المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صيغة التمريض



أبو عبد الله بلال الجزائري
01-Dec-2012, 10:51 PM
معنى صيغة التمريض




الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:


إليك أخي القارئ توضيحا موجزا للتمريض عند أهل الحديث[1] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn1) الذي يستمعلونه كصيغ لعدم الجزم بصحة الحديث ، و مما حملني على هذا البحث الصغير أني رأيت العامة يجزمون بصحة الأحاديث التي يقولها الخطيب من على المنبر جهلا منهم أن معظم تلك الأحاديث يا إما ضعيفة و لا ينبه عنها و إما صحيحة يقرنها بقول : قد قيل و قد ذكر و قد روي و كأن الحديث ضعيف و العامة كما ذكر بن الملقن يجهلون أن معنى روي أنها صيغة تمريض فيتحملون الحديث على أنه صحيح[2] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn2) ، و هذا قد يؤذي إلى أمور خطيرة منها أن بعض الجهال قد يعمل به إما اعتقادا أو فعلا و الحديث الضعيف لا يحل العمل به كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتوى فقال: '' لا تبنى عليه أحكام شرعية كالاستحباب والوجوب ولو كان في الترغيب والترهيب فإنه يبنى عليه عمل قلبي وهو التصديق ومجاهدة النفس في ذلك وكيف يصدق وقد ترجح عند العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله فلابد والحال كذلك من بيان حاله عند ذكره والتحذير منه''.



التّمريض لغة : مصدر مرّض ، وهو أن يقوم على المريض ويليه في مرضه . وقيل : التّمريض : حسن القيام على المريض .
و يقال تمريض الأمور أي توهينها .


والتّمريض عند علماء الحديث : تضعيف الرّاوي أو تضعيف الحديث أو هي أداء الحديث بصيغة تحتمل عدم الثبوت أو تطرق الشكو صيغه (روي ) ، ( يُروي ) ، ( يُقال )، (يُحكى) ،(يُذكر)، (قيل) ونحوها .. و لهذا فتصدير القول بها أو الرواية يشعر بضعفها و هذا ما يحصل عند الوعاظ و القصاص إذ لا علم لهم بالحديث فلربما أوردوا صيغ التمريض مع الحديث الصحيح و مما لا يعلمه أو يتجاهله هؤلاء أن إيراد صيغ التمريض تعني عدم الجزم به عن النبي صلى الله عليه و سلم ،و قد يجزم في الحديث الضعيف حتى يوهم أنه صحيح مثلا كأن يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، فهذه من صيغ الجزمفيقع القائل في الكذب على الرسول صلى الله عليه و سلم فنقول لهؤلاء يجب ألا يجزم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالأحاديث الصحيحة ، بل قل : (روي ) عنه كذا أو (بلغنا ) عنه كذا ( أو ورد ) عنه أو( جاء ) عنه كذا أو( نقل ) عنه كذا وما أشبهه من صيغ التمريض ، (كروى بعضهم) ، وكذا تقول في ما تشك في صحته ، وضعفه ، أما الصحيح فاذكره بصيغة الجزم ، ويقبح فيه صيغة التمريض ، كما يقبح في الضعيف صيغة الجزم[3] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn3) .



و سأنقل كلام الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه القيم دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في نقد كتاب فقه السيرة للبوطي :

قال البوطي ''روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى''
قال الشيخ الألباني :
الحديث في ( صحيح مسلم ) ( 6 / 166 ) فتصديره إياه- أي البوطي- بقوله رويمشعر بأنه ضعيف عنده أو أنه لا يعلم صحته أو أنه يجهل أن هذه الصيغة ونحوها مما بني على المجهول موضوعة عند المحدثين للحديث الضعيف وأنه لا يجوز تصدير الحديث الصحيح بها.
هذه أمور ثلاثة لا بد للدكتور من أن يلزمه أحدها ولعل آخرها ألزمها به فإنه من الجمهور الذي لا يهتم بالتزام قواعد علماء الحديث كما نبه على ذلك الإمام النووي رحمه الله تعالى وهذا إذا كان الدكتور على علم بها [4] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn4).
قال النووي في مقدمة كتابه العظيم : ( المجموع شرح المهذب ) ( 1 / 63 ) : '' قال العلماء المحققون من أهل الحديث وغيرهم : إذا كان الحديث ضعيفا لا يقال فيه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو فعل أو أمر أو نهى أو حكم وما أشبه ذلك من صيغ الجزم وكذا لا يقال فيه : روى أبو هريرة أو قال أو ذكره أو أخبر أو حدث أو نقل أو أفتى و ما أشبهه ، وكذا لا يقال ذلك في التابعين ومن بعدهم فيما كان ضعيفا فلا يقال في شيء من ذلك بصيغة الجزم وإنما يقال في هذا كله : روي عنه أو نقل عنه أو حكي عنه أو بلغنا عنه أو يقال أو يذكر أو يحكى أو يروى أو يرفع أو يعزى وما أشبه ذلك من صيغ التمريض وليست من صيغ الجزم قالوا: فصيغ الجزم موضوعة للصحيح أو الحسن وصيغ التمريض لما سواهما وذلك أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن يطلق إلا فيما صح وإلا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه صلى الله عليه و سلم وهذا الأدب أخل به المصنف وجماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بل جماهير أصحاب العلوم مطلقا ما عدا حذاق المحدثين وذلك تساهل قبيح فإنهم يقولون كثيرا في ( الصحيح ) : روي عنه وفي ( الضعيف ) : قال وروى فلان وهذا حيد عن الصواب.''[5] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn5)
وقد ذكر العلامة ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين :
" يقول الله عز وجل : ابن آدم إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك ومحوت من أم الكتاب زلاتك وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة''
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ''فإني لم أقف على من خرج هذا الحديث من هذه الطريق؛ إلا ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين .. بلفظ : وقد قيل ، ... ولفظة " قيل " صيغة تمريض كما هو معروف.''[6] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn6)
وكان البخاري رحمه الله يستخدم صيغة التمريض لأسباب منها :إذا ذكر المتن بالمعنى أو إذا اختصره ، ولهذا صيغة التمريض في صحيح البخاري لا يلزم منها ضعف الحديث كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى : '' وقد يستشكل ترك البخاري الجزم به مع صحته عنه ، وذلك محمول على قاعدة ذكرها لي شيخنا أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله ، وهي : إن البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الإسناد بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره أتى بها أيضا ، لما علم من الخلاف في ذلك فهنا كذلك ''[7] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn7).

و قال العيني: '' قد أكثر البخاري من أحاديث وأقوال الصحابة وغيرهم بغير إسناد، فإن كان بصيغة جزم كقال وروى ونحوهما فهو حكم منه بصحته، وما كان بصيغة التمريض كروي ونحوه فليس فيه حكم بصحته ولكن ليس هو واهيا؛ إذ لو كان واهيا لما أدخله في صحيحه''.


قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله : '' وحاصل الحكم على التعليقات أن ما كان منها بصيغة الجزم كقال وروى وجاء ونحو ذلك مما بُني الفعل فيه للمعلوم فهو صحيح إلى من علقه عنه ، ثم النظر فيما بعد ذلك ، وما كان منها بصيغة التمريض كقِيل ورُوي ويُروى ويُذكر ونحو ذلك مما بُني الفعل فيه للمجهول فلا يستفاد منها صحة ولا ينافيها، ذكر معنى ذلك الحافظ ابن كثير في اختصاره لمقدمة ابن الصلاح، وقال: " لأنه قد وقع من ذلك كذلك وهو صحيح وربما رواه مسلم"، وقال الحافظ في مقدمة الفتح بعد ذكر الصيغة الأولى: " الصيغة الثانية وهي صيغة التمريض لا تستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن فيه ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح…".[8] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn8)

قلت : و قد يوجد ما هو ضعيف عند البخاري ضعفا شديدا وهو قليل جدا في الجامع و إن وقع ذلك يتعقبه البخاري رحمه الله بالتضعيف ، و يتضح ذلك في تراجم البخاري التي حيرت الأفكار و حيرت العقول و الأبصار كما قال الحافظ ابن حجر ، فالبخاري رحمه الله '' كثيرا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحا في الترجمة ويورد في الباب ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي وربما اكتفى أحيانا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه وأورد معه أثرا أو آية فكأنه يقول لم يصح في الباب شيء على شرطه، لهذه الأمور وغيرها اشتهر عن جمع من الفضلاء قولهم: "فقه البخاري في تراجمه" [9] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn9) ، وهذا يدل على مدى حرص البخاري و عنايته بكتابه و '' يتضح مدى هذه العناية مما نقله العلماء عنه فنقل الفربري عنه أنه قال: "ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين"، ونقل عمر بن محمد البحيري عنه أنه قال: "ما أدخلت فيه (يعني الجامع الصحيح) حديثا إلا بعد ما استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته". ونقل عنه عبد الرحمن بن رساين البخاري أنه قال: "صنفت كتابي الصحيح لست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى"[10] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn10) '' ، و هذه العناية بالجامع تدل على أن''الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي موضوع كتابه الجامع الصحيح فهي التي وجه عنايته إليها وجعل كتابه مشتملا عليها ''[11] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftn11)، ومن هنا لا يبقى مجال للشك على أن الجامع الصحيح من أصح الكتب بعد كتاب الله عزوجل و يكفي تلقي الأمة له بالقبول و ثناء العلماء عليه .

هذا ما استطعت جمعه في هذه العجالة فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان فنسأل الله أن يتجاوز عنا إن أخطأنا كما نسأله تعالى أن يصحح نياتنا إنه وحده القادر على ذلك .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.


بلال

الجزائري

قسنطينة/ الجزائر

الجمعة 17 ذو الحجة 1433 هـ / 02 نوفمبر 2012 م



[1] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref1): و ليس المقصود أني خبير بهذا الفن بل نقلت ما قاله علماؤنا رحمهم الله .


[2] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref2): و كنت أسمعها على المنابر و لا أنتبه لها جهلا مني ، فالحمد لله على توفيقي لهذه الفائدة القيمة.


[3] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref3): انظر تدريب الرواي للسيوطي.


[4] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref4): مثله مثل الغزالي.


[5] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref5): من كتاب دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني(1/47).


[6] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref6):أضواء البيان.


[7] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref7): فتح الباري ( 1 / 136).


[8] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref8):الإمام البخاري و كتابه الجامع الصحيح (ص: 40-41).


[9] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref9): الإمام البخاري و كتابه الجامع الصحيح (ص :43).


[10] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref10) : الإمام البخاري و كتابه الجامع الصحيح (ص: 39 ).


[11] (http://www.albaidha.net/vb/#_ftnref11): المصدر السابق.