الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه الماتع :

القول المفيد في شرح كتاب التوحيد


باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم و تركهم دينهم هو الغلوّ في الصالحين

المسألة الثامنة : فيه شاهد لما نُقل عن السلف أنّ البدعَ سببُ الكفرِ :
قال أهل العلم : إنَّ الكفر له أسباب متعددة ، و لا مانع أن يكون للشيء الواحد أسباب متعددة ومن ذلك الكفر ، ذكروا من أسبابه البدعة ، و قالوا : إنَّ البدعة لا تزال في القلب ، يُظلم منها شيئا فشيئا ، حتى يصل إلى الكفر ، و استدلوا بقوله صلى الله عليه و آله و سلم : " كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار " .
وقالوا أيضا : ( إنَّ المعاصي بريد الكفر ) . و بريد الشيء ما يوصل إلى الغاية . و المعاصي كما أخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم تتراكم على القلب ، فتنكت فيه نكتة سوداء ، فإن تاب صُقل قلبه و ابيض ، و إلاّ فلا تزال هذه النكتة السوداء تتزايد حتى يصبح مظلما .
و كذلك حذّر من محقرات الذنوب ، و ضرب لها مثلا بقوم نزلوا أرضا ، و أرادوا أن يطبخوا ، فذهب كل واحد منهم و أتى بعود ، فأتى هذا بعود وهذا بعود فجمعوها ، فأضرموا نارا كبيرة ، و هكذا المعاصي ، فالمعاصي لها تأثير قوي على القلب ، و أشدّها تأثيرا الشهوة ، فهي أشد من الشبهة ، لأنّ الشبهة أيسر زوالا على من يسرها الله عليه ، إذ إنّ مصدرها الجهل وهو يزول بالتعلم .
أما الشهوة ، وهي إرادة الإنسان الباطل ، فهي البلاء الذي يُقتل به العالم و الجاهل ، و لذا كانت معصية اليهود أكبر من معصية النصارى ، لأنّ معصية اليهود سببها الشهوة و إرادة السوء و الباطل ، و النصارى سببها الشبهة ، و لهذا كانت البدع غالبها شبهة و لكن كثيرا منها سببه الشهوة ، و لهذا يبين الحق لأهل الشهوة من أهل البدع فيصرون عليها ، وغالبهم يقصد بذلك بقاء جاهه و رئاسته بين الناس دون صلاح الخلق ، و يظن في نفسه و يملي عليه الشيطان أنه لو رجع عن بدعته لنقصت منزلته بين الناس ، و قالوا هذا رجل متقلب و ليس عنتده علم ، لكن الأمر ليس كذلك ، فأبو الحسن الأشعري مضرب المثل في هذا الباب ، فإنه لما كان من المعتزلة لم يكن إماما ، و لما رجع إلى مذهب أهل السنة صار إماما ، فكلّ من رجع إلى الحق ازدادت منزلته عند الله سبحانه ، ثم عند خلقه .
و الخلاصة : أنَّ البدعةَ سبب للكفر ، و لا يرد على هذا قول بعض أهل العلم إنَّ المعاصي بريد الكفر ، لأنه لا مانع من تعدد الأسباب .

انتهى كلامه رحمه الله و رزقه الفردوس الأعلى


<!-- / message -->