أسئلة وأجوبة مهمة في علوم الحديث للشيخ المحدث العلامة ربيع بن هادي المدخلي
الحلقة الأولى
هل يحكم على الروايات التاريخية بموازين أهل الحديث
السؤال: أحسن الله إليكم بعض العلماء عندما يورد قصة من قصص السلف ويكون فيها ضعف فيقول : باب السِيَر نتسامح فيه فما هو الضابط في هذا ؟
الجواب : الضابط فيها القضايا التاريخية يجب أن يحكم عليها بموازين ومقاييس أهل الحديث , خاصة إذا كانت تتعلق بالصحابة , تتعلق ببعض العلماء , تمسّ بمكانتهم فلابدّ فيها من التثبت بدراسة الأسانيد والحكم عليها في ضوء هذه الدراسة , لكن مثل الأحداث , المعركة الفلانية , المعركة الفلانية وقع فيها كذا وكذا ,وما فيها- يعني - ما تمسّ الأشخاص هذه تُمَشّى , لكن عند التدقيق و كذا و كذا , إذا سئلت : صحيح أو ليس بصحيح ؟ تقول ما تعرفه من الحقّ , , تدرس و تبيّن .
أمّا فلان جهمي , فلان معتزلي – بارك الله فيك – تذكر لك قصّة عن فلان وهو معروف بالسنّة قال: وقع في الاعتزال , وقع في كذا , لابدّ من التثبت , يذكر لك صحابي و يقول لك : حصل له كذا وكذا , لابدّ من التثبت - بارك الله فيكم -
أنا أعرف أنّ التأريخ يعني نهض به أهل البدع أكثر من أهل السنّة ,ثم جاء ابن جرير وغيره ينقل عن ابن مخنف وفلان وفلان من الروافض ومن هؤلاء الضالين الكذابين , فيحتاج الأمر إلى التحرّي والتثبت .
السؤال : هل عدم اشتراط العدالة والضبط يعم رواة التاريخ وما حكم رواية المستشرقين له جزاكم الله خيرا ؟
الجواب : العدالة والضبط يشترطان في كل نقل ؛في التاريخ ,في السنة ,في أحوال الناس
في كل نقل ,ولا نقبل أيّ خبر إلا إذا توفرت شروط العدالة والضبط في النقل .
أما التاريخ ,خاصة إذا كان يتناول الصحابة أو يتناول علماء الإسلام الذين حرم الله دماءهم وأعراضهم وأموالهم فلا نقبل كلّ ما هبّ ودبّ ,ولا نقبل نقول المستشرقين .
لكن إذا حققوا لنا كتابا ندرسه وننظر أمانته ؛لأنهم أهل دسٍّ وخبث ,فننظر هل نقلوا من أصول صحيحة ,هل اعتمدوا على أصول صحيحة ,فإذا عرفنا هذا فنقبل هذا الكتاب لا لأنه من مستشرق ,وإنما لأنه كتاب فلان وتوثقنا وتأكدنا أن هذا الكتاب لفلان ,لأن هذه الأصول موجودة عند غير هذا المستشرق - والحمد لله - .
وبعض الناس يقول : الروايات التاريخية لا يطبق عليها منهج المحدثين ! هذا ليس بصحيح هذا غلط ؛لأن في المؤرخين كذابين ,فيهم روافض ولهم أهداف سيّئة ويلصقون المثالب بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وخيار الناس ,فلا نقبل منهم أبدا إلا بالأسانيد الصحيحة - بارك الله فيكم - .
حكم المعلقات في الصحيحين
السؤال : يا شيخ بالنسبة للمعلقات في البخاري ومسلم يعني يذكر أهل العلم : أنّ ما بين البخاري ومن علق إليه يكون ثابتا ثم ينظر في السند من بعد من علق إليه , طيّب بالنسبة للمعلقات التي ما وجدنا من وصلها كيف يكون التعامل معها ؟
الجواب : المعلقات في البخاري بعض الناس يعتقدون أنّ كل ما علّقه بصيغة الجزم فهو صحيح إلى ذلك المعلق عنه, وما علّقه بصيغة التضعيف فهو ضعيف ,لكن الحافظ ابن حجر العليم بهذه الأمور أكثر من غيره يرى أنّ فيما روي بصيغة الجزم قد يكون فيه الضعيف و ضرب لذلك أمثلة ,وما روي بصيغة التمريض قد يكون فيه الصحيح ,وتكون روايته له بصيغة التمريض لا من أجل ضعفه و إنّما لأجل أنّه رواه بالمعنى ,أو تصرف فيه هذا فيما يتعلق بالمعلقات في البخاري . و أثبتوا له في الصحة إلى من علق عنه هذا الأثر
ويبقى النظر في من بعد هذا .
وتعرفون أنّ الحافظ رحمه الله في فتح الباري يصل بعض المعلقات وفي » تغليق التعليق « يصل بعض المعلقات ,وأنا أقول بناء على هذه القاعدة لا أذكر الآن حديثاً عجز الحافظ عن تغليقه ,ما أذكر, لكن لو فرض أنّه عجز عن تغليقه ,فيكون حكمه حكم المراسيل والمقاطيع وما شاكل ذلك يحكم عليها بالضعف ,لأننا لماذا نحكم على المرسل بالضعف والمنقطع ؟ للجهل بحال الراوي , الساقط هذا قد يكون ثقة وقد يكون ضعيفا وقد يكون كذّابا إلى آخره , فنجهل حاله فلا نحكم له بالصحة إلاّ إذا عرفنا حال راويه وأنّه من الثقات أو على الأقلّ ممّن تقبل روايته كراوي الحسن وما شاكل ذلك , إذا لم نجد فلا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها , نمشي على هذه القواعد ونعامله كمعاملة المراسيل ونحكم
عليه بالضعف .
السائل: الإشكال هو أن ابن الصلاح قبل ابن حجر لماّ ذكر المعلقات هذه قال : بالنسبة لما ذكره البخاري بصيغة الجزم فإنّنا نحكم بالصحة إلى من علّقه عنه , قال : تحسيناً للظنّ بالبخاري فاستشكلت أنا على المدرس قلت له يعني إنّما قلنا : إنّه صحيح بناءً على أنّ البخاري يرى أنّه ثقة عنده و يشكل على هذا أنّه قد يقول بعض الأئمّة مثلا حدثي الثقة لكن لا نقبل بهذا حتى نعرف من هو هذا الثقة
.
الجواب : هو كذلك , وأنتم تعرفون أنّ الدار قطني ناقشه في أحاديث لاهي معلقة ولاهي مرسلة بل موصولة الأسانيد ومع ذلك أعلّها , وإن كان قد يكون الغالب أن الصواب مع البخاري ومع مسلم ,لكن قد يصيب أحيانا .
ولهذا يقال : أحاديث الصحيحين تفيد العلم اليقيني أو القطعي لتلقي الأمّة لها بالقبول إلاّ الأحاديث التي انْتُقِدت ؛ انتقدها الدار قطني و غيره فإنّ هذه ليس لها حكم تلك الأحاديث التي تُلُقِيَت بالقبول وإن كان فيها الصحيح ,لكن لا نعطيها حكم الأحاديث التي جزمت الأمّة بصحتها .
حكم الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول
السؤال : ما المراد بقولهم في كتب العلم: ( تلقّته الأمّة بالقبول ) فما المراد بهذه العبارة ؟
الجواب : المراد بهذه العبارة : أنّ هذا النص أو هذا الكتاب مثل البخاري ومسلم تلقتهما الأمّة برضًا و بطمأنينة وانشراح صدر وأنّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم قد قال هذه الأحاديث التي نقلها إلينا مثل البخاري ومسلم بالأسانيد الصحيحة من البخاري ومسلم إلى نبي الله صلّى الله عليه وسلَّم , وَثِقوا بها واطْمَأنّوا بصحتها وسلامتها فَقَبِلوها وبنوا عليها عقائدهم و عباداتهم و أحكامهم و معاملاتهم هذا معنى القبول ؛القبول ضد الرد والرفض ,الحديث إذا كان موضوعا نرده ونرفضه ,وإذا كان ضعيفا ما نقبله , نتوقف فيه إن كان من الطبقة الوسطى التي تقبل التقوية ,ونردّه ردّا إذا كان من فاحش الغلط أو متّهم بالكذب أو ما شاكل ذلك , فهذا القبول يقابل ذلك الردّ .
