المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الِمنن في عناية الإسلام بالشباب وخاصة زمن الفتن ( الحلقة الأولى ) ..الشيخ أبي بكر يوسف لعويسي -رعاه الله-



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
19-Dec-2012, 11:31 PM
الِمنن في عناية الإسلام بالشباب وخاصة زمن الفتن ( الحلقة الأولى )



بسم الله الرحمن الرحيم


لقدْ اعْتَنَى الإسلامُ بالشبابِ عنايةً خاصةً وقد وردَ في السنةِ لفظُ الشبابِ في غير ما حديث ، ولكنه لم يرد في القرآن الكريم بهذا اللفظ وإنما ورد بلفظ الفتوة في قَوْلُهُ تَعَالَى وهو يقص علينا أحسن القصص بالحق: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } ؛ أي نُبَيِّنُ لكَ خبرَهم بالصِّدق ؛ إنهم شبابٌ ؛ أي ثَبَّتْنَاهُمْ على الإيْمانِ. ففي هذا الخبر اليقين ، والقولِ المبين أن هؤلاء الشباب المؤمنين الذين ضَحَّوْا بكلِّ شيء وتركوا الدنيا بما فيها ، وفرُّوا بدينهم ما زالوا في مرحلة الشباب والفتوة ، والشبابُ القوةُ وهو مظنّةُ الانشغالِ بالدنيا وشهواتها والافتتان بملذاتها والحِرْصِ على مُتعها والاندفاعِ في شبهاتها على كثرتها ، كما قال عمر رضي الله عنه :<< وَإِيَّاكَ وَعَثَرَةَ الشَّبَابِ ، >> أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (4/ 406) قال أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الأَسَدِيِ قَالَ : كُنْتُ مُحْرِمًا فَرَأَيْتُ ظَبْيًا فَرَمَيْتُهُ فَأَصَبْتُ خُشَّاءَهُ يَعْنِى أَصْلَ قَرْنِهِ فَمَاتَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَسْأَلُهُ فَوَجَدْتُ إِلَى جَنْبِهِ رَجُلاً أَبْيَضَ رَقِيقَ الْوَجْهِ وَإِذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَسَأَلْتُ عُمَرَ فَالْتَفَتَ إِلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ : تَرَى شَاةً تَكْفِيهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَذْبَحَ شَاةً فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ صَاحِبٌ لِي : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُفْتِيَكَ حَتَّى سَأَلَ الرَّجُلَ فَسَمِعَ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ بَعْضَ كَلاَمِهِ فَعَلاَهُ بِالدِّرَّةِ ضَرْبًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَ لِيَضْرِبَنِي فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَمْ أَقُلْ شَيْئًا إِنَّمَا هُوَ قَالَهُ قَالَ فَتَرَكَنِي ثُمَّ قَالَ : أَرَدْتَ أَنْ تَقْتُلَ الْحَرَامَ وَتَتَعَدَّى الْفُتْيَا ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : إِنَّ فِي الإِنْسَانِ عَشْرَةَ أَخْلاَقٍ تِسْعَةٌ حَسَنَةٌ وَوَاحِدَةٌ سَيِّئَةٌ وَيُفْسِدُهَا ذَلِكَ السَّيِّئُ ثُمَّ قَالَ : وَإِيَّاكَ وَعَثَرَةَ الشَّبَابِ. ورواه مالك في الموطأ (1/485 ) وابن أبي شيبة في مصنفه(ج 4/ ص 406)حديث رقم:( 8239) والحاكم في المستدرك (3/ 350)( 5355 ) وقال صحيح، والبيهقي في السنن الكبرى (5/181) الطبراني في الكبير (1/127). وإسناده صحيح .فمعمر هو ابن راشد وهو من رجال الستة التهذيب (10/218)عبد الملك بن عمير من رجال الستة كما في تهذيب التهذيب (6/364).وقوْلُهُ تَعَالَى : { وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ } ؛ أي ألْهَمْنَا قلوبَهم الصبرَ ، وشجَّعناها حين قاموا بحضرة الكفَّار ؛ وثبتناها على الإيمان ، حتى لا تفتتن ، والربط يعني أن تربط على الشيء وتشدّ عليه لتحفظ ما فيه ، كما تربط القِرْبة حتى لا يسيل الماء ، وتربط الدابة حتى لا تنفلت ، وقد وردتْ مادة ( ربط ) في القرآن كثيراً ، منها قوله تعالى في قصة أم موسى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا . . } [ القصص : 10 ] ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : << يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. حصن كما أن الربط حصن من الانفلات والإفلات .وفي قوله تعالى : {{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا }}(60) وقوله من نفس السورة {{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)}} الكهف . وفتى موسى هو خادمه يوشع ابن نون ، وكان من نَسْل يوسف عليه السلام وكان يتبعه ويخدمه ليتعلم منه .