3163- (كانَ إذا خرجَ من بيته قال: بسم الله، توكلتُ على الله، اللهمَّ! إنَّا نعوذُ بكَ أن نَزِلَّ (وفي رواية: أَزلَّ، أو أُزِلَّ ..... بالإفراد في الأفعال كلها)، أو نَضِلَّ، أو نَظلِمَ أو نُظْلمَ، أو نجهلَ أو يُجْهلَ علينا).
قال الألباني: في سلسلة الأحاديث الصحيحة - المجلد السابع
هو من حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: رواه عنها الشعبي، وعنه
منصور- وهو ابن المعتمر- وعنه جمع غفير من الثقات، فهو عنه متواتر، وإليك البيان:
ا لأول: سفيان الثوري- وهو أحفظهم-:
أخرجه الترمذي (9/126/3423)، والنسائي في "السنن " (2/322)، و"عمل اليوم والليلة " (176/87)، وكذا ابن السني (72 1)، والحاكم (1/519)، وابن أبي شيبة في "المصنف "(10/211/9250)، وأحمد (6/306)، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/320/727) وفي "الدعاء" (2/986/411) من طرق عنه، وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وربما توهم متوهم أن الشعبي لم يسمع من أم سلمة ، وليس كذلك ؛ فإنه دخل على عائشة وأم سلمة جميعاً ؛ ثم أكثر الرواية عنهما جميعاً ".
كذا قال! وتعقبه الحافظ في "نتائج الأفكار" فقال عقبه (1/159):
"وقد خالف ذلك في "علوم الحديث " له، فقال: لم يسمع الشعبي من عائشة".
قلت: هكذا قال الحاكم في "العلوم " (ص 111)، ولكن مما لا ريب فيه أن إثبات الحاكم مقدَّم على نفيه، ولا سيّما أن ما نفاه خاص بعائشة، وحديثه هنا عن أم سلمة، وقد تأخرت وفاتها عن وفاة عائشة خمس سنوات، فقد توفيت أم
سلمة سنة (62) على الأصح، وولد الشعبي في حدود سنة عشرين، فقد عاصرها وأدرك عمراً طيباً من حياتها، وقول الحافظ عقب ما تقدم:
"وقال علي بن المديني في كتاب "العلل ": لم يسمع الشعبي من أم سلمة، وعلى هذا فالحديث منقطع ":
أظنه قائماً على اشتراط ثبوت اللقاء الذي يقول به البخاري في " صحيحه " في ثبوت الاتصال، ولعله تلقى ذلك من شيخه ابن المديني، والجمهور يكتفون بثبوت المعاصرة، وهذا متحقق هنا كما تقدم، يضاف إلى ذلك ما جاء في ترجمة الشعبي: "أنه سمع من ثمانية وأربعين من الصحابة، وهو أكبر من أبي إسحاق بسنتين، وأبو إسحاق أكبر من عبد الملك بسنتين، ولا يكاد الشعبي يرسل إلا صحيحاً ". !
ذكره الحافظ في "التهذيب "، نقلاً عن العجلي، وأقره.
فلعله- أعني: الحافظ- من أجل هذا صدّر تخريجه للحديث بقوله:
"حديث حسن ".
وإلا؛ فحقه أن يقول- بناءً على حكمه بالانقطاع-:
"حديث ضعيف "! والله أعلم.
الثاني: شعبة بن الحجاج، قال الطيالسي في "مسنده " (224/1607):
حدثنا شعبة به.
ومن طريقه: أخرجه أبو داود (5/327/5094)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (رقم 86)، وأحمد (6/321- 322)، والطبراني في "معجمه"(رقم726)
وفي "الدعاء" (رقم 412) من طرق عنه، وليس عندهم قوله: "بسم الله، توكلت على الله "، إلا أحمد؛ فعنده: "بسم الله " فقط، وزاد أبو داود والطبراني في أوله ما لفظه:
ما خرج من بيته قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل، أو أزل أو أزل... " الحديث إلخ، هكذا بصيغة الإفراد.
أخرجه المذكوران من طريق مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، لكن تفرُّده بجملة رفع الطرف إلى السماء دون الطرق الأخرى عن شعبة يلقي في النفس عدم الاطمئنان لثبوتها، ولا سيما أنها لم ترد في الطرق الأخرى الآتية عن منصور، إلا في بعض الطرق عن الفضيل بن عياض- وهو (الخامس)- وفيه ما سيأتي.
الثالث: جرير- وهو ابن عبدالحميد- عن منصور به، وزاد التسمية فقط: أخرجه النسائي، والبيهقي في "السنن " (5/251).
الرابع: عبيدة بن حميد عنه: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/ 211/9249) ، وعنه ابن ماجه (2/1278/3884)، وكذا الطبراني (رقم 732) كلاهما عنه قال: حدثنا عبيدة بن حميد به ؛ بلفظ الإفراد في جميع الأفعال. الخامس: فُضَيل بن عِيَاض؛ قال الحميدي في "مسنده " (145/303): ثنا
فضيل بن عياض عن منصوربه كالذي قبله.
وأخرجه الطبراني في "الدعاء"، وأبو نعيم في "الحلية " (8/125) من طرق أخرى عن الفضيل به، إلا أن الطبراني زاد الزيادة المتقدمة التي عند أبي داود والطبراني في حديث شعبة (الثاني)، لكنه من طريق محمد بن زياد الزيادي وأحمد بن يونس قالا: ثنا الفضيل بن عياض به، وقال: "صباحاً" مكان "قط "!
قلت: وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي، ثقة حافظ من رجال الشيخين، لكن قرينه محمد بن زياد الزيادي فيه ضعف،
استشهد به البخاري، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال ابن منده:
"ضعيف ".
قلت:فمن المحتمل أن تكون هذه الزيادة منه:من مفاريده لم يشاركه عليها أحمد بن يونس، ويكون الطبراني عطف روايته على رواية الزيادي لمشاركته إياه في أصل الرواية وليس في الزيادة أيضاً؛ والسند إليهما صحيح؛ فقد قال (رقم 413): حدثنا زكريا بن يحيى الساجي: ثنا محمد بن زياد الزيادي. ح وحدثنا أبو حصين القاضي: ثنا أحمد بن يونس قالا: ثنا الفضيل بن عياض به.
وأبو حصين القاضي: هو عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي
وهو يروي عن أبيه- كما هنا- وعبثر بن القاسم، وساق له الحافظ المزي عن أبيه بسند له آخر عن أبي ذر حديثاً آخر، وقال:
"ولا نعرف له عن أبيه، ولا عن غير أبي زبيد حديثاً غير هذا، وقد وقع لنا بعلو عنه "!
قلت: فيستدرك عليه هذا، وهو ثقة كما قال النسائي والحضرمي، ويحيى بن زكريا الساجي حافظ ثقة مشهور. فهذا كله يحملني على أن أعصب الوهم في تلك الزيادة بـ (الزيادي)، ولا سيما وقد خالف الطريق المتقدمة عن شعبة بلفظ:
"قط "، فقال الزيادي: "صباحاً" كما تقدم، ولا يخفى الفرق بينهما على أحد إن
شاء الله تعالى.
وإن افترضنا أنه تابعه عليه أحمد بن يونس، فنقول حينئذٍ ما قلناه في رواية الفراهيدي عن شعبة: إنها شاذة؛ لمخالفته لرواية الحميدي عن الفضيل، ومتابعة
القواريري عنه في "الحلية " أولاً، ولرواية الجماعة عن منصور ثانياً.
السادس: إدريس الأودي عن منصور نحوه.
أخرجه الطبراني (برقم 728) وفي "الدعاء" (415) قال: حدثنا محمد بن عمرو
ابن خالد الحرَّاني. ثنا أبي عن موسى بن أعين عنه به، لكن من قوله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ:
"إذا خرجت من منزلك، فقل... "، فذكر الدعاء بالإفراد.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير محمد بن عمرو بن خالد الحراني، شيخ الطبراني، فلم أجد له ترجمة، فلعله هو الذي قلب هذا الدعاء
فجعله من أمره - صلى الله عليه وسلم -، خلافاً لكل من رواه عن منصور ممن تقدم ذكره ويأتي، حيث جعلوه من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصواب.
ولعله اختلط عليه بحديث آخر في الباب عن أنس نحوه، وهو حديث
صحيح، كما في "الكلم الطيب " (49/58)، وحسنه الحافظ في "النتائج " (1/163)، وفيه قوله: "بسم الله توكلت على الله ".
ثم رأيتُ في "السير" (10/428) واصفاً إياه في ترجمة أبيه بـ "الإمام ".
السابع: مِسْعَرُ بْنُ كِدَام عن منصور به كرواية الجماعة بلفظ الإفراد، كما في حديث (الرابع)، وزاد: " أو أُزَلَّ " .
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (731)، وفي "الكبير" أيضاً (416) ولكنه لم يسق لفظه،ووقع فيه: "معمر" مكان: "مسعر بن كدام "! وهو خطأ من الناسخ أو الطابع.
الثامن: القاسم بن معن عنه مثل الذي قبله، دون الزيادة.
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (414): حدثنا سليمان بن المُعَافَى بن
سليمان: حدثني أبي: ثنا القاسم بن معن.
قلت: ورجاله ثقات؛ غير سليمان بن المعافى، قال الذهبي :
"قال ابن عدي: لم يسمع من أبيه شيئاً، فحملوه على أن روى عنه ". قلت: فعلى هذا تكون روايته عن أبيه وجادة.
وأقول: لم يذكر هو ولا الحافظ في "اللسان " غير هذا، ويبدو لي أنه من شيوخ الطبراني المقلِّين؛ فإنه لم يرو عنه في "المعجم الأوسط " سوى ثلاثة أحاديث (3790- 3792)، وروى له في "الصغير" (420 - الروض) رابعاً، وهذا هو الخامس.
التاسع: أبو الأحوص عن منصور به نحوه، وفيه التسمية.
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (11/ 141).
ولعل من المفيد- بعد هذا التخريج المبسط والتحقيق- أن نلخص فوائده فيما يأتي:
الأولى: أن الحديث صحيح عن أم سلمة- رضي الله عنها-، وأن ما أُعِلَّ به من الانقطاع لا يقدح في صحته، ولا سيما وقد صححه الترمذي والحاكم
والذهبي، وحسنه الحافظ، ثم رأيت النووي قد صححه أيضاً في "الأذكار".
الثانية: أن زيادة: "بسم الله توكلت على الله " ثابتة فيه، وإن تفرد بها سفيان الثوري؛ فإنه جبل في الحفظ، ويشهد له حديث أنس المذكور آنفاً، وتوبع سفيان على التسمية فيه من غير ما واحد كما تقدم.
الثالثة: أكثر الرواة على إفراد الأفعال فيه، وزاد بعضهم: "أو أُزل "، ولعل ذلك أرجح.
الرابعة: أن زيادة: "رفع طرفه إلى السماء" لا تصح؛ لعدم اتفاق الرواة عن شعبة عليها، ومخالفتهما لرواية الآخرين الثقات. ثم هي مخالفة للأحاديث
الصحيحة الناهية عن رفع البصر في الصلاة، في "الصحيحين " وغيرهما، ترى الكثير الطيب منها في "الترغيب " (1/188- 189)، وخرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (847- 848)، ولا يبدو لي اختصاص هذا النهي بالدعاء في الصلاة دون الدعاء خارجها، بل الظاهر أن الرفع منهي عنه في الحالتين. والله أعلم.
(تنبيه) عزا الخطيب التبريزي في "المشكاة" (1/749 و 750) رواية أبي داود - الشاذة- في رفع البصر إلى السماء إلى ابن ماجه أيضاً! وهو وهم محض.
وعزاها ابن تيمية في "الكلم الطيب " (49/59) للأربعة! وفيه تساهل ظاهر؛
لأنه ليس عند غير أبي داود الرفع المذكور، وقلده في ذلك ابن القيم في "الوابل الصيب " (ص 132- تحقيق الشيخ عبدالقادر)، وانطلى ذلك عليه، مع أنه قد خرج الحديث بذكر مواضع الحديث عند الأربعة بالأجزاء والصفحات!
و صحح إسناده! وبيض له الأنصاري في طبعته (ص 214) ، وهكذا يكون التحقيق المزعوم ! ! . *

3164- (كان إذا جلسَ مَجْلِساً، أو صلَّى صلاة تكلَّمَ بكلماتٍ، فسألَتهُ عائشة عن الكلماتِ؟ فقال:
إن تكلّمَ بخيرٍ كان طابعاً عليهِنَّ إلى يومِ القيامةِ، وإن تكلَّمَ بغيرِ ذلكَ كان كفارةً له:
سبحانكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ و أتوبُ إليكَ ).
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (309/400) ومن طريقه: الحافظ
في آخر كتابه "فتح الباري " (13/546): أخبرنا أبو بكر بن إسحاق: أخبرنا أبو سلمة الخُزَاعي منصور بن سَلَمة: أنا خلاد بن سليمان- قال أبو سلمة: وكان من
الخائفين- عن خالد بن أبي عمران عن عروة عن عائشة مرفوعاً .
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (1/435/629) من طريق أخرى عن محمد بن إسحاق الصغاني به.
وأخرجه أحمد (6/77): ثنا أبو سلمة به.
وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1656- 1657) من طريقين آخرين عن خلاد بن سليمان به.
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في "النكت على ابن الصلاح " (2/732- 733)، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
وقول المعلق عليه صاحبنا الفاضل الدكتور ربيع بن هادي :
"الحق أن يقال: إن إسناده حسن "!
لا وجه له عندي، لأنه قائم أو مبني على قول الحافظ في خالد بن أبي عمران هذا في "التقريب ":
" صد وق ".
فإن هذا لا يستلزم التحسين فقط، ما دام أنه خرج له مسلم في "صحيحه "، وقد وثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان، وقال أبو حاتم:
"لا بأس به ". وقال ابن يونس:
"كان فقيه أهل المغرب، ومفتي أهل مصر والمغرب، وكان يقال: إنه
مستجاب الدعوة". ولذا قال الذهبي في "السير" (5/378):
"وكان فقيه أهل المغرب ، ثقة ثبتاً، صالحاً ربَّانيّاً ".
والحديث الذي أخرجه له مسلم في البيوع، صححه الترمذي أيضاً، وهو مخرج في " ا لإرواء " (5/203- 204).
ولحديث الترجمة طريق أخرى عن عائشة نحوه، دون قوله: "أو صلى صلاة". أخرجه النسائي أيضاً (رقم 398)، والحاكم (1/496- 497)، وقال:
"صحيح الإسناد". وقال الذهبي:
"قلت: على شرط البخاري ومسلم ".
(تنبيه): وقع الحديث عند الحافظ في "نكته " بلفظ:
"ما جلس - صلى الله عليه وسلم - مجلساً، ولا تلا قرآناً، ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات،
فقلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تقول هذه الكلمات؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -: نعم، من قال خيراً كُنَّ طابعاً له على ذلك الخير، ومن قال شرّاً كانت كفارة له... " الحديث،
والباقي مثله.
كذا وقع فيه! وهو يخالف لفظ الترجمة مخالفة ظاهرة، كما يخالف لفظه في "الفتح " أيضاً، ولفظه في "سنن النسائي " أيضاً (1/197) بالإسناد نفسه، فالظاهر أنه رواية أخرى للنسائي.
ثم رأيته قد أورده في مكان متقدم برقم (308) تحت "باب ما يختم تلاوة القرآن " قال: أخبرنا محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا خلاد بن سليمان أبو سليمان به.
قلت: هذا إسناد صحيح أيضاً على شرط مسلم، وابن أبي مريم هذا: هو سعيد بن الحكم بن محمد المصري.
ثم ذكر الحافظ طريقاً أخرى بلفظ آخر، أخرجه (2/734) من رواية أبي أحمد العسال في "كتاب الأبواب " من طريق عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت.. وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -:
"إني لأرجو أن لا يقولها عبد إذا قام من مجلسه؛ إلا غُفِرَ له ".
وقال الحافظ:
"وإسناده حسن "!
كذا قال! وأبو إسحاق هو السبيعي، وكان اختلط .
وللحديث طريق ثالث عن عائشة، فيه زيادة منكرة خرجته من أجلها في "الضعيفة" (6322) .
ومثله حديث الأمر بأن يقول في آخر مجلسه: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون... "، فهو ضعيف مخرج هناك برقم (6530).
وتقدم الحديث نحوه في المجلد الأول رقم (81) من حديث جبير بن مطعم . *