فعلى الوجه نقول: إنّ تلقّي الأمّة بالقبول لحديث ما معناه أنّها آمنت به ودانت به وأنّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم قد قاله وأنّ هذا النص قد ثبت عنه .
وهذا يا إخوتاه قائم على أصل وهو قبول الأخبار ولو كانت آحادا إذا جاءتنا عن طريق الثقات عن الثقات إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم و هذا منهج أهل السنة و الجماعة وهو منهج الصحابة و منهج من تبعهم بإحسان ومنهج أئمّة الهدى بخلاف أئمة الضلال من المعتزلة والخوارج و الروافض وغيرهم فإنّ منهجهم يختلف في تلقّي الأخبار ,حتى أحيانا أخبار متواترة قد يردونها بحجة أنّها أخبار آحاد وأحيانا يتأولون نصوص القرآن القطعية فيخالفون رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم وصحابته الكرام ومن سار على منهجهم في تلقي مثل أحاديث الصفات وغيرها من العقائد .
يقولون : النص لابدّ أن يكون قطعيّ الثبوت , قطعيّ الدلالة , فإذا كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة تلقيناه بالقبول وبنينا عليه عقائدنا وإذا كان قطعيّ الثبوت ظنّي الدلالة فإننّا لا نأخذ بهذه الدلالة الظنّية في عقائدنا , فيتأولون صفات الله عزَّ وجلَّ من العلو والنزول و المجيء والرضا والغضب وما شاكل ذلك بهذه التّرهات الضّالة والعياذ بالله التي أملاها الشيطان على أهل الأهواء .
فأهل السنة والجماعة يقبلون أخبار الآحاد وأخبار الصحيحين فيها الكثير من المتواترات وفيها أحاديث من الآحاد , هذه الآحاد تلقّاها أفذاذ العلماء وأئمّتهم بالقبول واطمأنّوا إلى أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم قد قالها ,لأنّها جاءتهم عن طريق مصادر موثقّة وعن أئمّة ثقات فتلقّوها ,لم يتلقوها تلقي الخرافيين وأهل البدع . تلقي الخرافي البدع ترّهات
وحكايات و منامات توافق أهواءهم فيقبلونها ويبنون عليها دينهم , أهل السنّة ليسوا كذلك , اشترطوا لقبول الحديث شروطا ولله الحمد تضمن لهم سلامة العقيدة وسلامة المنهج – بارك الله فيك – و سلامة المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى فلا يقبلون الحديث إلاّ إذا رواه العدول عن العدول عن العدول إلى الرسول صلّى الله عليه وسلَّم , رواية عدل تامّ الضبط متّصل السند غير معلل ولا شاذّ , وعلى هذا الأصل بنوا تلقّي الأخبار ومنها ما هو متواتر فتلقوه بالقبول ومنها ما جاء من طريق الآحاد الثقات فهذا أيضا تلقوه بالقبول وبنوا عليه عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم .
السؤال : أحسن الله إليكم القصة إذا اشتهرت عند أهل السنة وتلقوها على أنها ثابتة مثل قصة خالد القسري مع عدم ثبوت الإسناد .
الجواب : هذه القصة - والله أعلم - ليس فيها كذاب ولا متهم ,نعم في بعض رواتها شيء من الضعف ,ثم تلقاها العلماء بالقبول ونصروا بها السنة ,فمثل هذه تمشي ,والحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول ينجبر ويجب العمل به ؛لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة .
ويقول الحافظ ابن حجر : ( التلقي بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق ) ؛يعني كثرة الطرق توصل الحديث إلى العزيز إلى المشهور وإلى المتواتر ,لكن الحافظ يقول : ( التلقي بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق ) .
ومن ميزات الصحيحين : التزامهما أولاً بالصحة ,وثانيا : تلقي الأمة لهما بالقبول والحكم لأحاديثهما بالصحة .
