جهود سماحة الشيخ ابن باز في تعزيز الأمن الفكري
من أبحاث المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري الذي نظمته جامعة الملك سعود للفترة من 23/5 إلى 25/5/1430

ملخص
"جهود سماحة الشيخ ابن باز في تعزيز الأمن الفكري" دراسة للوسائل الوقائية
إعداد
د. عبدالله بن دجين السهلي
أستاذ العقيدة المشارك بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية جامعة الملك سعود
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين، أما بعد:
البحث هو دراسة "لجهود سماحة الشيخ ابن باز في تعزيز الأمن الفكري" من خلال الوسائل الوقائية، فهو عن جهود الإمام العلامة شيخنا عبد العزيز بن باز إمام أهل السنة في هذا العصر في الأمن الفكري، وكما هو معروف شخصية علمية نادرة، تتلمذنا عليه فكان من حقه علينا نشر علمه وربط الأجيال الناشئة بعلمه ومنهجه المتميز، خاصة أنه عاصر حوادث مهمة تتعلق بالأمن والفكر معاً، سواء في المملكة أو العالم الإسلامي عموماً، وكان له المواقف المشهودة المشكورة .
أما الأمن الفكري فهو مصطلح حديث معاصر تخلو منه معاجم اللغة العربية، إلا أنه قديم المدلول، وهو مركب من كلمتين هما: الأمن والفكر، ويمكن تعريفه بأنه : سكون وطمأنينة الأمة على عقيدتها وفكرها وهويتها وثقافتها، فهو أمن العقول والمفاهيم والأفكار، وهو أهم أنواع الأمن، ومنها بمثابة الرأس من الجسد .
يتميز منهج سماحة الشيخ ابن باز في الأمن الفكري بالتكامل، والتوازن والشمول، والتنوع في جهوده، فهي جهود عملية، وعلمية منها المراسلات، والمحاضرات، والمؤلفات، والحوارات، والفتاوى، والبيانات، وتبلغ مؤلفات سماحة الشيخ أكثر من (98) مؤلفاً، ودرس (46) كتاباً، واستمر في التأليف والمراسلة والإفتاء ونفع الناس أكثر من 62 عاماً من عمره المبارك .
اقتصر البحث على الوسائل الوقائية للأمن الفكري، لأن جهود سماحة الشيخ ابن باز كثيرة ومتنوعة، وتتمثل هذه الوسائل فيما يلي ـ حسبما ذكرها المتخصصون ـ: مواجهة الانحراف الفكري، والغزو الفكري، وبيان العقيدة الصحيحة، والدعوة إلى تطبيق الإسلام، وبيان موقف المسلم من الفتن، والحفاظ على وحدة المجتمع، والحوار ومحاربة التعصب والتقليد، والعناية بالتربية والتعليم، والعناية بوسائل التوجيه، وقد تتداخل هذه الوسائل عند بعض الباحثين، أو تبرز عناصر بعضها كوسائل مستقلة .
الوسيلة الأولى لتعزيز الأمن الفكري هي مواجهة الانحراف الفكـري الذي يترتب عليه ما لا يترتب على غيره في حياة الفرد وآخرته، وقد عاصر سماحة الشيخ منه حوادث مهمة وخطيرة منها حادثة الحرم المكي الشريف التي لم يمر بالمسجد الحرام مثلها لا في الجاهلية ولا في الإسلام، ومنها التحذير من المذاهب الفكرية الوافدة كالعلمانية والشيوعية والحداثة والقومية وغيرها، ومنها حوادث التفجير والإرهاب، ومنها البدع المحدثة في الدين، وجهود الشيخ العملية في مواجهة الانحراف الفكري علمية وعملية تمثلت في أكثر من (43) مؤلفاً وكتيباً وفتوى ومكاتبة.
ومن أهم أسباب الانحراف الفكري الغزو الفكري الذي هو أخطر من الغزو العسكري؛ لأنه يسلك المآرب الخفية في بادئ الأمر، فلا تحس به الأمة المغزوة ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه حتى تقع فريسة له، وتصبح بعد ذلك مريضة الفكر والإحساس تحب ما يريده لها عدوها أن تحبه؛ وتكره ما يريد منها أن تكرهه، ومن أبرز وسائل الغزو الفكري صرف المسلم عن دينه، وإفساد المجتمع المسلم ومن ذلك إفساد المرأة المسلمة، ومحاربة اللغة العربية، وإنشاء الجامعات الغربية والمدارس التبشيرية والتنصير والاستشراق وغيرها، وكان تحذيره رحمه الله من الغزو الفكري بعد معرفة عميقة بخطره وأنواعه وأساليبه، مع الثقة العظيمة بنصرة الإسلام لحاجة البشرية إليه اليوم .
ومن وسائل تعزيز الأمن الفكري نشر العقيدة الصحيحة، وجهود سماحة الشيخ ابن باز في بيان العقيدة كبيرة وكثيرة، وهي عملية وعلمية، وقد بلغت فيها ما يقارب (160) مؤلفاً وفتوى، ودرس كتبها، لأنها وسيلة للإصلاح وغاية في ذاتها، فسلامتها من أهم الأمور، وأعظم الفرائض، وهي أصل دين الإسلام, وأساس الملة.
ومن وسائل تعزيز الأمن الفكري تطبيق الإسلام بشموله، الذي وضح سماحته ثمار تطبيقه الدنيوية والأخروية، والحسية والمعنوية، ومنها الأمن الكامل في الدنيا والآخرة، والسعادة فيهما، والأمن الاقتصادي، والنصر والتمكين .
الحفاظ على وحدة المجتمع هي قضية الأمن الوطني الكبرى، والحفاظ عليها من وسائل الأمن الفكري، ولسماحة الشيخ جهد عملي ومنهج مميز في ذلك، فهو يرى أنها من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، وتمثل منهجه رحمه الله في تقدير الولاة ومحبتهم، والسمع والطاعة، وتشجيعهم على الخير، والشق الثاني لهذه الوسيلة العلماء الربانيون فهم صمام الأمن الفكري وجميع عقلاء الأمم يعظمون أهل العلم والدين منهم، وقد أثنى سماحة الشيخ على منهج المملكة العربية السعودية وما من الله به عليها من العقيدة الصحيحة.
ومن معوقات هذه الوسيلة الفتن التي كان للشيخ جهد عملي وعلمي في بيانها، فقد شرح الأحاديث المتعلقة بالفتن، وقد عاصر سماحة الشيخ عدوان حاكم العراق ـ في زمنه ـ على الكويت، وتهديده للملكة العربية السعودية، ثم استعانة المملكة بالقوات الأجنبية، واختلاط ذلك بمفهوم الموالاة للكفار عند البعض، ورفع حاكم العراق ـ في زمنه ـ شعار الإسلام والجهاد مع كفره وضلاله، وقد كان لسماحة الشيخ في هذه الفتنة الجهد المشكور، والذي تمثل في المحاضرات والمؤلفات والمكاتبات والرسائل، وجعل قاعدة عامة وهي أن طريق النجاة من صنوف الفتن هو التمسك بكتاب الله وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
ومن وسائل تعزيز الأمن الفكري الحوار والنهي عن التعصب والتقليد، والحوار منه الجدال والمراء، وهذا لا ينبغي لأنه يسبب الشحناء والفتنة، ومنه المذاكرة والتفاهم والمناصحة، وهذا واجب خاصة على علماء السنة فيما بينهم، مع الحرص على الأسلوب الحسن والرفق، وحوارات سماحة الشيخ كثيرة جداً جمعها بعضم في مجلد، وضد الحوار التعصب والتقليد الأعمى، والتمحور حول الشخصيات والجماعات والأحزاب، وقد حذر سماحته كثيراً من التعصب والتقليد، وبين أنهما من أسباب الفرقة والاختلاف في الأمة، ودعا للرجوع للكتاب والسنة.
ومن وسائل تعزيز الأمن الفكري التربية والتعليم وكان لسماحة الشيخ ابن باز جهود عملية كبيرة في التربية والتعليم، خاصة أنه قضى شطراً من حياته مسوؤل مسؤلية مباشرة عن التعليم في الرياض ثم الجامعة الإسلامية، وقد اعتنى بالتربية والتعليم حياته كلها فاهتم بالتدريس في الدلم وهو في القضاء، وأثناء رئاسته الجامعة الإسلامية افتتح عدد من الكليات، واعتنى بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، وشرح أكثر من (46) كتاباً لطلابه، وقد بلغت كتبه ورسائله في العلم وأهميته ووسائله وأخلاق أهله وغير ذلك (48) مؤلفاً ورسالة، وقد بين رحمه الله أهم قضايا التعليم وأفضل طرق التدريس والمناهج، وعن مكانة المعلم وواجباته وكيف يؤثر في طلابه، وحذر من الجهل .
ومن وسائل تعزيز الأمن الفكري وسائل التوجيه ومن أهمها وسائل الإعلام بأنواعها، وهي سلاح مؤثر في هذا العصر، وقد دعا سماحة الشيخ إلى صيانة الإعلام الإسلامي المقروء والمسموع والمرئي من أن يكون وسيلة للتشكيك في الإسلام والدعاة إليه، أو أن يستخدم للتفريق بين علماء الأمة وشعوبها والناصحين لها، وغرس أسباب الشحناء والتباغض بين حكامها ومحكوميها وعلمائها وعامتها، وأثني على البرامج النافعة مثل برنامج نور على الدرب، ومن وسائل التوجيه بل من أهمها الدعوة إلى الله والتي اهتم بها سماحة الشيخ ابن باز غاية الاهتمام، فكانت شغله الشاغل له منهجه المتميز فيها، وجهود الشيخ الفردية في الدعوة كأنها جهود مؤسسات، بل هو بأعماله المتعددة في الدعوة أمة وحده، وقد بلغت كتبه ورسائله وفتاويه في الدعوة أكثر من (109) فتأتي بعد العقيدة في عدد المؤلفات، وقد أهتم الشيخ بكل موضوعات الدعوة وأساليبها وقضاياها ووسائلها وغير ذلك .
رحم الله شيخنا، أسال الله تعالى أن يغفر لشيخنا، وأن يجزيه عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء، وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .