاؤُه، الْحِلُّ مَيتته):" وقَد جَاء عن عبدالله بنِ عُمر، وَ عبدالله بنِ عَمرو بن العاص: كَراهية الوضُوء بماءِ البَحْر.
    وليسَ فِي أَحَدٍ حجَّةٌ معَ خِلافِ السُّنَّة".
    وقال في (التمهيد)(16/221) بعد حكايته الإجماع عَلى طُهُوريَّة مَاء البَحْرِ وَجَواز الوضوء به :" إلاَّ ما رُوي عنْ عَبدالله بنِ عُمر بن الخطَّاب و عبدالله بن عمرو بن العاص، فإنَّه روي عنْهُما أنَّهُما كَرِهَا الوضُوء بِمَاءِ البَحْرِ، ولَمْ يُتَابعهما أَحدٌ منْ فُقَهاء الأمْصَارِ عَلَى ذلكَ، و لا عَرَّج عليهِ وَ لاَ التَفَتَ إليه".

    3/ قالَ الحافظُ النَّوويفي (شرح صحيح مسلم)(8/19) عنْد شَرحهِ لِحَديثِ النَّهي عَنْ تَخْصيص يوم الْجُمعة بِصيامٍ وَعَنْ ليْلتَها بقيَامٍ، الَّذي أخرجه مسلمٌ في (صحيحه)، قَالَ:" أمَّاقَولُ مَالكٍ فِي (الْمُوطَّأ): لَم أسْمَع أحداً مِنْ أهْلِ العِلمِوالفِقهِ وَمَنْ بِه يُقْتَدى نَهى عنْ صِيامِ يَوم الْجُمعةِ، وَصِيَامُهُحَسَنٌ، وَقَد رَأيتُ بَعْض أهْلِ العِلْمِ يَصُومُه، وَ أُرَاهُ كَانَيَتَحَرَّاهُ.
    - قَالالنَّووي مُتعقِّباً- فهَذا الَّذي قَالَهُ هُو الَّذي رَآهُ، وَقَدْ رَأىغَيرهُ خِلاَف مَا رَأى هُو، وَالسُّنَّةُ مُقَدَّمةٌ عَلَى مَا رَآهُ هُووَغَيرُهُ.
    وقَدْثَبتَ النَّهيُ عَنْ صَومِ يَوم الْجُمُعةِ؛ فَيتعيَّن القَولُ بهِ،وَمَالِكٌ مَعْذورٌ؛ فإنَّه لَمْ يَبْلُغْه، قَالَ الدَّاوديُّ مِنْأصْحَابِ مَالكٍ: لَمْ يَبْلُغ مَالِكاً هَذا الْحَديث، وَلَو بَلَغهُ لَمْيُخَالفهُ".

    4/ مَسألةُ (وجُوب إحدادِ المرأة عَلَى زَوجها المتوفى)، جاءت نُصوصٌ في السُّنَّة في الصَّحيحين وغيرهما تَدلُّ على ذَلكَ، و نَقل بَعضُ أهل العِلْمِ الإجْمَاعَ عَلَى وُجُوبهِ، ونَقَض بَعْضُهم الإجْمَاعَ بِأنَّهُ قَد رُويَ عَنِ الْحَسن البَصري بأنَّه لا يَرَى وجُوبَهُ، وَتعَّقبه بعضُ أهل العلمَفقالَ:
    ابنُ عبدالبرِّ وَابنُ قُدامةَ و عياض وَ القُرطبي و النَّووي و العيني: بأنَّهُ قَولٌ شَاذٌّ، زادَ ابنُ قُدامة:"وخَالَفَ السُّنَّة"، وَ زَادَ النَّوويُّ :"غريبٌ".
    (الاستذكار) (5/239) و(المغني)(11/284) و(إكمال المعلم) (5/68) و(المفهم)(5/284) و (شرح صحيح مسلم) (10/112) و (عمدة القاري)(3/283).
    وينظر (عمدة القاري)(8/67) و(الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)(8/395).

    قَال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (الفتح)(9/486) بعدَ حِكَاية قَول الحسنِ:" ونَقلَ الْخَلاَّلُ بِسَنَدهِ عَنْ أَحْمَد عَن هُشيمٍ عَنْ دَاودَ عَنِالشَّعبي أنَّه كانَ لاَ يَعْرِفُ الإحْدَادَ.
    قَالَ أَحمدُ: مَـا كَانَ بِالعِرَاقِ أَشدّ تَبَحُّراً مِنْ هَذَين- يعني الحسن والشعبي- قالَ: وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلْيهمَا. أهـ.
    -قالَ الحافظ- ومُخَالفتُهُما لاَ تَقْدحُ في الاحْتِجَاجِ، وَ إنْ كانَ فيْهَا رَدٌّ عَلى من ادَّعى الإجْمَاعَ، وَ فِي أثَرِ الشَّعبي تعقُّبٌ علىَ ابنِ المنذرِ حَيثُ نَفى الْخَلاَفَ فِي المسألةِ إلاَّ عَن الْحَسنِ".

    وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه وسلَّم.

    يتبع بحول الله تعالى

    وكتب
    عبدالله بن عبدالرحيم البخاري
    15/ صفر/ 1430هـ

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    رد: أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى الشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري

    أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ/ الحلقة الرَّابعة


    الشيخ عبدالله بن عبدالرحيم البخاري-
    رساله خاصة للادارةأهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ/ الحلقة الرَّابعة بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
    الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
    فهذه هي النُّقطةُ:
    الرَّابعة: ذكرُ بَعض الأُمُورِ الَّتي يَنْبِغي تَوفّرهَا فِيْمنْ يَتَولَّى الرَّدَّ عَلَى الْمُخَالِفِ؟
    إنَّ بيانَ الْحَقِّ لِلْخَلْقِ وَالرَّدَّ عَلَى البَاطِلِ وَأهلهِمُهمَّةٌ عَظيمةٌ، قَامَ بها أنْبياءُ الله وَ رسُله، ومنْهُمْ خَاتِمُهُمْعَليهم الصَّلاةُ والسَّلام، وَ وَجَبَ على أهْلِ العِلْمِ بَعْدَهُمِمَّن وَرثوا عِلْمَ النُّبوة أنْ يَقُوموا بِهَذَا الوَاجبِ، وَ مَنْتَمَكَّن مِنْ طُلاَّبِ العِلْمِ الْمُؤَهَّلين مِمّن اسْتَجمعَ الآليةوالأهليَّة، وَ أقلُّ الأحْوَال أنْ يكونَ كذلكَ: فِي الْمَسْألةِ الَّتييَتكلَّم فيهَا لأنَّه؛ قَدْ يُجَادِلُ العَاميُّ وَ المبتدئُالْمُخَالِفَ، فَيْعَجَزُ عَنْ إقَامَةِ البُرْهَان عَلى صِحَّة قَولهِ وَبُطْلان قَولِ الْمُخَالِف، فَيَضُرُّ وَ لاَ يَنْفَعُ، وَلاَ يَخْفَى مَالِهَذا الأَمْرِ مِنْ أَثرٍ عَكسيّ علَى العَامَّة؛ لِظنِّهم بُطْلانمَقالتهِ بِسَببِ عَدَمِ قيَام الدَّليلِ عَلَى بُطْلاَن قَولِالْمُخَالِفِ، وَ مِنْ ثَمَّ تَظْهَر مَقُولَة الْمُخَالِفِ أنَّها حقٌّ وَصَوابٌ، وَلاَ حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِالله.

    لذا عَدَّدَ الإمامُ السِّجزيُّ في (الرَّدِّ عَلَى مَنْ أنكر الحرفوالصَّوت)(ص 85-87)أَحَدَ عَشَر فَصْلاً ثُمَّ قَالَ :" فَجَمِيْعُ مَاذَكْرتُ أنَّ بِكَ حَاجة إليهِ عنْد الرَّد عَليهم، أَحَد عَشرَ فَصْلاًمَنْ أَحْكَمَهَا تَمَكَّنَ مِنَ الرَّدِّ عَليهم، إذَا سَبَقَ لَهُالعِلْم بِمَذْهَبهِ وَمَذْهَبهمْ.
    وَأمَّا العاميُّ وَالمبتدئُ سَبِيلهمَا أنْ لاَ يُصْغِيَا إلَىالْمُخَالِفِ، ولا يَحْتَجَّا عَليهِ؛ لأنَّهمَا إنْ فَعَلاَ خِيْفَعَليهمَا الزَّلل عَاجِلاً وَ الانْفِتَال آجلاً".