السؤال : بالنسبة لبعض الأحاديث تجدها ضعيفة لكن يقول بعض العلماء تلقتها الأمّة بالقبول ما حكم هذه الأحاديث يا شيخ ؟
الجواب : تكلمنا على هذه المسألة من أول الأمر ,وأنّ الحديث الضعيف إذا تلقته الأمّة بالقبول فإنّه يجب العمل به ,لأنّ الأمّة لا تجتمع على ضلالة ,مثل يعني الماء الذي تقع فيه النجاسة هل ينجس أو لا ؟ إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه كثيرا كان أو قليلا فهو نجس بإجماع الأمّة .
مالمراد بالحديث الضعيف الذي يحتج به الإمام أحمد ؟
السؤال : يقول: إن الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف ويقدمه على القياس , ولكن ما المراد بالحديث الضعيف ؟
الجواب : يقول شيخ الإسلام ابن تيمية و أظنّ ابن رجب وأحمد شاكر وغيرهم وبحسب دراستي أنا أيضا لبعض الأحاديث أنّ مراده بالحديث الضعيف: الحديث الحسن عند الترمذي ومن بعده ؛لأنّ الإمام أحمد -رحمه الله- وطبقته ومن قبله حتى طبقة تلاميذه مثل البخاري يجعلون الحديث قسمين: ضعيف وصحيح ,ويدخلون ما يسمى بالحسن عند المتأخرين في الضعيف ,والضعف يتفاوت فمنه ضعف لا ينجبر ومنه ضعف ينجبر وممّا شمله اسم الضعيف الحسن عند المتأخرين الذي يحتج به في الحلال والحرام و في سائر الأحكام .
فإذا قيل إنّ الإمام أحمد يقدم الحديث الضعيف على القياس فالمراد هذا الحديث الذي يرويه مثل ابن إسحاق ومثل عمرو بن شعيب وأمثال هؤلاء , يعني هؤلاء مختلف فيهم , منهم من يصحح حديثهم ومنهم من يضعفه ومنهم من يتوسط فيه و أحمد أحيانا يحتج بعمرو بن شعيب وأحيانا يرده ,وأحيانا يحتج بابن إسحاق وأحيانا يرده . فالشاهد أنّه قد يحتج بحديث ضعيف يعني حسن عند غيره من أمثال روايات هؤلاء .
هذا الاصطلاح - بارك الله فيك , أول ما شهر الحسن الذي يحتج به , الحسن لذاته
والحسن لغيره وصحيح حسن وغريب صحيح , صحيح حسن غريب , حسن غريب , حسن صحيح غريب إلى آخر إطلاقات الترمذي , هذه أول ما شهرها هو الإمام الترمذي -رحمه الله- ودرج الناس بعده على هذا , تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام : صحيح , وضعيف وحسن ,والضعيف يتفاوت , أمّا أحمد ومن قبله ومن عاصره حتى علي ابن المديني فإنّهم يطلقون الحسن إطلاقا لغويا ؛فتجد البخاري يطلق الحسن على الحديث المنكر الغريب وتجده أحيانا يطلقه على الصحيح إذا كان غريبا يدخل فيه الحسن وأحيانا يطلقه على ما نسميه نحن الحسن في اصطلاح المتأخرين , كذلك ابن المديني وأنا ضربت أمثلة لهذه الأمور في الكتاب الذي سميته ( تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف ) فصلت فيه و ضربت الأمثلة و رددت على من غالط في هذه القضايا وتحامل على الإمام أحمد و ابن تيمية .
أوّل من قسّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف
السؤال: شيخنا يذكر في هذه القضية كما ذكرتم يعني أن أول من أشهر الاصطلاح هذا هو الإمام الترمذي ,ويقال: إن البخاري سبق الترمذي إلى هذا لكنه لم يشهره ,فكيف هذا ؟
الجواب : أنا ضربت أمثلة كثيرة من إطلاقات البخاري ,وأنّه يطلقه إطلاقا لغوياً لا إطلاقا اصطلاحيا , البخاري و الإمام أحمد وعليّ بن المديني .