قال الشيخ السعدي : يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم، أنه قال لفتاه - أي: خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره، وهو (( يوشع بن نون )). فهذا هو حرص الفتى الشاب على خدمة الشيخ والتفاني في خدمة معلمه ، حتى يتعلم منه ما علمه الله تعالى ، وقد سار معه وأشار الله تعالى في قصته إلى خدمته إذا كان هو من يحمل طعامهما وزادهما ، وهذه تدل على باقي الخدمة حرصا على أن يبلغ معه إلى ما يريد فيتعلم ما تعلمه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وفيه سحن أدبه في صحبته مع شيخه ومعلمه ، إذ كان مستمعا ولم يذكر الله تعالى عنه شيئا طوال الرحلة التي كانت لموسى مع الخضر ، وهكذا ينبغي أن يكون الشباب طلبة العلم في تعظيم العلماء والشيوخ والمعلمين لهم ، ولكن ليس إلى حد التقديس والتعصب المقيت . وقال تعالى :{{ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)}} الأنبياء قال القرطبي (11/299) والفتى الشاب والفتاة الشابة. وقال ابن كثير (5/349){ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } أي: قال من سمعه يحلف أنه ليكيدنّهم: { سَمِعْنَا فَتًى } أي: شابًا { يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }.قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن قابوس [عن أبيه] ، عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبيًا إلا شابًا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية: { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } .وهذا يبين ما لقوة الشباب ، وصبرهم على تحصيل العلم برغبة كبيرة لا يثنيهم عنها شهوة أو شبهة ، وتحملهم لمسؤولية الدعوة إلى الله ، ومقارعة الشرك بالحجة ، العقلية والنقلية كما فعل إبراهيم وهو شاب جلد ، وفتى يافع في قوة ريعان شبابه، يحطم الوثنية بالحجة والبرهان ولا يخشى إلا الله تعالى ، متوكلا عليه ، وهذا يوسف الشاب الجميل ، والوسيم ، يدخل السجن ، ويدخل معه فتيان ، فلم يفوت الفرصة لدعوتهما إلى التوحيد وعبادة الواحد الأحد لما جاء كل منهم يستفتيه فيما رآه من الرؤيا . قال تعالى :{{ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) }} يوسف .قال الشيخ السعدي في تفسيره أي: { و } لما دخل يوسف السجن، كان في جملة من { دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ } أي: شابان، فرأى كل واحد منهما رؤيا، فقصها على يوسف ليعبرها.ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال التي بدت حاجتهما إليه، ليكون أنجع لدعوته، وأقبل لهما.فلما نتأمل في قصة إبراهيم ، ويوسف ، وأولئك الفتية نجدها كلها تدور حول مسألة الفتوة والشباب ، ودعوتهم إلى التوحيد ، وإفراد الله تعالى بالعبادة ، ونصرة دين الله بكل ما أتوا ، والاعتصام به سبحانه من أعداء الله ، وأن نصره سبحانه لأوليائه لا محالة كما وعد ووعده الحق فقال {{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد }} فماذا قدم شباب الأمة للإسلام اليوم ؟؟ هذا السؤال ينبغي أن نهتم به ماذا قدمنا لأنفسنا أولا ، ولديننا ثانيا يا شباب الإسلام؟؟أما في قصة فتى موسى فإنها توحي بالآداب التي ينبغي أن يكون عليها الشاب طالب العلم مع معلمه وشيخه ، وآداب الشيخ مع تلمذيه ، وكيف ينبغي أن تكون الصحبة والملازمة ، والحرص بأدب جم وتواضع كبير في معرفة المزيد من العلم والحِكم ويتبين ذلك من خلال القصة كاملة سواء من موسى مع الخضر أو من فتاه معه .وقد رغب الإسلام في اغتنام الشباب في طاعة الله والأعمال الصالحة لأن الشباب مظنة الافتتان بالشهوات ، والانخداع بالعواطف والاندفاع بالشبهات لذلك حثه النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة بالأعمال الصالحات قبل فوات الأوان و الانغماس في الفتن ما ظهر منها وما بطن ، فتن الشبهات والشهوات .فعن أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ << بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا >>.أخرجه مسلم (118) وأحمد(2/304) والترمذي (ح 2195) وابن حبان(6704) وغيرهم .قال محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على صحيح مسلم (1/110) : معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر .انتهى كلامه . ويؤكده ما جاء في صحيح مسلم (2947) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ << بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ >>.وأخرجه ابن حبان (ح6790 )وبوب عليه ذكر الأخبار عما يجب على المرء من المبادرة بالأعمال الصالحة قبل خروج المسيح نعوذ بالله منه . وقوله : أو خاصة أحدكم يعني الموت ، وأمر العامة ، إما فتنة الدهماء أو القيامة .فالشباب ليس في منآى عن هذا التوجيه النبوي الكريم ويؤكده الحديث الآتي الذي يسمي فيه الشباب فعَنْ عَمْرو بْنٍِ مَيْمُونٍ ، قَالَ :<< قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ >>. الحاكم (4/341) وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه ،ووفقه الذهبي .النسائي في الكبرى والبيهقي ، وأحمد وابن المبارك كلهما في الزهد .قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1077 في صحيح الجامع وصحيح الترغيب والترهيب (3355).وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.أخرجه البخاري ( 660) ومسلم (1031).وأهل الجنة شباب ، حيث ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ينادى مناد : يا أهل الجنة : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا » أخرجه مسلم في صحيحه (2837)والترمذي في تفسير القرآن (3246)، وأحمد بن حنبل في مسند (3/38). فأي ترغيب – بالله عليكم - أعظم من هذا ، فقد تنافس عليه شباب السلف الصالح حتى كانوا نماذج في جميع الميادين يتنافسون في البر والخير والإيمان والتقوى ، بل وجد منهم من ينافس نفسه لما علم من نفسه أنه لا أحد يجاريه فيما هو فيه كما قَالَ عَبْدُ اللهِ بن مسعود ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ ، وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. أخرجه البخاري (5002) ومسلم (2462).. وكذلك كان عبد بن عمر ، وعبد بن عباس ، وعبد بن الزبير ، وغيرهم من الشباب الذين يطول حصرهم في السباق في ميادين شتى كل وما فتح الله تعالى له فيه .وهذا عبد الله بن مسعود الذي ذكرنا من شأنه خرج جيلا من الشباب القراء العلماء فما أحوج الأمة لمثله هؤلاء الشباب الذين يكرسون أعمارهم في طلب العلم ويتنافسون فيه بأدب جم ، وسمت صالح . قال البخاري (ح 4391) حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ خَبَّابٌ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَسْتَطِيعُ هَؤُلاَءِ الشَّبَابُ أَنْ يَقْرَؤُوا كَمَا تَقْرَأُ ؟قَالَ أَمَا إِنَّكَ لَوْ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ . قَالَ أَجَلْ . قَالَ اقْرَأْ يَا عَلْقَمَةُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُدَيْرٍ أَخُو زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ أَتَأْمُرُ عَلْقَمَةَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَيْسَ بِأَقْرَئنَا قَالَ أَمَا إِنَّكَ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْمِكَ وَقَوْمِهِ ، فَقَرَأْتُ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ كَيْفَ تَرَى ؟ قَالَ : قَدْ أَحْسَنَ . قَالَ عَبْدُ اللهِ مَا أَقْرَأُ شَيْئًا إِلاَّ وَهُوَ يَقْرَؤُهُ . أنظروا - يا رعاكم الله - أراد خباب رضي الله عنه أن يعرف حال هؤلاء الذين يجلسون إلى عبد الله رضي الله عنه ، وهل انتفعوا من علم عبد الله بالجلوس إليه ؟ فعرض عليه إذا أحب أن يعرف ذلك بأن يأمر أحدهم بل ربما كان أضعفهم في العلم والقراءة كما قال زيد ، فأراد عبد الله أن يكون علقمة هو القارئ كعينة تدل على البقية ، ثم أمر علقمة ، فاتعرض أحد الطلاب على ذلك لما يعرف من حال علقمة وأنه أضعف القوم ، ليدل أن البقية أعلم منه وأقرأ ، ولكن عبد الله وبخه ، وقال لعلقمة اقرأ فقرأ خمسين آية من سورة مريم فأجاد وأفاد ، وبعدها سأل عبد الله خبابا عن قراءته ؟ فكان الجواب أنه قد أحسن ، ثم زاده عبد الله ثناء على ذلك فقال ما قرأت شيئا إلا وهو يقرؤه ، وهذا يعني أن البقية كذلك ، أو أحسن منه ..هؤلاء هم شباب السلف الصالح ، وقصصهم في جهاد في سبيل الله ، والدعوة إلى الله ونصرة هذا الدين ونصرة السنة ومحاربة البدع والأهواء أكثر من أن تحصى .. أما اليوم فحال الشباب يندى له الجبين ، ولا أقول أولئك الذين غرقوا في الضياع ، والتقليد للكفار ، والانغماس في الرذائل ، ولكن أتكلم على الشباب الذي ينتسب إلى السنة – زعموا - فالشكوى إلى الله ، من حب الاندفاع ، والجرأة ، والتطاول على العلماء ، والتقدم بين أيديهم والتعصب المقيت ، والتشغيب عليهم ، والطعن فيهم ، وأنا أكتب هذا المقال أتصل بي أحدهم في منطقة يغلب عليها أتباع العيد شريفي – هداه الله إلى الحق – يقول ، لقد نصحت بعضهم بأن العلماء تكلموا في العيد شريفي وذكرت له منهم الشيخ الفوزان ، والشيخ عبد المحسن العباد ، والشيخ ربيع ، والشيخ عبيد الجابري ، فكان رده فاجرا غليظا بالطعن والسب في هؤلاء العلماء والنيل منهم بما أتنزه عن ذكره ها هنا ، ثم هدد ناصحه إن عاد لهذا الأمر سوف يلحقه التنكيل وربما القتل .وهذا فيض من غيض من شباب يزعم أنه على الجادة وعلى السنة .يبتع - إن شاء الله - بالحديث عن الفتن وخاصة تلك التي يخوض فيها الشباب والمخرج منها