بسم الله الرّحمن الرّحيم
أحاديث ضعّفها العلّامة المحدّث ربيع بن هادي عُمير المدخليّ – حفظه الله –
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمّا بعد:
فهذه إخوتي درّة من درر العلّامة المحدّث ربيع بن هادي عمير المدخليّ- حفظه الله ورعاه- أقدّمها لكم على أمل المشاركة في هذا المشروع المتواضع وخدمةً لإمام من أئمّة الإسلام بحقّ- نحسبه كذلك والله حسيبه – وقد كنتُ أنزلتها قبلُ متفرّقة- فرأيت إنزالها في مكان واحدٍ، وتحت موضوعٍ واحدٍ- وهي عبارة عن أحاديث وآثار قام الشّيخ بتضعيفها في كتابه الماتع عون الباري ببيان ما تضمنه شرح السّنّة للإمام البربهاري- وغيرها من كتبه-.
وإنّه لمن النّصح للمسلمين بيان ما صحّ، وما لم يصحّ من الأحاديث والآثار عن رسول الله - صلّى الله عليه و آله وسلّم - وأصحابه - رضي الله عنهم- والتّابعين- رحمهم الله-، حتّى يُعرف الصّحيح ويعمل به ويتبيّن الضّعيف فيجتنب.
قال العلّامة الألبانيّ – رحمه الله – في بيان أهميّة معرفة الصّحيح من الضّعيف في تعليقه على التّرغيب والتّرهيب مانصّه:
((وإنّما كان هذا التّمييز المذكور بين الأحاديث واجبا, لأنّ العلم الّذي هو حجّة الله على عباده, إنّما هو الكتاب والسّنّة ليس شيء آخر اللّهمّ إلّا ما استنبطه العلماء المعرفون منها والسّنّة قد دخل فيها مالم يكن منها لحكمة أرادها الله تعالى, فالاعتماد عليها مطلقاً ونشرها دون تمييز أو تحقيق يؤدي حتماً إلى تشريع مالم يأذن به الله, وحريّ بمن فعل ذلك أن يقع في محظور الكذب على النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – كما في حديث سمُرة والمغيرة المتقدّم(1) ويؤكّده ويوضّحه حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- : (كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ماسمع ).
ولذلك قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى-: ( ليس يسلم رجل يحدّث بكلّ ماسمع, ولا يكون إماما أبداً وهو يحدّث بكلّ ماسمع ).
وقال عبدالرّحمن بن مهدي: (لا يكون الرّجل إماما يقتدى به حتّى يمسك عن بعض ماسمع ). رواهما مسلم في (المقدّمة) وقال الإمامان : أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: ( إنّ العالم إذا لم يعرف الصّحيح والسّقيم, والنّاسخ والمنسوخ من الحديث لا يُسمى عالماً). ذكره أبو عبدالله الحاكم في ( معرفة علوم الحديث ).
وممّا سبق يتبيّن تقصير جماهير المؤلّفين فضلا عن الخطباء والوعّاظ والمدرّسين في مجال رواية الأحاديث عن النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم-, فإنّهم جميعا يروون منها ماهبّ ودبّ, دون ما تقوى من الله أو تأدّب مع رسول الله, الّذي حذّرهم رأفة بهم عن مثل صنيعهم هذا, خشية أن يكون أحدهم من الكاذبين فيتبوّأ مقعده في النّار.
وفي ذلك برهان واضح على أنّ الّذين يستحقّون ذلك الاسم الرّفيع (العالم) قليلون جداً على مرّ العصور, وكلّما تأخّر الزّمان قلّ عددهم حتّى صار الأمر كما قيل:
وقد كانوا إذا عُدوا قليلا فصاروا اليوم أقلّ من القليل )).(2)
والآن إخوتي نبدأ بعون الباري بنقل الأحاديث الّتي وقفت عليها في الكتاب آنف الذّكر وبالله التّوفيق:
(1)وقال عمر بن الخطّاب رحمه الله ((لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى, ولا في هدى حسبها ضلالة , فقد بينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر)).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله- :
قول هذا الأثر عن عمر - رضي الله عنه- لم يسق له المؤلّف إسناداً، وقد أورده أبو القاسم التّيمي في كتاب الحجّة في بيان المحجّة (2/444) برقم (460) بقوله:
(ورُوي عن عمر رضي الله عنه ) هكذا , بدون إسناد.
وأخرجه ابن بطّة في الإبانة الكبرى(1/322)بإسناده إلى الأوزاعي، أنّه بلغه أنّ عمر بن الخطّاب قال : به, وهو إسناد منقطع.
وعلى كلّ فهذا الأثر لم يثبت عن عمر – رضي الله عنه – كما ترى.
فإن ثبت عنه، فيحمل على المُعرض الّذي لا يريد أن يعلم الحقّ من الباطل والهُدى من الضّلال.
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص59-60).
(2)((ولكلّ نبيّ حوض إلاّ صالح النّبيّ عليه السّلام فإنّ حوضه ضرع ناقته)).
قال الشّيخ ربيع- حفظه الله - :
وأمّا قوله :
(إلاّ صالح النّبي عليه السّلام, فإنّ حوضه ضرع ناقته ) فموضوع .
(ذكره العقيلي في (الضعفاء)(3/64-65) وعنه ابن الجوزي في (الموضوعات) (3/244) من طريق عبدالكريم بن كيسان عن سويد بن عمير به مرفوعا.
قال ابن الجوزي :
( حديث موضوع لا أصل له . قال العقيلي : عبدالكريم مجهول بالنّقل وحديثه غير محفوظ) .
وقال الذهبي في ترجمة عبدالكريم هذا في (الميزان)(2/645) :( من المجاهيل وحديثه منكر) ،ثم أورد له الحديث المتقدم وقال عقبه :(( هو موضوع , والله اعلم )).أ هـ
وأخرجه حميد بن زجويه , وعنه ابن عساكر في (تأريخه) - كما في اللآلئ المصنوعة (2/444-445) - من طريق آخر عن كثير بن مرة به مرسلا.
بيد أنه لا يفرح بمثله , فإسناده تالف مسلسل بالمجاهيل مع إرساله )..
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص 141).
(3)حكم حديث: ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)).
قال الشّيخ ربيع – حفظه الله - :
ضعيف لكن الآية تدل على معناه :( إنّما يعمر مساجد الله من ءامن بالله واليوم الأخر )(التوبة:18)
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص 291).
(4) وقول رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم -: (( رأيت ربّي في أحسن صورة )).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
هذا الحديث جاء من طرق , حكم عليها بعض الأئمة بالاضطراب منهم الإمام محمد بن نصر المروزي والإمام الدارقطني وابن الجوزي , وضعفه الإمام ابن خزيمة .
وسأقوم بدراسة هذا الحديث , وأذكر أقوال الأئمة فيه ثم أعقب بما ظهر لي من دراسته ودراسة أسانيده.
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م 1/ص 312). هذا البحث سيفرد بإذن الله.
(5) ((والإيمان بأنّ مع كلّ قطرة ملكاً ينزل من السّماء، حتّى يضعها حيث أمره الله-عز وجل-)).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله- :
وأما ماذكره المؤلف رحمه الله من أن مع كل قطرة ملكاً , فهذا أمر لا يستبعد على قدرة الله وسعة ملكه وكثرة جنوده من الملائكة وغيرهم ( ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما )(سورة الفتح/4) ولكني لم أقف على دليله من القرآن ولا من السنة وهو من الأمور الغيبية , ونقل قريب من هذا عن الحسن والحكم بن عتيبة , وأخشى أن يكون هذا من الأسرائيليات , أخشى أن يكون هذا أخذاه من الروايات الإسرائيلية , فالله اعلم , لكن لم يثبت فيها حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام .
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص 390-391).
(6) س/ مدى صحة حديث : (( القدر سرّ الله )) ؟؟
ج/ ماأدري, هذا أظن أنه من كلام العلماء , لكن من فقه العلماء هذا , لأنه هل أنت تحيط بعلم الله ؟ يعني العلم , علم الله تبارك وتعالى في قضايا القدر وحكمته فيها هل تحيط به وتعلم منه شيئاً؟.