ولعلّكم تذكرون أنّ الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قال : أمّا أحمد ومن قبله فلم يظهر لي قصدهم من هذا الإطلاق وأمّا أبو حاتم و عليّ بن المديني والترمذي و يعقوب ابن شيبة فهؤلاء يريدون به المعنى الاصطلاحي ,فهذا نفعنا شيئا ما ,ولكن ليس على إطلاقه كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وأنا بينت .
قال - يعني ابن حجر - : قال ابن المديني هذا في المسند ,أنا بينت أنّ هذا المسند لم تره العيون ,وأنّ عليّ ابن المديني -رحمه الله- جمعه ووضعه في قمطر كما يقول وذهب إلى اليمن إلى عبد الرزاق ثم عاد إلى وطنه و جاء إلى القمطر يريد المسند فإذا به طينة فما استطاع أن يعيده ,فإطلاقات علي ابن المديني هي إطلاقات لغوية .
وما استفيد منه والإطلاقات التي أطلقها تلقّاها عنه تلاميذه ,ومنهم البخاري فظنّ الحافظ -رحمه الله- أنّ هذه مأخوذة من المسند , أنا رجعت إلى فهرست ابن حجر ( المعجم المفهرس ) الذي يذكر فيه الكتب المصنفة التي يرويها بأسانيده من كتب الرجال و المتون و العلل و الموضوعات ... و الخ ,فرجعت إلى هذا الكتاب لعلّي أجد في مرويات هذا الكتاب العلل و المسند , مرويات الحافظ فلم أجد لهما ذكرا ,ولو كان رواهما عن شيوخه لاعتزّ بهما وقدمهما على غيرهما لا سيما كتاب العلل لعلي ابن المديني ,فأنا أعتقد أنّ الحافظ ابن حجر ينقل كلام وأحكام علي ابن المديني من كتب تلاميذ علي ابن المديني ومن أخذ عنه ولم ير لا المسند ولا العلل ,ولو كان رآهما ورواهما لجعلهما في طليعة المسانيد وفي طليعة كتب العلل لكن لا ذكر لهما ورجعت إلى فهرست ابن خير – بارك الله فيكم – و أظنّ أنّه أخذ عن أبي طاهر السلفي ,أخذ عنه جزءً من العلل ؛أجازه في جزء من العلل , هذا الذي أظنّه أمّا المسند فلا ذكر له في فهرست ابن خير و بحثت في عدد من الفهارس فلم أجد ذكرا لهذا الكتاب .
فكلام الحافظ ابن حجر وكلام أبي غدّة وعوّامة وما ينسبونه إلى علي ابن المديني و إلى.. و إلى... ,لا دليل عليه ,أنا وجدت جزءً من العلل وبيّنت أنّ علي ابن المديني يطلق الحسن إطلاقا لغويا وبينت هذا بالأدلة ,أمّا المسند فلم أره ولم يره مَن قبلي , العلل ما وجدنا منها إلاّ جزءً وليس الأمر كما نسب إليه أبو غدّة و محمد عوّامة وبيّنت ذلك بالأدلة , يعقوب ابن شيبة وجدنا له جزءً من مسنده , مسند عمر ونسبوا إليه أنّه يطلق الحسن إطلاقا اصطلاحيا و نسبوا ذلك إلى مالك أيضا وإلى ...وإلى .... وإلى مَن قبلهم ,فبينا أن يعقوب ابن شيبة يطلق الحسن إطلاقا لغويا ,وشيخه ابن المديني كذلك والبخاري مِن أقرانه أو دونه في السن قليلا ,كلّ هؤلاء يطلقون الحسن إطلاقا لغويا ومَن قبلهم يطلقونه إطلاقا لغويا وضربنا الأمثلة عن الجميع من إبراهيم التيمي إلى شعبة إلى مالك إلى غيرهم إلى أبي حاتم إلى أبي زرعة , بينا بالأدلة أنهم يطلقون الحسن إطلاقا لغويا لا إطلاقا اصطلاحيا , و اقرؤوا في هذا الكتاب الذي أشرت إليه , ذكرته لكم » تقسيم الحديث إلى حسن و صحيح و ضعيف بين المحدثين ومغالطات المتعصبين « .
السؤال : هناك من يردّ تقسيم الترمذي بحجة أنه اصطلاح حادث ولم يعرفه المتقدمون .
