المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأصل في السجادة الجواز و اتخاذها من باب الترفع بدعة



أبو عبد الله بلال الجزائري
01-Dec-2012, 12:11 AM
حكم اتخاذ
السجادة
عند الصلاة


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
روى الدارميّ قال: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنا عمرو بن يحي قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه قال: " كنّا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمّا خرج قمنا إليه جميعا، فقال أبو موسى الأشعريّ: يا أبا عبد الرحمن! إنّي رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، وفي كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة، فيكبّرون مائة، فيقول: هلّلوا مائة، فيهلّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيسبّحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاَ انتظار رأيك ـ أو انتظار أمرك ـ قال: أفلا أمرتهم أن يَعُدّوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدّوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء؛ وَيْحَكم يا أمّة محمد! ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيّكم متوافرون وهذه ثيابه لم تَبْلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنّكم لعلى ملّة هي أهدى من ملّة محمد؟ أو مفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله، يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه. إنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنا أن قوما يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايْمُ الله، ما أدري لعلّ أكثرهم منكم؛ ثم تولّى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج ''[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn1)
و علق الشيخ الألباني رحمه الله تعالى على هذا الحديث فقال : '' و إنما عنيت بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات ، فإن فيها عبرة لأصحاب الطرق و حلقات الذكر على خلاف السنة ، فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم منكر ما هم فيه اتهموه بإنكار الذكر من أصله ! و هذا كفر لا يقع فيه مسلم في الدنيا ، و إنما المنكر ما ألصق به من الهيئات و التجمعات التي لم تكون مشروعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، و إلا فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على أصحاب تلك الحلقات ؟ ليس هو إلا هذا التجمع في يوم معين ، و الذكر بعدد لم يرد ، و إنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة ، و يأمرهم به من عند نفسه ، و كأنه مشرع عن الله تعالى ! ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )[الشورى:21] . زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا و قولا إنما هي التسبيح بالأنامل ، كما هو مبين في " الرد على الحبشي " ، و في غيره .
و من الفوائد التي تؤخذ من الحديث و القصة ، أن العبرة ليست بكثرة العبادة و إنما بكونها على السنة ، بعيدة عن البدعة ، و قد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا : " اقتصاد في سنة ، خير من اجتهاد في بدعة[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn2) " . و منها : أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة ، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعد من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ؟ فهل من معتبر ؟ !''[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn3)
أقول : قد يقول قائل و ما دخل الحديث في هذا الموضوع الجواب أن هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه كافٍ للرد على جميع أهل البدع ، فكم من رجل ظن نفسه على خير و هو لم يصب منه شيء ، و البدع الصغيرة ستؤول على الكبيرة فبدايتها شبرٌ و نهايتها ذراع و مما ابتلينا به في هذا الزمان شدة غربة السنن فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة فإذا غيرت قالوا : غيرت السنة قيل : متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة [ وتفقه لغير الدين ] "[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn4) ، فقد ماتت السنن و جاءت البدع حتى أصبحت السنة بدعة و البدعة سنة ، و مما عمت به البلوة في هذا الزمان اتخاذ السجادة عند الصلاة و إذا كانت الصلاة على السجادة جائزة من حيث الأصل فالإشكال هنا أن الرجل أصبح يتحرى الصلاة على السجادة لظنه أن لابد من سجادة خاصة للصلاة وأن عليه أن يصلي على أي شيء سواء كان ذلك في البيت أم في المسجد ، حتى إن كثيراً من الناس لا يصلي إلا على السجادة ولو كان البيت مفروشاً ، و هذا مما لم يكن في زمن النبي و لا في زمن الصحابة و قد أنكره العلماء أشد الإنكار و عدوه من البدع ، هذا في زمانهم فكيف لو رأوا مساجدنا اليوم و هي مفروشة بأغلى و أفخم الزرابي[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn5) و الرجل يفرش سجادته الخاصة به أو منديله للسجود ؟ و مما ينبه عليه أن الرسول صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام رضوان الله عليهم كانوا يسجدون فوق التراب و فوق الطين و الحصى فقد روى البخاري [6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn6)عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :'' اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ . قَالَ : فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ ، فَقَالَ : إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ ، وَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ . فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً ، قَالَ : فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ وَأُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ .''[7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn7) وفي رواية لمسلم[8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn8): ( وَجَبِينُهُ مُمْتَلِئًا طِينًا وَمَاءً ).
قلت : سجدوا على الطين و مع هذا أعلوا كلمة الله و قادوا الأمة إلى أعلى المراتب و انظر لحالنا اليوم فمساجدنا مفروشة بأغلى المفروشات و مجهزة بأحدث المدافئ و البرادات و الإنارة فيها تجعل الليل نهارا و انحططن أشد الإنحطاط و اليهود تتحكم فينا كما يتحكم المهرج بدميته و الله المستعان .
و عليه أقدم لك أخي القاريء أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى في اتخاذ الناس للسجادة عند الصلاة فنسأل الله تبارك و تعالى أن ينفع بها الإسلام و المسلمين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