    لذَا فإنِّي أُذَكِّرُ هُنا ببعضِ الأُمُورِ الَّتي لابُدَّ مِنْ تَوفُّرها في الرَّادِّ، وهي:

    1/
    العِلْمُ الصَّحِيْحُ الْمَبْنِي عَلَى الوَحْيَين بِفَهْم السَّلفِ رَضي الله عنهم.
    وهذا مطلبٌ أساس، لا مَعدلَ عنْه لِمَنْ رَامَ بَيَانَ الْحَقّ لِلْخَلقِ،وَرَدّ البَاطلِ وَدَحْض شُبه أَهْلهِ، وَفُقْدَانُهُ فُقْدانٌ للسِّلاَحِالَّذي به يُدَافِعُ وَيُنَاضِلُ، قَال الحافظ صالح بن مهران الشيباني:" كُلُّ صاحب صناعةٍ لا يقدر أن يعمل في صناعته إلاَّ بآلةٍ، وآلةُ الإسلامالعلم" (طبقات المحدثين بأصبهان)(2/216).

    وقَدْ ذمَّ الله - وحذَّر- القَولَ بِغَيْر عِلْمٍ وَلاَ هُدَىً ولا كتَابٍمنير، فقال َالله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِبِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) (الحج:3).
    قال العلاَّمة السَّعديُّ في (التفسير)(ص 573):" ومنَ النَّاسِ طَائفةٌ وَفِرْقَةٌ، سَلَكُوا طَريقَ الضَّلالِ، وَ جَعلُوا يُجَادِلُون بِالبَاطِلالْحقَّ، يُريدونَ إِحْقَاقَ البَاطلِ، وَإبْطَالَ الْحقِّ، وَالْحَالُأنَّهُم: فِي غَايَةِ الْجَهْلِ، مَا عنْدَهُم مِنَ العِلْمِ شَيءٌ،وَغَايةُ مَا عنْدَهُم تَقليد أئمَّة الضَّلال، مِنْ كُلِّ شَيطانٍ مَريدٍ،مُتَمَرِّدٍ عَلَى الله وَ عَلَى رُسُلهِ، مُعَانِدٍ لَهُم، قَد شَاقاللهَ وَ رَسُولَهُ، وَصَار مِنَ الأئمَّة الَّذين يَدْعُونَ إلَىالنَّار".

    وقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (الحج:8)
    قَال الحافظُ ابنُ كثير في (التفسير)(3/218):" أي بِلاَ عَقْلٍ صحيحٍ، ولا نَقْلٍ صَريحٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ الرَّأي والْهَوى".
    وقال العلاَّمة السعدي في (التَّفسير)(ص 574):" أيْ يُجادِلُ رُسُلَ اللهِوَأَتْباعَهُمْ بِالبَاطلِ؛ لِيُدْحِضَ بِه الْحقَّ. (بِغَيْرِ عِلْمٍ) صَحيحٍ، (وَلاَ هُدىً) أي: غَير مُتَّبعٍ فِي جِدَالهِ هَذا مَنْ يَهديهِ،لاَ عَقْلٍ مُرْشِد، وَلاَ مَتْبوع مُهْتدٍ. (وَلاَ كِتَابٍ مُنِير) أي: واضحٍ بَيِّن، فَلاَ حُجَّة عَقليَّة وَلاَ نَقْلِيَّة، إنْ هِي إلاَّشُبُهات يُوحيهَا إليه الشَّيطان".

    قال الإمامُ شيخ الإسلام ابن تيميَّة:" كُلُّ مَنْ جَادلَ فِي اللهِبِغَيرِ هُدىً وَلاَ كِتَابٍ مُنيرٍ؛ فَقَدْ جَادَلِ بِغَيرِ عِلْمٍ" (درءتعارض العقل والنقل)(5/265).

    ومِنْ مَقَالاتِ الأئمَّة فِي هَذهِ النقطة، ما يلي:

    أ/ قال الإمامُ الآجريُّ في (أَخْلاَق العُلماء)(ص 62-63) تَحتَ فَصلٍعَقدهُ بعُنوان (صِفَةُ مُنَاظَرَةِ هَذا العَالِمِ إذَا احْتَاجَ إلَىالْمُنَاظَرةِ):" وَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أنَّه رُبَّما احْتَجَّأَحَدُهما بِسُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عَلَىخَصْمهِ؛ فَيَرُدّها عليهِ بِغَيْرِ تَمَيْيزٍ، كُلُّ ذَلكَ يَخْشَى أنْتَنْكَسِرَ حُجَّتهُ، حَتَّى إنَّه لعلَّه أنْ يَقُولَ بِسُنَّةٍ عَنرَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثَابِتَةٍ فَيَقُولُ: هَذَا بَاطِلٌ،وهَذَا لاَ أَقُولُ بِهِ، فَيَرُدَّ سُنَّةَ رَسُولِ الله صلَّى الله عليهوسلَّم بِرَأْيهِ بَغْيرِ تَمْييزٍ.
    وَمِنْهم مَنْ يَحْتَجُّ فِي مَسألةٍ بِقَولِ صَحابِيٍّ؛ فَيَرُد عليهِخَصمهُ ذَلكَ وَلاَ يَلْتَفت إلَى مَا يُحْتَجُّ عَليهِ، كُلُّ ذَلكَنُصْرَة منْه لقولهِ، لاَ يُبَالِي أنْ يَردَّ السُّنَنَ وَالآثَار".

    ب/ قال الإمامُ ابنُ بطة العُكبري في (الإبانة الكبرى)(2/540-541):"... اعْلَم يَا أخِي- رحَمك الله- أنَّ الَّذي تُبْلَى بهِ مِنْ أهْلِ هَذاالشَّأن لَنْ يَخْلُو أنْ يكُونَ واحِدَاً مِنْ ثَلاثة:

    إمَّا رجُلاً قَدْ عَرَفْتَ حُسْنَ طَريقتهِ وَجَميلَ مَذْهبهِ وَمَحبَّتهِللسَّلاَمَةِ وَقَصده طَريق الاسْتِقَامة، وَإنَّما قَدْ طَرَقَ سَمْعَهمِنْ كَلام هَؤلاء الَّذين قَدْ سَكَنَت الشَّياطِينُ قُلُوبَهُم، فهَيتَنْطِقُ بِأَنْواعِ الكُفْر عَلى ألسِنَتِهمْ، وَليس يَعْرِفُ وجْهَالْمَخْرَجِ مِمَّا قَدْ بُليَ بِهِ، فَسُؤُالُهُ سُؤَال مُسْتَرشِدٍيَلْتَمِسُ الْمَخْرَجَ مِمَّا بُلِيَ بهِ، وَالشِّفَا مِمَّا أُوذِيَ ... (بياضٌ في الأصل). . . إلَى عِلْمِكَ حَاجته إليْكَ حَاجَةَ الصَّادي إلىالْمَاءِ الزلاَل، وَ أنتَ قَد اسْتَشعرتَ طَاعتَهُ وَ أَمِنْتَمُخَالفتهُ؛ فَهَذا الَّذي قَد افْتُرِضَ عَليكَ تَوفيقهُ وَ إرْشَادهُمِنْ حَبَائِلِ كيْدِ الشَّياطين، وليَكُن مَا تُرْشِدُه بِه، و تُوقفهُعَليهِ مِنَ الكتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآثَار الصَّحيحةِ مِنْ عُلمَاءالأُمَّة منَ الصَّحَابة والتَّابعين، وَكُلّ ذَلك بالْحِكْمَةوَالْمَوْعِظَةِ الْحَسنَةِ.
    وَ إيَّاكَ وَالتَّكَلُّف لِمَا لاَ تَعْرفهُ، وَتَمَحُّل الرَّأي،والغَوصَ عَلى دَقِيقِ الكَلامِ؛ فَإنَّ ذَلكَ مِنْ فِعْلكَ بِدْعة، وَإنْكُنتَ تُريدُ به السُّنَّة، فَإنَّ إِرَادَتَكَ لِلْحَقِّ مِنْ غَيْرِطَريقِ الْحَقِّ بَاطِل، وَكَلامَكَ عَلَى السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِالسُّنَّةِ بِدْعَة. وَلا تَلتَمس لصَاحبك الشِّفَاء بِسُقْمِ نَفْسكَ،وَلا تَطْلب صَلاحَهُ بِفَسَادِكَ؛ فإنَّه لاَ يَنْصَحُ النَّاسَ مَنْغَشَّ نَفْسَهُ، وَمَنْ لاَ خَيْر فيهِ لِنَفسهِ لاَ خَيْرَ فِيهِلِغَيرهِ، فَمَن أَرَادَ اللهُ وفَّقَهُ وَسَدَّدهُ ، وَمَن اتَّقَى اللهأَعَانَهُ وَنَصَرَهُ ".

