المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير قوله تعالى :(وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) على خلاف المعروف لدى الناس.



أبو عبد الله بلال الجزائري
03-Dec-2012, 11:01 PM
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
من المؤسف جدا أن ترى من بني جلدتنا من ينبهر بالمدنية الغربية الحديثة ، التي أصبح معبودها هو المال والرفاهية والرقي المادي ، فتجد المسلمين ضيعوا الأمانة و نسوا ما خلقوا من أجله و هو عبادة الله و حده و ركنوا للدنيا و تنافسوها فأهلكتهم كما أهلكت الكفار ، و قد أخبر الرسول صلى الله عليه و سلم بهذا الخبر فقال : '' وَاللَّهِ ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا ، كما بسطت على من كان من قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم ''[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn1) ، [إن الرفاهية هي التي تُدمِّر الإنسان، لأن الإنسان إذا نظر إلى الرفاهية وتنعيم جسده غفل عن تنعيم قلبه وصار أكبر همِّه أن يُنعِّم هذا الجسد الذي مآله إلى الديدان والنتن، وهذا هو البلاء، هذا هو الذي اغتر الناس اليوم لا تكاد تجد][2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn2) من يقول تعال نتعلم دين الله تعالى نحذر من الشرك بل تعال لنبيع ديننا من أجل حطام الدنيا ، الإنتخابات فلان ربح فلان خسر فلان لو ربح سيعطينا و فلان لا يعطينا و نسوا أن الله هو الرزاق و نسوا ما خلقوا من أجله و هو توحيد الله ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون) ، ما قال ليأكلوا و يشربوا و يعملوا كما يروج الآن ، و من الغريب عند تحذيرهم من الدنيا و فتنتها يستدلون بآية من القرآن هي في الحقيقة حجة عليهم لا لهم فدائما ما يتلون قول الله تعالى : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) [ القصص : 77] ، و لهذا سنبين معنى الآية كما فسرها العلماء و أنها خلاف المعروف لدى الناس.


تفسير قول الله تعالى : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) :
قال الخطيب البغدادي : أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر الخرقي ، قال : أنا ابو بكر احمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، ثنا أحمد بن علي الأبَّار ، ثنا يحي بن أيوب ، ثنا عمار بن محمد أبو القطان عن منصور، عن مجاهد في قوله تعالى : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) [ القصص : 77]، قال : عُمُرُكَ أنْ تَعْملَ فِيه لآخِرتِكَ .[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn3)
قال الشوكاني : '' قال جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ، ونصيبُ الإنسان : عمرهُ وعملُه الصالح . قال الزجاج : معناه : لا تنس أن تعمل لآخرتك ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته "[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn4)
قال مجاهد أيضا : '' لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة'' [5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn5) .
وقال عون بن عبد الله : إن قوما يضعونها على غير موضعها (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) : تعمل فيها بطاعة الله [6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn6).
وقال الطبري يقول : ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا ، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة ، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله .[7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn7)
وقال القرطبي : "اختلف فيه ؛ فقال ابن عباس والجمهور : لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك ؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها ، فنصيبُ الإنسان : عمره وعمله الصالح فيها ، فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة .
وقال الحسن وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ، ونظرك لعاقبة دنياك . فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه"[8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn8)
قلت : و الإختلاف الذي ذكره القرطبي أنه الآية قد فسرت على غير الذي ذكرناه منها ما قاله الإمام مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية : '' أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ'' [9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn9)
ولا منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا بل يتمتع بها تمتعاً مباحاً لا يشوبه الحرام ، ويستعين بهذا المباح على طاعة الله تعالى ، فإن لربك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا[10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn10) ، و أما المآكل والمشارب فالإنسان يحتاجها لتقويم جسمه من أجل عبادة الله تبارك و تعالى فالغاية التي خلق من أجلها ليست الأكل و الشرب بل توحيد رب العالمين ، فهي وسيلة لغاية فلا نقلب الأمور و نجعل الوسيلة غاية و ننسى ما خلقنا له فنعوذ بالله من فتنة الدنيا و نسأل الله تبارك و تعالى أن يرزقنا من فضله رزقا يقوينا على طاعته كما نسأله تبارك و تعالى أن يجعلنا ممن يجعل عمره عملا لآخرته ، فاللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير فاتنين و لا مفتونين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

بلال الجزائري

[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref1) : صحيح البخاري( 4015).

[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref2) :من كلام الشيخ العثيمين رحمه الله منقول من شبكة سحاب بعنوان الناس حينما اشتغلوا بما خلق لهم عمّا خلقوا له ، انتكسوا.



[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref3) : اقتضاء العلم و العمل للخطيب البغدادي تحقيق العلامة الألباني رحمه الله (ص: 95).و انظر تفسير ابن أبى حاتم (9 / 3010) .

[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref4) : فتح القدير (4/266).

[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref5) : تفسير البغوي (6 / 221).

[6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref6) : تفسير الطبري (19 / 524) .

[7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref7) : تفسير الطبري (19 / 524) .

[8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref8) : الجامع لأحكام القرآن (13 / 314).

[9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref9) : المنتقى (4 / 302) .

[10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref10) : تفسير ابن كثير (6/253).