التدليل على وسطية علماء الحديث في الجرح والتعديل - الشيخ أبو بكر يوسف لعويسي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
لقد تولى الله سبحانه وتعالى حفظ كتابه من التبديل والتحريف ، والتغيير وفاسد التأويل ، وذلك بقوله عز وجل :[[ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ]] فلا تناله أيدي العابثين ، ولا عقول الكاذبين ، ولما لم يجد أهل الزيغ والضلال إلى ذلك سبيلا إلى بإتباع متشابهه ، ركبوا سفينة السنة ليغرقوا أهلها بالشبه التي تحملها الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي اختلقوها ، ظنا منهم أن لا أحد يستطيع أن يسد ما أحدثوه من ثقوب وثغرات فيها ، ولكن الله قيض لذلك رجالا مخلصين ، وعلماء ربانين كانوا لها وهم من أهلها في كل زمان ومكان ،بالحجة والبيان ، والعدل والإحسان ، لأن السنة من الوحي المنزل مع القرآن ، الذي تولى حفظه الله لأهل الإيمان ، فلم يتركوا حديثا إلى بينوه ، ولا مبتدعا إلا جرحوه ، فميزوا الصحيح من الجريح ، والمعدل من الطريح ، هم أهل الحديث والسنة ، والوسطية والمقاصد الحسنة ، هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية التي تدخل الجنة ،ففله درهم ،قد تحملوا في ذلك الأتعاب الشديدة ، والصعاب المتعددة قال عنهم منصور بن عمار[1] رحمه الله ترجمته[سير أعلام النبلاء [ج93-98] : ووكل بالآثار المفسرة للقرآن ، والسنن القوية الأركان، عصابة منتخبة ، ووفقهم لطلابها وكتابها، وقواهم على رعايتها وحراستها ، وحبب إليهم قراءتها ودراستها ، وهو عليهم الدأب والكلال ، والحل والترحال ، وبذل النفس مع الأموال ، مع ركوب المخوف من الأهوال ، فهم يرحلون من بلاد إلى بلاد ، خائضين في العلم كل واد ، شعث الرؤوس خلقان الثياب ، خمص البطون ، ذبل الشفاه ، شحب الألوان ، نحل الأبدان ، قد جعلوا لهم هما واحدا ، ورضوا بالعلم دليلا ورائدا ، لا يقطعهم عنه جوع ولا ظمأ ، ولا يملهم منه صيف ولا شتاء
مائزين الأثر ؛ صحيحه من سقيمه ، وقويه من ضعيفه ، بألباب حازمة وآراء ثاقبة ، وقلوب للحق واعية ، فأمنت من تمويه المموهين ، واختراع الملحدين وافتراء الكاذبين ، فلو رأيتهم في ليلهم وقد انتصبوا لنسخ ما سمعوا ، وتصحيح ما جمعوا ، هاجرين الفرش الوطيء ، والمضجع الشهي ، قد غشيهم النعاس فأنامهم ، وتساقطت من أكفهم أقلامهم ، فانتبهوا مذعورين ، قد أوجع الكد أصلابهم ، وتيه السهر ألبابهم ، فتمطوا ليريحوا الأبدان ، وتحولوا ليفقدوا النوم من مكان إلى مكان ، ودلكوا بأيديهم عيونهم ثم عادوا إلى الكتابة حرصا عليها ، وميلا بأهوائهم إليها ، لعلمت أنهم حرس الإسلام وخزان الملك العلام ، فإذا قضوا من بعض ما راموا أوطانهم انصرفوا قاصدين ديارهم فلزموا المساجد ، وعمروا المشاهد ، لابسين ثوب الخضوع مسالمين ومسلمين ، يمشون على الأرض هونا ، لا يؤذون جارا ، ولا يقارفون عارا ، حتى إذا زاغ زائغ عائق ، أو مرق من الدين مارق خرجوا خروج الأسد الضاري من الآجام يناضلون عن معالم الإسلام .[2] المحدث الفاصل بين الراوي والواعي [220-221].
قلت : فيردون كيد الكائدين ، وانتحال المبطلين ، وتحريف الغالين ، وتأويل الزائغين وتمييع المميعين ، وتعنت المتعنتين ، فهم أهل الإتباع للدليل ، والوسطية في الجرح والتعديل.
تابع القراءة من الملف pdf جزكم الله كل خير الملف للرفع ونشر