عظم فضل التوحيد وخطر البدع والأهواء ..
=======
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه .
وبعد :
فقد قال عبد الله بن نافع : سمعت مالكا يقول : لو أن رجلا ركب الكبائر كلها بعد ألا يشرك بالله ، ثم تخلى من هذه الأهواء والبدع - وذكر كلاما- دخل الجنة . الحلية ( ٦ /٣٢٥).
وفي رواية عنه قال : لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها بعد ألا يشرك بالله شيئا ، ثم نجا من هذه الأهواء لرجوت أن يكون في أعلى جنات الفردوس ،لأن كل كبيرة بين العبد وبين ربه هو منها على رجاء ، وكل هوى ليس هو منه على رجاء إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم . ترتيب المدارك ( ٢ / ٤٩).
قلت : وهذا مفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي يقول الله تعالى : (( .. من لقيني بقراب الأرض خطايا لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة )) . رواه مسلم .
نعم فإن الله يغفر الذنوب جميعا قال تعالى : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )).
وهذا مع التوبة والإنابة لقوله بعدها : (( وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ )).
أما من مات على شيء من الكبائر ولم يتب منها فهو تحت المشيئة إن شاء غفر له ابتداء لسابقة أو فضيلة أو حسنة اقتضت فضل الله عليه ، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه في النار حتى إذا استفوى عقوبته أخرجه منها ولا يخلد في النار ، أو يخرجه من النار قبل استفاء عقوبته بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو بشفاعة الشافعين .
فكل ذنب عسى الله أن يغفره ما عدا الشرك .
قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا )).
أما أهل البدع والأهواء الذين ماتوا عليها ولم يتوبوا ، فمن كانت بدعته مكفرة شركية فهم يلحقون بالمشركين والكفار ..
قال تعالى : (( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ...)) إلى أخر الآيات .
فهي عامة في الكفار والمشركين وأهل الأهواء كما قال علماء السلف ومنهم علي رضي الله عنه وغيره..
وأما من كانت بدعته غير ذلك ولم يكن مشرعا لها رأسا فيها ؛ بل كان تابعا فهذا يحبط من عمله بقدر بدعته ، كما قالت طائفة من العلماء ، ويكون تحت المشيئة مثل أصحاب الكبائر .. ما دامت بدعته لم تخرجه من الإسلام.
أما من كان مشرعا لبدعة معتقدا لها ويدعو إليها على أنها من الدين فهذا الذي قال الله فيهم : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) .
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الأهواء وأن يرينا الحق حقا وارزقنا اتباعه ،وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم ، ونسأله أن يحسن خاتمتنا إنه سميع قريب مجيب .