تحريف حسن البنا وحزب الإخوان الجهاد الشرعي: معنى وغاية
وإدخال طرق الفساد في مسمى الجهاد



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن اتبع هداه،

أما بعد، فقد قال شيخنا العلامة ربيع بن هادي –حفظه الله- في محاضرة له بعنوان "الوسطية": "منذ نشأ الإخوان المسلمون وهم يقولون جهاد, جهاد, الدولة الإسلامية, الخلافة الإسلامية, والمسلمون في انحطاط على أيديهم وفي تقهقر إلى الوراء والوراء على أيديهم, مع الأسف الشّديد وهم يزعمون أنّهم دعاة الإسلام والمجاهدون باسم الإسلام ومع الأسف الشّديد لا يزيدون الأمّة إلاّ هلاكًا, ويقدمون شباب الأمّة هدايا على أطباق من الذهب كما يقال للأمريكان وللرّوس يذبحونهم كما يذبحون الفراريج و الدّجاج, يقدّمونهم هكذا لا عدّة من عقيدة، ولا عدّة من مادّة وسلاح.

الله تبارك وتعالى شرع الجهاد في هذه الأمّة إذا كانت أمّة حقّا مؤهلة للجهاد بعقيدتها وبرجالها وبأخلاقها وبعدّتها المادية والعسكرية فهؤلاء لا عقيدة صحيحة و لا منهج صحيح و لا عدّة مادية ! ويقولون: "الجهاد, الجهاد" أهلكوا الأمّة وهم والله يتمتّعون ويتلذذون بالمناصب و بالأموال و المآكل والمشارب ويذهب ضحيّة هذه الشعارات الفاسدة و هذا الصراخ المفتعل, يذهب ضحايا كثيرة من أبناء المسلمين بهذه الشعارات و النّداءات الفارغة , فعلى الأمّة أن ترجع إلى كتاب ربّها و سنّة نبيّها لتكون أمّة وسطا كما أخبر الله وكما وصف الله تبارك و تعالى, ولتكون خير أمّة أخرجت للنّاس وبهذه العودة وباستعادة هذه المكانة عند الله عزّ وجلّ تعود العزّة والكرامة للأمّة، ووالله لن تنفع هذه الشعارات هذه الأمّة أبدا بل ما تزيدها إلاّ انحطاطا ودمارا وذلاً وهوانًا.

ألا فليدرك المسلمون مصدر عزّهم ومصدر هلاكهم فيجتنبوا مصادر الهلاك، ومنها هذا الغلوّ و كثير من هذا الغلوّ مفتعل و الله أعلم و مصطنع , وتعرف مصدر عزّها فتهرع إليه و تعظّ عليه بالنّواجذ و تربّي أنفسها و أجيالها عليه ليحقق الله لهم ما حقّقه لأسلافهم الكرام .

أسأل الله أن يهيئ لهذه الأمّة دعاة صادقين مخلصين يعودون بهم إلى مصدر عزّتهم وكرامتهم وسعادتهم ,كتاب الله و سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه كلّ الكمال و منه التّوسط والاعتدال".اهـ

قلت: وصدق شيخنا -نفع الله به وجعله شوكة في حلوق الحزبيين-، فإن حسن البنا وإخوانه الحزبيين حرَّفوا الجهاد الشرعي: معنى وغايةً، وبغَّضوا الجهاد الشرعي إلى عامة المسلمين بهذا التحريف.

واعلم –رحمك الله- أن الجهاد في الإسلام له ضوابط ومعايير يجب أن يلتزم بها المجاهد، وإلا فسد جهاده ولم يقبل، فإن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما توفر فيه شروط ثلاثة:

النية.
الإخلاص لله عز وجل.
المتابعة: أي موافقة الشرع من كتاب وسنة.

ونذكر أولاً معنى الجهاد لغة: جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (1/486): "الجيم والهاء والدال أصله المشقة، ثم يحمل عليه ما يقاربه، يقال: جهدت نفسي وأجهدت، والجُهد: الطاقة، قال الله تعالى: {والذين لا يجدون إلا جُهدهم}، ويقال: إن المجهود اللبن الذي أُخرجَ زُبْده، ولا يكاد ذلك يكون إلا بمشقة ونصب".

وقال ابن سيده في "المحكم والمحيط الأعظم" (4/153): "الجَهْدُ والجُهْدُ: الطَّاقَة، وَقيل: الجَهْدُ: الْمَشَقَّة، والجُهدُ: الطَّاقَة".

