فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين

قوله: (فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين( [يوسف: 64]، قالها عن يعقوب حين أرسل مع أبنائه أخا يوسف الشقيق، لأن يوسف عليه الصلاة والسلام قال: لا كيل لكم إذا رجعتم، إلا إذا أتيتم بأخيكم، فبلغوا والدهم هذه الرسالة، ومن أجل الحاجة أرسله معهم، وقال لهم عند وداعه: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين( [يوسف: 64]، يعني: لن تحفظوه، لكن الله هو الذي يحفظه.
* (خير حافظاً(: (حافظاً(: قال العلماء: إنا تمييز، كقول العرب: لله دره فارساً. وقيل: إنها حال من فاعل (خير( في قوله: (فالله خير(، أي: حال كونه حافظاً.
* الشاهد من الآية هنا قوله: (وهو أرحم الراحمين(، حيث أثبت الله عز وجل الرحمة، بل بين أنه أرحم الراحمين، لو جمعت رحمة الخلق كلهم، بل رحمات الخلق كلهم، لكانت رحمة الله أشد وأعظم.
أرحم ما يكون من الخلق بالخلق رحمة الأم ولدها، فإن رحمة الأم ولدها لا يساويها شيء من رحمة الناس أبداً، حتى الأب لا يرحم أولاده مثل أمهم في الغالب.
جاءت امرأة في السبي تطلب ولدها وتبحث عنه، فلما رأته، أخذته بشفقة وضمته إلى صدرها أمام الناس وأمام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال النبي (: "أترون أن هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟". قالوا: لا والله يا رسول الله. قال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"(1).
جل جلاله، عز ملكه وسلطانه.
كل الراحمين، إذا جمعت رحماتهم كلهم، فليست بشيء عند رحمة الله.
ويدلك على هذا أن الله عز وجل خلق مئة رحمة، وضع منها رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق في الدنيا(2).
__________
(1) رواه البخاري/ كتاب الأدب/ باب رحمة الولد، ومسلم/ كتاب التوبة/ باب في سعة رحمة الله.
(2) رواه البخاري/ كتاب الأدب/ باب جعل الله الرحمة في مائة جزء، ومسلم/ كتاب التوبة/ باب في سعة رحمة الله.


مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين