بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار ، ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه " ( ) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ادعي ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار" ( ) .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله : " قوله عليه الصلاة والسلام من ادعى ما ليس له يدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها ومنها دعوى المال بغير حق وقد جعل الوعيد عليه بالنار لأنه لما قال فليتبوأ مقعده من النار اقتضى ذلك تعيين دخوله النار لان التخيير في الأوصاف فقط يشعر بثبوت الأصل ، وأقول : إن هذا الحديث يدخل تحته ما ذكره بعض الفقهاء في الدعاوى من نصب مسخر يدعي في بعض الصور حفظا لرسم الدعوى والجواب وهذا المسخر يدعي ما يعلم أنه ليس له والقاضي الذي يقيمه عالم بذلك أيضا وليس حفظ هذه القوانين من المنصوصات في الشرع حتى يخص بها هذا العموم والمقصود الأكبر في القضاء إيصال الحق إلى مستحقه فانخرام هذه المراسم الحكمية مع تحصيل مقصود القضاء وعدم تنصيص صاحب الشرع على وجوبها أولى من مخالفة هذا الحديث والدخول تحت الوعيد العظيم الذي دل عليه وهذه طريقة أصحاب مالك اعني عدم التشديد في هذه المراسيم وقوله عليه الصلاة والسلام : فليس منا أخف مما مضى فيمن ادعي إلى غير أبيه لأنه أخف في المفسدة من الأولى إذا كانت الدعوى بالنسبة إلى المال وليس في اللفظ ما يقتضي الزيادة على الدعوى بأخذ المال المدعي به مثلا وقد يدخل تحت هذا اللفظ الدعاوى الباطلة في العلوم إذا ترتبت عليها مفاسد ، وقوله فليس منا قد تأوله بعض المتقدمين في غير هذا الموضع بان قال ليس مثلنا فراراً من القول بكفره وهذا كما يقول الأب لولده إذا أنكر منه أخلاقاً أو أعمالاً لست مني وكأنه من باب نفي الشيء لانتفاء ثمرته فان المطلوب أن يكون الابن مساوياً للأب فيما يريده من الأخلاق الجميلة فلما انتفت هذه الثمرة نفيت البنوة مبالغة "
وقال الشاطبي رحمه الله : " كل من ادعى ما ليس له وساكن قلبه ناظراً إلى هوى نفسه لحقه الترك من الله مع ما جبلت عليه نفسه عليه إلا أن يرحمه الله فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها قال وآدم لم يعصم عن مساكنة قلبه إلى تدبير نفسه للخلود لما أدخل الجنة لأن البلاء في الفرع دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه فغلب الهوى والشهوة العلم والعقل بسابق القدر " ( ) .
وقال النووي رحمه الله : " قوله صلى الله عليه وسلم ومن ادعى ما ليس له فليس منا فقال العلماء معناه ليس على هدينا وجميل طريقتنا كما يقول الرجل لابنه لست منى وقوله صلى الله عليه وسلم فليتبوأ مقعده من النار قد قدمنا في أول المقدمة بيانه وأن معناه فلينزل منزله منها أو فليتخذ منزلا بها وأنه دعاء أو خبر بلفظ الأمر وهو أظهر القولين ومعناه هذا جزاؤه فقد يجازى وقد يعفى عنه وقد يوفق للتوبة فيسقط عنه ذلك وفى هذا الحديث تحريم دعوى ما ليس له في كل شيء سواء تعلق به حق لغيره أم لا وفيه أنه لا يحل له أن يأخذ ما حكم له به الحاكم إذا كان لا يستحقه والله تعالى أعلم " ( ) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي فيدخل فيه الدعوى الباطلة كلها واستدل به ابن دقيق العيد للمالكية في تصحيح الدعوى على الغائب بغير مسخر لدخول المسخر في دعوى ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له والقاضي الذي يقيمه أيضا يعلم أن دعواه باطلة قال وليس هذا القانون منصوصا في الشرع حتى يخص به عموم هذا الوعيد وإنما المقصود إيصال الحق لمستحقه فترك مراعاة هذا القدر وتحصيل المقصود من إيصال الحق لمستحقه أولى من الدخول تحت هذا الوعيد العظيم " ( ) .
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه الكبائر : باب من ادعى ما ليس له ومن إذا خاصم فجر فيه حديث ابن عمر وروى عن ابن مسعود وعمر من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال هو في الجنة فهو في النار ومن قال هو عالم فهو جاهل ، ولهما عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار ومن رمى مسلماً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه " ( ) .
وقال المناوي رحمه : " من ادعى ما ليس له من الحقوق فليس منا أي من العاملين بطريقتنا المتبعين لمنهاجنا وليتبوأ مقعده من النار قال القاضي لا يحمل مثل هذا الوعيد في حق المؤمن على التأبيد " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي
أخرجه مسلم رقم ( 61 ) 1 / 79 ، وأحمد رقم ( 21503 ) 5 / 166 ، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم رقم ( 215 ) 1 / 149، والبيهقي في السنن الكبرى رقم ( 15112 ) 7 / 403.
أخرجه ابن ماجه رقم ( 2319 ) 2 / 777 ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه رقم ( 2319 ) 2 / 777 .
إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 4 / 75 – 76 .
الموافقات للشاطبي 3 / 400.
شرح النووي على صحيح مسلم 2 / 50 .
فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 / 540 ، ومواهب الجليل شرح خليل للحطاب 6 / 144.
الكبائر لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ص37 .
فيض القدير للمناوي 6 / 46.
منقول