وقال ابن الأثير في النهاية (1319-320): "الاجْتِهَاد: بَذْل الوُسْع فِي طَلَب الْأَمْرِ، وَهُوَ افْتِعَال مِنَ الجُهْد: الطَّاقة...

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ معْبَد «شَاةٌ خَلَّفَها الجَهْد عَنِ الغَنم»، قَدْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الجَهْد والجَهْد فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا، وَهُوَ بِالضَّمِّ: الوُسْع والطَّاقة، وبالفَتْح: المَشَقَّة. وَقِيلَ المُبَالَغة والْغَايَة. وَقِيلَ هُمَا لُغتَان فِي الوُسْع والطَّاقَة، فأمَّا فِي المشَقَّة والْغَاية فَالْفَتْحُ لَا غَيْرَ. وَيُرِيدُ بِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ معْبَد: الهُزَال.

وَمِنَ الْمَضْمُومِ حَدِيثُ الصَّدَقَةِ «أيُّ الصَّدَقة أفْضَل؟ قَالَ: جُهْد المُقِلّ» أَيْ قَدْر مَا يَحْتَمِله حَالُ القَليل الْمال".

واصطلاحًا: له معنيان خاص وعام:

فأما المعنى الخاص فقد اختلفت عبارات العلماء فيه على النحو التالي:

قَالَ البابرتي –من الأحناف- فِي "العناية شرح الهداية÷ (5/437): "الجهاد هُوَ الدعاء إلى الدين الحق والقتال مع من امتنعَ عن القبول بالنفس والمال÷.

وقال أبو الحسن المالكي في رسالته "كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2/2): "قتال مسلم كافرًا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره له أو دخوله أرضه له".

واختار شيخنا أ.د. عبدالمحسن المنيف –حفظه الله ونفع بعلمه- تعريف المالكية، واعتبره أدق وأجمع التعاريف، كما في كتابه "الجهاد: أحكامه ومَن يدعو إليه" (ص17).

قال علي العدوي الصعيدي في حاشيته على "كفاية الطالب الرباني" (2/2) في شرح تعريف المالكية:

"قوله: كافرًا غير ذي عهد: خرج قتال الذمي المحارب على المشهور من أنه غير نقض.

وقوله: لإعلاء كلمة الله يقتضي أن من قاتل للغنيمة أو لإظهار الشجاعة وغيرها لا يكون مجاهدًا، فلا يستحق الغنيمة حيث أظهر ذلك، ولا يجوز له تناولها حيث علم من نفسه ذلك...

وقوله: "أو حضوره له أو دخوله أرضه له: بالرفع عطفًا على قتال وأشار به إلى أن الجهاد أعمُّ من المقاتلة أو الحضور للقتال والضمير في الحضور يعود على القتال، وضمير له يعود على إعلاء أو على القتال.

وضمير أرضه يحتمل عوده على الكافر، وله على القتال، ويحتمل أن الضمير الأول عائد على القتال، والثاني للقتال أو لإعلاء الكلمة".اهـ

وجاء في الموسوعة الفقهية (16/125)،(22/77) في معنى الجهاد اصطلاحًا: "قتال مسلم كافرًا غير ذي عهد بعد دعوته للإسلام وإبائه, إعلاء لكلمة الله، ويكون ببذل الوسع فِي القتال فِي سبيل الله مباشرة، أو معاونة بِمال، أو رأي، أو تكثير سواد أو غير ذَلِكَ".

قلت: وهذا يعد موِّضحًا لتعريف المالكية، وزاد عليه شرط: "بعد دعوته إلى الإسلام وإبائه"، وهو شرط هام.

وأما المعنى العام للجهاد: فيدخل فيه مجاهدة النفس والشيطان والهوى، ومجاهدة الفسَّاق وأهل البدع من هذه الأمة عن طريق النصح والبيان والتحذير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال ابن مناصف في "الاتحاد في أبواب الجهاد" (1/10): "وكذلك الجهاد في سبيل الله تعالى إنما هو بذل الجهد في إذلال النفس، وتذليلها في سبل الشرع والحمل عليها بمخالفة الهوى، ومن الركون إلى الدعة والذات واتباع الشهوات".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (10/192): "الْجِهَادُ هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ فِي حُصُولِ مَحْبُوبِ الْحَقِّ وَدَفْعُ مَا يَكْرَهُهُ الْحَقُّ فَإِذَا تَرَكَ الْعَبْدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَلْبِهِ".

وقَالَ ابن الحاج فِي المدخل (3/2): "ينبغي للمجاهد أن لا يدخل فِي الجهاد حتَّى يسأل أهل العلم عمَّا يلزمه فِي جهاده إن لَم يعلمه".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح في الباطن الذين لهم خبرة لما عليه أهل الدنيا، فأما أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا".

قُلْتُ: وقد قام حسن البنا ومفكرو ومرشدو حزب الإخوان المسلمين من بعده على تحريف الجهاد معنى وغاية، فجعلوا الجهاد بمعنى الفساد والقتل والترويع لمعصومي الدم عن طريق المظاهرات والاعتصامات والمقاطعات والثورات والتفجيرات والعمليات الانتحارية، فانخرطوا فِي عمليات إجرامية إرهابية فيها إهلاك الحرث والنسل تحت مُسمَّى الجهاد { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.

وجعلوا الجهاد بمعنى الكفاح الوطني والقومي، وجعلوا غاية الجهاد هي تحرير الأرض لا نصر العقيدة الإسلامية.

فتأمل أيها الباحث عن الحق دون تعصُّب ولا حمية جاهلية هذه الرسالة التي أرسل بها حسن البنا إلى حاخام اليهود المصريين؛ وما تحمله من الذل والعار على الإسلام والمسلمين، مِمَّا يثبت مدى ضعف عقيدة الولاء والبراء عند حسن البنا، وعدم فهمه غاية الجهاد الشرعي؛ حيث قال في هذه الرسالة موجهًا كلامه للحاخام اليهودي:

"لا نرى بدًا من أن نصارح سيادتكم وأبناء الطائفة الإسرائيلية([1]) من مواطنينا الأعزاء بأن خير حماية وأفضل وقاية أن تتقدموا سيادتكم ومعكم وجهاء الطائفة فتعلنوا على رءوس الأشهاد مشاركتكم لمواطنيكم من أبناء الأمة المصرية ماديًا وأدبيًا في كفاحهم القومي الذي اتخذوه –مسلمين ومسيحيين لإنقاذ فلسطين"([2]).اهـ

قلت: هذا موقف البنا من اليهود المصريين، أنه يعتبرهم مواطنين أعزة!! ويطالبهم أن يتخلوا عن معتقدهم ومناصرتهم لإخوانهم اليهود في مقابل نصرة أهل وطنهم كما يزعم البنا..!!

ولعلّ هؤلاء اليهود أقوى انتماء ليهوديتهم من انتماء البنا للعقيدة الإسلامية.

ولعلَّ هذا الحاخام ضحك بملء فيه وامتلأ قلبه فرحًا، وارتفعت أنفه شامخة من هذه الرسالة المخزية التي أظهرت له مدى الخنوع وضعف المعتقد عند مَن يدَّعي أنه رافع راية الجهاد الإسلامي.

وانظر كيف جعل البنا الجهاد الشرعي الإسلامي كفاحًا قوميًّا يشارك فيه النصارى واليهود!!

وقد أكَّد البنا هذا المعنى الباطل المحرِّف للجهاد الشرعي في حديث إذاعي نادر أدلى به بدعوةٍ من هيئة وادي النيل العليا لإنقاذ فلسطين قال فيه:

" وها أنتم اليوم تدعون لتدفعوا ضريبة الحياة بعد أن اضطركم عدوان العصابات الصهيونية الآثمة على الآمنين من إخوانكم عرب فلسطين وما ارتكبوه معهم من فظائع تقشعر منها الأبدان، إلى أن تهبوا لنجدتهم وتنهضوا لنصرتهم وتؤدوا حق الروابط العزيزة التي تربطكم بهم، وتصونوا مقدسات الإسلام والمسيحية من فظائع هؤلاء المعتدين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة...".

قلت: انتبه إلى تسويته بين المقدسات الإسلامية والنصرانية –والتي سماها مسيحية مداهنة للنصارى؛ لأنهم يحبون هذه التسمية، ويكرهون أن ينادوا بالنصارى- !!

هو يؤكد بهذا الكلام أن الغاية العليا من هذا الجهاد هي صيانة مقدسات المسلمين مع النصارى، ورفع العدوان عن العرب في فلسطين لا عن المسلمين فقط !!