الجواب : ما أظن أن هناك من يرد اصطلاح الترمذي ,الذي أعرفه أنّ الحملات على المتأخرين من بعد القرن الثالث والترمذي قبل هذا .وإذا قال هذا إنسان فهو لا يعرف شيئاً لكن ما أظن أحدا يقول هذا .
هل يشترط معرفة الناسخ والمنسوخ لقراءة صحيح البخاري ؟
السؤال :نجد هنا بعض المنتمين للعلم ينكر النظر في كتاب صحيح البخاري إلاّ للعلماء المتمكنين لأسباب يذكرها منها معرفة الناسخ و المنسوخ فهل لهذا القول نصيب من الصحة و ما الذي توجهون به ؟
الجواب : والله على سَنَن هذا الاعتراض على قراءة البخاري: الاعتراض على القرآن لأنّ هذا – بارك الله فيك - أكثر الناس حتى من طلاب العلم لا يعرفون الناسخ والمنسوخ من القرآن , فإذا كان عدم معرفة الناسخ والمنسوخ في الحديث تمنع من قراءة كتب السنة وعلى رأسها البخاري فكذلك أيضا هذه العلة تمنع من قراءة القرآن , هذا كلام فارغ . يقرأ في البخاري والأصل في الأحاديث أنّها محكمة – و لله الحمد – فكلّ حديث ينسب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلَّم وصلك إذا عندك عالم اسأله عنه , ما عندك ,الأصل في الحديث العام العموم ,والحديث المطلق الأصل فيه الإطلاق ,والحديث الذي تخاف أن يكون منسوخا الأصل فيه الإحكام حتى يتبين الناسخ ويتبين المقيد ويتبين المخصص ,
لا يكلف الله نفسا إلاّ وسعها .
وقد كان الصحابة يَصِل بعضهم الحديث فيقضي فيعمل به بمقتضى إطلاقه أو عمومه أو يعني الأصل أنّه غير منسوخ ,وقد يعمل به والواقع أنه منسوخ و هو لم يعرفه ويكون غيره عرف النسخ و لا يكلف الله نفسا إلاّ وسعها .
على كلّ حال طالب العلم عليه أن يتحرك و إذا لم يمكنه أن يعرف الناسخ و المنسوخ فلا يكلف الله نفسا إلاّ وسعها , إذا اجتهد وعمل بالمنسوخ و هو لا يعلم وهذا حسب اجتهاده فلا يكلف الله نفسا إلاّ وسعها , سأل العلماء ما وجد إجابة بحث في الكتب ما وجد إجابة فالأصل فيها الإحكام .
على كل حال هذا من التنفير عن السنة , هذا الكلام من التنفير عن سنّة الرسول صلّى الله عليه وسلَّم بأسلوب مؤدب , فنحن نطلب من شبابنا أن يقرؤوا البخاري و إذا استطاعوا أن يحفظوه بأسانيده فجزاهم الله خيرا ,وأن يقرؤوا صحيح مسلم وأبا داود والنسائي وابن ماجة وإن استطاعوا حفظ هذه الكتب فإنّ هذه ثروة عظيمة للإسلام والمسلمين .
من يقف على حديث أعلّه بعض الأئمّة المتقدمين وصححه بعض المتأخرين, فما الواجب عليه تجاه هذا ؟
السؤال : من يقف على حديث أعلّه بعض الأئمّة المتقدمين وصححه بعض المتأخرين ممن له اشتغال و معرفة بالحديث , صححه من عدّة طرق , فما الواجب عليه تجاه هذا ؟
الجواب : هذا ينبني على: هل باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف جائز ومستمر أو أنّ باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف قد أغلق ,كما أغلق غلاة المتعصبين باب الاجتهاد في ميدان الفقه , فباب الاجتهاد ولله الحمد في هذا الدين وفي هذه الأمّة على الوجه الصحيح ,وعلى ما يقوله العلماء الأفذاذ المحققّون: إنّ باب الاجتهاد مفتوح هنا
وهناك و الرسول صلّى الله عليه وسلَّم يقول : » من اجتهد فأصاب فله أجران و من اجتهد فأخطأ فله أجر واحد « .
فإذا وجد إنسان متمكّن في علوم الحديث وله قدرة على التمييز بين الصحيح والضعيف وهضم قواعد علوم الحديث وعلوم المصطلح فإنّ له أن يجتهد , طبعا الصحيحين يتركهما فهما تلقتهما الأمّة بالقبول لكن جاء إلى أبي داود وإلى الترمذي وإلى النسائي وإلى مصنف عبد الرزاق إلى مصنف ابن أبي شيبة , معاجم الطبراني , و وجد أحكاما لبعض الأحاديث أولم يجد فله أن يجتهد , وجد مثلا واحد من أئمة الحديث قبله قد ضعّف حديثا وبيّن له علّة في إسناد ما فبحث وتوسع من هنا من المعاجم والأطراف والأجزاء والمصنفات والمسانيد فوجد طرقا أخرى لهذا الحديث إمّا صحيحة و إمّا فيها ضعف ينجبر ويشهد بعضها ببعض و يتابع بعضها بعضا فإنّ هذا له أن يقول هذا الحديث أعلّه فلان وأنا وجدت له متابعات وشواهد في المصدر الفلاني والمصدر الفلاني بالإسناد الفلاني والإسناد الفلاني فالحديث نجا من هذه العلّة بسبب وجود هذه المتابعات والشواهد ,والإمام الفلاني إنّما حكم على الإسناد المعيّن الذي فيه فلان أو فيه العلّة الفلانية , هذا له أن يحكم بصحة الحديث وإن خالف من أعلّه على الطريقة التي قلتها لكم .
أو من قَبْلَه صحّح حديثا ثمّ بحث فوجد في هذا الحديث علّة خفيت على ذلك العالم ,لأنّ ذلك العالم أخذ بظاهر إسناد ذلك الحديث وأنتم تعرفون أنّ علي ابن المديني وغيره من أئمة الحديث قالوا : لا تعرف علّة الحديث إلاّ إذا جمعت طرقه ,فهذا جاء إلى حديث كما يفعل الطبراني أو يفعل غيره من الأئمة أو ابن حبّان أو الحاكم يصحح الحديث ,يصحح حديثا ما من طريق ما فيجيء واحد من بعده في القرون المتأخرة فقال أنت يا ابن حبان وأنت يا حاكم وأنت يا ابن خزيمة حكمت على هذا الحديث بناءً على الإسناد الذي وصلك ,وأنا وجدت طرقا أخرى ؛جمعتُ طرقه فتبين لي أنّ فيه علّة , فيه انقطاع فيه إرسال , موقوف , يعني ثلاثة , أربعة , خمسة من الحفاظ خالفوا فلانا في إسنادك فرووا هذا الحديث موقوفا أو رووه مرسلا أو بين علّته ,فهذا عنده حجّة وعنده برهان على ضعف هذا الحديث فلا يجوز له أن يقلّد ابن حبان مثلا أو الحاكم في تصحيح حديث عرف بالدراسة الجادّة أنّه ضعيف .
على كلّ حال باب الاجتهاد مفتوح و الحمد لله للمؤهلّين لا لكل من هبّ ودبّ ؛فإنّ بعض الناس لم يتمكن ويستعجل فيحكم في دين الله في أبواب الفقه أوفي أبواب العقائد بجهل , هذا غلط لأنّه ليس مؤهلاً لأن يحكم على الأحاديث بالصحة والضعف ,وهولم يبلغ هذه الذروة وهذا المستوى الذي يؤهله لتصحيح الأحاديث أو تضعيفها , هذا ما أقوله في الإجابة على هذا السؤال .
السؤال : أحسن الله إليكم , يقول السائل : هل الأخذ بتصحيحات علماء الحديث يعتبر تقليدا لهم وهل يقدَّم في ذلك قول المعاصر بناء على أنّه اطلّع على مالم يطلع عليه الأوائل؟
الجواب : طالب العلم بين أمرين : إمّا أن يكون في البداية فهذا يحتاج إلى التقليد ؛ يعني يأخذ ما صححه البخاري بالتّسليم ويأخذ ما صححه غيره من المحدثين بالتسليم .