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص 440-441).
(7) س/ مدى صحة القول: ((بأنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- يجلسه الله معه على العرش؟؟)).
ج/ هذا لايصح , هذا من كلام مجاهد , وهو لايثبت , وليس من كلام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام , ليس فيه أنه يقعد على العرش , وليس فيه أنه وصل إلى العرش , وصل إلى سدرة المنتهى , وسمع صريف الأقلام , أما وصوله إلي العرش فلم يذكر في الأحاديث وليس بمستحيل , لو أخبرنا رسول الله أنه وصل إلى العرش وجلس على العرش ليس في الشرع ولا في العقل مايمنعه , لكن لم يثبت لنا الحديث , لأن الأمر لا نتدين به ولا نؤمن به إلا إذا ثبت بالدليل الصحيح إلى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام , أما قول مجاهد – غفر الله له – فممكن أن يكون أخذه من الإسرائيليات.
قال الذهبي في الميزان (3/439) بعد الثناء على مجاهد :
(وقال أبوبكر بن عياش : قلت للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف أو شئ نحوه ؟ قال : أخذها من أهل الكتاب....
ثم قال الذهبي : ومن أنكر ماجاء عن مجاهد في التفسير في قوله : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ), قال : يجلس معه على العرش ).
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص 453-454).
(8)س / مادرجة حديث (( الأنبياء في قبورهم يصلّون ))؟؟؟
ج/ ضعيف, شديد الضّعف.
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص 461).
(9) س/ المعراج هل كان بجسد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- أم بروحه ؟؟؟
ج/ كان بجسده وروحه عليه الصلاة والسلام وهذه مسألة يقال اختلف فيها الناس , والصواب هو هذا , الإسراء كان بجسده وروحه ومنهم من يقول : بروحه وهذا نسب إلى عائشة ومعاوية رضي الله عنهما , ولم يثبت , فيه ابن إسحاق يقول في قول عائشة : حدثني رجل من آل أبي بكر , وهذا مجهول غير معروف , وفي حديث معاوية فيه يعقوب بن عتبة بن المغيرة مرسل , فكلاهما ضعيف لايثبت .
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م1/ص 461-462).
(10) قول المؤلّف: (( والميّت يعرف الزّائر إذا أتاه )).
قال الشّيخ ربيع – حفظه الله- :
هذا اعتماد منه على أحاديث ضعيفة , وهي مما يجرئ أهل البدع والضلال على الاهتمام بالقبور والاحتشاد حولها وطلب الحاجات منها إلى آخره بناء منهم على أنهم يسمعون ويعرفون الزائرين , وكثير من البدع والضلالات إنما تقوم على الأفهام الخاطئة , وتقوم على الآثار والأحاديث الضعيفة.نهمأ
(عون الباري بيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م 1/ص 472).
هكذا إخوتي انتهى المجلد الأوّل من كتاب عون الباري والحمد لله ربّ العالمين.
(11) أوّل من ينظر إلى الله- تعالى- في الجنّة الأضرّاء.
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
هذا التّفصيل الّذي ذكره المؤلّف من أنّ أوّل من يرى الله في الآخرة هم الأكفّاء يعني: فاقدي البصر العميان ...إلخ, هذا لا أعرفه، لاأعرف له دليلاً، وما أظنّه يثبت، وإنّما التّفاوت بالإيمان والتّقوى, وأتقى النّاس وأعلاهم إيمانا الأنبياء, ثمّ صحابة محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وقبلهم الأربعة الخلفاء, وعلى رأسهم أبو بكر, ثمّ العشرة المبشّرين بالجنّة, ثمّ باقي الصّحابة, وهم مراتب: منهم أهل بدر, ومنهم أهل الحديبية, ومنهم، ومنهم هؤلاء يسبقون الأكفّاء وغيرهم.
(عون الباري ببيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م2/ص 515).
(12) إيّاكم وذكر أصحابي وأصهاري وأختاني.
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله - :
ذكر هنا حديثا, ولكن نبّه المعلّق عليه أنّه لا يصحّ, هذا ضعيف.(إيّاكم وذكر أصحابي وأصهاري وأختاني) .
الختن: هو زوج البنت, والصّهر: هو من تتزوّج من عنده.
(عون الباري بيان ماتضمنه شرح السنة للبربهاري) (م2/ص 769).
(13) قال عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -: (( كسب فيه الدّنيّة خير من الحاجة إلى النّاس )).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
يعني مثل هذه الأمور التّي ذكرناها, خير من الحاجة إلى النّاس, على كلّ حال, إن صحّ عن عمر, وإلاّ معناه صحيح, لا شك.
(عون الباري ببيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م2/ص 788).
(14) ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلّا خيرا.
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله - :
أمّا الحديث الثّاني فضعيف الّذي يقول: ( ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلّا خيرا) بهذا اللّفظ , هو ضعيف, ولكن يغني عنه الحديث الأوّل فلا داعي لذكره .
(عون الباري ببيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م2/ص 823).
(15) لقوله ((إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم)).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله - :
وهذا ليس قول الرّسول, وإنّما هو قول ابن سيرين : ( إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم ) يعني لا تأخذ دينك من كل هب ودب, و لا تخلط بين الحقّ والباطل, فلابدّ أن تعرف من يصلح لأخذ دينك منه, وتأخذ منه, إن كنت تريد الحديث فلا تأخذ إلّا ممّن عرفت دينه وتقواه وعدالته .........
(عون الباري ببيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م2/ص 889).
(16) لاتقبلوا الحديث إلّا ممّن تقبلون شهادته.
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
كأنّه ساقه على أساس أنّه حديث, وهو ضعيف لا يصحّ.
(عون الباري ببيان ماتضمّنه شرح السّنّة للبربهاري ) (م2/ص 890).
هكذا إخوتي انتهى المجلد الثّاني من كتاب عون الباري والحمد لله ربّ العالمين.
والآن الأحاديث الّتي ضعّفها الشّيخ في شرحه وتعليقه على كتاب عقيدة السّلف أصحاب الحديث للإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن الصّابوني(ت449).
فائدة:
{فالعمدة في أبواب العقائد، وفي صحّة الأحاديث وضعفها، وفي تمييز الحديث صحيحه من ضعيفه وبيان الرّجال، كلّ هذا عند أهل الحديث؛ فحُقّ لمن يشهد لهم أن يشهد أنّهم أهل الحقّ وأنّهم الطّائفة المنصورة الّتي نصّ عليها رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ومن سار على نهجهم وتشبّث بأذيالهم يكون إن شاء الله تابعا لهم ومنهم، ومن سار في إطار هذه الطّائفة القائمة على الحقّ والنّاجية إن شاء الله يوم القيامة.}.(شرح عقيدة السّلف أصحاب الحديث/ص9).
(17)_ ((لا أجعل صالحي ذرّيّة من خلقته بيديّ كمن قلت له: كن فكان)).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
واحتجّ المؤلّف بحديث ضعيف بحثنا عنه هنا وهنا فما وجدناه وهو: قوله رحمه الله:(لا أجعل صالحي ذرّيّة من خلقته بيديّ كمن قلت له: كن فكان)،فهذا يسوقونه في المفاضلة بين الملائكة وبين بني آدم وهو حديث لم يثبت. وهذه القضيّة ترك الخوض فيها أولى؛ أعني: المفاضلة بين الملائكة وبين بني آدم.
(شرح عقيدة السّلف أصحاب الحديث)(ص34).
(18)_ ((حدّثنا الحسن بن موسى الأشيب حدّثنا حمّاد بن سلمة عن أبي جعفر الخطميّ عن أبيه عن جدّه عن عمر بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبّحناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيّعنا ونسينا فذلك نقصانه)).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
هذا الإسناد نبّه المحقّق إلى ضعفه؛ لأنّ هذا أبا جعفر الخطمي- اسمه عمير بن يزيد- أبوه يزيد مجهول في الإسناد، لكن حتى ولولم يثبت هذا فإنّه ثبت من طرق أخرى؛ نُقل عن الصّحابة وعن التّبعين وعن أئمّة الإسلام أنّ الإيمان قول وعمل يزيد بالطّاعة وينقص بالمعصية.
(شرح عقيدة السّلف أصحاب الحديث)(ص170).
(19) _ ((إذ الرّسول المصطفى - صلّى الله عليه وسلّم – قال:(له أجر خمسين)فقيل: خمسين منهم؟ قال:"بل منكم")).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
هذا الحديث في الجملة صحيح إلاّ قوله"بل منكم"أنا درسته دراسة خاصّة والآن لاأستطيع أن أحدّدهالكم، لكن توصّلتُ إلى أنّ "بل منكم" ضعيف.
نعم له "أجر خمسين" من أهل عصره ويمكن من قبل عصره، لكن من الصّحابة فلا؛ الصّحابة أفضل النّاس ولايلحقهم أحد في الفضل ولو عبد الله طول حياته ما قابل حسنة من حسنات الصّحابة:{ لاتسبّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه} فللصّحابةمنزلة؛ منها أنّهم صاحبوا رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم - ، وجاهدوا معه ونصروه، وبذلوا أنفسهم وأموالهم، وذاقوا من ألوان الأذى ما لا يعلمه إلاّ الله، فبلغوا منزلة عظيمة جدّا بعد الأنبياء - عليهم الصّلاو والسّلام -؛ هم أفضل النّاس بعد الأنبياء، والّذين يجاهدون في آخر الزّمان لهم أجر جزيل؛ للواحد منهم أجر خمسين، لكن من جنسه وليس من الصّحابة.
(شرح عقيدة السّلف أصحاب الحديث)(ص353).
هكذا انتهت الأحاديث الضّعيفة في كتاب عقيدة السّلف أصحاب الحديث.
تنبيه:
نأمل من الإخوة الإعانة في إكمال هذا المشروع، ولا أدّعي أنّي تقصّيتُ جميع الأحاديث في {عون الباري، وشرح عقيدة السّلف} وإنّما هو جهد المُقل، وسنبدأ الآن إن شاء الله في الأحاديث الّتي ضعّيفها الشّيخ في كتابه براءة الصّحابة الأخيار من التّبرّك بالأماكن والآثار، وأسأل الله الإعانة.
هذه الأحاديث ضعّفها الشّيخ – حفظه الله- لمّا احتجّ بها عبد العزيز عبد الفتّاح القاري في جواز التّبرُّك بالأماكن والآثار{طبعة دار المنهاج المصريّة}.
(20)- قال عبد العزيز القاري((تأسّيا بالصّحابة والتّابعين الّذين فعلواذلك بمحضر من بعض الصّحابة وعلى رأس التّابعين عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – الّذي كان أوّل من تتبع المواقع النّبويّة وبنى عليها المساجد عندما كان أميراً على المدينة وقد شاور في ذلك كبار التّابعين بالمدينة فدلّوه على هذه المواقع)).
قال الشّيخ ربيع - حفظه الله -:
أحال الدّكتور القاري بهذا الكلام على تاريخ المدينة لابن شبّة(1/74)فوجدنا فيه الحكاية الآتية:
((قال أبوغسّان: وقال لي غير واحد من أهل العلم من أهل البلد: إنّ كلّ مسجد من مساجد المدينة ونواحيها مبنيٌّ بالحجارة المنقوشة المطابقة, فقد صلّى فيه النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -, وذلك أنّ عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- حين بنى مسجد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم- سأل - والنّاس يومئذ متوافرون- عن المساجد الّتي صلّى فيها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة )).
أقول :
الكلام على هذه الحكاية من وجوه :
الوجه الأوّل: راوي هذه الحكاية هو محمّد بن يحي بن علي بن عبد الحميد الكناني أبو غسّان المدني, قال فيه أبوحاتم: ((شيخ )) .الجرح والتعديل(8/123).
وقال النّسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبّان في الثّقات وقال: ربّما خالف, وقال أبوبكر بن مفوز: كان أحد الثّقات المشاهير يحمل الحديث والأدب والتّفسير.
قال هذا الكلام ردّاً على ابن حزم الّذي قال فيه :مجهول(3).
وقال السّليماني: ((حديثه منكر)). قال الحافظ: ((ولم يتابع على هذا)).
وقال الدّار قطني: (ثقة) انظر تهذيب التّهذيب (9/518)وتهذيب الكمال (26/637/638).
وقال الذّهبي في الكاشف: (صدوق, خ).
وقال الحافظ ابن حجر: (ثقة, لم يصب السّليماني في تضعيفه من العاشر خ).
والظّاهر أنّ القول الوسط هو قول الذّهبي: (صدوق).
الوجه الثّاني: على قول أبي غسّان: ((وقال لي غير واحد من أهل العلم من أهل البلد .......إلخ )).
أقول: هؤلاء أناس مجهولون فلا تقبل روايتهم عند أهل العلم من المحدّثين والفقهاء وما أظنُّ القاري يجهل هذا, وحتّى لو قال إمام أكبر وأوثق من أبي غسّان: حدّثني الثّقة, لايُقبل منه هذا التّوثيق ولاتقبل رواية الموثّق, لأنّه يجوز أن يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره من أهل العلم والنّقد.
ولوقال: كلّ ما أحدّثكم عنهم ثقات, لايُؤخذ بهذا التّوثيق فكيف وأبو غسّان ليس من أهل النّقد ومع ذلك لم يُوثّق من حكى عنهم.
الوجه الثّالث: قال هؤلاء المجهولون: ((سأل والنّاس متوافرون)) ولم يقولوا: والصّحابة متوافرون. ولم يذكروا كبار التّابعين.
ولم يقولوا: وقد شاور في ذلك من حضرة من الصّحابة.
ولم يقولوا: وشاور كبار التّابعين.
ومع جهالة هؤلاء الرُّواة - وقد يكونون اثنين - لم يجرءوا أن يقولوا ما قاله القاري !!
ولقد حمل حكايتهم هذه على ضعفها ما لم تحتمل وما هو فوق طاقتها !!
وهل يجوز للقاري أن يفعل هذا في أمر يتعلّق بالعقيدة، بل لو كان في أمر مباح فهل يجوز له ذلك؟!
الوجه الرّابع: إنّ عمر بن عبد العزيز من صغار التّابعين؛ من الطّبقة الرّابعة ولم يرو إلاّ اثنين من الصّحابة، وهم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي وهذا قد توفّي سنة ثمانين من الهجرة قبل أن يُولّى عمر بن عبد العزيز على المدينة بسنوات.
والثّاني: سهل بن سعد السّاعدي، تُوفّي عام ثمانية وثمانين وقد جاوز المائة ومات قبل أن يقوم عمر بن عبد العزيز بهذا العمل المزعوم!
وأدرك أنس بن مالك الّذي لايعرف إلاّ أنّه صلّى وراء عمر بن عبد العزيز أيّام إمرته بالمدينة ولم يرو عنه ولم يذكر أنّه كان من مستشاريه بل كان أنس يسكن البصرة قبل إمرة عمر للمدينة وبعدها(4).....(5).
الوجه الخامس: قد نهى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- عن زخرفة المساجد واعتبر ذلك من علامات السّاعة، فكيف يفعل هذه البدعة عمر بن عبد العزيز ويُؤيّده عليها الصّحابة؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو:( من حدّث عنّي بحديث يرى أنّه كذب فهو أحد الكذّابين).
(2) مقدّمة الألبانيّ على التّرغيب والتّرهيب تحت عنوان (تعليل لوجوب التّمييز بين الصّحيح والضّعيف وأنّ من لا يفعل ذلك لايكون عالما). صـ24ـــ.
(3)وفي كلام ابن مفوز نظر!
(4)وأدرك ثلاثة من صغار الصّحابة الّذين توفّي النّبيُّ- صلّى الله عليه وسلّم- ولم يبلغوا سنّ التّمييز، وهم محمود بن ربيع ومحمود بن لبيد والسّائب بن يزيد.
(5)علامة على الحذف لبعض الكلام ليس له علاقة بالتّضعيف، وإنّما هو ردٌّ على القاري.طلحة.
جمع: أبوطلحة فتحي الكوافي.