وقال في اللقاء نفسه: "ليس في العالم منذ فجر التاريخ إلى اليوم قضية أفضل من القضية التي تنتصرون لها، ولا حقَّ أوضح من الحق الذي تطالبون به، ولا ظلم أفدح من الذي تقاومونه، ولا عدوان أفظع من هذا العدوان الذي تقفون في وجهه".

قلت: هذه مبالغة مغلوطة مكشوفة ! فإن أفضل قضية يُنتصَر لها بإجماع العلماء الربانيين هي قضية التوحيد، وأفدح ظلم هو الشرك كما قال الله سبحانه {إن الشرك لظلم عظيم}، ولكن الرجل ينطلق من عاطفة غير منضبطة بالمنهج النبوي السوي.

وقد يقول متعصِّب: لكن البنا يقصد الانتصار على اليهود نصرًا لعقيدة التوحيد على العقيدة اليهودية الوثنية !!

فأقول: لا يصح هذا التأويل؛ لأن البنا صرَّح بدون تورية أنه لا يقاتل اليهود من أجل معتقدهم، وأن الخصومة مع اليهود ليست دينية، وإنما يقاتلهم من أجل اغتصابهم الأرض، ومن ثَمَّ أدخل في مقاصد الجهاد هناك تحرير المقدسات الوثنية النصرانية من أيدي المغتصبين اليهود، فهو يعتبر هذه المقدسات الوثنية محترمة وتستحق أن يكافح من أجل تخليصها من أيدي المغتصبين !!

فقد اتفق مفكرو ومرشدو حزب الإخوان المسلمين منذ حسن البنا إلى وقتنا هذا على تقرير أن عداوتهم لليهود ليست بسبب معتقدهم الوثني الشركي، إنما بسبب احتلالهم الأرض، وأما دينهم فدين سماوي محترم، وإليك تصريحاتهم بهذه العقيدة التي تنسف البراءة من الكافرين نسفًا:

قال حسن البنا -فِي خطبة ألقاها أمام لجنة أمريكية بريطانية-: "..والناحية التي سأتحدث عنها نقطة بسيطة من الوجهة الدينية لأن هذه النقطة قد لا تكون مفهومة في العالم الغربي، ولهذا فإني أحب أن أوضحها باختصار؛ فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن الكريم حضَّ على مصافاتِهم ومصادقتِهم؛ والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية..."([3]).اهـ

قلت: وقد أكَّد حسن البنا هذا المنهج الفاسد الذي أسَّس عليه حزبه، والذي يجتث عقيدة الولاء والبراء من أصلها، وذلك في احتفاله بمرور عشرين عامًا على إنشاء حزب الإخوان، حيث خطب خطبة قال فيها: "وليست حركة الإخوان موَّجهة ضد عقيدة من العقائد، أو دين أو طائفة من الطوائف، إذ أن الشعور المهيمن على القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعًا قد أصبحت مهدَّدة الآن بالإلحادية؛ وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوَّجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذا الخطر، ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النزلاء في البلاد الإسلامية ولا يضمرون لهم سوءًا، حتى اليهود المواطنين لم يكن بيننا وبينهم إلا العلائق الطيبة"([4]).

قلت: لما سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذه المقولة أجاب: "هذه مقالة باطلة خبيثة؛ اليهود من أعدى الناس للمؤمنين مع الكُفَّار كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]، فاليهود والوثنيون هم أشد الناس عداوة للمؤمنين؛ وهذه المقالة مقالة خاطئة ظالمة قبيحة منكرة"([5]).

وكذلك سئل الشيخ الفوزان عن هذه المقولة فقال: "هذا الكلام فيه خلط وتضليل؛ اليهود كفار؛ وقد كفَّرهم الله تعالى ولعنهم، وكفَّرهم رسول الله ض ولعنهم؛ قال تعالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 78]، وقال ض: "لعنة الله على اليهود والنصارى÷.

وقال تعالَى: =إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ+ [البينة: 6].

وقال تعالَى: =يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ+ [المائدة: 51].

