2767 - " إن من أشراط الساعة أن يفيض المال و يكثر الجهل و تظهر الفتن و تفشو التجارة
[ و يظهر العلم ] "

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 631 :
أخرجه النسائي في " سننه " ( 2 / 212 ) و الحاكم في " مستدركه " ( 2 / 7 ) و
اللفظ له ، و الطيالسي ( 1171 ) و عنه ابن منده في " المعرفة " ( 2 / 59 / 2 )
و الخطابي في " غريب الحديث " ( 81 / 2 ) من طريق وهب بن جرير : حدثنا أبي قال
: سمعت يونس بن عبيد يحدث عن الحسن عن عمرو بن تغلب قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكره . و الزيادة للنسائي ، و لها عنده تتمة و هي : " و
يبيع الرجل البيع فيقول : لا حتى أستأمر تاجر بني فلان ، و يلتمس في الحي
العظيم الكاتب فلا يوجد " . و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين ، إلا أن
عمرو بن تغلب ليس به راو غير الحسن " . كذا قال ! و كأنه لم يقف على قول ابن
أبي حاتم في كتابه ( 3 / 1 / 222 / 1235 ) و تبعه ابن عبد البر في " الاستيعاب
" : " ... روى عنه الحسن البصري و الحكم بن الأعرج " . قلت : و قد روى البخاري
في " صحيحه " ( 2927 و 3592 ) و ابن ماجه ( 4098 ) و أحمد ( 4 / 69 - 70 )
حديثا في أشراط الساعة في مقاتلة الترك ، من طريق الحسن عن عمرو بن تغلب ، لكن
صرح فيه بالتحديث ، و هذا شرط مهم بالنسبة لصحة الحديث بصورة عامة ، و على شرط
البخاري بصورة خاصة ، لما هو معلوم عند المتمكنين في هذا العلم أن الحسن البصري
مدلس ، ففي ثبوت هذا الحديث توقف عن عمرو بن تغلب لعدم تصريحه بالسماع منه ،
لكن الحديث صحيح لما يأتي مما يقويه . و بالجملة ، فعلة هذا الإسناد هي العنعنة
، و ليس الإرسال كما توهم الدكتور فؤاد في تعليقه على " الحكم و الأمثال "
للماوردي ( ص 100 ) ، فقال بعد أن صرح بضعف الحديث و ذكر قول الحاكم : " ليس
لعمرو بن تغلب راو غير الحسن " ، و زاد عليه : " و هو البصري تابعي ، و قد رفعه
إلى الرسول مباشرة ، فالحديث مرسل " ! قلت : و هذه الزيادة موصولة عنده بكلام
الحاكم ، بحيث أنه لا يمكن لأحد لم يكن قد اطلع على كلام الحاكم المتقدم أولا ،
أن يميزه عن ما بعده الذي هو من كلام الدكتور ثانيا ! إلا إذا تنبه لما فيه من
الجهل بهذا العلم الذي يترفع عما دونه من كان دون الحاكم في العلم بمراحل !! و
الله المستعان . و الحديث وقع في " الأمثال " : ( الهرج ) مكان ( الجهل ) ، و (
الظلم ) مكان ( العلم ) ، و أظنه تصحيفا . و لم ينبه على شيء من ذلك الدكتور
فؤاد ، بل عزا الحديث إلى الحاكم كما تقدم - على ما بين روايته و رواية "
الأمثال " من الاختلاف !! - و لم أجد للفظ ( الظلم ) شاهدا بخلاف ( العلم ) ،
فقد رأيت الحديث في " الفتن " لأبي عمرو الداني ( ق 15 / 2 ) من طريق علي بن
معبد قال : حدثنا عبد الله بن عصمة عن أبي حمزة عن الحسن قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكر الحديث دون فقرتي الجهل و الفتن ، و زاد : " قال ابن
معبد : يعني الكتاب " . قلت : و عبد الله بن عصمة لم أعرفه . و أبو حمزة الظاهر
أنه الذي في " كنى الدولابي " ( 1 / 156 ) : " و أبو حمزة إسحاق بن الربيع ،
يروي عن الحسن ، بصري " . و في " المقتنى " للذهبي ( 26 / 1 ) : " أبو حمزة
العطار : إسحاق بن الربيع " . و هو من رجال " التهذيب " ، و في " التقريب " : "
إسحاق بن الربيع البصري الأبلي - بضم الهمزة الموحدة و تشديد اللام - أبو حمزة
العطار ، صدوق تكلم فيه للقدر ، من السابعة " . و بالجملة ، ففي هذه الرواية مع
الإرسال ضعف لا يعلل به الرواية المسندة التي قبلها ، و إنما علتها العنعنة كما
ذكرنا ، و إنما ذكرت هذه المرسلة لنرجح لفظة ( العلم ) على لفظة ( الظلم ) . و
قد وجدت لها شاهدا من حديث سيار عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة و فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها
على التجارة و قطع الأرحام و شهادة الزور و كتمان شهادة الحق و ظهور القلم " .