    ج/ قَالَ شيخُ الإسلام ابن تَيميَّة في (درء تَعارض العَقلوالنَّقل)(6/210-21) :" الرَّدُّ علَى أهلِ البَاطلِ لا يكونُ مُستوعباًإلاَّ إذا اتُّبعت السُّنَّة منْ كُلِّ الوجُوه، وإلاَّ فمَنْ وَافقالسنَّة مِنْ وَجهٍ وَخَالَفَهَا مِنْ وَجْهٍ، طَمع فيهِ خُصومه مِنَالوَجْهِ الَّذي خَالفَ فيه السُّنَّة، واحْتجوا عليه مَا وافقهم عليه منْتِلك المقدِّمات المخالفةِ للسُّنَّةِ.
    وقَد تَدبَّرتُ عامَّة ما يَحْتجُّ به أهْل البَاطِل عَلَى مَنْ هو أَقْربإلى الْحَقِّ منْهم، فَوجدتُّه إنَّما تَكُونُ حُجَّة البَاطل قويَّةلِمَاتَركوه مِنَ الْحَقِّ الَّذي أَرْسَلَ الله به رَسُوله وأَنْزَل بهكتَابه، فَيَكُون مَا تَركُوهُ مِنْ ذَلك الْحَقّ مِنْ أَعْظم حُجَّةِالْمُبْطِل عَليهم..".

    وقال أيضاً كما في (المجموع)(3/245):" ومما يجبُ أن يعلم أنَّ الذي يريد أنينكر على النَّاس ليس له أنْ ينكر إلاَّ بِحُجَّةٍ وَبَيَانٍ..".

    وقالَ أيضاً في (الرَّدِّ على المنطقيين)(ص 273):" فليسَ لأحدٍ أنْيتَكلَّم بِلاَ عِلْمٍ، بَلْ يُحْذَرُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِيالشَّرْعِيَّات بِلاَ عِلْمٍ، وفي العَقليَّات بِلاَ عِلْمٍ؛ فَإنَّ قوماًأرَادُوا بِزَعْمِهم نَصر الشَّرعِ بِعُقُولِهم النَّاقِصة وَأَقْيِسَتِهِمُ الفَاسِدة، فَكان مَا فَعلوه مِمَّا جَرَأَ الْمُلْحِدينَأَعْدَاء الدِّين عليهِ، فَلاَ لِلإسْلاَمِ نَصَرُوا، ولاَ لأَعْدَائهِكَسَرُوا ".

    وقال فيه أيضاً (ص 536-537):" ولَهذا كَانت مُنَاظرة كَثيرٍ مِنْ أهْلالكَلاَمِ لَهُمْ مُنَاظرة قَاصرة، حيثُ لَم يَعرف أولئك حَقيقةَ مَا بَعثَالله به رُسُلَه، وَ أَنْزلَ بِه كُتُبه، وَمَا ذمَّهُ مِنَ الشِّركِ،ثُمَّ يَكْشِفُون بِنُور النُّبوَّةِ مَا عنْدَ هَؤلاء مِنَ الضَّلاَلِ،كمَا نَاظَرهم الشَّهْرستاني في كتاب (الملل والنحل) لِمَّا ذَكر فَصْلاًفِي الْمُنَاظَرةِ بَيْن الْحُنَفَاءِ وَبَيْنَ الصَّابِئَةِ الْمُشْركين؛فَإنَّ الْحُنَفَاءَ يَقولون: بِتَوسُّط البَشَرِ، وَ أولئكَ يَقُولونُبِتَوسُّط العُلْويَّات، فأخذَ يُبَيِّنُ أنَّ القَولَ بِتَوسُّط البَشَرِأَوْلَى مِنَ القَولِ بِتَوسُّطِ العُلُويَّات.
    ومعْلُومٌ أنَّه إذَا أخذَ التَّوسُّط عَلى مَا يَعْتَقِدُونَهُ فِيالعُلويَّات كَانَ قَولهم أَظْهر، فَكَانَ رَدُّه عَليْهم ضَعيفاً؛لِضَعْفِ العِلْمِ بِحَقيْقَةِ دِيْنِ الإسْلاَمِ...".

    وقال أيضاً في (درء تعارض العقل والنقل)(1/357):" كُلُّ مَنْ لَمْ يُنَاظِرأَهْلَ الإلْحَادِ وَالبِدَعِ مُنَاظَرةً تَقْطَعُ دَابِرَهُم، لَمْيَكُنْ أَعْطَى الإسْلاَمَ حَقَّه، وَ لاَ وفَّى بِمُوجِبِ العِلْمِوَالإيْمَانِ، وَلاَ حَصَلَ بِكَلاَمهِ شِفَاءُ الصُّدُورِ وَطُمَأنِيْنَةالنُّفُوس، ولاَ أَفَادَ كَلامهُ اليَقِيْن".

    وَقَدْ عِيْبَ عَلَى بَعْضِهم أنَّه:" كَانَ يُقَرِّرُ فِي مَسَائل كَثِيرةمَذاهبَ الْخُصُومِ وَشُبَهَهم بِأَتَمِّ عِبَارَةٍ، فَإذَا جَاء إلَىالأَجْوبَةِ اقْتَنَعَ بِالإِشَارَةِ " قالَه العَلاَّمة أبو شامة في (ذيلالروضتين)(ص 68).


    2/
    التَّجرُّد لله في ردِّه، بِأَنْ يَكُون القَصْد وَالْمُراد إظهار الحقِّ والوصول إليه، لا الْمُغَالبة وَالْمُخَاصمة.
    الانتصارُ لِلحقِّ وَبَيانُهُ، وَدَحْضُ البَاطِلِ وَردّه، هُو المقصدُوَالْمُرادُ لِمَنْ أبَانَ الْحقَّ وردَّ الباطل، وقِيَام المرءِالْمُتَّقي بِذَلك إنَّما هُو للهِ لاَ لِحظٍّ فِي النَّفس أو المغالبةونَحوها.
    ومعلومٌ أنَّ الشَّيطانَ حَريصٌ كُلَّ الْحِرصِ عَلى أنْ يُفْسِدَالنِّيَّةَ مِنْ إخْلاَصهَا لِبَارِئهَا، فَعَلَى المرءِ أنْ يَتَذكَّردَوْماً أنَّ مَا يَقُومُ بهِ فِي هَذا الْمَقَامِ إنَّمَا هُو قُرْبَةٌيَتَقرَّب بها للهِ، وَ القُرَبُ لا يَقْبَلُها اللهُ إلاَّ إنْ كَانَتْلَه خَالصة (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)(الزمر: من الآية3).

    ومنْ مَقَالات الأئمة في هذا المقام:

    أ/ قولُ الإمامِ الآجريُّ في (أخلاق العُلماء)(ص 62-63) و قَدْ سَبَقَ فِي (النُّقْطة الأولى)، وَلا يَمْنَعُ مِنْ تِكراره لفائدتهِ قال:" وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أنَّه رُبَّما احْتَجَّ أَحَدُهما بِسُنَّةٍعَنْ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عَلَى خَصْمهِ؛ فَيَرُدّها عليهِبِغَيْرِ تَمَيْيزٍ، كُلُّ ذَلكَ يَخْشَى أنْ تَنْكَسِرَ حُجَّتهُ،حَتَّىإنَّه لعلَّه أنْ يَقُولَ بِسُنَّةٍ عَن رَسُولِ الله صلَّى اللهعليهوسلَّم ثَابِتَةٍ فَيَقُولُ: هَذَا بَاطِلٌ، وهَذَا لاَ أَقُولُبِهِ،فَيَرُدَّ سُنَّةَ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بِرَأْيهِبَغْيرِتَمْييزٍ.
    وَمِنْهم مَنْ يَحْتَجُّ فِي مَسألةٍ بِقَولِ صَحابِيٍّ؛ فَيَرُد عليهِخَصمهُ ذَلكَ وَلاَ يَلْتَفت إلَى مَا يُحْتَجُّ عَليهِ، كُلُّ ذَلكَنُصْرَة منْه لقولهِ، لاَ يُبَالِي أنْ يَردَّ السُّنَنَ وَالآثَار".

    ب/ قالَ الإمامُ ابنُ بطة العُكبري في (الإبانة الكبرى)(2/541-542):"... اعْلَم يا أخي - رَحِمك الله- أنَّ الَّذي تُبلْى بِهِ مِنْ أَهْلِ هَذاالشَّأن لَنْ يَخْلُو أنْ يكونَ واحداً مِنْ ثَلاثة...
    وَ رَجُلٌ آخَر يَحْضُر فِي مَجْلسٍ أَنْتَ فِيْهِ حَاضِرٌ تَأْمَنُ فِيْهِعَلَى نَفْسِكَ، وَيَكْثر نَاصِروكَ وَمُعِيْنوكَ، فَيَتَكلَّمُ بِكَلامٍفِيْه فِتْنة وَبَليَّةٌ عَلَى قُلوبِ مُسْتَمعيهِ؛ لِيُوقعَ الشَّكَّفِيالقُلوبِ، لأنَّهُ هُو مِمَّنْ فِي قَلبهِ زَيغٌ يَتَّبعُالْمُتَشَابِهِابْتَغَاءَ الفِتْنَةِ وَالبِدْعَةِ، وَقَد حَضرَ مَعَكَمِنْ إِخْوَانِكَوَأهْلِ مَذْهَبكِ مَنْ يَسْمعُ كَلاَمهُ ، إلاَّ أنَّهُلاَ حُجَّةَعِنْدَهُم عَلَى مُقَابَلتِهِ، وَلاَ عِلْمَ لَهُمبِقَبِيْحِ مَا يَأتِيبِهِ، فَإنْ سَكَتَّ عَنْهُ لَمْ تَأْمَنْفِتْنَتَهُ بِأنْ يُفْسِدَ بِهَاقُلُوب الْمُسْتَمِعينَ، وَ إدْخَالِالشَّكِّ عَلَى الْمُسْتَبصِرِين،فَهَذا أيضاً مِمَّا تَرُدُّ عَليهِبِدْعَتَهُ، وَ خَبيثَ مَقَالتِهِ،وَتَنْشُرُ مَا علَّمَكَ اللهُ مِنَالعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ.
    وَ لاَ يَكُن قَصْدكَ فِي الكَلاَمِ خُصُومتهُ وَلاَ مُنَاظَرتهُ،وَليَكُنْ قَصْدُكَ بِكلامكِ خَلاَص إخْوَانِكَ مِنْ شَبكتِهِ، فَإنَّخُبَثَاءَ الْمَلاَحِدةِ إنَّمَا يَبْسُطُونَ شِبَاك الشَّيَاطين؛لِيَصِيْدُوا بِهَا الْمُؤْمِنين، فَلْيَكُن إِقْبَالكَ بِكَلاَمكَ،وَنَشْر عِلْمِكَ وَحِكْمَتِك، وَبِشْرِ وَجْهِكَ، وَفَصيحِ مَنْطِقكَعَلَى إخْوَانِكَ، وَمَنْ قَدْ حَضَرَ مَعكَ لاَ عَليهِ، حَتَّى تَقْطَعَأُوَلئكَ عَنْهُ، وَتَحُول بَيْنَهُم وَبَيْنَ اسْتِمَاعِ كَلاَمهِ، بَلْإنْ قَدرتَ أنْ تَقْطَعَ عَليهِ كَلاَمَهُ بِنَوعٍ مِنَ العِلْمِ تُحَوِّلُبِهِ وُجُوهَ النَّاسِ عَنْهُ، فَافْعَلْ...".

    ج/ قَالَ الإمَامُ السِّجزيُ في رسالتهِ ( الرَّد على مَنْ أَنْكَرَالْحَرْفَ والصَّوت) (ص 235): " وَ ليَكُنْ قَصد مَنْ تكلَّم في السُّنَّةاتَّباعها وقَبُولها لاَ مُغَالَبةالْخُصُوم، فَإنَّه يُعَانُ بذلكَعَليهم، وإذَا أرَادَ الْمُغَالبة رُبَّما غُلِبَ".

    د/ قالَ العلاَّمة الشَّاطبي في (الاعتصام)(2/236-237):"..وأمَّا ذُوالزَّيغِ، فَإنَّ هَواهُ لاَ يُخلِّيه إلَى طَرحِ الْمُتَشابِه، فَلاَيَزالُ فِي جِدَالٍ عليهِ وَطَلبٍ لِتَأويلهِ، وَيَدلُّ عَلى ذَلكَ أنَّالآيةَ نَزلَتْ فِي شَأنِ نَصَارى نَجْران، وَ قَصْدهم أنْ يُنَاظِرُوارَسُولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فِي عِيْسى بنِ مَرْيم عَليهماالسَّلام...والْحَاصلُ أنَّهُم إنَّما أَتَوا لِمُنَاظَرةِ رَسُولِ اللهصلَّى الله عليه وسلَّم وَمُجَادلتهِ، لاَ يَقْصِدُوَن اتِّباعَ الْحَقِّ.
    والْجِدَالُ عَلَى هَذا الوَجْهِ لاَ يَنْقَطِعُ... وشأنُ هَذا الْجِدالِأنَّهُ شَاغِلٌ عَنْ ذِكْرِ الله وعَنِ الصَّلاَةِ، كالنَّرد وَالشَّطَرنْجِ وَغَيرهما..".

    هـ/ قال العلاَّمة ابنُ النَّجَّارِ في (شَرحِ الكَوكب المنير)(3/361) نَقْلاً عن أبِي مُحمَّد الجوزي أنَّه قالَ:" أَوَّلُ مَا تَجِبُالبُدَاءَةُ بِهِ: حُسْنُ القَصْدِ فِي إظْهَارِ الْحقِّ، طَلباً لِمَاعِنْدَ الله تعالى، فَإنْ آنسَ مِنْ نَفسهِ الْحَيْدَ عَن الغَرَضِالصَّحيحِ فَلْيَكُفها بِجهدهِ، فَإنْ مَلَكهَا، وَإلاَّ فَلْيَتْرُكِالْمُنَاظرةَ فِي ذَلكَ الْمَجْلِس..".

    وقالَ (3/364):" فأمَّا إذَا كانَ الْجَدَلُ عَلى وَجْهِ الغَلَبَةِوَالْخُصُومَةِ وَالغَضَبِ وَ وَجْهِ الْمِرَاءِ...فَمُزيلٌ عَنْ طَريقِالْحقِّ، وَإليهِ انْصَرفَ النَّهي عَنْ (قِيْلٍ وقَال)..".

    و/ قال العلاَّمة الشَّوكاني في (أدبِ الطلب)(ص 81):" وكثيراً مَا تَجِدُالرَّجُلين الْمُنْصِفَين مِنْ أَهْلِ العِلْمِ قَد تَبَاريَا فِي مَسألةٍوَ تَعارضَا فِي بَحثٍ، فَبَحثَ كُلُّ وَاحدٍ مِنْهُما عَنْ أَدِلَّةِ مَاذَهبَ إليْهِ، فَجَاءَا بِالْمُتَردِّيَةِ وَ النَّطِيْحَةِ، عَلى عِلْمٍمِنْهُ بِأنَّ الْحقَّ فِي الْجَانِبِ الآخَر، و أنَّ مَا جَاء بهِ لاَيُسْمِنُ وَ لاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ.
    وَهَذا نَوعٌ مِنَ التَّعَصُّبِ دَقِيقٌ جدَّاً يَقَعُ فِيْهِ كَثيرٌ مِنْأهْلِ الإنْصَافِ، ولا سيَّمَا إذَا كانَ بِمَحْضر النَّاسِ، وَ أنَّه لايَرْجِعُ الْمُبْطِلُ إلَى الْحقِّ إلاَّ فِي أَنْدَرِ الأَحْوَالِ،وَغَالب وقُوع هَذا فِي مَجَالسِ الدَّرْسِ وَمَجامعِ أهْلِ العِلْمِ".

