النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    في إحدى الدول
    المشاركات
    4,888

    افتراضي [خطبة] بيان عقوبة القذف وحدِّ الزنى واللواط - التحذير من جميع الأسباب الموصلة إلى هذه الفتن


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمدُ لله القوي العظيم، العزيز الرحيم العليم الحكيم، شرَعَ عقوبة المجرمين منعًا للفساد ورحمة للعالمين، وكفَّارة لجرائم الطاغين المعتدين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أفضل النبيِّين وقائد المصلحين وأرحم الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا .
    أما بعد:
    فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم الكامل، الجامع بين الرحمة والحكمة: رحمة في إصلاح الخلق وحكمة في سلوك الطريق الموصل إلى الإصلاح .
    أيها الناس، إن من طبيعة البشر أن تكون لهم إرادات متباينة ونزعات مختلفة، فمنها نزعات إلى الحق والخير ومنها نزعات إلى الباطل والشر كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِن﴾ [التغابن: 2]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: 4] .
    ولَمَّا كانت النزعات إلى الباطل والشر في ضرورة إلى ما يكبح جِماحَها ويخفِّف من حدَّتها من وازعٍ إيمانيٍّ أو رادعٍ سلطانيٍّ جاءت النصوص الكثيرة بالتحذير من الباطل والشر والترغيب في الحق والخير وبيان ما يترتَّب على الباطل والشر من مفاسد في الدنيا وعقوبة في الآخرة وما يترتَّب على الحق والخير من مصالح في الدنيا ومثوبات نعيم في الآخرة، ولكن لَمَّا كان هذا الوازع لا يكفي في إصلاح بعض النفوس الشرِّيرة الموغلة في الباطل والشر وكبح جِماحها والتخفيف من حدَّتها فرَضَ رب العالمين برحمته وحكمته عقوبات دنيويَّة وحدودًا متنوِّعة بحسب الجرائم لتردع المعتدي وتُصلح الفاسد وتُقيم الأعوج وتطهِّر الملَّة وتُقيم الأمة وتُكفّر جريمة المجرم، فلا تجتمع له عقوبة الآخرة مع عقوبة الدنيا .
    ففَرَضَ الله الحدود وأوجب على ولاة الأمور إقامتها على الشريف والوضيع، والغني والفقير، والذكر والأنثى والقريب والبعيد، ألَم تسمعوا إلى قول الله عزَّ وجل: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38]، فأمر بالقطع، وقال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]، فأمر بالجلد، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: 4]، فأمر بالجلد، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روي عنه: «أقيموا حدود الله في القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومةُ لائم»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - «حين شفع إليه في امرأة من بني مخزوم كانت تستعير الشيء فتجحده فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها، فشفع فيها أسامة - رضي الله عنه - فأنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: أتَشْفَعُ في حدٍّ من حدود الله ؟ ثم قام صلى الله عليه وسلم فاختطب وقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله - أي: أَحْلِفُ بالله - لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها» متَّفقٌ عليه .
    فالله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ! هكذا الحق، أشرفُ النساء نسبًا فاطمة بنت محمد سيِّدة نساء أهل الجنة يُقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادقُ البارُّ بغير قسم فكيف إذا أقسم ؟ ! يُقسم صلى الله عليه وسلم أن لو سرقت لقطع يدها .
    أين الثرى من الثريَّا ! أين هذا القول وما كان عليه الناس اليوم من المماطلات في إقامة الحدود والتعليلات الباردة والمحاولات الباطلة لمنع إقامة الحدود ؟ وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن حالَتْ شفاعته دون حدٍّ من حدود الله فقد ضَادَّ الله في أمره» .
    أيها المسلمون، إن هذا لشيء عجب أن يحاول بعض الناس منع إقامة الحدود التي فرض الله إقامتها بحجج واهية وعلل ملتوية، علل معلولة، علل ميتة لا تغني من الحق شيئًا مع أن الذي فرَضَ هذه الحدود أرحم بالناس من أنفسهم وأحكم الحاكمين وأعدل العادلين، فيُحاول بعض الناس أن يمنع عقوبة الله التي فرضها على عباد الله الذين استحقوها .