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1049 ) و أحمد ( 1 / 407 ) بإسناد صحيح ،
رجاله ثقات رجال مسلم غير سيار ، و هو سيار أبو الحكم كما وقع في رواية البخاري
، و كذا الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 4 / 385 ) و أحمد في رواية ( 1 / 419 ) و
كذا في رواية الحاكم لهذا الحديث ببعض اختصار في " المستدرك " ( 4 / 445 ) و في
حديث آخر عند أحمد ( 1 / 389 ) و هو ثقة من رجال الشيخين ، لكن قيل : إنه سيار
أبو حمزة ، و رجحه الحافظ في " التهذيب " ، و رده الشيخ أحمد شاكر في تعليقه
على " المسند " ( 5 / 257 - 258 ) و ادعى أن أبا حمزة هذا لم توجد له ترجمة ،
مع أنه من رجال " التهذيب " ، ذكره عقب ترجمة سيار أبي الحكم ، و ذكر الحافظ
المزي أنه ذكره ابن حبان في " الثقات " ، فقال الحافظ ابن حجر : " و لم أجد
لأبي حمزة ذكرا في " ثقات ابن حبان " ، فينظر " . قلت : هو عنده في " أتباع
التابعين " قبيل ترجمة سيار أبي الحكم ( 6 / 421 - هندية ) . و كذلك ترجمه
البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 2 / 160 ) و ابن أبي حاتم ( 2 / 1 / 255 )
. و الأول ثقة من رجال الشيخين ، و هذا لم يوثقه غير ابن حبان ، و روى عنه جمع
، و لكن لم نجد حجة لمن ادعى أنه هو راوي هذا الحديث مع تصريح الراوي عنه - و
هو بشير بن سلمان - أنه سيار أبو الحكم ، إلا مجرد ادعاء أنه أخطأ في ذلك و أن
الصواب أنه سيار أبو حمزة . و لو سلمنا بذلك فالإسناد لا ينزل عن مرتبة الحسن
لما سبق من توثيق ابن حبان إياه مع رواية جمع عنه . و الحديث أورده الهيثمي في
" مجمع الزوائد " ( 7 / 329 ) برواية أحمد بتمامه ، و البزار ببعضه ثم قال : "
و رجالهما رجال الصحيح " . ( فائدة ) : وقع في " المجمع " ( العلم ) مكان (
القلم ) ، و الظاهر أنه تحريف ، و الصواب ما في " المسند " : ( القلم )
لمطابقته لما في " جامع المسانيد " ( 27 / 166 - 167 ) عنه ، و لرواية " الأدب
المفرد " من الطبعة السلفية ، و الطبعة التازية و الطبعة الهندية ، خلافا
للطبعة الجيلانية ، و لا ينافي ذلك زيادة النسائي و رواية الداني ، لأنها بمعنى
( القلم ) أو قريبة منه ، و لاسيما و قد فسرها علي بن معبد بقوله : " يعني
الكتاب " أي الكتابة . قال العلامة أحمد شاكر : " يريد الكتابة " . قلت : ففي
الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس
القراءة و الكتابة ، و القضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك ،
فتعلن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى ! فالحديث علم من أعلام
نبوته صلى الله عليه وسلم ، بأبي هو و أمي . و لا يخالف ذلك - كما قد يتوهم
البعض - ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن
يرفع العلم و يظهر الجهل لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم
و يعبدونه حق عبادته ، و ليس بالكتابة و محو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة
اليوم ، فإن كثيرا من الشعوب الإسلامية فضلا عن غيرها ، لم تستفد من تعلمها
القراءة و الكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل و البعد عن الشريعة الإسلامية
، إلا ما قل و ندر ، و ذلك مما لا حكم له . و إن مما يدل على ما ذكرنا قوله صلى
الله عليه وسلم : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، و لكن
يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا
، فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا " . رواه الشيخان و غيرهما من حديث ابن عمرو و
صدقته عائشة ، و هو مخرج في " الروض النضير " ( رقم 579 ) . ثم بدا لي أن
الحديث صحيح من جهة أخرى ، و هي أنه وقع عند الطيالسي تماما لحديث البخاري الذي
صرح فيه الحسن بالسماع . و الله تعالى أعلم . ( تنبيه ) : في حديث ابن مسعود من
رواية " الأدب المفرد " زيادة هامة ، يستفاد منها حكمان شرعيان هامان جدا ، و
قد بينتهما في كثير من مؤلفاتي من آخرها في التعليق على كتابي الجديد " صحيح
الأدب المفرد " ( رقم 801 / 1049 ) و هو وشيك الانتهاء إن شاء الله تعالى . ثم
طبع و صدر هو و قسيمه " ضعيف الأدب المفرد " ، و الحمد لله على توفيقه .