وإن كان قد تعلم وشدا في العلم وبرع في علوم الحديث وتمكن من التمييز بين الصحيح والضعيف ,فأمامه الصحيحان قد تلقتهما الأمّة بالقبول فلا يخرج عن هذا الإجماع ولا يخالفه ,وأمامه كتب السنن والجوامع والمعاجم والمسانيد والأجزاء والمستخرجات وغير ذلك ,فإذا كان متمكنا وأتى إلى تصحيح أو تضعيف إمام من أئمّة هذه الدواوين التي ذُكِرت الآن ,فعليه أن يعرف الحقّ عن طريق الدِّراسة والبحث ,ويستعين بكلام هؤلاء الأئمّة أنفسهم وقواعدهم ومناهجهم في التمييز بين الصحيح والضعيف .
والقول بأنّ التصحيح والتضعيف قد أُغلِق بابه: قول غير صحيح وقد ردّه العلماء فلم يتوقفوا قبل هذا القائل وهو ابن الصلاح - رحمه الله - عن الاجتهاد في التصحيح والتضعيف ,ولم يرفعوا رأساً بما قاله حتى تلاميذه ,واستمر كل واحد منهم يعمل بما عنده من المعرفة بالقواعد والمناهج ,فيصحح ويضعف في ضوء هذه القواعد والمناهج ,فقد يحتج في دراسته بكلام أهل العلم ومناهجهم بأحاديث معينة قد صححها بعضهم وضعفها بعضهم فيتوصل إلى الراجح من خلال هذه الدراسة ,وغالباً أنّ هذه الأحاديث قد حُكِم عليها بالصحة والضعف وغيرها من الأحكام ويجد المصحح والمضعِف فيكون هو ؛ يعني دوره كما يقال: أن يقوم بعمليات الترجيح في ضوء هذه الدراسة العلمية التي يجب أن يرافقها الإخلاص لله ربّ العالمين والصدق في طلب الحقّ ,فإذا توصل إلى ترجيح تصحيح هذا أو تضعيف ذاك فعليه أن يأخذ بما توصل إليه هو نفسه ولا يقلّد هذا أو ذاك .
والحاصل أنّ موقف المسلم من التصحيح والتضعيف إمّا أن يكون مبتدئاً فيأخذ بتصحيح غيره وتضعيفه وإمّا أن يكون متمكنا ضابطاً لقواعد علوم الحديث وبارعاً في الجرح والتعديل أو يفهم كيف يرجِّح ويجرِّح ويعدِّل فإنّ عليه كما قال الحافظ ابن حجر : عليه أن يجتهد فلا يقلّد أبا داود ولا التّرمذي ولا النّسائي ولا من بعدهم . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وباب الاجتهاد لا يزال مفتوحاً في أبواب الفقه والتصحيح والتضعيف
كيف تكون دراسة علم الرجال ؟
السؤال : سائل يقول نقرأ كثيرا في تراجم العلماء أنّ فلانا برع في علم الرجال ونحوها من العبارات فكيف تكون دراسة علم الرجال و هل هناك طريقة معينة أو كتب تنصحون بها في هذا الباب خاصة معرفة طبقات الرواة , و جزاكم الله خيرا ؟
الجواب : أولا تدرس على عالم بارك الله فيك في علم الرجال و في غيره .
و ثانيا عندك - و الحمد لله - كتب الرجال متوفرة وكتب الطبقات متوفرة والحمد لله طبقات ابن سعد وثقات ابن حبان رتبه على الطبقات بارك الله فيكم وتذكرة الحفاظ للذهبي وطبقات الحفاظ للسيوطي ... الخ ,كذلك تقريب التهذيب يذكر الطبقات فالطبقات هي الكتب التي ذكرتها لكم .
وكتب الرجال مثل تاريخ البخاري ,والجرح والتعديل لابن أبي حاتم , والثقات والمجروحين لابن حبان ,وكتب الضعفاء ؛الضعفاء للبخاري ,وللعقيلي ,الضعفاء والمتروكين للنسائي وما شاكل ذلك .
لكن لا تذهب إلى علم الرجال وأنت لا تعرف أصل الحديث: اعرف الحديث وفقهه والقرآن وفقهه قبل كل شيء والرجال معهما .
يتبع إن شاء الله ...