بسم الله الرحمن الرحيم

روائع من ورع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله

روى البيهقي من طريق المزنى ، عن الشافعي أنه قال للرشيد : إن اليمن يحتاج إلى قاض ، فقال له : اختر رجلا نوله إياها ، فقال الشافعي لأحمد بن حنبل وهو يتردد إليه في جملة من يأخذ عنه : ألا تقبل قضاء اليمن ؟ فامتنع من ذلك امتناعا شديدا ، وقال للشافعي : إني إنما اختلف إليك لأجل العلم المزهد في الدنيا ، فتأمرني أن ألى القضاء ؟ ولولا العلم لما أكلمك بعد اليوم ، فاستحى الشافعي منه . وروى أنه كان لا يصلى خلف عمه إسحاق ابن حنبل ، ولا خلف بنيه ، ولا يكلمهم أيضا لأنهم أخذوا جائزة السلطان ، ومكث مرة ثلاثة أيام لا يجد ما يأكله حتى بعث إلى بعض أصحابه فاستقرض منه دقيقا ، فعرف أهله حاجته إلى الطعام ، وعجنوا وخبزوا له سريعا ، فقال : ماهذه العجلة ؟ كيف خبزتم ؟ فقالوا : وجدنا تنور بيت صالح مسجورا فخبزنا لك فيه ، فقال : ارفعوا ، ولم يأكل ، وأمر بسد بابه إلى دار صالح . قال البيهقي : لأن صالحا أخذ بجائزة السلطان ، وهو المتوكل على الله ، وقال عبد الله ابنه : مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوما لم يأكل فيها إلا ربع مد سويقا يفطر بعد كل ثلاث ليال على سفة منه ، حتى رجع إلى بيته ، ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر ، وقد رأيت موقيه دخلا في حدقتيه .


المصدر :
البداية والنهاية للحافظ ابن كثير رحمه الله [ مجلد 10 ص 367 ] .