    لقد فرض الله - عزَّ وجل - عقوبة القاذف الذي يرمي الشخص المحصن البعيد عن تهمة الزنى فيقول له: يا زاني أو يا زانية، فإذا قال إنسان لشخص عفيف، إذا قال له ذلك قيل له: إما أن تأتي بالبيِّنة الشرعيَّة على ما قلت ؟ وما أدراكم ما البيِّنة الشرعيَّة هنا ؟
    البيِّنة الشرعيَّة هنا: أن يشهد أربعة رجال عدول على أنهم رأوا ذَكَرَ الزاني في فرْج الزانية قد أدخله في فرْجها وهذا أمر عظيم فيقال لهذا القاذف: إما أن تأتي بالبيِّنة الشرعيِّة على ما قلت وإما حدٌّ في ظهرك، فإذا لم يأتِ بها عُوقب بثلاث عقوبات في كتاب الله: يُجلد ثمانين جلدة، ولا تُقبل لهم شهادة أبدًا، ويُحكم بفسقه فيخرج عن العدالة إلا أن يتوب ويُصلح، يقول الله عزَّ وجل: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 4-5] .
    وإنّما فرَضَ الله عقوبة القاذف بتلك العقوبات حمايةً للأعراض ودفعًا عن تهمة المقذوف البريء البعيد عن التهمة .
    وفرَضَ الله عقوبة الزاني وجعَلها على نوعين: نوع بالجلد مائة جلدة أمام الناس ثم يُنفى عن البلد لمدة سنة كاملة وذلك فيما إذا لم يسبق له زواج تمتَّع فيه بنعمة الجِماع المباح، يقول الله عزَّ وجل: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البِكر بالبِكر جلد مائة وتغريبُ عام» .
    أما النوع الثاني من عقوبة الزناة فهو: الرجم بالحجارة حتى يموتوا ثم بعد ذلك يغسّلون ويكفّنون ويصلّى عليهم ويدعى لهم بالرحمة والمغفرة ويدفنون مع المسلمين وتلك العقوبة فيمَن سبق له زواج تمتَّع فيه بالجِماع المباح وإن كان حين فعل الفاحشة لا زوج معه، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى بعث محمّدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللهِ ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلُّوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حقٌّ في كتاب الله على مَن زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيِّنة أو كان الحبَل - يعني: الحمل - أو الاعتراف» .
    هكذا أعلن أمير المؤمنين الخليفة الثاني بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلن على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حضور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلن على الملإ حتى لا يُنكر الرجم إذا لم يجدوا الآية في كتاب الله، والله تعالى يمحو ما يشاء ويُثبت، وقد نُسخت آية الرجم من القرآن لفظًا وبقي حكمها إلى يوم القيامة، والحكمة في ذلك والله أعلم: أن تتميَّز هذه الأمة عن بني إسرائيل بالانقياد التام؛ فإن بني إسرائيل فُرضَ عليهم رجم الزاني إذا أحصن ونصُّه في التوراة ولكنهم حاولوا إخفاءه حين كثر الزنى في أشرافهم ورأوا أن الرجم قد يقضي على هؤلاء الأشراف وهم أنذال، فجاؤوا بالتوراة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين زنى منهم رجل وامرأة فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجمهما فأتوا بالتوراة فحين قرأ قارئهم التوراة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاوَلَ إخفاء الآية التي فيها الرجم ووضع عليها يده .
    أما هذه الأمة - وللهِ الحمد وأسأل الله تعالى أن يُدِيم عليها تحكيم كتاب الله وسنَّة رسوله - هذه الأمة نسخ الله لفظ آية الرجم فلا يوجد لفظ آية الرجم في القرآن ولكنهم عمِلوا بها لعلمهم ببقاء حكمها وتنفيذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين لهذا الحكم .
    أيها الناس، قد يقول قائل غبي: لماذا كانت عقوبة الزاني المحصن بهذه الصورة المؤلمة ؟ لماذا لم يُقتل بالسيف؛ لأن القتل بالسيف أسهل ؟
    فنقول: إنه لا يجوز لإنسان أن يعترض على حكم ثابت في كتاب الله وسنَّة رسوله بل عليه أن يسلِّم وعليه أن يستسلم لحكم الله، ولكن إذا سأل عن الحكمة مُسترشدًا لا مُعترضًا فلا بأس أن يُجاب بِما يقتنع به فنقول: إن لذة الزنى قد شملت جميع البدن واهتزَّ لها البدن كله فكان من الحكمة أن يُعاقب بعقوبة يتألَّم بها جميع البدن كما تلذَّذ جميع البدن بهذه الشهوة المحرمة فكان من المناسب ومن الحكمة البالغة أن تشمل العقوبة جميع بدنه بألَمِ تلك الحجارة .
    أيها المسلمون، إن عقوبة الزاني بهذين النوعين من العقوبة لَفِي غاية الحكمة والمناسبة ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 132] .
    وإن إيجاب عقوبة الزاني من رجل أو امرأة لعَينُ الرحمة للخلق لِمَا فيه من القضاء على مفسدة الزنى، ذلك الخلُق الفاحش المدمر للمجتمعات، المفسد للأخلاق والسلوك، الموجب لضياع الأنساب واختلاط المياه، المحوّل للمجتمع الإنساني إلى مجتمع بهيمي لا يهتم إلا بملء بطنه وشهوة فرجه، واقرؤوا قول الله عزَّ وجل: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: 32] .
    أما اللواط - أيها الناس - وهو: جماع الذَّكَر للذَّكَر فذلكم الفاحشة العظمى والجريمة النكراء، هدمٌ للأخلاق، ومحقٌ للرجولة، وقتلٌ للمعنويَّة، وجلبٌ للدمار، وسببٌ للخزي والعار، وقلبٌ للأوضاع الطبيعية، تمتّعٌ في غير محلّه واستحلال في غير حلّه، الفاعل ظالِم لنفسه؛ حيث جرّها إلى هذه الجريمة، والمفعول به مع ذلك مُهين لنفسه؛ حيث رَضِيَ أن يكون مع الرجال بمنزلة النسوان لا تزول ظلمة الذل والهوان من وجهه حتى يموت أو يتوب توبة نصوحًا يستنير بها قلبه ووجهه، وكلاهما - اللائط والملوطَ به - ظالِمٌ لمجتمعه؛ حيث نزلوا بمستوى المجتمع إلى هذه الحال المقلوبة التي لا ترضاها ولا البهائم؛ ومن أجل مفاسد اللواط العظيمة كانت عقوبته أعظم من عقوبة الزنى، ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَلْعونٌ مَن عَمِل عَمَلَ قوم لوط، مَلْعونٌ مَن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، مَلْعونٌ مَن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط»، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن وجدتموه يعمل عمَل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» .
    واتَّفق الصحابة - رضي الله عنهم - على قتل الفاعل والمفعول به، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لم يختلف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله سواء كان فاعلاً أم مفعولاً به ولكن اختلفوا كيف يُقتل ؟ فقال بعضهم: يُرجم بالحجارة، وقال بعضهم: يُلقى من أعلى شاهق في البلد، وقال بعضهم: يُحرَّق بالنار، وإذا دلَّت السنَّة ودلَّ إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على قتل الفاعل والمفعول به في اللواط فإنه يجب على ولاة هذه الأمة أن ينفذوا ما دلَّت عليه السنَّة وأجمع عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم .
    أيها المسلمون، إن فاحشة اللواط فاحشة عظيمة، إنها فاحشة لا تضر بالفاعل والمفعول به فحسب بل تضر بكل المجتمع، وما أدري ماذا تكون نفسية المفعول به إذا كان يمشي بين الناس وهو يرى أنه كالمرأة محلٌّ للوطء، ماذا أدري ما تكون نفسيته حينئذٍ ؟ ولا أدري ماذا تكون نفسية الفاعل العادي الظالِم إذا كان يمشي بين الناس وهو يعتقد أنه مفسد لأخلاقهم ؟
    أيها المسلمون، إذا كانت هذه العقوبة عقوبة تلك الفاحشة فلأن هذا قضاء على تلك الجرثومة الفاسدة التي إذا ظهرت في المجتمع فيوشك أن تدمره تدمير النار للهشيم، ففي القضاء عليها مصلحة للجميع وحماية للمجرمين أن يُملى لهم بالبقاء في الدنيا فيزدادوا إثْمًا وطغيانًا، واللهُ عليم حكيم .
    اللهم إنا نسألك أن تحمينا وأن تحمي ذرِّيَّاتنا وأن تحمي أمّتنا جميعًا عن مساوئ الأخلاق وعن موجبات سخطك وعقابك وأن تهيئ لنا من أمرنا رشدًا؛ إنك أنت الوهاب .
    اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ونبيّك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .
    الخطبة الثانية
    الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة من عقابه يوم نلاقيه، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله الذي اصطفاه الله - عزَّ وجل - على جميع البشر، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أما بعد:
    أيها الناس، فقد سمعتم في الخطبة الأولى ثلاث جرائم وثلاث عقوبات لها .
    الجريمة الأولى: جريمة القذف، والجريمة الثانية: جريمة الزنى، والجريمة الثالثة: جريمة اللواط، وعلمتم ما يجب فيها من العقوبة بكتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم .
    وإن الواجب علينا نحن المسلمين أن نسعى بمنع الأسباب التي قد تُوصِل إلى هذه الجرائم العظيمة المدمّرة للأديان والأخلاق والمجتمعات .
    إن من الأسباب: وسائل الإعلام من مقروء ومسموع ومنظور؛ ولهذا يجب علينا أن نمنع وجود هذه الأشياء في أيدي الشابات والشباب لِمَا في ذلك من الحمل على الفتنة، فلا يجوز للإنسان أن يُعرض عمّا يجده في بيته من الصحف والمجلات التي تدعو إلى هذه الفواحش وهو مسؤول أمام الله عنها وأنتم تعلمون - بارَك الله فيكم - أنه يوجد في الصحف حتى في الصحف المحليَّة من القصائد المثيرة للغرام والحب والعشق ما لا يستطيع الشاب إذا قرأها أن يملك نفسه لا من البنين ولا من البنات وأنتم مسؤولون أمام الله عن وجود هذه الصحف في أيدي شبابكم من ذكور أو إناث .
    وكذلك أيضًا تعلمون ما يكون من الخطر العظيم بواسطة الهاتف والاتصالات بين الشباب والشابات؛ أعني: بين بعض الشباب وبعض الشابات مِمّا يكون أوله سلام ثم كلام ثم طول كلام ثم مُمازحة ثم كلام سخيف لا يستطيع الإنسان أن يتكلم به، أنا أعلم ذلك بواسطة ما يُلقى عليَّ من الأسئلة ولعلَّ بعضكم أو أكثركم في عافية من العلْم بهذه الأمور، لكن مَن كان على باب من أبواب الناس يَعرف أحوالهم أو تصل إليه أحوالهم فإنه لابدّ أن يسمع شيئًا كثيرًا مُزعجًا مُخيفًا، يقول الإنسان بواسطته: إن العذاب قاب قوسين أو أدنى .
    لهذا يجب على الإنسان أن يلاحظ هواتف بيته وأن يحرص حرصًا تامًّا على ما يكون فيها من الاتصالات حتى يكون على بيِّنة من أمره، ومن الغرائب أن الشيطان قد وسْوَسَ لهؤلاء الذين يتَّصلون بالفتيات، وسْوَسَ لهم بحيث يقولون: إنه اتصال نزيه، أين الاتصال النزيه من شخص يتّصل على امرأة أجنبية منه لا يعرفها إلا بواسطة الهاتف ثم يتحدّث إليها حديثًا يُثير الشهوة ؟ أين الاتصال البريء ؟ أين الاتصال النزيه ؟
    وإني أقول من هذا المنبر: إنه ليس بين الرجل الأجنبي والمرأة اتّصال نزيه بريء إلا بِما فيه مصلحة، أما ما كان مجرد حديث فإنه لن يكون بريئًا أبدًا حتى إن بعض العلماء - رحمهم الله - قال: إن مجرد صوت المرأة عورة لا يحل للرجل أن يستمع إليه فكيف بِمَن يناجي امرأة بواسطة التليفون لمدة ربع ساعة بل لمدة نصف ساعة بل لمدة ساعات بل قد يستغرق أكثر الليل وهو يناجيها وكيف يمكن أن يُقال أن مثل هذه المناجاة مناجاةٌ نزيهة ؟ كَلا واللهِ لن تكون نزيهة أبدًا وإذا قدّر أنها كانت نزيهة الآن فإنها في المستقبل إن استمرت لن تكون نزية أبدًا .
    فاتَّقوا الله - أيها المسلمون - واحفظوا فتياتك وفتيانكم من هذه الأمور التي لا تكون إلا سببًا للبلاء والشر والفتنة، لا تكونوا كالنعامة التي تَدُسُّ رأسها في الرمل لئلا ترى الصيّاد فيأتيها الصيّاد من حيث لا تشعر، لا تتخذوا السلامة طريقًا دائمًا إلى السلامة؛ فإن الإنسان قد يقول أو يتمني السلامة ولكنه واقع في العطب من جراء هذه الأمور .
    فاتّقوا الله - عباد الله - وسدّوا أبواب الشر والفتنة بقدر ما تستطيعون قبل أن يستفحل الأمر فلا تستطيعوا أن تمنعوه أبدًا .
    واعلموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه قال بِما دلّت عليه الآية الكريمة: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، وبِما دلَّ عليه قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ [التحريم: 6]، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بِما دلَّت عليه هاتان الآيتان: «الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته» فهذه أمانة حَمَّلكم الله إياها ثم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنتم مسؤولون عنها يوم القيامة فلا تفرّطوا فيها فإن فرّطتم فإنكم سوف تندمون .
    اللهم إنَّا نسألك أن تُصلح شبابنا ذكورهم وإناثهم، وأن تُصلح ولاة أمورنا صغيرهم وكبيرهم، وأن تهيئ لنا منك رحمة؛ إنك أنت الوهاب .
    اللهم يسِّرنا لليسرى وجنِّبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بِِرٍّ والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار .
    اللهم اجعلنا مجتمعًا نُمثِّل المجتمع الإسلامي الذي عليه سلف الأمة من العلْم والعبادة والأخلاق والدين والمعاملة يا رب العالمين؛ إنك جوادٌ كريم .
    والحمدُ لله رب العالمين وأصلي وأسلِّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
    قال أبو الدرداء -رضي الله عنه - : إني لآمركم بالأمر و ما أفعله ، ولكن لعلّ الله يأجرني فيه .
    سير أعلام النبلاء4/19.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    212

    افتراضي

    موضوع قيم ومفيد احسن الله اليك اخي الكريم


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 28-Sep-2015, 11:03 AM
  2. (بعض الأسباب الموصلة إلى العلم النافع) [فتوى مهمة للإمام ابن باز -رحمه الله-.]
    بواسطة وليد بن محمد السلفي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-Jun-2011, 09:39 PM
  3. الزهد الزهد يا فقهاء الواقع !! والزهد الزهد يا دعاة الضحك والتهريج!!-للشيخ سلطان العيد-حفظه الله-
    بواسطة أبو الغريب زين اليافعي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-Apr-2011, 03:09 PM
  4. [خطبة] الأسباب المعيقة عن الطاعة - خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-Jan-2011, 08:53 PM
  5. [ خطبة ]التحذير من المخدرات- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
    بواسطة أبو الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-Mar-2010, 10:53 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •