من فتاوى المالكية في بيان بدعة الاحتفال بالمولد

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

قال الله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: 3].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته.(البخاري 2697، ومسلم 1718).
وفي رواية أخرى لمسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))
وقال صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". (مسند أحمد 4/126، وانظر صحيح الجامع 2546).
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". (صحيح مسلم867).
_ كَانَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رحمه الله مِنْ أَشَدِّ عُلَمَاءِ السَّلَفِ تَشْدِيدًا فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ ، وَشديدا فِي إِنْكَارِ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ فِي الدِّينِ حَتَّى إِنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ - وَنَاهِيكَ بِعِلْمِهِ وَهَدْيِهِ - وَضْعَ رِدَائِهِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَرِّ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ . وَأَنْكَرَ عَلَى مَنِ اسْتَشَارَهُ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ عِنْدِ قَبْرِهِ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَمْرَهُ بِالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ ، فَلَمَّا أَلَحَّ الرَّجُلُ قَالَ لَهُ : " لَا تَفْعَلْ
فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ " فَقَالَ الرَّجُلُ : وَأَيُّ فِتْنَةٍ فِي هَذَا ؟ إِنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا . قَالَ : وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَرَى أَنَّكَ قَدْ سَبَقْتَ إِلَى فَضِيلَةٍ قَصَّرَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ يَقُولُ : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ) وَمِنْ أَجَلِّ كَلَامِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : قال ابن الماجشون سمعت مالكا يقول من
ابتدع في الاسلام بدعه يراها حسنه فقد زعم ان محمدا ( صلى الله عليه وسلم )
خان الرسالة لان الله يقول ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا .
نَقَلَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشَّاطِبِيُّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ
كِتَابِ الِاعْتِصَامِ ج 1 / ص 49 .
ومن اقواله_ اي الامام مالك رحمه الله_ : (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)
كان رحمه الله كثيراً ما يتمثل :
وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البــدع
ذكره الشاطبي في كتابه "الاعتصام" (1/115).

وقد تظافرت أقوال علماء المسلمين وتواترت فتاوى اهل العلم في القديم والحديث على بدعية الاحتفال بمولد سيد البشر، وأنه مما دخل في ديننا من قبل العبيديين الفاطميين
وانه بدعة محدثة منكرة وقد اخترت منها في هذا المقال بعض فتاوى علماء المالكية في بيان هذه البدعة المحدثة

من فتاوى علماء المالكية في بيان ان الاحتفال بالمولد بدعة محدثة

_ العلامة أبوالوليد الباجي الأندلسيّ المالكيّ

حُكْمُ بِدْعَةِ الاجْتِمَاعِ في مَوْلِدِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للعلاّمة المحقِّق (أبي الوليد الباجي) الأندلسيّ المالكيّ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الّذي هدانا لاتّباع سيّد المرسلين، وأيّدنا بالهداية إلى دعائم الدّين، ويسّر لنا اقتفاء آثار السّلف الصّالحين، حتّى امتلأت قلوبنا بأنوار علم الشّرع وقواطع الحقّ المبين، وطهّر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدّين، أحمده على ما منّ به من أنوار اليقينوأشكره على ما أسداه من الحبل المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله سيّد الأوّلين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطّاهرات أمّهات المؤمنين صلاةً دائمةً إلى يوم الدّين، أما بعد:
فقد تكرّر عليّ سؤال جماعةٍ من المباركين عن الاجتماع الّذي يعمله بعض النّاس في شهر ربيع الأوّل ويسمّونه «المولد»، هل له أصلٌ في الشّرع أو هو بدعةٌ وحدثٌ في الدّين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبينًا والإيضاح عنه معينًا،
فقلتُ وبالله التّوفيق:لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنّة ولا يُنقل عمله عن أحدٍ من علماء الأمّة الّذين هم القدوة في الدّين، المتمسّكون بآثار المتقدّمين، بل هو بدعةٌ أَحْدَثَها البطّالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكّالون، بدليل أنّا إذا أدرنا عليه الأحكامالخمسة: قلنا إمّا أن يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا أو مكروهًا أو محرّمًا، وليس بواجب إجماعًا، ولا مندوبًا؛ لأنّ حقيقة المندوب ما طلبه الشّرع من غير ذمّ على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشّرع، ولا فعله الصّحابة ولا التّابعون ولا العلماء المتديّنون فيما علمت. وهذا جوابي عليه بين يدي الله تعالى إن سئلت عنه. ولا جائز أن يكون مباحًا؛ لأنّ الابتداع في الدّين
ليس مباحًا بإجماع المسلمين، فلم يبق إلاّ أن يكون مكروهًا أو حرامًا، وحينئذٍ يكون الكلام فيه في فصلين والتّفرقة بين حالين.
إحداهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، ولا يجاوزون في ذلك الاجتماع أكل الطّعام ولا يقترفون شيئًا من الآثام، وهذا الّذي وصفناه بأنّه بدعةٌ مكروهة وشناعة، إذْ لم يفعله أحدٌ من متقدّمي أهل الطّاعة، الّذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام، سرج الأزمنة، وزين الأمكنة.
والثّاني: أن تدخله الجناية وتقوى به العناية، حتّى يعطي أحدهم السُّحت ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه، لما يجد من ألم الحَيْف، وقد قال العلماء: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسّيف، لا سيّما إذا انضاف إلى ذلك شيءٌ من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل من الدّفوف والشّبّابات واجتماع الرّجال مع الشّباب المُرْد والنّساء الفاتنات أو مختلطات بهم أو متشرّفات، والرّقص بالتّثنِّي والانعطاف والاستغراق في اللّهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النِّساء إذا اجتمعن على انفرادهنّ رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد والخروج في التلاوة والذّكر عن المشروع والأمر المعتاد غافلات عن قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾[الفجر:14]. وهذا الّذي لا يختلف في تحريمه اثنان ولا يستحسنه ذَوُو المروءة الفتيان، وإنّما يحلو ذلك لنفوسِ موتى القلوب وغير المستقلِّين من الآثام والذُّنوب. وأزيدك أنّهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرّمات، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. «وبَدَأَ الإسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ».
ولله درُّ شيخِنَا القُشَيري حيثُ يقول فيما أجازنا به:
قد عرف المنكر واستنكر المعرو ف في أيّامنا الصّعبة
وصار أهل العلم في وحدة وصار أهل الجهل في رتبة
حَادُوا عن الحقّ فما للّذي ساروا به فيما مضى نِسبة
فقلتُ للأبرار أهلِ التّقى والدّينِ لمّا اشتدّت الكربة
لا تُنكروا أحوالكم فقد أَتَتْ نَوْبَتُكُمْ في زمن الغُربة
ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء حيثُ يقول: «لا يزال النّاسُ بخيرٍ ما تعجّب مِن العجب».
هذا مع أنّ الشّهرَ الّذي وُلِدَ فيهِ صلّى الله عليه وسلم -وهو ربيع الأوّل- هو بعينه الّذي تُوُفِّيَ فيهِ، فليس الفَرَحُ فيه بأولى مِن الحزن فيه. وهذا ما علينا أن نقول، ومِن الله تعالى نرجو حُسْنَ القبول، والله أعلم، وصلى الله
على محمّدٍ وآله وصحبه. [نُشِرت في مجلّة «الإصلاح» الّتي كان يُصْدِرُها الشّيخ محمّد حامد الفقّي بمكّة المكرّمة، في السّنة الأولى، العدد الثّاني عشر، 15 شعبان 1347هـ الموافق 26 يناير 1929م، (ص14-16) وقالَ الشّيخ حامِد في آخِرِها بعد أن
ترجَمَ للباجيّ: «رسالتُهُ في بدعةِ مولدِ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أهداها إلينا لتُنْشَرَ في «الإصلاح» حضرةُ العلاّمة المحقِّق الشّيخ محمّد بن عبد اللَّطيف جزاه الله أحسن الجزاء وبارك فيه ووفَّقه لكلِّ خير»(ص17). وصاحبُ الجواب هو: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسيّ القرطبيّ المالكيّ المتوفّى سنة (494هـ)، وهو مؤلِّفُ كتاب «المنتقى في شرح موطّأ
مالك»].

_فتوى الشّيخ محمّد بن مرزوق التّلمساني المالكيّ في إيقاد الشّموع ليلةَ المَوْلِدِ

جاء في موسوعة «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب» لأبي العبّاس أحمد بن يحيى الونشريسيّ (رحمه الله تعالى) (2/471-472) هذه الفتوى في فصلِ ذكرِ البِدَع، وممّا استُقْبِحَ منها ما يلي:«ومنها إيقاد الشّمع ليلةَ مولِد النّبيِّ صلى الله عليه وسلّم وسابِعِهِ وما في ذلكَ من أنواع المفاسِدوقد تصدَّى لتغييرِ ذلكَ وشدّة النّكيرِ فيهِ شيخ شيوخِنا الشيخ المحصّل العالم أبو عبد الله سيدي محمّد بن مرزوق برّد الله ضجعتهُ وأسكنه جنّته، فانقطعت تلك المفاسْد من تلمسان طولَ حياتِهِ رحمه الله، ثمّ عادت بموتهِ رحمه الله بل زادت»اهـ.
وابن مرزوق هذا هو: أبو عبد الله، محمّد بن أحمد بن مرزوق العجيسيّ التلمسانيّ المتوفّى سنة (781هـ) وقد يكون هو محمّد بن مرزوق الحفيد المتوفّى سنة (842هـ).

_فتوى الوَنشريسيّ المالكيّ في بدعيّةِ اتّخاذِ طعامٍ معلوم لمولِدِ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم

جاء في موسوعة «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس
والمغرب» (2/489)لأبي العبّاس أحمد بن يحيى الونشريسيّ التّلمسانيّ (ت: 914هـ) في فصلِ البِدَعِ، وما استُقبِحَ منها:
(ومنها اتّخاذُ طعامٍ معلوم لميلاد النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وفي بعضِ المواسِم.قال ابن الحاجّ: ولم يكن في عاشوراء لمن مضى طعامٌ معلومٌ لا بدّ من فعلِهِ.
وقد كان بعض العلماء يتركون النّفقةَ فيهِ قصدًا لينبِّهوا على أنّ النّفقةَ فيه ليست بواجبة، ولم يكن السّلف رضوان الله عليهم يتعرّضون في هذه المواسم
ولا يعرفون تعظيمَها إلاّ بكثرة العبادة والصّدقة والخير واغتنام فضيلتها لا بالمأكول)اهـ.

_فتوى القبّاب الفاسيّ المالكيّ في مظاهِرَ مِن بِدَعِ المَوْلِد

جاء في موسوعة «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب» لأبي العبّاس أحمد بن يحيى الونشريسيّ (12/48-49):
(وسُئل سيدي أحمد القباب عمّا يفعله المعلّمون من وَقْدِ الشّمع في مولد
النّبيّ صلى الله عليه وسلمواجتماع الأولاد للصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، ويقرأ بعض الأولاد
ممّن هو حسن الصّوت عشرًا من القرآن وينشد قصيدة في مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، ويجتمع الرجال والنّساء بهذا السّبب فهل ما يأخذه المعلّم من الشّمع جائز أم لا؟....فأجاب بأن قال:
جميع ما وَصَفت من محدثات البدع الّتي يجبُ قطعها، ومن قام بها أو أعان عليها أو سعى في دوامها فهو ساعٍ في بدعة وضلالة، ويظنّ بجهله أنّه بذلك معظّمٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ بمولده، وهو مخالفٌ سنّته مرتكب لمنهيّات نهى عنها صلى الله عليه وسلم، متظاهر بذلك محدث في الدّين ما ليس منه، ولو كان معظِّمًا له حقّ التّعظيم لأطاعَ أوامره فلم يُحدث في دينه ما ليس منه، ولم يتعرّض لما حذّر الله تعالى منه حيث قال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:63 ]. وأمّا ما يأخذه المعلم من ذلك فإن كان إنّما يُعطاه على القيام بهذه البدع والقيام بتلك الأمور فلا خفاء بقُبح المأخوذ على هذا الوجه، وإن كانوا يعطونه ذلك في هذا الوقت وإن لم يفعل شيئًا من هذه البدع، فقد قال ابن حبيب إنّه لا يقضى للمعلم بشيء في أعياد المسلمين وإن كان ذلك ممّا يستحبّ فعله.... وإذا كان ابن حبيب يقول ألا يُقضى له بالأعياد
والمواسم الشرعية، فكيف بما ليس بشرعيّ؟....)اهـ.وصاحب الجواب هو: أبو العبّاس أحمد بن قاسم الشّهير بالقبّاب المالكيّ من
أئمّة فاس، توفّي سنةَ: (778هـ).

_العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـ(الفاكهاني 734 هـ)

قال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـ(الفاكهاني ـ) في رسالته في المولد المسماة بـ(المورد في عمل المولد ص20-21):
"لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة
أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه
الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجبًا، أو مندوبًا، أو مباحًا، أو مكروهًا، أو محرمًا. وهو ليس بواجب إجماعًا، ولا مندوبًا؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على
تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون -فيما علمت-، وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سُئلت. ولا جائز
أن يكون مباحًا؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحًا بإجماع المسلمين. فلم يبق إلا أن يكون مكروهًا، أو حرامًا".

ثم صوَّر الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه: "هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل
الطعام، ولا يقترفون شيئًا من الآثام، قال: "فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام
وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة".

_ الإمام المحقِّق أبو إسحاق الشاطبي -رحمه الله- 790هـ)

*ومن علماء المالكية الشيخ الإمام المحقِّق أبو إسحاق الشاطبي -رحمه الله- قال في بعض فتاواه:
"...فمعلوم أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة,؛ فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز، والوصية به غير نافذة، بل يجب على القاضي فسخه". فتاوى الشاطبي ص203، 204.
وعده أنواع البدع في الاعتصام


العلامة ابن الحاج المالكي المتوفى سنة 737 هـ رحمه الله

قال ابن الحاج المالكي المتوفى سنة 737 هـرحمه الله: «العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور ‑كما تقدَّم‑ لأجل مولده صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في هذا الشهر الكريم، وهو صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فيه انتقل إلى كرامة ربِّه عزَّ وجلَّ، وفُجعت الأُمّة وأُصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا يتعيَّن البكاء والحزن الكثير، وانفراد كُلِّ إنسان بنفسه لما أصيب به لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: "ليعزّى المسلمون في مصائبهم المصيبة بي"»(٣٦- «المدخل» لابن الحاج (2/16-17).).

وقال ابن الحاج المالكي – رحمه الله – في حكم المولد النبوي الخالي من منكرات آلات المعازف والغناء والاختلاط بين الرجال والنساء - :

فإن خلا منه ، وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ، ودعا إليه الإخوان ، وسلِم من كل ما تقدم ذِكره : فهو بدعة بنفس نيته فقط ؛ إذ إن ذلك زيادة في الدين ، وليس من عمل السلف الماضين ، واتباع السلف أولى ، بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه ؛ لأنهم أشدَّ الناس اتباعاً لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له ولسنَّته صلى الله عليه وسلم ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك ، ولم ينقل عن أحدٍ منهم أنه نوى المولد ، ونحن لهم تبع ، فيسعنا ما وسعهم ، وقد عُلم أن اتباعهم في المصادر والموارد ، كما قال الشيخ الإمام أبو طالب المكي رحمه الله تعالى في كتابه .

" المدخل " ( 2 / 10 ) .

. وقال – رحمه الله - :

وبعضهم يتورع عن هذا – أي : السماع المحرم - ويعمل المولد بقراءة " البخاري " وغيره عوضاً عن ذلك ، وهذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرَب والعبادات ، وفيها البركة العظيمة والخير الكثير : لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي كما ينبغي ، لا بنية المولد ، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرَب إلى الله تعالى ، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشرع لها لكان مذموماً مخالفاً ، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة : فما بالك بغيرها ؟! ." المدخل " ( 2 / 25 ) .

_ العلامة الأستاذ أبو عبد الله الحفَّارالمالكي

* ومن علماء المالكيَّة الإمام العلامة الأستاذ أبو عبد الله الحفَّار قال:
"وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة, ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة,؛ لأن النبي لا
يعظَّم إلا بالوجه الذي شرع فيه تعظيمه, وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله, لكن يتقرب إلى الله بما شرع.والدليل على أن السلف الصالح لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها, فقيل إنه ولد في رمضان، وقيل في ربيع, واختلف في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال, فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها
عبادة بولادة خير الخلق , لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها اختلاف، ولكن لم تشرع زيادة تعظيم... ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا: يوم هجرته إلى
المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد, ويقول آخرون: الليلة التي أسري به فيها حصل له من الشرف ما لا يقدر قدره, فتحدث فيها عبادة, فلا
يقف ذلك عند حدٍّ. والخير كله في اتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له, فما فعلوا فعلناه، وما تركوا تركناه, فإذا تقرر هذا ظهر أن الاجتماع في تلك الليلة ليس بمطلوب شرعا , بل يؤمر بتركه." المعيار المعرب للونشريسي "7/ 99ـ 100" ط " دار الغرب الإسلامي"

_ الشيخ البناني المالكي

ومن علماء المالكية المعتمدين في المغرب الشيخ البناني، فذكر أنَّ من أنواع الوصيَّة بالمعصية إقامة المولد على الوجه الذي كان يقع عليه في زمانه كاختلاط
الرجال بالنساء، وغير ذلك من المحرَّمات، فماذا لو رأى زماننا؟! وعبارته: "أَوْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالنَّظَرِ
لِلْمُحَرَّمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ". انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (19/390).


_ الشيخ المفتي محمَّد عليش المالكي

ومن علماء المالكية المتأخِّرين الشيخ المفتي محمَّد عليش المالكي، من علماء الأزهر وكبار فقهاء المالكية في زمانه من نحو قرن
قال في كتابه (فتح العلي المالك): "عمل المولد ليس مندوبًا، خصوصًا إن اشتمل على مكروه، كقراءة بتلحين أو غناء، ولا يسلم في هذه الأزمان من ذلك وما هو أشدّ".

_ الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي

قال الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي في شريط حكم الاحتفال بالمولد:وإن من البدع القبيحة التي ابتلي المسلمون بها منذ أحد عشر قرنا هي بدعة
الموالد، وهي أن جماعة يجتمعون فيقرؤون قصة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا وصلوا إلى وقت ولادته يقومون ويقولون: يا مرحبا يا مرحبا، وعندهم غلو في
ذلك وإطراء وأكاذيب يدخلونها في تلك الموالد.وهذه البدعة قبيحة لم يعرفها أحد ولم يفعلها أحد إلا في القرن الرابع الهجري.وقال: وكذلك صح عنه أنه ولد في ربيع الأول، ولكن هل في الأول من ربيع أو الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس أو الثاني عشر أو كذا؟ لا يعرفه أحد. لم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم أبدا ولا عن الصحابة؛ هذا اختراع، فنجعله في اليوم الثاني عشر هذا كذب ليس له أصل، ثم؛ هب أننا عرفنا اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو السابع مثلا أو الثاني أو الرابع أو العاشر، فهل عندنا دليل عن الله ورسوله أن نحتفل به؟ هل احتفل به النبي صلى
الله عليه وسلم؟ هل جمع يوما أصحابه وقال: تعالوا احتفلوا بمولدي واقرؤوا القصة؟ أبـدًا.
هل احتفل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والخلفاء الراشدون "أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"؟ هل احتفل أحدهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ أبـدًا
هل احتفل التابعون؟ " الإمام البصري وأبو قلابة وغيرهم من التابعين"؛ هل احتفل
أحد منهم؟ أبـدًا.هل احتفل الأئمة المجتهدون؟ كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك والأوزاعي والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي؛ هل احتفل أحد منهم؟
وهل... أحدٌ على... مثل هؤلاء؟ لو كان الاحتفال بالموالد حقا ومشروعا وفيه خير ما تركه هؤلاء.
وقال في آخر شريطه: فلذلك نحذركم وأنتم حذروا كذلك أهاليكم وصبيانكم وجيرانكم من الاغترار بهؤلاء الدجاجلة الذين يأكلون بالموالد وقاطعوهم وابعدوا عنهم
فإنهم شياطين. اهـ