المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعلم رحمك الله أن الهجرة لم تكن في شهر الله المحرم



أبو عبد الله بلال الجزائري
19-Nov-2012, 10:35 PM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه، أما بعد:
[من المؤسِف -حقًّا- أن لا يلتزم المسلمون باتباع المشروع ويبادرون إلى اتخاذ أول شهر الله المحرَّم عيدًا متعلّقًا بدخول السَّنة الهجرية على غرار السَّنَة الميلادية، ويجعلون من ذلك وسيلة للاحتفال بالتاريخ السنوي وإحيائه -تعظيمًا له- بالذِّكر والذكريات، والخُطب والدروس والمحاضرات، والشِّعر والأمسيات، فنية وموسيقية وثقافية، وتبادل الأماني والتهاني، وغير ذلك ممَّا أحدثه الناس فيه مع ظهور بصمات التشبُّه بأهل الكتاب.
و من الحقِّ والعدل أن يقتدي المسلمون بالرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ويَتَّعِظُوا بسيرته، وينتفعوا بما جرى في زمانه من وقائع عظيمة وحوادث شريفة، ويستخرجوا منها الدروس والعبر على مدار السنة، تتجسَّد معانيها الروحية في قوالب صادقة تقوِّم سيرة المسلم وسلوكه وخلقه باستنارته من مشكاة النبوة، لا أن تحصر سيرته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم والانتفاع بأحداثها في الاحتفالات والخطب في أيام محدَّدة الوقت في السنة تمرُّ مجرَّد ذكريات، وتتكرَّر كلّ عامٍ على وجه الاعتياد، وسرعان ما تدخل في طَيِّ النسيان مع مرور تلك الأيام من غير ملاحظة الأثر الإيماني والخُلُقي على سلوك المسلمين وسيرتهم، بل بالعكس ترى الكثير يتدافعون للانتقال من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر طلبًا لمساكنة أهل الكفر والاسترزاق على وَفقهم والعيش في ديارهم بحرية بهيمية، ومشاكلتهم في عاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وأنماط حياتهم، فأين يا ترى الأثر الإيماني والعملي لذكرى هجرة الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الذي هاجر من بلاد الشرك إلى بلاد الإيمان والإسلام؟!!][1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn1)
و ينبغي التنبيهُ على خطأ شائعٍ في إطلاق لفظ «محرم» مجرّدًا عن الألف واللاَّم؛ ذلك لأنّ الصواب إطلاقه معرَّفًا، بأن يقال: «المحرَّم»، لورود الأحاديث النبوية بها معرَّفة؛ ولأنَّ العرب لم تذكر هذا الشهر في مقالهم وأشعارهم إلاّ معرَّفًا بالألف واللام، دون بقية الشهور، فإطلاق تسميته إذًا سماعي وليس قياسيًا.[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn2)
و لا يخفى أنَّ الأول من شهر الله المحرم هو بداية التقويم السنوي الإسلامي من التاريخ الهجري، كذا أرَّخه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بالإجماع في الدولة العمرية [3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn3) مخالفين في ذلك بداية التقويم السنوي للنصارى حيث أرَّخوه من يوم ولادة المسيح عيسى عليه السلام ، و يكمن خطأ هؤلاء الذين يحتفلون بهذا اليوم أنهم زعموا أن الرسول عليه الصلاة و السلام هاجر في أول يوم من هذا الشهر و هذا مخالف لما جاءت به كتب أهل السنة التي اعتنت بسيرته صلى الله عليه و سلم ، وإنما بدأت هجرته من مكة إلى المدينة في أوائل شهر ربيع الأول من السنة الثالثة عشر لبعثته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ووصل إلى قُباء لاثنتي عشر ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين كما صرَّح به أهل الحديث والسيرة [4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn4) ومنه يتبيَّن أنَّ شهر المحرَّم لم يكن موعدَ هجرته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وإنما كان ابتداء العزم على الهجرة في ذلك الشهر على أقوى الأقوال كما صرَّح بذلك الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بقوله: '' وإنما أخروه من ربيع الأول؛ لأنَّ ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرَّم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهلّ بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرَّم فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم''[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn5)
هذا ما استفدناه من كلمة شيخنا أبي عبد المعز حفظه الله فنسأل الله تبارك و تعالى أن يجزيه خير الجزاء وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.



أخوكم بلال الجزائري.



[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref1) :راجع الكلمة الشهرية لشيخنا الفاضل محمد علي فركوس : شهر الله المحرَّم - سنن ومحدثـات -

[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref2) : انظر فتوى للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس بعنوان في حكم صيام شهر الله المحرم. الصنف: فتاوى الصيام. الفتوى رقم: 817

[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref3) : البداية والنهاية لابن كثير (3/177). انظر شهر الله المحرم للشيخ فركوس.

[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref4) : انظر: البداية والنهاية لابن كثير (3/177، 190)، فصول في سيرة الرسول لابن كثير(80)، مختصر سيرة الرسول لمحمد بن عبد الوهاب(2/166)

[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref5) : فتح الباري لابن حجر: (7/268).