حديث حول الأحداث في الجزائر

السؤال: شيخنا! فيما يخص الوضع في الجزائر، في هذا الفترة الأخيرة! خاصة ما يحدث من كوارث وفتن، وحيث صار الأمر إلى استخدام المتفجرات التي تودي بحياة العشرات من الناس؛ أكثرهم من الأبرياء، وفيهم نساء، وأطفال، ومن تعلمون، وقد سمعنا من بعض الناس الكبار أنهم ينددون بسكوت أهل العلم والمفتين من المشايخ الكبار، وعدم إنكارهم مثل هذه التصرفات الغير إسلامية قطعاً، ونحن أخبرناهم برأي أهل العلم ورأيكم في المسألة، ولكنهم ردوا بالجهل بما تقولونه، وعدم وجود الأشرطة المنتشرة لبيان الحق في المسألة، ولهذا نحن طرحنا السؤال بهذا الأسلوب الصريح حتى نكون على بينة من رأيكم ورأي من تنقلون عنهم، فبينوا الحق في القضية، وكيف يعرف الحق فيها عند كل مسلم؟ وهل الشيخ يسمع ما يدور من أحداث، أو يسمح لنا أن نبين له؟
الشيخ: لا يوجد داعٍ لذلك. الجواب: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] . أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أنت جزاك الله خيراً أشرت بأننا كنا تكلمنا في هذه المسألة، وذكرت بأنهم يردون بجهل وبغير علم، فإذا كان الكلام يصدر ممن يُظَنُّ فيه العلم، ثم يقابل ممن لا علم عندهم بالرفض والرد فما فائدة الكلام حينئذٍ؟؟ لكن نحن نجيب لمن قد يكون عنده شبهة بأن هذا الذي يفعلونه أمر جائزٌ شرعاً، وليس لإقناع ذوي الأهواء وأهل الجهل، وإنما لإقناع الذين قد يترددون في قبول أن هذا الذي يفعله هؤلاء المعتدون هو أمر غير مشروع.
أهمية تصحيح القاعدة على الكتاب والسنة

لا بد لي قبل الدخول بشيء من التفصيل من أن أذكِّر -والذكرى تنفع المؤمنين- بقول أهل العلم: ما بني على فاسد فهو فاسد، فالصلاة التي تبني على غير طهارة -مثلاً- ليست بصلاة، لماذا؟ لأنها لم تقم على أساس الشرط الذي نص عليه الشارع الحكيم في نص قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له) فمهما صلى المصلي بدون وضوء فلا تصح؛ لأن ما بني على فاسد فهو فاسد، والأمثلة في الشريعة من هذا القبيل شيء كثير وكثير جداً.
فنحن نذكر دائماً وأبداً أن الخروج على الحكام -ولو كانوا من المقطوع بكفرهم- ليس مشروعاً إطلاقاً؛ ذلك لأن هذا الخروج -إن كان ولا بد- ينبغي أن يكون خروجاً قائماً على الشرع، كالصلاة التي قلنا آنفاً أنها ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة وهو الوضوء.
ونحن نحتج في مثل هذه المسألة بمثل قوله تبارك وتعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] إن الدور الذي يمر به المسلمون اليوم من تحكم بعض الحكام، وعلى افتراض أن كفرهم كفر جليٌ واضح ككفر المشركين تماماً، إذا افترضنا هذه الفرضية فنقول: إن الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكام، ولنقل: الكفار؛ مجاراة لـجماعة التكفير لفظاً لا معنى؛ لأن لنا في ذلك التفصيل المعروف.
.
فنقول: إن الحياة التي يحياها المسلمون اليوم تحت حكم هؤلاء الحكام، لا تخرج عن الحياة التي كان يحياها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الكرام فيما يسمى في عرف أهل العلم بالعصر المكي.
.
لقد عاش عليه الصلاة والسلام تحت حكم الطواغيت الكافرة المشركة، والتي كانت تأبى صراحة أن تستجيب لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يقولوا كلمة الحق: لا إله إلا الله، حتى إن عمه أبا طالب وهو في آخر رمق من حياته قال له: (لولا أن تعيرني بها قومي لأقررت بها عينك).
أولئك الكفار الصريحون في كفرهم، المعاندون لدعوة نبيهم، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش تحت حكمهم ونظامهم، ولم يتكلم معهم إلا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، وجاء العهد المدني، وتتابعت الأحكام الشرعية، وبدأ القتال بين المسلمين وبين المشركين، كما هو معروف في السيرة النبوية.