الأصل في السجادة الجواز :
قبل البدء أنقل لك أخي القارئ بعض الأحاديث التي تدل على أن الصلاة على السجادة الأصل فيه الجواز فعَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قالت : '' كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ[9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn9) ''[10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn10).
وقال الشوكاني معلقا على هذا الحديث : '' وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا بَأْسَ بِالصَّلاةِ عَلَى السَّجَّادَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْخِرَقِ أَوْ الْخُوصِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ وَ الْفَرْوَةِ '' إ.هـ .
عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال : قوموا فلأصلِّ لكم ، قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس فنضحته بماء ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففتُ واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا ، فصلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف [11] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn11).
وعن أنس بن مالك قال :'' قال رجل من الأنصار : إني لا أستطيع الصلاة معك ، وكان رجلاً ضخماً ، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فدعاه إلى منزله فبسط له حصيراً ونضح طرف الحصير ، فصلَّى عليه ركعتين ، فقال رجل من آل الجارود لأنس بن مالك : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قال : ما رأيته صلاها إلا يومئذ''[12] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn12)
و قال النووي :'' فيه : جواز الصلاة على الحصير وسائر ما تنبته الأرض , وهذا مجمع عليه , وما روي عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا محمول على استحباب التواضع بمباشرة نفس الأرض . وفيه : أن الأصل في الثياب والبسط والحصر ونحوها الطهارة , وأن حكم الطهارة مستمر حتى تتحقق نجاسته .''[13] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn13)
قلت : و يتضح أن الأصل في السجادة الجواز و لكن الإشكال هنا هو في تخصيص الرجل سجادة للصلاة عليها لظنه أنه لابد من سجادة خاصة للصلاة وأن عليه الصلاة على أي شيء و لو كان المسجد مفروشا ، أو يضعها ترفعاً من الصلاة على الفراش الذي فرش لعامة الناس في المسجد ، أو يفعل ذلك احتياطاً منه لاحتمال أن تكون الأرض قد أصابتها نجاسة ، أو إذا كان يصلي على السجادة ترفعاً من الصلاة على الأرض ، وكذلك تخصيص الإمام بسجادة توضع له يصلي عليها ، مع أن المسجد مفروش ، فلماذا يتميز عن المصلين ؟؟ ألانه إمام ؟ إذا كان النبي صلى الله عليهم و سلم لم تخصص له سجادة للصلاة عليها فمن باب أولى ألا تخصص لغيره ، قال ابن قيم الجوزية :'' وكذلك ترى أحدهم لا يصلِّي إلا على سجادة ، ولم يصل عليه السلام على سجادة قط ، ولا كانت السجادة تفرش بين يديه ، بل كان يصلِّي على الأرض ، وربما سجد في الطين ، وكان يصلِّي على الحصير فيصلي على ما اتفق بسطه ، فإن لم يكن ثمة شيء صلَّى على الأرض . "[14] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn14)
و أقول : أأنتم على ملة أهدى من ملة محمد ؟

أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله :
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
أما الصلاة على السجادة بحيث يتحرى المصلى ذلك فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها وقد روي أن عبد الرحمن بن مهدي لما قدم المدينة بسط سجادة فأمر مالك بحبسه فقيل له إنه عبد الرحمن بن مهدي فقال أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة" [15] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn15)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فإذا كان النبي وأصحابه يصلون في نعالهم ولا يخلعونها بل يطؤون بها على الأرض ويصلون فيها فكيف يظن أنه كان يتخذ سجادة يفرشها على حصير أو غيره ثم يصلى عليها فهذا لم يكن أحد يفعله من الصحابة وينقل عن مالك أنه لما قدم بعض العلماء وفرش في مسجد النبي شيئا من ذلك أمر بحبسه وقال أما علمت أن هذا في مسجدنا بدعة والله أعلم . " [16] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn16)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
من اتخذ السجادة ليفرشها على حصر المسجد لم يكن له في هذا الفعل حجة في السنة بل كانت البدعة في ذلك منكرة من وجوه :
أحدها : أن هؤلاء يتقى أحدهم أن يصلى على الأرض حذراً أن تكون نجسة ، مع أن الصلاة على الأرض سنَّة ثابتة بالنقل المتواتر[17] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn17) . "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
أما الغلاة من الموسوسين فإنهم لا يصلون على الأرض ولا على ما يفرش للعامة على الأرض لكن على سجادة ونحوها ، وهؤلاء كيف يصلون في نعالهم وذلك أبعد من الصلاة على الأرض ؛ فإن النعال قد لاقت الطريق التي مشوا فيها واحتمل أن تلقى النجاسة بل قد يقوى ذلك في بعض المواضع ، فإذا كانوا لا يصلون على الأرض مباشرين لها بأقدامهم مع أن ذلك الموقف الأصل فيه الطهارة ولا يلاقونه إلا وقت الصلاة : فكيف بالنعال التي تكررت ملاقاتها للطرقات التي تمشى فيها البهائم والآدميون وهى مظنة النجاسة . [18] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn18)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
فأين هذا الهدي من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير ويضع عليها المنديل ولا يمشي على الحصير ولا على البساط بل يمشي عليها نقرا كالعصفور فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود لأنتم أهدى من أصحاب محمد أو أنتم على شعبة ضلالة وقد صلى النبي على حصير قد اسود من طول ما لبس فنضح له بالماء وصلى عليه ولم يفرش له فوقه سجادة ولا منديل وكان يسجد على التراب تارة وعلى الحصى تارة وفي الطين تارة حتى يرى أثره على جبهته وأنفه وقال ابن عمر كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك رواه البخاري ولم يقل وتبول وهو عند أبي داود بإسناد صحيح بهذه الزيادة .[19] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn19)

و ما يكره أيضا اتخاذ السجادة شعارا و كراهة الصلاة على غيرها :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وإذا كان كذلك فإذا لم يكن عالماً بالنجاسة : صحَّت صلاته باطناً وظاهراً ، فلا حاجة به حينئذ عن السؤال عن أشياء إن أبديت ساءته قد عفا الله عنها ، وهؤلاء قد يبلغ الحال بأحدهم إلى أن يكره الصلاة إلا على سجادة ، بل قد جعل الصلاة على غيرها محرماً فيمتنع منه امتناعه من المحرم ، وهذا فيه مشابهة لأهل الكتاب الذين كانوا لا يصلون إلا في مساجدهم ، فإن الذي لا يصلِّي إلا على ما يصنع للصلاة من المفارش شبيه بالذي لا يصلِّي إلا فيما يصنع للصلاة من الأماكن .
وأيضاً : فقد يجعلون ذلك من شعائر أهل الدين ، فيعدون ترك ذلك من قلة الدِّين ، ومن قلة الاعتناء بأمر الصلاة ، فيجعلون ما ابتدعوه من الهدى الذي ما أنزل به من سلطان أكمل من هدى محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وربما تظاهر أحدهم بوضع السجادة على منكبه وإظهار المسابح في يده وجعله من شعار الدين والصلاة ، وقد علم بالنقل المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكن هذا شعارهم . " [20] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn20)
و أقول : و مع جواز السجادة فلا ينبغي وضعها من باب التحري لأن ذلك قد يوقع في قلب المسلم شيئاً من الترفع والتعالي على الناس و قد لوحظ هذا الأمر في أكثر من مسجد، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن يبسط سجادة في الجامع , ويصل عليها : هل ما فعله بدعة أم لا ؟فأجاب : الحمد لله رب العالمين ، أما الصلاة على السجادة بحيث يتحرى المصلي ذلك فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار , ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ; بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض , لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها''[21] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn21)
وعليه فإن وضع السجادة على السجادة للأسباب المذكورة يعد بدعة ما لم يكن هناك سبب لذلك كشدة البرد أو صلابة الأرض أو نجاسة السجادة الأولى أو قذارتها.
هذا ما وصلنا إليه و الله أعلم فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان فنسأل الله تبارك و تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا و أن يتجاوز عنا إنه و لي ذلك ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

أبو عبد الله
بلال
الجزائري.