    3/
    العَدْلُ.
    إنَّ الله عزَّ في عُلاه حَكَمٌ عدلٌ، حرَّم الظُّلمَ علىَ نَفْسهِوَجَعَلهُ بَيْنَ عِبَاده مُحرَّماً، لذَا فَإنَّ الظُّلم مُحَرَّمٌ علَىالإطْلاَقِ، وأنَّ الواجبَ القيام بِضدِّه ألاَ وَهُو (العَدْلُ)، لأنَّ:" الإنْسَانَ خُلقَ ظَلوماً جهولاً، فالأصلُ فيه عدَمُ العِلْم، وميلُه إلىما يَهْواهُ مِنَ الشَّرِّ، فيَحْتَاجُ دائماً إلى عِلْمٍ مُفصَّلٍيَزُولُبه جَهلهُ، وَ عَدلٍ فِي مَحبَّته وبُغضهِ وَ رضاهُ وغضبهِ،وفعلهِوَتركهِ وَ إعطائهِ وَمنعهِ، وَ كُلّ ما يَقُولهُ وَيَعْملهُيَحْتاجُ فيهِإلَى عَدْلٍ يُنَافِي ظُلمه، فإنْ لَمْ يَمُنّ اللهُ عليهِبِالعِلْمِالْمُفَصَّل والعَدْلِ الْمُفَصَّل، وإلاَّ كانَ فيهِ مِنَالْجَهْلِوَالظُّلمِ مَا يَخْرُجُ به عَن الصِّراط الْمُسْتَقيم".
    قَاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (قاعدة في أنواع الاستفتاح في الصلاة)(ص40).

    و لَمَّا كانَ بَيانُ الْحَقِّ لِلْخَلْقِ وَالرَّد عَلى البَاطلِ مُهمَّةشَريفة نَبيلة؛ فَإنَّ ذلكَ لاَ يُبِيْحُ ظُلْمَ الْمَرْدُودِ عليهِ وَلَوكَانَ كَافراً!! وعَلَى هَذا الْميزان العَدل قَامَ أَهْلُ السُّنَّةِفِيرُدُودِهم عَلى الْمُخَالِفينَ، بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ.



    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى الشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري

    تتمة

    قالَ شَيخُ الإِسْلاَمِ ابنُ تيميَّة في (الرَّد على الإخنائي) (ص 242):" وهَذَا كلُّه مِمَّا نَهى عنْهُ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فِيالأَحَاديثِ الصَّحيحةِ، فَكَيْفَ يُشبَّهُ مَا نَهَى عَنْهُ وَحَرَّمَهُبِمَا سَنَّهُ وَفَعَلهُ؟ وَهَذا الموضعُ يَغْلَطُ فيْهِ هَذاالْمُعْتَرِضُ وأمثاله، لَيسَ الغَلَطُ فِيْهِ مِنْ خَصَائصهِ، وَنَحْنُنَعْدِلُ فيْهِ وَنقصدُ قَول الْحقِّ والعَدْل فيهِ كمَا أمر الله تَعالى،فإنَّه أمرَ بِالقِسْطِ علَى أعدائِنَا الكُفَّار، فَقَالَ سُبْحَانَهُ (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْشَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُلِلتَّقْوَى)- (المائدة: من الآية8)-، فكَيْفَ بِإخْوانِنَا الْمُسْلِمينَ،وَالْمُسْلمونَ إِخْوةٌ، واللهُ يَغفرُ لَهُ ويُسدِّده، ويوفّقهُ وَ سائرإخْواننَا الْمُسْلِمينَ".

    وقَالَ أيضاً كما في (مجموع الفتاوى)(3/245):"..هَذا وأنَا فِي سِعَةِصَدْرٍ لِمَن يُخَالفني، فإنَّهُ وَإنْ تَعدَّى حُدُود الله فِيَّبِتَكْفِيرٍ أو تَفْسيقٍ أوْ افْتَراءٍ أو عَصبيَّةٍ جَاهليَّةٍ: فَأنَالاَ أَتَعَدَّى حُدُودَ الله فيهِ، بَلْ أضْبِطُ مَا أَقُولهُ وَ أَفعلهُ،وَ أَزنُهُ بِمَيزانِ العَدْلِ، وَأجعلهُ مُؤْتَماً بالكتَابِ الَّذيأنزلَهُ الله، وَجَعَلهُ هُدىً للنَّاسِ، حَاكماً فيْمَا اخْتَلَفُوا فيهِ،قالَ الله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُالنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَبِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)- (البقرة: من الآية213)-، وقال تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍفَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) -(النساء: من الآية59)- وقالتعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَامَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)- (الحديد: من الآية25)-، وذلك أنَّك ما جزيتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيعالله فيه (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْمُحْسِنُونَ) - (النحل:128)-، وقال تعالى( وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوالا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَمُحِيطٌ)- (آل عمران: من الآية120)-".

    ومن المقالات في هذه النقطة زيادةً على ما سبقَ:

    أ/ قال شيخُ الإسلام ابن تيميةفي (الجواب الصِّحيح)(1/107-108):" ولَمَّاكَانَ أَتْبَاعُ الأنَبياء هُم أهْلُ العِلْمِ وَالعَدْلِ، كانَ كَلام أهْلالإسلامِ وَالسُّنَّةِ مَعَ الكُفَّارِ وَأهلِ البِدَعِ بِالعِلْمِوَالعَدْلِ لاَ بِالظَّن و مَا تَهوىَ الأَنْفُس، ولِهَذا قالَ النَّبيُّصلَّى الله عليه وسلَّم (القُضَاةُ ثلاثةٌ..)، فإذَا كانَ مَنْ يَقْضيبَيْنَ النَّاسِ فِي الأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالأَعْرَاضِ إذَا لَمْيَكُن عَالِمَاً عَادِلاً كَانَ فِي النَّارِ، فَكَيفَ بِمَنْ يَحْكُمُ فِيالْمِلَلِ وَالأَدْيَانِ وَأُصُول الإيْمَانِ وَالْمَعَارِفِ الإلهيّةوَالْمَعالِمِ العَليّة بِلاَ عِلْمٍ وَلاَ عَدْلٍ؟".

    وقال أيضاً في (الرَّدِّ على الإخنائي)(ص 110):" وليسَ الْمَقْصُودُأيْضَاً العُدْوانُ عَلَى أَحَدٍ- لاَ الْمُعْتَرِضِ وَلا غَيرِهِ- وَ لاَبَخْسِ حَقِّه وَلاَ تَخْصيصهِ بِمَا لاَ يَخْتَصُّ بِهِ مِمَّا يَشْركهُفِيْهِ غَيرهُ، بَلْ الْمَقُصود الكَلاَم بِمُوجبِ العِلْمِ وَ العَدْلِوَالدِّيْنِ كمَا قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُواقَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُقَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُلِلتَّقْوَى)-(المائدة: من الآية8)-".

    ب/ قَالَ الإمامُ ابنُ رجبٍ الحنبلي في (جامع العلوم والحكم)(1/372) شارحاًحديث (لا تَغْضَبْ) عنْدَ البُخاريّ، قَال:" وكَانَ مِنْ دُعَائهِ صلَّىالله عليه وسلَّم (أَسْأَلُكَ كَلِمةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ وَالرِّضا)،وهَذا عَزيزٌ جدَّاً، وهو أنَّ الإنْسَانَ لاَ يَقُولُ سِوى الْحَقِّسَواءغَضِبَ أو رضيَ، فإنَّ أكثرَ النَّاسِ إذَا غضبَ لا يَتَوقَّففِيْمَايَقُولُ".

    ج/ قال الإمامُ ابنُ القيم في (إعلام الموقعين)(3/106-107):"... واللهُتعالى يُحبُّ الإنْصَافَ، بَلْ هُو أَفضلُ حِليةٍ تَحلَّى بِهَا الرَّجُل،خُصوصاً مَنْ نَصَّبَ نَفْسه حَكَماً بَين الأَقْوالِ وَالْمَذاهبِ، وقَدقالَ الله تعالى لرسوله (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ )-(الشورى: منالآية15)- فَورثَةُ الرَّسُولِ مَنْصبهمْ العَدل بَيْنَ الطَّوائف و ألاَّيَميلَ أَحَدهُم مَعَ قَريبهِ وَذَوي مَذْهبهِ وَطَائفتِهِ وَمَتْبُوعهِ،بَلْ يَكُونُ الْحَقّ مَطْلوبهُ، يَسِيْرُ بِسيرهِ،وَيَنْزِلُ بِنُزُولهِ،يَدينُ بدينِ العَدْلِ وَالإنْصَافِ وَيَحْكِّمُالْحُجَّة، وما كانَعليهِ رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّموأَصْحَابُهُ؛ فَهُو العِلْمُالَّذي قَد شَمَّر إليهِ، وَ مَطْلُوبُهُالَّذي يَحومُ بِطَلبهِ عليهِ، لايثْني عنَانهُ عَذْل عَاذلٍ، وَلاتَأْخذه فيهِ لَومَةُ لائِمٍ، وَلاَيَصدُّه عَنْهُ قَولُ قَائلٍ".