فعداوتنا لهم دينية، ولا يجوز لنا مصادقتهم، ولا محبتهم؛ لأن القرآن نهانا عن ذلك كما في الآية التي سبق ذكرها÷([6]).اهـ

وقال أحمد ياسين -مؤسس حركة حماس الإخوانية-([7]): >إحنا بنطلب حقنا ما بنطلب أكثر من حقنا إحنا ما بنكره اليهود، ونقاتل اليهود لأنهم يهود، اليهود أهل دين وإحنا أهل دين، إحنا بنحب كل الأديان أخوي هذا إلِّي مع أمي وأبوي لو أخذ بيتي وطردني أنا أقاتله أنا أقاتل أخوي أقاتل ابن عمي إذا أخذ بيتي وطردني فلما اليهودي يأخذ أرضي وبيتي ويطردني منه كمان أنا أقاتله، أنا ما أقاتل أمريكا ولا بريطانيا ولا كل الناس الأخرى أنا كل الناس معهم في سلام بحب الـخير لكل الناس كمـا أحب الـخير لليهود".

وقال القرضاوي في حديث نشر في جريدة الراية القطرية العدد (4696): "إننا لا نقاتل اليهود من أجل العقيدة وإنما نقاتلهم من أجل الأرض ...".

وقال في موطن آخر كلامًا أوضح وأكثر تفصيلاً، كما في كتابه "القدس قضية كل مسلم" (ص41): "فلو كنا نحارب اليهود من أجل العقيدة، لحاربنا النصارى المسيحيين أيضًا.

ومن أجل هذا يتبين لنا خطأ بعض عوام المتدينين الذين يتوهمون أن الحرب القائمة بيننا وبين اليهود حرب من أجل العقيدة، ومعنى هذا أننا نقاتل اليهود؛ لأنهم يهود كفروا برسالة محمد، وحرَّفوا كلام الله عن موضعه ...إلى آخر ما هو معروف عنهم مما حكاه القرآن ..وهذه النظرة التي قد تخطر في بال بعض الناس خاطئة تمامًا".

وقد كرَّر القرضاوي هذا الهراء في مواضع شتى مما يؤكد أنه عقيدة راسخة عنده لا تتزعزع.

وقد صرَّح صلاح شحادة -القائد العسكري العام لكتائب القسام- بهذه العقيدة الفاسدة فقال: "فنحن نعمل وفق مبادئ جهادية نلتزم بها وشعارنا: إننا لا نقاتل اليهود لأنهم يهود، وإنما نقاتلهم لأنهم محتلون لأرضنا، ولا نقاتلهم لعقيدتهم، وإنما نقاتلهم؛ لأنهم اغتصبوا أرضنا....". ([8]).

قلت: فكيف يُظنّ في أناس علَّمهم إمامهم هذه النية الفاسدة في الجهاد أن ينالوا النصر من الله سبحانه، وأن يجعل الله تحرير القدس والمسجد الأقصى –لا القبة الشركية- على أيديهم ؟!!

هيهات ..هيهات !!

وقال حسين أحمد محمد حمودة –أحد الضباط الأحرار- في كتابه "أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون"، تحت فصل: "الإخوان المسلمون وقضية فلسطين":

"وكم كان جميلاً أن يقوم الإخوان المسلمون بالدفاع عن مقدسات المسيحيين في فلسطين ، إذ كان نصيبهم الدفاع عن مدينة بيت لحم التي تقع على بعد ستة أميال جنوب القدس وهي إحدى المدن المسيحية المقدسة ، إذ تقع فيها كثير من آثار المسيحيين وكنائسهم وبخاصة كنيسة المهد التي يحج إليها مسيحيون من جميع أنحاء العالم وغالبية سكانها من المسيحيين العرب.

وقد احتفى المسيحيون بالإخوان المسلمين عند دخولهم للدفاع عن مدينتهم وكان الإخوان يبادلونهم هذا الشعور الكريم لما رأوه من إخلاصهم ولما شاهدوه من غيرة صادقة على كرامة العرب. وقد استشهد حول أسوار بيت لحم عدد هائل من شباب الإخوان المسلمين دفاعاً عن مقدسات المسيحيين وظل الإخوان يدافعون عن مدينة بيت لحم عاماً كاملاً دون أن تقع حادثة واحدة من تلك الحوادث التي تقع عادة بين الجنود والمدنيين من أهل البلاد".اهـ

قلت: هذا هو جهادهم !! يظلون عامًا كاملاً يبذلون فيه مهجهم وأرواحهم للدفاع عن المقدسات الوثنية للنصارى !!!

هذه هي حقيقة الجهاد عند حزب الإخوان، أنه جهاد وطني قومي، ليس جهادًا شرعيًا لنصرة العقيدة الإسلامية، فلا تنخدع أيها القارئ الفطن بدعاوى الإخوان التي طالما أشغلونا بها، ولا صدى لحقيقتها ولا جديتها في واقعهم.

فشعارهم: "الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا"، لا حقيقة له؛ لأن أئمة الحزب لا يعيرونه اهتمامًا؛ حيث إن جل تصريحاتهم إنما هي في نصرة القومية والوطنية والديمقراطية والاشتراكية !!!

وقصارى ما صنعوه هو الترويح للقبة الشركية الكائنة بالقرب من المسجد الأقصى، وإيهام الجهال أن هذه القبة هي المسجد الأقصى.

وصدق ابن حزم -رحمه الله- في قوله في الفصل (4/171): "وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن جَمِيع فرق الضَّلَالَة لم يجر الله على أَيْديهم خيرا وَلَا فتح بهم من بِلَاد الْكفْر قَوِيَّة وَلَا رفع لِلْإِسْلَامِ راية وَمَا زَالُوا يسعون فِي قلب نظام الْمُسلمين ويفرقون كلمة الْمُؤمنِينَ ويسلون السَّيْف على أهل الدّين ويسعون فِي الأَرْض مفسدين".
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

وكتب:
أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري

ليلة السبت 24 شوال لعام 1434هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) هكذا يخاطب اليهود بما يحبونه، وهو الانتساب إلى نبي الله إسرائيل -أي يعقوب- عليه السلام، وهذا من الخنوع والذلة لمن ألقى الله سبحانه عليهم الذلّة والصغار.

والله سبحانه لم يسمهم في كتابه "الإسرائيليين"، إنما سماهم بـ"اليهود"، وأحيانًا يقول: "بني إسرائيل".

قال شيخنا الإمام ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله تعالى- في مقاله الماتع "هل يجوز تسمية دولة اليهود إسرائيل": " لقد ذم الله اليهود في القرآن كثيراً ولعنهم وحدثنا عن الغضب عليهم لكن باسم اليهود وباسم الذين كفروا من بني إسرائيل لا باسم اسرائيل النبي الكريم يعقوب ابن الكريم إسحاق نبي الله ابن الكريم إبراهيم خليل الله عليهم الصلاة والسلام!

ليس لهؤلاء اليهود أي علاقة دينية بنبي الله إسرائيل (يعقوب عليه السلام) و لا بإبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام!

ولاحق لهم في وراثتهما الدينية إنما هي خاصة بالمؤمنين، قال تعالى{إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} [آل عمران:68].

وقال تعالى مبرئاً خليله إبراهيم من اليهود والنصارى والمشركين: {ما كان إبراهيم يهودياً و لا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين} [آل عمران:67].

المسلمون لا ينكرون أن اليهود من نسل إبراهيم وإسرائيل، ولكنهم يجزمون أن اليهود من أعداء الله وأعداء رسله ومنهم محمد وإبراهيم وإسرائيل ويقطعون أن لا توارث بين الأنبياء وبين أعدائهم من الكافرين؛ سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو من مشركي العرب وغيرهم ، وإن أولى الناس بإبراهيم وسائر الأنبياء هم المسلمون الذين آمنوا بهم وأحبوهم وأكرموهم وآمنوا بما أنزل عليهم من الكتب والصحف، واعتبروا ذلك من أصول دينهم؛ فهم ورثتهم وأولى الناس بهم".

([2]) انظر: "في قافلة الإخوان" (ص147)، و"الإخوان المسلمون بين الابتداع الديني والإفلاس السياسي" (ص361).

([3]) قافلة الإخوان للسيسي (1/311)، "والإخوان المسلمين: أحداث صنعت التاريخ"، لمحمود عبد الحليم (1/409).

([4]) قافلة الإخوان للسيسي (1/211).

([5]) "العواصم من القواصم÷ للعلامة ربيع بن هادي حفظه الله (ص 65).

([6]) الأجوبة المفيدة (ص20).

([7]) كلمة مسجلة بصوته منشورة على الشبكة العنكبوتية.

([8]) انظر (فلسطين - الجيل للصحافة 29/05/2002 ، وانظر (موقع الإخوان المسلمين: إخوان أون لاين بعنوان: صلاح شحادة.. القائد الرباني والشهيد الحي).

م : سحاب .