المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتقوا الله و اصبروا ينصركم الله



أبو عبد الله بلال الجزائري
04-Jan-2013, 12:26 AM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه، أما بعد:
فإن من نعم الله تبارك و تعالى أن جعل لنا هذا الدين نورا نهتدي به ، و بإتباعه تكون سعادة الدنيا والآخرة ، و لقد أرسل الرسل مبشرين و منذرين حتى لا يكون للناس على الله حجة بعدهم ، و لكن شياطين الجن و الإنس وقفت في طريق المهتدين تريد بذلك إذلالهم ، و ما هذا إلا حسدا و بغضا ، و قد تكاثفت جهودهم حتى أوقعوا بالسواد الأعظم و حرفوه عن الطريق حتى سلط الله علينا عدوا من الداخل و من الخارج فجعل هؤلاء المتحمسون يبحثون عن أسباب تمكنهم من النصر و لكن هيهات فكل محاولاتهم باءت بالفشل و كل جهودهم ذهبت هباءا منثورا ، فكان الأولى بهم البحث عن السبب الحقيقي الذي أسقطهم هذه السقطة بدل تضييع الجهود و رمي الأنفس إلى التهلكة ، و لهذا أخي الحبيب سأضع بين يديك سببين من أسباب النصر حتى تكون على بينة من أمرك و تتمكن من معالجة الداء على بصيرة فنسأل الله أن يوفقنا لهذا العمل و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
معنى النصر :
النصر هو تسليط الله الإنسان على عدوه بحيث يتمكن منه ويخذله ويكبته، والنصر أعظم سرور يحصل للعبد في أعماله، لأن المنتصر يجد نشوة عظيمة، وفرحاً وطرباً، لكنه إذا كان بحق فهو خير، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: ''نصرت بالرعب مسيرة شهر''([1] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftn1)) أي أن عدوه مرعوب منه إذا كان بينه وبينه مسافة شهر، والرعب أشد شيء يفتك بالعدو، لأن من حصل في قلبه الرعب لا يمكن أن يثبت أبداً، بل سيطير طيران الريح([2] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftn2)).
أسباب النصر :
أولا : النصر لا يأتي إلا بالتقوى :
قال الله تعالى في مطلع سورة البقرة:(الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ *)[البقرة : 1 - 2]، وقال في خاتمتها حاكيا دعاء المؤمنين أنهم قالوا: (أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ*)[البقرة : 286].
مطلع السورة حديث عن المتقين وخاتمتها حديث عن النصر المبين، وبين التقوى والنصر كما بين السبب والمسبَّب، لأن المتقين هم أهل النصر، فكأنه قيل بتقوى الله تنصرون أيها المؤمنون!
و لهذا الحكم نظائر كثيرة في كتاب الله، منها قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[البقرة : 194] ، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل : 128] ، وكل هذه الآيات تنص صراحة على أن النصر مقرون بالتقوى وأن ذلك شرط فيه ، مع ذلك يأتي المتعجلون مغمضي الأعين عنها باحثين عن النصر في غير سبيل التقوى ، فكم من عاجز عن تربية الناس على التقوى مستعجل بالحديث الطويل والعريض عن الجهاد والنصر كانت نهايته نهاية من قيل فيه: من استعجل الشيءَ قبلا أوانه عوقب بحرمانه .([3] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftn3))
و التقوى اسم مأخوذ من الوقاية ، وهو أن يتخذ الإنسان ما يَقِيه من عذاب الله. والذي يقيك من عذاب الله هو فعل أوامر الله ، واجتناب نواهيه ،فإن هذا هو الذي يقي من عذاب الله عز وجل، أن تأخذ أوامر الله وأن تترك ما نهى عنه.([4] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftn4))
و من أجمع ما قيل في تعريف التقوى ما روي عن طلق بن حبيب : '' أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجوا ثواب الله ، وأن تترك مانهى الله على نورٍ من الله تخشى عقاب الله''
ثانيا: النصر مع الصبر :
[و قال الله تعالى : (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * ) [الروم:1-5].
فمطلع هذه السورة حديث عن النصر ، و في خاتمتها أمر الله بالصبر ، و ذلك قوله : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ*) [الروم:60] ، و هذه مناسبة ظاهرة ، لأن النصوص تواردت في بيان أن النصر مع الصبر ، فمن القرآن قوله تعالى : (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )[البقرة:249] ، و من السنة قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : '' و أن النصر مع الصبر '' ([5] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftn5)) ]([6] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftn6))
و الصبر في اللغة: الحبس .
والمراد به في الشرع: حبس النفس على أمور ثلاثة:
الأول: على طاعة الله.
الثاني: عن محارم الله.
الثالث: على أقدار الله المؤلمة.هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم.([7] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftn7))
هذا ما استطعنا جمعه فسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.


بلال الجزائري


قسنطينة


الجزائر






[1] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftnref1): البخاري برقم (438)ط/ دار الفيحاء دمشق.


[2] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftnref2): تفسير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى لسورة النصر.


[3] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftnref3): من كل سورة فائدة (ص: 36-37).


[4] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftnref4): شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين (1/513) باب التقوى


[5] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftnref5): أخرجه أحمد (1307) و هو صحيح.و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/496) رقم ( 2382)


[6] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftnref6): من كل سورة فائدة لعبد المالك رمضاني .سورة الروم.(ص:180)


[7] (http://www.ahl-elathar.net/vb/#_ftnref7): شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين (1/172) باب الصبر.