    وقالَ كَلاماً نفيساً جدَّاً في (الرِّسَالة التَّبوكيَّة)(ص 58-64):" ومِنَ العَجبِ أنْ يَدَّعِي حُصُولَ هَذه الأَوْلويَّة وَالْمَحبَّةالتَّامَّةِ مَنْ كَانَ سَعيهُ وَاجْتِهادهُ وَنَصَبهُ فِي الاشْتِغَالِبِأقْوالِ غَيرهِ- أيْ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- وتَقْرِيرِهَا،والغَضَبِ وَالْمَحبَّةِ لَهَا، وَ الرِّضَا بِها وَ التَّحَاكُمِ إليْهَا،وَعَرْضِ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ عَليهَا، فَإنْ وَافَقهَا قَبِلهُ،وَإنْخَالفهَا التَمَسَ وُجُوه الْحِيَلِ وَبَالَغَ فِي رَدِّهِ ليَّاًوإعْراضاً، كمَا قال تعالى (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّاللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)-(النساء: من الآية135)-.
    وقدْ اشْتَملت هَذه الآية علَى أَسْرَار عَظيمةٍ يَجِبُ التَّنبيهُ عَلىبَعْضها؛ لِشدَّة الْحَاجَةِ إليْها؛ قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىأَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاًأَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْتَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَاتَعْمَلُونَ خَبِيراً) -(النساء:135)-
    فَأَمرَ سُبْحَانَهُ بِالقيامِ بِالقِسْطِ وَهُو: العَدْلُ فِي هَذه الآية،وهَذا أمرٌ بالقيَامِ بِه فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، عَدُوَّاً كانَ أوَوَليَّاً، وَأحَقّ مَا قَامَ لَهُ العَبْد بِقَصْدِ الأَقْوالِ وَالآرَاءِوَ الْمَذاهبِ؛ إذْ هِيَ مُتعلِّقة بِأمرِ الله وَخَبرهِ.
    فَالقيامُ فِيْهَا بِالَهَوىَ وَالْمَعْصِيَةِ مُضَادٌ لأَمْرِ الله، مُنافٍ لِمَا بَعثَ بِه رَسُولَهُ.
    والقيامُ فيْها بِالقِسْطِ وَظِيْفةُ خُلَفاءِ الرَّسُولِ فِي أُمَّتهِ،وَأُمَنَائهِ بَين أَتْبَاعهِ، وَلا يَستحقّ اسمَ الأَمَانَةِ إلاَّ مَنْقَامَ فِيْهَا بِالعَدْلِ الْمَحض، نَصيحةً للهِ وَلكتَابهِ وَلِرَسُولهِوَلِعَبادهِ، و أولئكَ هُم الوَارثُون حَقَّاً، لاَ مَنْ يَجْعل أَصْحَابهوَنِحْلته وَمَذهبه مِعْيَاراً علَى الْحقِّ مِيْزاناً لَهُ، يُعَادي مَنْخَالَفَهُ وَيُوالِي مَنْ وَافَقهُ بِمُجرَّدِ مُوافقتِه وَمُخَالفتهِ،فَأينَ هَذا منَ القِيَامِ بِالقِسْطِ الَّذي فَرضه الله عَلى كُلِّ أحدٍ؟وهُو فِي هَذا البَابِ أَعْظَمُ فَرْضَاً وأكَبْر وُجُوباً.
    ثم قَالَ (شُهَدَاء للهِ): الشَّاهدُ هُو: الْمُخْبِرُ، فإنْ أخبرَ بِحقٍّفَهُو شَاهدُ عَدْلٍ مَقْبُول، وإنْ أَخبرَ بِبَاطلٍ فَهُو شَاهدُ زُورٍ،وَ أمرَ تَعالى أنْ يكونَ شَهيداً لَهُ مَع القيَامِ بِالقِسْطِ، وَهَذايَتَضمَّنُ أنْ تَكُونَ الشَّهَادةُ بالقِسْطِ، وأنْ تَكُونَ للهِ لاَلِغيرهِ، وقالَ في الآية الأخرى (كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَداءَبِالقِسْطِ)- (المائدة:8)-، فَتَضمَّنت الآيتان أُموراً أربعة:
    أحدُها: القِيَامُ بِالقِسْطِ.
    الثَّاني: أنْ يَكونَ لله.
    الثَّالثُ: الشَّهادةُ بِالقِسْطِ.
    الرَّابعُ: أنْ تَكُونَ للهِ.
    واخْتَصَّتْ آيَة النِّسَاءِ بِالقِسْطِ وَالشَّهَادَةِ للهِ، وآيةالْمَائدةِ بِالقِيَامِ للهِ وَ الشَّهَادَةِ بِالقِسطِ، لِسِرٍّ عَجِيْبٍمِنْ أَسْرَارِ القُرْآنِ لَيس هَذا مَوضع ذكْرهِ.
    ثُمَّ قَالَ تَعالى ( وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِوَالأَقْرَبِينَ ) فأمرَ سُبْحَانهُ أنْ يُقَامَ بِالقِسْطِ وَ يُشْهدَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَلَو كَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إلَى العَبْدِ؛ فَيَقومبِالقِسْط علَى نَفسهِ وَ وَالِدَيهِ الَّلذين هُمَا أَصْلهُ، وَأَقَاربهِالّذينَ هُم أَخَصُّ بهِ، وَ الصَّدِيقِ مِنْ سَائرِ النَّاسِ،فَإنْ كَانمَا فِي العِبْدِ مِنْ مَحبَّةٍ لِنَفسهِ وَلِوَالديهِ وَأَقْرَبِيهيَمْنعهُ مِنَ القِيَامِ عَليهم بالْحقِّ وَلاَ سِيَّمَا إذَاكَانَالْحَقُّ لِمَن يُبْغِضهُ وَيُعَاديهِ قبلهمْ، فَإنَّهُ لاَ يَقومُبِه فِيهَذا الْحَالِ إلاَّ مَنْ كَانَ اللهُ وَ رَسُولُهُ أَحبّ إليهِمِنْكُلِّ مَا سِوَاهُمَا.
    وهَذا يَمْتَحِنُ بِهِ العَبْدُ إِيْمَانَهُ، فَيَعرف مَنْزِلَةَ الإيْمَانمِنْ قَلبهِ وَ مَحَلّه منْهُ، وَعَكسُ هَذا عَدلُ العَبْدِ فِيأَعْدائهِوَمَنْ يَجْفُوه، فإنَّهُ لاَ يَنْبغي أنْ يَحْمِلَهُ بُعْضُهُلَهُم أنْيَحِيْفَ عَليهمْ، كمَا لاَ يَنْبَغي أنْ يَحْملَهُ حُبُّهُلِنَفْسهِوَوَالديهِ وَأقَارِبِهِ عَلَى أنْ يَتْرُكَ القِيَامَ عَليْهمبِالقِسْطِ،فَلا يُدْخِله ذَلكَ البُغْضُ فِي بَاطلٍ، وَلاَ يَقْصُرُبِهِ هَذاالْحُبُّ عَنِ الْحقِّ، كمَا قَال بَعضُ السَّلفِ ( العَادِلُهُو الَّذيإذَا غَضِبَ لَمْ يُدْخِلْهُ غَضَبُهُ فِي بَاطلٍ، وإذَارَضِيَ لَمْيُخْرِجْهُ رِضَاهُ عَنِ الْحَقِّ ).
    فاشْتَملت الآيتَان عَلى هَذين الْحُكْمَيْن،وَهُما:
    القِيَامُ بِالقِسْطِ، وَالشَّهَادَةُ بِهِ، عَلَى الأَوْليَاءِ وَالأَعْدَاءِ..".

