بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله بركاته
يستدل القبوريون بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم هو في المسجد النبوي دون نكير، ولو كان ذلك حراما لم يدفن فيه، كما يحتجون بوجود القبة على قبره صلى الله عليه وآله وسلم. فكيف الجواب عن ذلك ؟!
___________________________
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :

فالجواب: أن هذا لا حجة فيه، لأمور منها:
أولا: أن المسجد بني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف هذه الأضرحة التي تبني في الأصل على قبور الصالحين.
وثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها شرقي المسجد، ولم يدفن في المسجد نفسه، وإنما دفن في مكانه لأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون كما قال صلى الله عليه وسلم.
والصحابة رضي الله عنهم إنما دفنوه في حجرة عائشة حتى لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجدا، كما قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا). رواه الشيخان.
وثالثا: أن الحجرة النبوية إنما أدخلت في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، حيث أمر الوليد بن عبد الملك - سنة ثمان وثمانين - بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه على سبيل التوسعة، فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة، فصار القبر بذلك في المسجد.
وقد أخطأ في إدخاله الحجرة النبوية ضمن المسجد. وقد أنكر عليه العلماء هذا الصنيع وحذروه منه في حياته وبعد مماته، فذكروا عن سعيد بن المسيب رحمه الله: أنه أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد، كأنه خشي أن يتخذ مسجدا.
وأيضا إنما فعل ذلك لتوسعة المسجد النبوي بعد أن ضاق بكثر المصلين، والظاهر أنهم لم يجدوا فسحة من الجهات الأخرى ليزيدوا منها إلى المسجد وقد كان عمر وعثمان رضي الله عنهما قد زادا فيه من جهة القبلة فاضطروا إلى أخذ الزيادة من جهة الحجرات فصار بذلك قبره في المسجد الشريف ولكنهم - مع حاجتهم إلى هذا العمل - قد احتاطوا للأمر حيث فصلوا القبر عن المسجد فصلا تاما بالجدر المرفوعة حسما للمحذور كما سبق ذكره عن النووي والله تعالى أعلم. [1]
فإن قيل: ألا نترك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فيقال: إن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم له خصوصية ليست لغيره، فقد أجمعت الأمة على الصلاة فيه، ذلك لأن ترك الصلاة في المسجد النبوي يعني إهمال حديث التفضيل الوارد في صلاة من صلى فيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام). رواه الشيخان وهو حديث صحيح ثابت وحكمه باق إلى قيام الساعة، فعرف أن المسجد النبوي له خصوصية اقتضاها الحديث الوارد في فضل الصلاة فيه.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.

كتبه : أبو عمار علي الحذيفي

25 جمادى أول 1434 هـ
_____________________________
[1] "الثمر المستطاب" للشيخ الألباني، وننصح بمراجعة "الصارم المنكي في الرد على السبكي" لابن عبد الهادي، ورسالة الشيخ الألباني "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد".
منقول