من الجهالات الَّتي نسمعُها، قول بعضهم: إنَّ السَّلفيِّين في الجزائر حنابلةٌ في الفُروع؛ وهو قولٌ باطلٌ حكايتُه تُغني عن الرَّدِّ عليه؛ إذ لا يخفَى أنَّه لا مُنافاةَ بينَ السَّلفيَّة والمالكيَّة، أو غيرها منَ المذاهب الفقهيَّة المعتَبَرة؛ فمنذُ أن استقَرَّ العَملُ بالمذَاهب والعُلماءُ ينتَسبون إليها دونَ نكير؛ إنَّما الإنكارُ على مَن خالفَ الأئمَّة الأربعَة في اعتقادهم؛ الَّذي هو عقيدة السَّلف الصَّالح.

فالعقيدةُ السَّلفيَّة ليسَت خاصَّةً بالإمام أحمد أو بالحنَابلة وحدَهُم دونَ غيرهم؛ قال ابنُ تيميَّة: «ومذهبُ أهل السُّنَّة والجماعَة مذهبٌ قديمٌ معروفٌ قبلَ أن يخلُقَ اللهُ أبا حنيفَة ومالكًا والشَّافعيَّ وأحمَد، فإنَّه مذهبُ الصَّحابة الَّذين تلقَّوه عن نبيِّهم» [«منهاج السُّنَّة» (2/ 601)].
وأمَّا انتسابُ بعضهم إلى الإمام أحمد مع افتراقهم معه في المذهب الفقهي، فلكونه كانَ علَمًا مِن أعلام السُّنَّة، يُتفاخَر بمُوافقَته، فهذا أبو الحسن الأشعَري لمَّا تاب من الاعتزالِ، كتبَ في «الإبانة»: «قولُنا الَّذي نقُولُ به، وديانتُنا الَّتي نَدينُ بهَا: التَّمسُّك بكتَاب الله ربِّنا عزَّ وجلَّ، وبسُنَّة نبيِّنا محمَّد ﷺ، وما رُوِي عن السَّادَة الصَّحابة والتَّابعين وأئمَّة الحديثِ، ونحن بذلكَ معتَصمُون، وبمَا كانَ يقُولُ به أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبَل نضَّر اللهُ وجهَه، ورفَع درجَتَه وأجزَلَ مثُوبَتَه قائلُون، ولما خالفَ قولَه مُخالِفُون..»، مع أنَّ الأشعَريَّ لم يكن حنبليًّا بل تنازعَه الشَّافعيَّة والمالكيَّة؛ لكن مُوافقة الإمام أحمَد في العقيدة هي موافَقَةٌ لجميع أئمَّة الهُدى؛ و«إنَّه ليسََ للحنبَليَّة قولٌ انفرَدُوا به عَن غيْرِهم مِن طوائفِ أهلِ السُّنَّة والجماعَة، بل كلُّ ما يقُولونَه قَد قَاله غيْرُهُم مِن طوائفِ أهل السُّنَّة» كما يقولُه ابن تيميَّة في «منهاج السُّنَّة» (2/ 601).
ولهذا كانَ منَ المضحِك أن يُنسبَ السَّلفيُّ إلى المذهَب الحنبلي لمجرَّد سلفيَّتِه؛ فالسَّلفيُّون يصُولُونَ بالعلم ويجولُونَ بالدَّليل، سيماهُم اتِّباع السُّنَّة ولزومُها؛ ومسائلُ العلم الَّتي يتَّفقُون فيها مع الحنَابلة لا يجعَلهم حنابلةً، كما أنَّ اختلافَهم معهُم في مسائل أخرى كثيرة لا يَسْحَبُ منهم سلفيَّتَهُم.
فليتفَطَّن مَن يُحاولُ ازدراءَ السَّلفيِّين بهذه الدَّعوى المكشوفة، ولْيَعْلَم أنَّ السَّلفيَّةَ ليسَت خاصَّةً بابن حنبَل، ولا بابن تيميَّة، ولا بابن عبد الوهَّاب؛ بل هي الإسلامُ الصَّحيحُ الَّذي تلقَّاه الصَّحابة ﭫ من نبيِّهم ﷺ، ونقَلوه إلى من بعدَهُم، وهو الَّذي تلقَّته الأمَّةُ الجزائريَّة على يد الفاتحين، قال عبد الرَّحمن الجيلالي في «تاريخ الجزائر العام» (1/ 214): «فالعقيدةُ الإسلاميَّةُ والقيامُ بجميع الواجبَات الدِّينيَّة كانَ ذلكَ كلُّه سائرًا على الطَّريقَة السَّلفيَّة لا شائبةَ فيه لمنهج خاصٍّ أو منحى من المناحي المختلفَة الَّتي انتَهجَها أو اضطَرَّ للأخذِ بهَا أهلُ المذاهِب الإسلاميَّة فيمَا بعد»، ولنا على ذلك من الشَّواهد كثير؛ والله الهادي إلى سواء السَّبيل.

توفيق عمروني
راية الإصلاح