النهي عن الطعن في العلماء ووجوب احترامهم وتوقيرهم

لقد أتت جهود العلماء المخلصين ثمارها فكم بذلوا في سبيل تفقيهِ الأمة والنهوض بها ، وبيان السنةِ وما عليها . لكن ما نراهُ من خيرٍ وإقبال على الدين ، واجتماعٍ وألفةٍ يوشكُ أن يزولَ ، إذ النعم تدوم بالشكر، وتزول بالكفر كمثل قريةٍ من قبلنا ، كانت في خيرٍ ونعمةٍ واطمئنان ، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
ألا وإن من أسباب زوال النعم وذهاب الدين ، الطعن في علماء السنة والتوحيد ، وتطاول الصغار على الكبار ، والجهال على العلماء ، والوقيعة في مشايخ الإسلام وأئمته ِ. قال الإمام ابن المبارك رحمه الله :
( من استخف بالعلماء ذهبت أخرته ).
وقال أبو سنان الأسدي :
( إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألةً في الدينِ ، يتعلم الوقيعة في الناس متى يفلحُ متى ...).
وهاهو الحافظ ابن عساكر يذكر من أراد النجاة يوم الميعاد فيقول :
(اعلم أخي وفقنا الله وإياكَ لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاتهِ ، إن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتـقصيهم معلومة ، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمرٌ عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزورِ والافتراء مرتعٌ وخيم.)
الطاعنون في علمائنا لا يضرون إلا أنفسهم ، وهم يستجلبون بفعلتهم الذِلَةَ والصغار إذ الله يدافع عن الذين أمنوا ، وهو جلَ وعلا لا يصلح عمل المفسدين .
قال الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه وأرضاه ( لُحوم العلماء مسمومة من شمها مَرِض ، ومن أكلها مات ). وقال الحافظ ابن عساكر :
( من أطلق لسانه في العلماء بالسب أو الثلب ابتلاه الله قبل موته بموتِ القلب ). الطاعنون في علماء التوحيد والسنة أهل مكرٍ وخديعةٍ إن لم يقدروا على التصريح لمحوا ، فتنبهوا يا عباد الله لألا تُخدَعُوا. . وإليكم بعض الأمثلة في قدحهم في علمائنا الكبار. لألا يغترَ بها الجهال. فمنها : أنهم يُعيرون العلماء بأنهم ( فقهاء الحيض والنفاس )
وما عَلِموا أن الإمام أحمد رحمه الله مكث يتعلمُ مسائل هذا الباب بضعِ سنين، لكن أولئك الجهال شابَهُ الحُيّض اللائى إذا أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئاً ، قالت : ما رأيت منك خيراً قط . ثم إن هذا التعبير فيه ما فيه من الاستهزاء بمسائل الدين ، فنسأل الله السلامة والعافية. وتارة يقولون : ( علماؤنا لا يفقهون الواقع ) فيا سبحان الله! كيف يجهل علماؤنا الربانيون فقه الواقع ، ثم يدركه حُدَثاءُ الأسنان، سفهاءُ الأحلام ثم يدعون أنهم يكملون العلماء ، إن هذا لشيءٌ عجاب.
ولكن إذا عُرِفَ السببُ بُطِلَ العجب ، فهؤلاء القوم أرادوا بهذه الشبهة صرف الناس زمن الفتن والأحداث الكبار عن العلماء ، ليخلوَ الجو لهم في توجيه الناس وسط ما يريدون بدعوى فقههم للواقع ، فوالله لا فقهاً حصلوا، ولا واقِعاً أدركوا.
(1)
جاء في كتاب رفع الملام عن الائمة الاعلام لابن تيمية:
" فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم إذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فعلماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم ؛ فإنهم خلفاء الرسول في أمته والمحيون لما مات من سنته بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا .

قال الشيخ محمد بن عثيمين في كتاب العلم :
مكانة أهل العلم أعظم مكانة؛ لأنهم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا يجب عليهم من بيان العلم والدعوة إلى الله ما لا يجب على غيرهم، وهم في الأرض كالنجوم في السماء يهدون الخلق الضالين التائهين، ويبينون لهم الحق ويحذرونهم من الشر ولذلك كانوا في الأرض كالغيث يصيب الأرض القاحلة فتنبت بإذن الله .


قال ابن القيم في اعلام الموقعين :
فحياة العالِم وصلاحه حياة العالَم وصلاحه! فإذا ضاعت حقوق العلماء ضاعت حقوق الأمراء وإذا ضاعت حقوق العلماء والأمراء فسد العالَم!"( أعلام الموقعين (1/8ـ10)


قال العلامة زيد المدخلي حفظه الله في محاضرة بعنوان حاجة الامة للعلم الشرعي:
لذا فإن حملة الكتاب والسنة الذين توسعوا في العناية بهما هم الذين تحتاج إليهم البشرية في كل زمان وفي كل مكان لأن الله – تبارك وتعالى – أثنى على العلماء العاملين ، وعظم شأن العلم الذي يؤخذ من المصدرين الكريمين ، فقال سبحانه وتعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } فحصر الخشية على وجه التمام في العلماء ، والمقصود بهم العلماء العاملون الذين عقلوا العلم عن الله – تبارك وتعالى – من كتابه وسنة نبيه عليه الصلاةو والسلام علماً وعملاً ودعوةً ونشرا وصبراً .


وسئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن حكم سب ولاة الأمور والعلماء:
سماحة الشيخ هل الكلمة تؤثر في الأمن وتزعزعه مثل الأوراق التي تأتي بالفاكسات من خارج هذه البلاد، من بعض الحاقدين على هذه البلاد وولاتها وعلمائها؟
الجواب :
توزيع الأشرطة الخبيثة التي تدعو إلى الفرقة والاختلاف، وسب ولاة الأمور والعلماء، لا شك أنها من أعظم المنكرات. والواجب الحذر منها، سواء كانت جاءت من لندن من الحاقدين والجاهلين الذين باعوا دينهم وباعوا أمانتهم على الشيطان من جنس محمد المسعري ومن معه، الذين أرسلوا الكثير من الأوراق الضارة المضلة، والمفرقة للجماعة، يجب الحذر منهم، ويجب إتلاف ما يأتي من هذه الأوراق؛ لأنها شر وتدعو إلى الشر، وما هكذا النصيحة. فالنصيحة تكون بالثناء على ما فعل من الخير، والحث على إصلاح الأوضاع، والتحذير مما وقع من الشر، هذه طريقة أهل الخير الناصحين لله ولعباده.
المصدر :
نشرت في جريدة عكاظ في العدد (10541) ليوم الجمعة الموافق 25/1/1416 هـ - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن.
جزء من مقالتي الشيخ ربيع بين ثناء العلماء ووقاحة السفهاء في شبكة سحاب.