    4/
    الأمَانَةُ.
    إنَّ تَحقيقَ الأمَانَةِ فِي نَقْلِ قَولِ الْمُخَالِفِ لِلرَّدِّ عليهِهُوَ مِنَ (العَدْلِ) الْمُتَقدِّم بَيانهُ، وَ الإخْلاَلُ بِه نَوْعُظُلمٍ، ومِمَّا سَبَقَ أيضاً أنَّه يَجبُ أنْ يكونَ القَصد وَالغَرَضُ مِنَالرَّدِّ (ا لوصُول إلى الْحَقِّ ).
    وهَذَا الْمَسْلَك قَدْ سَلَكهُ أئمَّة أهل السُّنَّة مَعَ الْمُخَالِفينجَمِيْعاً، فَيَذْكُرُونَ أَقْوالهم مِنْ غَيْرِ إخْلاَلٍ، ثُمَّ يَكرُّونعليهَا بِالرَّدِّ والدَّحْضِ.
    قالَ شَيخُ الإسلام ابن تيميَّة في (الجواب الصَّحيح)(1/99):" وأنَاأَذْكُرُ مَا ذَكَروهُ بِأَلْفَاظِهِمْ بِأَعْيَانِهم فَصْلاً فَصْلاً، وَأُتْبِعُ كُلَّ فَصْلٍ بِمَا يُنَاسبهُ مِنَ الْجَوابِ فَرْعَاًوَأَصْلاً،وَعَقْداً وَحَلاً..".
    و قالَ في مَوطنٍ آخر :" وهذه ألفاظهم بأعيانها" (الجواب الصَّحيح)(3/28).
    وقال في (الرَّدِّ على الإخنائي)(ص 111):" ولكنْ لَمَّا كَانَ هَذا صنَّفَمُصنَّفاً وأَظْهَرَهُ وشَهَرهُ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ حِكَايَةِأَلْفَاظِهِ وَ الرَّدِّ عَليهِ وَ عَلَى مَنْ هُو مِثْلهُ، مِمَّنيَنْتَسِبُ إلَى عِلْمٍ وَدِيْنٍ، وَيَتكلَّمُ فِي هَذهِ الْمَسألةِ بِمَايُنَاقِضُ دِيْنَ الْمُسْلِمْين، حَيثُ يَجْعَلُ مَا بَعَثَ اللهُ بِهِرَسُولَهُ كُفْراً، وهَذَا رَأْسُ هَؤلاءِ الْمُبَدِّلينَ، فَالرَّدُّعَليهِ ردٌّ عَليْهم".

    وقالَ الإمامُ الهمام ابنُ القيم في مقدِّمة كتَابه العظيم (هدايةالحيارى)(ص 39):"... وضمَّنتُه أَجْوبَةَ الْمَسائلِ وَتَقرير نُبوَّةمُحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، بِجَميعِ أَنْواعِ الدَّلائل، فجَاءَبِحَمْدِ الله وَ منِّهِ وَتَوْفيقهِ كِتَاباً مُمْتِعَاً مُعْجباً، لاَيَسْأمُ قَاريهِ، وَلاَ يَمَلُّ النَّاظر فيهِ...يُعطيكَ مَا شئتَ مِنْأَعْلاَمِ النُّبوَّةِ وَ بَراهين الرِّسَالَةِ، وَبِشَارات الأنْبِيَاءبِخَاتِمهِمْ، وَاستْخِرْاجِ اسْمهِ الصَّرِيْح مِنْ كُتُبهمْ، وَذكرنَعتهِ وَصِفَتهِ وَ سِيرَتهِ مِنْ كُتُبهمْ، وَالتَّمييز بَين صَحيحِالأَدْيَان وَ فَاسِدِهَا، وَكَيْفِيَّة فَسَادِهَا بَعدَ اسْتِقَامَتهَا،وَجُملة مِنْ فَضَائحِ أَهْلِ الكِتَابَيْن وَمَا هُمْ عَليهِ، وأنَّهُمأَعْظَمُ النَّاسِ بَراءَةً مِنْ أَنْبِيَائِهم، وأنَّ نُصُوصَأَنْبِيَائِهم تَشْهدُ بِكُفْرِهم وَضَلالِهمْ، وَغَير ذَلكَ مِنْ نُكَتٍبَدِيْعَةٍ لاَ تُوجدُ فِي سِوَاهُ".

    5/
    التَّثبُّت.
    إنَّ تَحقيقَ هَذا الأَمْر أيضاً مُتَعلِّقٌ وَمُرتَبِطٌ بِمَا سَبَق فِيالنُّقطة رقم (3) الْمُخْتَصَّة بِـ(العَدْلِ)؛ إذْ العَدَالةُ تَقْتَضيأنْ يَتَثَبَّتَ الرَّادُّ مِنْ قَولِ أَوْ كَلاَمِ الْمَرْدُودِ عَليهِ،بإحدىَ طُرقِ الإثْباتِ الصَّحيحة؛ لِيَصحّ حُكمهُ وَنَقْدُهُ.
    و هذا الأمرُ أعني (التَّثَبُّت) مِنَ القَواعدِ الْمُقَرَّرة لدَى أَهْلالسُّنَّة، وهُو يَدلُّ عَلَى نَزَاهتهم وَعَدْلِهم وَ إنْصَافِهم، لكنَّهَذه القَاعدة وَ(العَدْلُ) وَ(الإنْصَافُ)، وَنَحوها مِنَ القَواعدِوَالأُصُولِ الْمُتَرابطة السُّنِّية العَظيمة، حَاولت بَعْضُ الفِئَامِقَلْبَ حَقَائِقَها وَتَزْويرهَا عَنْ أُصُولِهَا السُّنِّية، فَشَغَّبوابِهَا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ظنَّاً منْهُم أنَّ الأمْرَ يَنْطَلِيوَيَمرّ مِنْ غَيْرِ نَخْلٍ وَكَشْفٍ وَإِبْطَالٍ، وَالله غَالبٌ عَلَىأَمْرِهِ.

    فَهَذا الأصل السُّنِّي قَدْ تَكَلَّمتُ عليه مُفصَّلاً فِي ردِّي عَلَىالمشغِّبِ بِالبَاطِلِ أَبِي الْحَسنِ مُصْطَفى بن إسماعيل المأربي المصريفي كتابي (الفتح الرباني في الرد على أبي الحسن السليماني) (الثابتالثاني: التثبت) من (ص218-233)، وذَكَّرتُ هُنَاك بأمورٍ تَتعلَّقبتَحَقِيْقِهَذَا الأصلِ، وَبَعض طُرق إِثْبَاتهِ لدَى أَهْل السُّنَّةِ،وَالَّتِيمنْها: ( أَوَّلاً: الرِّحْلَةُ فِي طَلبِ الْحَديثِ،وَالعنَاية فِيالنَّقْل) و(ثَانياً: قَبولُ خَبَر العَدْلِ) وَ(الكَشْفعَنْ حَالِالرَّجُل الْمُخَالِفِ مِنْ خِلالِ كُتُبهِ وَمُصَنَّفَاتهِ) وَ (إعْمَالقَاعدة: بَلَديّ الرَّجُل أَعْرَف بِه).

    فأكْتَفي بهِ عَن التِّكرار هُنا، والله الموفق.

    6/
    عَدَمُ ردِّ البَاطل بِبَاطِلٍ، وإنَّما يُرَدُّ البَاطل بالْحَقِّ.
    سبقَ أنْ ذَكرتُ أنَّ المقصودَ مِنَ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ (الوصُولإلى الْحَقِّ وَبيانه) وَردِّ الباطل ودَحْضهِ، فَيُؤدِّي الْمُفْروضَعليهِ بتجرُّدٍ تامٍّ لله جلَّ وعلاَ، قَالَ العلاَّمة السجزيُّ في (الرَّدعَلى مَنْ أنكر الحرف والصَّوت)(ص 235):" قَالَ الحسن: المؤمنُ ينشرُحِكْمَة الله، فإنْ قُبِلتْ منْه حَمِد الله، وإنْ رُدَّت حَمِدَ الله.
    -
    قَال السِّجزيُّ معلِّقاً- وَمَوضِعُ الْحَمدِ فِي الرَّدِّ أنَّهُ قَدْ وفِّق لأدَاءِ مَا عَليهِ".

    لذَا فَأهلُ السُّنَّة سَمْتُهم وَ سِيْمَاهُم أَبداً ( لُزُومُ الْحَقِّ،وَ اتِّباعُهُ )، فِي كلِّ شأنٍ مِنْ شُؤون أُمُورهم، ومنْها الرَّد عَلَىالْمُخَالِفِ، وَلا حَاجة فِي رَدِّ بَاطلهِ بِبَاطلٍ آخر، وقَد سَبقنَقْلُ تَحذيرُ بَعض الأئمَّة مِنْ ردِّ البَاطلِ بباطلٍ؛ كَالإمام الآجريوكذَا الإمام ابن بطة العكبري حيثُ قالَ مُحذِّراً مِنْ ( إِرَادَةالْحقِّمِنْ غَير طَريق السُّنَّة فإنَّه باطلٌ، وكَلامك عَلى السُّنَّةِمِنْغَيرِ السُّنَّة بِدْعةٌ).
    وقَال الإمامُ البربهاري في (شَرح السُّنة)(رقم 157/119):" و لاَ تَطْلُب مِنْ عِنْدكَ حيلةً ترُدُّ بها علَى أَهْلِ البِدَعِ..".
    وقيلَ للإمام عبدالرَّحمن بْن مَهدي:" إنَّ فُلاناً صنَّفَ كِتَاباً يَردُّ فيه على الْمُتْبَدعة.
    قالَ: بِأَيِّ شَيءٍ؟ بالكتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ قَالَ: لاَ، لَكِنْ بِعِلْمِ الْمَعْقُول وَالنَّظرِ.
    فَقَال: أَخْطأَ السُّنَّةَ، وَرَدَّ بِدْعَةً بِبِدْعَةٍ" (صون المنطق)(ص 131).

    وقَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)(3/322):"..وإذَاعُرفَ هَذا فَإِطْلاَقُ القَول: بِتَكْليفِ مَا لاَ يُطَاق، مِنَ البِدَعِالْحَادِثَةِ فِي الإسْلاَمِ؛ كَإطلاقِ القَول: بأنَّ النَّاسَ مَجْبُورونعلَى أَفْعَالِهم، وقَدْ اتَّفقَ سَلَفُ الأُمَّةِ وَأئمَّتُها عَلىإنْكَارِ ذَلكَ، وَذَمِّ مَنْ يُطْلقهُ وَ إنْ قَصَدَ بِه الرَّدَّ عَلَى (القَدريَّة)، الَّذين لاَ يُقرُّونَ بأنَّ الله تَعالَى خَالق أَفْعالِالعِبَادِ، وَلاَ بِأنَّه شَاءَ الكَائِنَات، وَقَالوا: هَذَا ردَّبِدْعَةً بِبِدْعَةٍ، وَقَابلَ الفَاسِدَ بِالفَاسِدِ، وَالبَاطِلَبِالبَاطِلِ..".

    لذَا كانَ يَقُولُ شَيْخُ الإسلام ابن تيميَّة :" أنَا أَلْتَزِمُ أنَّه لايَحْتج مُبْطِلٌ بآيةٍ أَوْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَلَى بَاطِلِه إلاَّ وَ فِينَفْسِ ذَلِكَ الدَّليلِ مَا يَدلُّ عَلى نَقِيْضِ قَولهِ" (نقله ابنالقيم) في (حادي الأرواح)(ص 202).

    وقَالَ الإمامُ عُثمان بن سعيد الدارمي في (الرَّدِّ عَلى الجهميَّة) (ص 186) :"..لكنَّا نُكَفِّرُهُم بِمَا تَأوَّلْنَا فِيْهم مِنْ كتَابِ اللهعزَّ وجلَّ، و روينا فيْهم مِنَ السُّنَّةِ، وَبِمَا حَكيْنَا عَنْهُم مِنَالكُفْر الوَاضحِ الْمَشْهُورِ الَّذي يَعقلهُ أَكْثَر العَوامِّ، وَبَماضَاهوا مُشْركي الأُمَم قَبْلَهم بِقَولهمْ فِي القُرآن، فَضْلاًعَلى مَارَدُّوا عَلى الله وَرَسُولهِ، مِنْ تَعْطيلِ صِفَاتهِ،وَإنْكَارِوَحْدَانيَّتهِ، وَمَعْرفَةِ مَكانِهِ، وَاسْتِوائهِ عَلَىعَرْشِهِبِتَأويلِ ضَلالٍ، بِهِ هَتَكَ اللهُ سِتْرَهم، وأبدَ سَوءتَهم،وعَبَّرَعَنْ ضَمَائِرهمْ، كُلَّما أَرَادُوا بِهِ احْتِجَاجَاً،ازْدَادتْمَذَاهبهم اعْوِجَاجَاً، وَازْدَادَ أَهْلُ السُّنَّةِبِمُخَالَفَتِهمابْتِهَاجَاً، وَلِمَا يُخْفُونَ مِنْ خَفَايازَنْدَقَتِهمْاسْتِخْرَاجاً".

    وقالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة أيضاً كما في (مجموع الفتاوى)(6/288):" فَصْلٌ: فيه قَاعِدةٌ شَرِيْفَةٌ، وَهي:
    أنَّ جَميعَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمُبْطِل مِنَ الأدلَّةِ الشَّرعيَّةوَالعَقليَّة إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ، لاَ تَدلّ عَلَى قَولِالْمُبْطِلِ، وَهَذا ظَاهرٌ يَعْرفه كُل أَحدٍ؛ فإنَّ الدَّليلَ الصَّحِيْحلاَ يَدلُّ إلاَّ عَلَى حَقٍّ، لاَ عَلَى بَاطلٍ.
    يَبْقَى الكَلاَم فِي أعْيَانِ الأدلَّةِ، وَبَيانِ انْتِقَاءِ دِلاَلتِهَاعَلَى البَاطِلِ، وَدلالتهَا عَلَى الْحَقِّ؛ هُو تَفْصيلُ هَذاالإجْمَال.
    وَالمقصودُ هُنا شيءٌ آخر، وهُو: أنَّ نَفْس الدَّليلِ الَّذي يَحْتَجُّبِهِ الْمُبْطل، هُو بعينهِ إذَا أُعطي حقَّه، وَ تَمَيَّز مَا فيهِ مِنْحَقٍّ وَ بَاطلٍ، وَبَيْنَ مَا يَدلُّ عَليهِ، وَتَبْيِن أنَّه يَدلُّعَلَى فَسادِ قَول الْمُبْطِلِ الْمُحَتجّ بِهِ فِي نَفْس مَا احْتَج بهِعَليهِ، وَهَذا عجيبٌ، قَد تَأمْلتُه فِيْمَا شَاء اللهُ مِنَ الأدلَّةالسَّمْعية فَوجَدتُه كَذَلك".

    وقالَ أيضاً في (درء تعارض العقل والنقل)(7/182):"... وأهلُ الكلام الَّذينذَمَّهُم السَّلف لاَ يَخْلُو كَلام أَحَدٍ مِنْهُم عَلَى مُخَالَفَةِالسُّنَّةِ وَ رَدِّ بَعْض مَا أَخْبَر بهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم،كَالْجَهْميَّة وَ الْمُشبِّهة وَالْخَوارِج وَ الرَّوَافضِوَالقَدَريَّةوَالْمُرْجئَةِ.
    وَيُقالُ: بِأَنَّه لاَ بُدَّ أَنْ تُحْرَسَ السُّنَّةُ بالْحَقِّوَالصِّدْقِ وَالعَدْلِ، كَمَا لا تُحْرسُ بِكَذبٍ وَلاَ ظُلْمٍ، فَإذَارَدَّ الإنْسَانُ بَاطلاً بِبَاطِلٍ، وَقَابَلَ بِدْعَةً بِبِدْعَةٍ كَانَهَذَا مِمَّا ذَمَّهُ السَّلف وَالأئمَّة".
    وفَّق الله الجميع لما يُحبُّه ويرضاه، وصلى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّم.
    يتبع بحول الله تعالى


    وكتب
    عبدالله بن عبدالرحيم البخاري- كان الله له-
    الأربعاء/ 23/ صفر/ 1430هـ

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى الشيخ عبدالله عبدالرحيم البخاري

    وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه وسلَّم.

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser




معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. التحذير من أفة العجب ==عبدالله بن عبدالرحيم البخاري/محاضرة
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-Feb-2018, 11:36 PM
  2. [دراسة متن] شرح الأصول الستة==الشيخ عبدالله بن عبدالرحيم البخاري (5 دروس) مكتمل
    بواسطة عبدالرحمن بن محمد الجزائري في المنتدى مكتبة الأمين العلمية الــشـاملة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-Mar-2016, 10:37 PM
  3. أسباب تمادي المرء في الباطل بعد بيانه له .عبدالله بن عبدالرحيم البخاري
    بواسطة أبو الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 23-Nov-2013, 03:22 PM
  4. أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ الحلقة الأولى
    بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-Aug-2012, 09:36 PM
  5. صدر حديثاً...للشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم البخاري حفظه الله
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-Jul-2011, 04:37 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •