بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبى هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع أحدا قال:
" أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ".
قال الألباني في الصحيحة (16)
أخرجه أحمد (2 / 358) عن ابن لهيعة عن الحسن بن ثوبان عن موسى ابن وردان عنه
قلت: ورجاله موثقون، غير أن ابن لهيعة سيء الحفظ وقد خالفه في متنه الليث ابن سعد وسعيد بن أبي أيوب عن الحسن بن ثوبان به بلفظ:
" أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ".
وهذا عن أبي هريرة أصح وسنده جيد، رواه أحمد (1 / 403) .ثم رأيت ابن لهيعة قد رواه بهذا اللفظ أيضا عند ابن السني رقم (501) .وابن ماجه (2 / 943 رقم 2825) فتأكدنا من خطئه في اللفظ الأول.
من فوائد الحديث:
يستفاد من هذا الحديث الصحيح جملة فوائد:
الأولى: مشروعية التوديع بالقول الوارد فيه " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك " أو يقول: " أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ".
الثانية: الأخذ باليد الواحدة في المصافحة، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة،
وعلى ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة.
ففي " لسان العرب ": " والمصافحة: الأخذ باليد، والتصافح مثله، والرجل
يصافح الرجل: إذا وضع صفح كفه في صفح كفه، وصفحا كفيهما: وجهاهما، ومنه
حديث المصافحة عند اللقاء، وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه
على الوجه ".
قلت: وفي بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا، كحديث حذيفة
مرفوعا: " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت
خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر ".
قال المنذري (3 / 270) :" رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته لا أعلم فيهم مجروحا ".
قلت: وله شواهد يرقى بها إلى الصحة، منها: عن أنس عند الضياء المقدسي
في " المختارة " (ق 240 / 1 - 2) وعزاه المنذري لأحمد وغيره.
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة في المصافحة: الأخذ باليد الواحدة فما
يفعله بعض المشايخ من التصافح باليدين كلتيهما خلاف السنة، فليعلم هذا.
الفائدة الثالثة: أن المصافحة تشرع عند المفارقة أيضا ويؤيده عموم قوله
صلى الله عليه وسلم " من تمام التحية المصافحة " وهو حديث جيد باعتبار طرقه
ولعلنا نفرد له فصلا خاصا إن شاء الله تعالى، ثم تتبعت طرقه، فتبين لي
أنها شديدة الضعف، لا تلصح للاعتبار وتقوية الحديث بها، ولذلك أوردته في
" السلسلة الأخرى " (1288) . ووجه الاستدلال - بل الاستشهاد - به إنما يظهر
باستحضار مشروعية السلام عند المفارقة أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم:
" إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم، وإذا خرج فليسلم، فليست الأولى بأحق من
الأخرى ". رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بسند حسن.
فقول بعضهم: إن المصافحة عند المفارقة بدعة مما لا وجه له، نعم إن الواقف
على الأحاديث الواردة في المصافحة عند الملاقاة يجدها أكثر وأقوى من الأحاديث
الواردة في المصافحة عند المفارقة، ومن كان فقيه النفس يستنتج من ذلك أن
المصافحة الثانية ليست مشروعيتها كالأولى في الرتبة، فالأولى سنة، والأخرى
مستحبة، وأما أنها بدعة فلا، للدليل الذي ذكرنا.
وأما المصافحة عقب الصلوات فبدعة لا شك فيها إلا أن تكون بين اثنين لم يكونا
قد تلاقيا قبل ذلك فهي سنة كما علمت.