الفتوى رقم: 915الصنف: فتاوى الجنـائزفي حكم استقبال المصلِّين الجنازة في صلاة الفريضة
السـؤال:
كثيرًا ما توضع الجَنازة في المسجد أمامَ المحراب، وتُؤدَّى صلاةُ الفريضة، وهي في قِبلة المصلِّين، بغيةَ الصلاة عليها بعد الانتهاء من الفريضة، فما حكم صلاة الفريضة في هذه الحالة؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقد وردت مناهي عديدة في اتخاذ القبور مساجد، والنهي عن اتخاذها لا يخرج عن معنى السجود عليها وإليها، واستقبالها بالصلاة والدعاء، وبناء المساجد عليها، وتقصّد الصلاة فيها، وهو شامل لها جميعًا، ويدلُّ عليه قوله صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تُصَلُّوا إِلَى قَبْرٍ وَلاَ تُصَلُّوا عَلَى قَبْرٍ»(١- أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»: (11/ 376)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1016))، وقوله صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلاَ تُصَلُّوا إِلَيْهَا»(٢- أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه: (2250)، وأبو داود في «سننه» كتاب الجنائز، باب في كراهية القعود على القبر: (3229)، والترمذي في «سننه» كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية المشي على القبور والجلوس: (1050)، والحاكم في «المستدرك»: (4976)، وأحمد في «مسنده»: (16765)، من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه)، «وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ إِلَى القُبُورِ»(٣- أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (2323)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»:( 6893))، كما «نَهَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْنَى عَلَى القُبُورِ، أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهَا أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهَا»(٤- أخرجه أبو يعلى «مسنده»: (2/297)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/191): «رجاله ثقات»، والحديث صححه الألباني «تحذير الساجد»: (30))، ولا خلافَ بين الأئمَّة والعلماء المعروفين في تحريم ذلك.
هذا، وإذا كان استقبال القبر والصلاة إليه منهيًّا عنه فمن بابٍ أَوْلَى أن ينهى نهيًا مؤكَّدًا عن استقبال الجنازة الموضوعة إلى قِبلة المصلين في الصلاة المكتوبة، لِمَا تشمله صورة استقبال الجنازة بالأحروية تلك المعاني السالفة البيان من تحريم اتخاذ القبور ليُسجَد عليها أو إليها وليستقبلها بالصلاة والدعاء، وفي مضمون هذا المعنى من النهي إلى الصلاة إليها يقول المُلاَّ علي القاري في «مرقاة المفاتيح» ما نصَّه: «ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظِّم، فالتشبه مكروه، وينبغي أن تكون كراهةَ تحريمٍ، وفي معناه بل أَوْلَى منه الجنازة الموضوعة، وهو ممَّا ابتلي به أهلُ مكةَ حيث يضعون الجنازة عند الكعبة، ثمَّ يستقبلون إليها»(٥- «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» لعلي القاري: (4/178)).
وعليه، فلا ينبغي للمصلي استقبال الجنازة لا بمفرده ولا مع الإمام، فإن صَلَّى -والحال هذه- أثِمَ وأعادها، أمَّا إن صلَّى وهو لا يعلم بوجودها في قِبلة المصلين صحَّت صلاته من غير إثم، والواجب أن توضع الجنازة خارج المسجد في «المصلى» أو على أبعد تقدير خلف المصلين حتى لا يقع المصلُّون في هذه المخالفة المنهي عنها.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 21 جمادى الأولى 1429ﻫ١- أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»: (11/ 376)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1016).
الموافق ﻟ: 26 ماي 2008م
٢- أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه: (2250)، وأبو داود في «سننه» كتاب الجنائز، باب في كراهية القعود على القبر: (3229)، والترمذي في «سننه» كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية المشي على القبور والجلوس: (1050)، والحاكم في «المستدرك»: (4976)، وأحمد في «مسنده»: (16765)، من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه.
٣- أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (2323)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»:( 6893).
٤- أخرجه أبو يعلى «مسنده»: (2/297)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/191): «رجاله ثقات»، والحديث صححه الألباني «تحذير الساجد»: (30).
٥- «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» لعلي القاري: (4/178).