[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref1) : انظر سنن الدّارمي برقم (210)، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني (5/11) برقم (2005).

[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref2) : رواه الحاكم موقوفا وقال : إسناده صحيح على شرطيهما ، و أخرجه الألباني في صحيح الترغيب (1/125) برقم (41).

[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref3) : الصحيحة (5/13).

[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref4) : ورواه أيضا ابن أبي شيبة في مصنفه (7/452)، و البيهقي في الشعب (5/361). وقال الألباني رحمه الله تعالى في تحريم آلات الطرب:'' رواه الدرامي ( 1 / 64 ) والحاكم ( 4 / 514 - 515 ) بسند صحيح والدرامي أيضا وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " ( 1 / 188 ) من طريق أخرى عنه بسند حسن وفيه الزيادة التي بين المعكوفتين وهو موقوف في حكم المرفوع لأنه من أمور الغيب التي لا تدرك بالرأي ولا سيما وقد وقع كل ما فيه من التنبؤات . والله المستعان. ''

[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref5) : و حتى فراش المسجد إذا كان يحتوي على صور ذوات أرواح فيحرم اقتناؤها ويجب طمس صورها أو إذا كان بها زخارف ونقوش تلهي المصلي وتشغله عن صلاته فالصلاة عليها مكروهة. و الأمر كذلك بالنسبة للسجادة. فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني . رواه البخاري( 366 ) ومسلم(556) ، و قال الصنعاني في التعليق على حديث عائشة: '' وفي الحديث دليل على كراهة ما يشغل عن الصلاة من النقوش ونحوها , مما يشغل القلب , وفيه مبادرته صلى الله عليه وسلم إلى صيانة الصلاة عما يلهي , وإزالة ما يشغل عن الإقبال عليها . قال الطيبي : فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة , والنفوس الزكية , فضلا عما دونها ; وفيه كراهة الصلاة على المفارش , والسجاجيد المنقوشة , وكراهة نقش المساجد , ونحوه "سبل السلام ( 1 / 226 ).

[6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref6) : برقم (2036).

[7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref7) : قلت : و في هذا الحديث تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سجد على الماء والطين ، ولم يتكلف أن يؤتى له بشيء يسجد عليه .

[8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref8) : برقم (1167).

[9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref9) : والخمرة هي فراش صغير على قدر الوجه يعمل من سعف النخل يسجد عليه المصلي يتقي به حر الأرض وبردها .و قال الخطابي أن الخمرة قد تكون أكبر من ذلك واستدل بما رواه أبو داود برقم (5247) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :'' جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ . . . ''الحديث . و الحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (4369).و قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 1 / 430 ) : '' والخُمرة : بضم الخاء والمعجمة وسكون الميم ، قال الطبري : هو مصلى صغير يُعمل من سعف النخل , سمِّيت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها , فإن كانت كبيرة سميت حصيراً , وكذا قال الأزهري في تهذيبه وصاحبه أبو عبيد الهروي وجماعة بعدهم , وزاد في النهاية : ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار , قال : وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها ، وقال الخطابي : هي السجادة يسجد عليها المصلي . " '

[10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref10) : روى البخاري (379) ومسلم (513).

[11] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref11) : رواه البخاري ( 373 ) ومسلم ( 658 ).


[12] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref12) : رواه البخاري ( 639 ) باب الصلاة على الحصير.

[13] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref13) : شرح مسلم ( 5 / 163).

[14] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref14) : إغاثة اللهفان ( ص: 126 ).

[15] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref15) : مجموع الفتاوى(22/163)

[16] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref16) : مجموع الفتاوى ( 22 / 192 ) .

[17] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref17) : مجموع الفتاوى ( 22 / 179 - 180 )

[18] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref18) : مجموع الفتاوى ( 22 / 177) .

[19] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref19) : إغاثة اللهفان ( ص 149) .

[20] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref20) : مجموع الفتاوى ( 22 / 186 - 187) .

[21] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref21) : الفتاوى الكبرى ( 2 / 60).

أبو يوسف عبدالله الصبحي
01-Dec-2012, 02:14 PM
جزاك الله خيراً

أبو عبد الله بلال الجزائري
01-Dec-2012, 05:31 PM
بارك الله فيك أخي على المرور