.
أما في العهد الأول العهد المكي فلم يكن هناك خروج، كما يفعل اليوم كثير من المسلمين في غير ما بلد إسلامي، فهذا الخروج ليس على هدي الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أمرنا بالاقتداء به، وبخاصة في الآية السابقة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] .
الآن -كما نسمع- في الجزائر طائفتان، وأنا أَهْتَبِلُها فرصة إذا كنت أنت أو أحد الحاضرين على بينة من الإجابة عن السؤال التالي، أقول: أنا أسمع وأقرأ بأن هناك طائفتين أو أكثر من المسلمين الذين يعادون الحكام هنالك؛ مثلاً جماعة جبهة الإنقاذ، وأظن أن هناك جماعة تكفير.
مداخلة: جيش الإنقاذ قوات مسلحة غير الجبهة.
الشيخ: أليس له علاقة بالجبهة؟ الرجل: انفصل عنها، وهو متشدد.
الشيخ: إذاً: هذه مصيبة أكبر! وأنا أردت أن أستوثق من وجود أكثر من جماعة مسلمة، ولكلٍ منها سبيلها ومنهجها في الخروج على الحاكم.
ترى لو قضي على هذا الحاكم وانتصرت طائفة من هذه الطوائف التي تعلن إسلامها ومحاربتها للحاكم الكافر بزعمهم، ترى هل ستتفق هاتان الطائفتان فضلاً عما إذا كانت هناك طائفة أخرى، ويقيمون حكم الإسلام الذي يقاتلون من أجله؟ سيقع الخلاف بينهم! الشاهد الآن موجود مع الأسف الشديد في أفغانستان، يوم قامت أن الحرب في أفغانستان كانت فعلاً في سبيل الإسلام والقضاء على الشيوعية، فما كادوا يقضون على الشيوعية -والأحزاب كانت قائمة وموجودة أثناء القتال- إلا وينقلب بعضهم عدواً لبعض.
فإذاً: كل من خالف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام فلن يكون عاقبة أمره إلا خسراً.
(التصفية والتربية) هي القاعدة الصحيحة للتغيير

هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الحكم الإسلامي، وتأسيس الأرض الإسلامية الصالحة لإقامة حكم الإسلام عليها إنما يكون بالدعوة أولاً.
.
دعوة التوحيد، ثم تربية المسلمين على أساس الكتاب والسنة.
وحينما نقول -إشارة إلى هذا الأصل الهام بكلمتين مختصرتين-: لا بد من التصفية والتربية.
بطبيعة الحال لا نعني بهما أن تصير هذه الملايين المملينة من هؤلاء المسلمين أمة واحدة، وإنما نريد أن نقول: إن من يريد أن يعمل للإسلام حقاً، وأن يتخذ الوسائل التي تمهد له إقامة حكم الله في الأرض؛ لابد أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكماً وأسلوباً.
بهذا نحن نقول: إنه ما يقع؛ سواءً في الجزائر أو في مصر، هذا خلاف الإسلام؛ لأن الإسلام يأمر بالتصفية والتربية.
أقول: (التصفية والتربية) لسبب يعرفه أهل العلم.
.
نحن اليوم في القرن الخامس عشر ورثنا هذا الإسلام كما جاءنا طيلة هذه القرون الطويلة، لم نرث الإسلام كما أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك فالإسلام الذي آتى أكله وثماره في أول أمره، هو الذي سيؤتي أيضاً أكله وثماره في آخر أمره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أم في آخره) فإذا أرادت الأمة المسلمة أن تكون حياتها على هذا الخير الذي أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث المذكور آنفاً، وفي الحديث الآخر، والذي هو منه أشهر: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله).
أقول: لا نريد بهاتين الكلمتين أن تصبح الملايين المملينة من المسلمين قد تبنوا الإسلام مصفىً، وربوا أنفسهم على هذا الإسلام المصفى، لكننا نريد لهؤلاء الذين يهتمون بشئون المسلمين حقاً: أولاً: تربية نفوسهم، ثم تربية ذويهم، ثم.
.
ثم .
.
فيصل الأمر إلى هذا الحاكم الذي لا يمكن تعديله أو إصلاحه أو القضاء عليه إلا بهذا التسلسل الشرعي المنطقي.
بهذا نحن كنا نجيب بأن هذه الثورات، وهذه الانقلابات التي تقام، حتى الجهاد الأفغاني كنا غير مؤيدين له، أو غير مستبشرين بعواقب أمره حينما وجدناهم خمسة أحزاب، والآن الذي يحكم والذي قاموا ضده معروف بأنه من رجال الصوفية -مثلاً-، فالقصد أن من أدلة القرآن الكريم أن الاختلاف ضعف، حيث أن الله عز وجل ذكر من أسباب الفشل هو التنازع والاختلاف: وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31-32] إذاً: إذا كان المسلمون أنفسهم شيعاً لا يمكن أن ينتصروا؛ لأن هذا التشيع وهذا التفرق إنما هو دليل الضعف.
إذاً: على الطائفة المنصورة التي تريد أن تقيم دولة الإسلام بحق، أن تتمثل بكلمة أعتبرها من حِكَمِ العصر الحاضر، قالها أحد الدعاة -ولكن أتباعه لا يتابعونه- ألا وهي قوله: (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم؛ تقم لكم على أرضكم).
فنحن نشاهد، لا أقول: الجماعات التي تقوم بهذه الثورات؛ بل أستطيع أن أقول: نشاهد كثيراً من رءوس هذه الجماعات لم يطبقوا هذه الحكمة التي تعني ما نقوله نحن بتلك اللفظتين: (التصفية والتربية)، إذ لم يقوموا بعدُ بتصفية الإسلام مما دخل فيه، مما لا يجوز أن ينسب إلى الإسلام في العقيدة، أو في العبادة، أو في السلوك، لم يحققوا هذا، أي: تصفية نفوسهم؛ فضلاً عن أن يحققوا التربية في ذويهم، فمن أين لهم أن يحققوا التصفية والتربية في الجماعة التي هم يقودونها ويثورون معها على هؤلاء الحكام؟! أقول: إذا عرفنا -بشيء من التفصيل- تلك الكلمة وهي (ما بني على فاسد فهو فاسد) فجوابنا واضح جداً أن ما يقع في الجزائر وفي مصر وغيرها هو: أولاً: سابق لأوانه.
ثانياً: مخالف لأحكام الشريعة غايةً وأسلوباً.
لكن لابد من شيء من التفصيل فيما جاء في السؤال.
حكم الاعتداء على الأبرياء بالقتل

نحن نعلم أن الشارع الحكيم بما فيه من عدالة وحكمة، نهى الغزاة المسلمين الأولين أن يتعرضوا في غزوهم للنساء، فنهى عن قتل النساء، وعن قتل الصبيان -الأطفال-، بل ونهى عن قتل الرهبان المنطوين على أنفسهم بعبادة ربهم -زعموا- وهم على شرك وعلى ضلال؛ نهى الشارع الحكيم قواد المسلمين أن يتعرضوا لهؤلاء، تطبيقاً لأصلٍ من أصول الإسلام، ألا وهو قوله تبارك وتعالى في القرآن: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:36-39] فهؤلاء الأطفال وهؤلاء النسوة، والرجال الذين ليسوا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، قتلهم لا يجوز شرعاً.
وقد جاء في بعض الأحاديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى ناساً مجتمعين على شيء، فسأل، فقالوا: هذه امرأة قتيلة، قال عليه الصلاة والسلام: ما كانت هذه لتقاتل) وهنا نأخذ حكمين متقابلين: أحدهما: سبقت الإشارة إليه، ألا وهو أنه لا يجوز قتل النساء لأنها لا تقاتل.
الحكم الآخر: إذا وجدنا بعض النسوة يقاتلن المسلمين في جيش المحاربين أو الخارجين، حينئذٍ يجوز للمسلمين أن يقتلوا هذه المرأة التي شاركت في القتال.
فإذا كان السؤال بأن هؤلاء إنما يفخخون -كما يقولون- بعض السيارات، ويفجرونها، فتصيب بشظاياها من ليس عليه المسئولية إطلاقاً في أحكام الشرع، فما يكون هذا من الإسلام في شيء إطلاقاً.
لكني أقول: إن هذه جزئية من كلية أخطر وهي الخروج الذي مضى عليه بضع سنين، ولا يزداد الأمر إلا سوءاً، بهذا نحن نقول: إنما الأعمال بالخواتيم، والخاتمة لا تكون حسنة إلا إذا كانت قائمة على الإسلام، فما بني على خلاف الإسلام فسوف لا يثمر إلا الخراب والدمار.