بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على الرسول الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد

فهذا تعليق على فتوى : مشهور حسن سلمان قرر فيه أن إطلاق لفظ المعرفة على الله كفر

وهذا هو نص الفتوى:

والعلماء يمنعون من إطلاق العارف على الله، أو يقول أحد لما يسأل، فبدل أن يقول الله أعلم يقول الله يعرف ، وهذا كلام كفر لا يجوز ، لأنه يوجد فرق في اللغة بين العلم والمعرفة ذلك أن المعرفة يسبقها جهل والعلم لا يسبقه جهل ، فإذا قلت: يعرف الله، فلازم ذلك أن يكون الله جاهلاً ثم عرف، فيحرم على المسلم أن يقول، الله يعرف ، أو يعرف الله ، وينبغي أن يقال: يعلم الله ، فالعارف ليست من أسماء الله وقد نصص على جمع من أهل العلم منهم : ابن اللحام في كتابه المختصر ص36، فقال: ولا يوصف سبحانه بأنه عارف،وذكره بعضهم إجماعاً، أما من قالها جهلاً فلا يكفر، ويعذر بها بالجهل ، ولكن إن عذر بها بالجهل ، فقد لا يسلم من الإثم . اهـ.

فقوله عفا الله عنه:

فبدل أن يقول الله أعلم يقول الله يعرف ، وهذا كلام كفر لا يجوز اهـ.

على إطلاقه ليس بصحيح , لأنه قد يخبر عن الله بأنه يعرف بمعنى يعلم ولا يكون كفرا

وباب الإخبار أوسع من باب الصفات فباب الصفات توقيفي لا يجوز أن نثبت لله عز وجل صفة لم تثبت في الشرع فلو قيل هل المعرفة صفة لله عز وجل يقال لا
لكن قد يطلقه بعض العلماء بمعنى العلم ويكون من باب الإخبار.


ونبين بأقوال أهل العلم ما يبين صحة ما ذكرنا:



· جواز إطلاق لفظ المعرفة إخبارا لا اسما أو صفة لله عز وجل.



ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه:

لما قيل له أصيب فلان وفلان وآخرون لا نعرفهم

قال عمر رضي الله عنه :

ولكن الله يعرفهم

(مصنف ابن أبي شيبة والسنن الكبر للبيهقي)

فهنا أطلق عمر رضي الله عنه لفظ المعرفة على الله ولا يقال أنه وقع في الكفر لكن يعذر بجهله بل هذا يدل أنه يصح الإطلاق في باب الإخبار.



نقل البغوي بغير إسناد أن :

عبد الله بن مسعود قال: بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودًا واحدًا (تفسير البغوي)



وجاء عن قتادة أنه قال :

في قوله تعالى:{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين}

يقول: لم يكن هذا في الأمم قبلهم لم ينفع قريةً كفرت ثم آمنت حين حضرها العذابُ، فتُرِكت، إلا قوم يونس ، لما فقدوا نبيَّهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة ، ولبسوا المسوح ، [وفرقوا] بين كل بهيمة وولدها، ثم عجُّوا إلى الله أربعين ليلةً.

فلما عرف الله الصِّدق من قلوبهم ، والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلَّى عليهم. (تفسير الطبري)



وقال ابن زيد رحمه الله : في قوله تعالى { والله أعلم بما يوعون } ...

هكذا يعرف الله ما يوعون من الأعمال (تفسير الطبري)

وقال ابن زيد، في قوله:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}، قال: جاء أمر شديد! قالوا: ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف أنه قد اشتد ذلك عليهم، نسخها عنهم، وجاء بهذه الأخرى فقال:( فاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعْتُمْ) فنسخها (تفسير الطبري)



قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله :

في قوله تعالى { الله يعلمهم } يعني لا تعرفونهم الله يعرفهم (تفسيره)



قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره:

ثم بين حقيقة الإيمان، فقال: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } لم يشكوا في دينهم، { وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُم الصَّادِقُونَ } في إيمانهم.

فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله إنهم مؤمنون صادقون، وعرف الله غير ذلك منهم، فأنزل الله عز وجل:

{ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ } ، والتعليم هاهنا بمعنى الإعلام، ولذلك قال: "بدينكم" وأدخل الباء فيه، يقول: أتخبرون الله بدينكم الذي أنتم عليه، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } لا يحتاج إلى إخباركم. اهـ.




قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم:

ومعرفة الله أيضاً لعبده نوعان :

معرفة عامة وهي علمه سبحانه بعباده ، واطِّلاعه على ما أسرُّوه وما أعلنوه ، كما قال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } ، وقال : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } .

والثاني : معرفة خاصة : وهي تقتضي محبته لعبده وتقريبَه إليه ، وإجابةَ دعائه ، وإنجاءه من الشدائد ، وهي المشار إليها بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكى عن ربِّه : (( ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِل حتَّى أُحِبَّه ، فإذا أحببتُه ، كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يُبصرُ به ، ويدَه التي يبطِشُ بها ، ورجلَه التي يمشي بها ، فلئن سألني ، لأُعطِيَنَّهُ ، ولئن استعاذني لأعيذنَّه )) ، وفي رواية : (( ولئن دعاني لأجيبنّه )) اهـ.




قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الأربعين النووية:

قال (يَعْرِفْكَ فِي الشَّدَّةِ) وكلمة (يَعْرِفْكَ) هذه جاءت على جهة الفعل، ومعلوم في باب الصفات أن باب الأفعال أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الصفات، فهذا إذن لا يقتضي أن يكون من صفاته جل وعلا المعرفة، فإنه لا يوصف الله جل وعلا بأنه ذو معرفة، بل يقيّد هذا على جهة المقابلة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا (تَعَرَّفْ إلِى الله فِي الرخَاء يَعْرِفْكَ فِي الشَّدَّةِ) فيجوز أن تستعمل لفظ (يعرف) على الفعلية، وفي مقابلةِ لفظِ يعرف آخر اهـ.



· من قال بإثبات بوصف الله بأنه عارف.

جاء في التحبير شرح التحرير:

قال ابن حمدان في ' نهاية المبتدئين ' : ( علم الله تعالى لا يسمى معرفة ، حكاه القاضي إجماعاً ) .

وخالف الكرامية فقالوا : يوصف بأنه عارف لاتحاد العلم والمعرفة .

وقال القاضي من أصحابنا في ' المعتمد ' : ( يجوز وصفه تعالى بأنه عارف ) .

قلت : ومرادهم - والله أعلم - : أن المعرفة كالعلم ، فكما أنه يوصف بالعلم يوصف عند هؤلاء بالمعرفة ، وليس مرادهم بالمعرفة في حقه : التي هي مستحدثة بعد أن لم تكن ، وإن هذا لا يقوله أحد من أهل السنة ، إنما ينسب إلى الرافضة ، على ما يأتي في باب النسخ ، وهو كفر .

وحكي عن ابن الباقلاني : اتحاد العلم والمعرفة ، ثم وجدته في ' المصباح المنير ' قاله ، فإنه قال : ( قال النيلي [ ( لا تعلمونهم الله

يعلمهم ) [ الأنفال : 60 ] ، أي : لا تعرفونهم الله يعرفهم ] ، قال : فإن قلت : لا تطلق المعرفة على الله ؛ لأنها توهم سابقة الجهل ، قلت : سابقة الجهل إنما تكون فيمن يصح عليه الجهل ) انتهى . وهو كما قلنا ، وقد تقدم عند قولنا : ( إن العلم يأتي بمعنى المعرفة ) : أن البرماوي وغيره استدلوا لذلك بآيات كثيرة أن العلم من الله بمعنى المعرفة ، فليعاود ، ومرادهم ما قلنا ، ويأتي - أيضاً - واضحاً في الفروق بين العلم والمعرفة ، ونقل العلماء أيضاً . ومما استشكل على ذلك قوله ' تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ' .

وأجاب عنه ابن خطيب الدهشة وغيره : ( بأن هذا من باب المقابلة ، مثل : ( ومكروا ومكر الله ) [ آل عمران : 54 ] ، ولا يجوز أن يقال لله ماكر إلا من باب المقابلة ، وأن المراد هنا : تقرب من الله تعالى في الرخاء يتقرب منك في الشدة ) انتهى

قلت : صفة المكر صفة ثابتة لله عز وجل مقيدة بأن الله يمكر بالماكرين.




· معنى حديث : (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وهل المعرفة صفة لله عز وجل.

1_ قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الألفية:

فإن قال قائل: كيف تقول: إنه لا يجوز أن يوصف الله بأنه عارف مع أنه جاء في الحديث الصحيح: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)؟ فالجواب: أن المعرفة هنا بمعنى العناية، أي: يعتني بك؛ وذلك لأنها لو كانت المعرفة هنا بمعنى العلم لكان الله يعلمه، سواء تعرف إليه أم لم يتعرف اهـ.

2_ يقول الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه ثلاثة الأصول:
فقد يطلق ويضاف إلى جل وعلا فعل ولا يضاف إليه الصفة، كما أنه قد يوصف الله جل وعلا بشيء ولا يشتق له من الصفة اسما، ولهذا يدخل في هذا كثير مما جاء، مثل ما وَصف الله جل وعلا به نفسه في قوله : {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال:30], يستهزئون والله يستهزئ بهم، إن الله لا يمل حتى تملوا، ونحو ذلك مما جاء مقيدا بالفعل، ولم يذكر صفة للاسم، فهذا يقال فيه أنه يطلق مقيدا، ويمكن أن يحمل عليه حديث ابن عباس هذا (تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، نقول إن الله جل وعلا يعرف في الشدة من تعرف إليه في الرخاء، على نحو تلك القاعدة، كما يقال إن الله جل وعلا يمكر بمن مكر به, يستهزئ بمن استهزأ به، يخادع من خدعه, ولا يقال إن الله جل وعلا ذو مكر، وذو استهزاء، وذو مخادعة هكذا مطلقا بالصفة اهـ.