قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ï·؛ : مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ . رواه الترمذي وصححه الألباني
شرح حديث: (
ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه) الشيخ عبد المحس العباد-حفظه الله-

الحديث السابع والأربعون من الأحاديث الخمسين بتتمة ابن رجب ، وهو الحديث الخامس من الأحاديث الثمانية التي زادها ابن رجب :
عن المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، بحسب امرئ أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) رواه الإمام أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة ، وقال الترمذي : حديث حسن.
ذكر المصنف تخريجه عن الإمام أحمد وعن ثلاثة من أصحاب السنن الأربعة وهم من عدا الإمام أبا داود رحم الله تعالى الجميع.
وكان من طريقة الإمام النووي رحمه الله عندما يخرج الأحاديث أن يقول: رواه فلان وفلان، فيعبر بـ(رواه)، وأما الحافظ ابن رجب فإنه يعبر بـ(خرجه) وأحياناً يعبر بـ(رواه)، ولا فرق بين خرجه ورواه، فإن المقصود به المؤلف الذي روى هذا الحديث في كتابه بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن)، الوعاء هو: الظرف الذي توضع فيه الأشياء، والبطن هو: الذي يوضع فيه الطعام، وإذا أُكثر من الطعام أدى إلى تخمة وصار ضرراً وشراً على صاحبه؛ وذلك لما ينتج عنه من الكسل والخمول والفتور، وما يحصل عنه أيضاً من الأمراض والأمور المنغصة.
وبعد أن بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن البطن هو شر وعاء يملأ أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الطريقة المثلى في الأكل وهي أخذ الكفاية، ثم بين هذه الكفاية فقال عليه الصلاة والسلام: (بحسب امرئ) أي: يكفيه (أكلات يقمن صلبه)، أكلات: جمع أكلة، أي: لقيمات يقمن صلبه، وصلبه هو ظهره، وذلك أنه إذا أكل الإنسان وحصل له التغذي بالطعام فإنه يكون عنده نشاط وتكون عنده قوة وفيه حياة، وإذا ذهب عنه الطعام أدى به ذلك إلى السقام وإلى المرض، وربما أدى به ذلك إلى الموت بسبب الجوع.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (بحسب) الحسب هنا بمعنى الكافي، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64]، أي: كافيك الله، وكافي من اتبعك من المؤمنين، وقد مر في حديث أبي هريرة : (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، أي: لو لم يكن عنده من الشر إلا هذا لكان كافياً فكيف إذا كانت عنده شرور أخرى، فإن ذلك شر إلى شر وضرر إلى ضرر.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الإنسان إذا لم يكتف بهذه الأكلات التي يحصل بها إقامة الصلب إلى هذه القسمة الثلاثية، وهي أن يكون ثلث بطنه لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أحوال للناس: فالحالة الأولى: حال من يملأ بطنه، وبذلك يتعرض لأسباب الأمراض وللأسقام وللكسل والخمول، والحالة الثانية: حال من يأتي بالطريقة التي فيها الكفاية، وهي الأكلات التي يقمن صلبه، وإذا كان ولا بد فهناك شيء بين الكفاية والامتلاء، وهو أن يملأ الثلثين ويبقى ثلث يكون فيه مجال للتنفس وهذه هي الحالة الثالثة.
فهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالمآكل والمشارب.