المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تَذْكِرَةُ الغَافِلِ بِطُرُقِ كَشْفِ حَالِ المُتَظَاهِرِ بالسُّنَّةِ وَهوَ على سَنَنِ أهْلِ السُّبُل/ الشيخ عبد القادر بن محمد الجنيد



أبو هنيدة ياسين الطارفي
06-Jan-2013, 01:11 PM
تَذْكِرَةُ الغَافِلِ بِطُرُقِ كَشْفِ حَالِ المُتَظَاهِرِ بالسُّنَّةِ وَهوَ على سَنَنِ أهْلِ السُّبُل
الحمد لله الرءوف الرحيم، الحليم الودود، العليم الخبير، الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً، وقهر كل شيء عزة وحكماً، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد التقي الأمين، والطيب الكريم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الجزاء والمصير.
أما بعد، أيها الإخوة الفضلاء النبهاء ـ سددكم الله وزادكم بصيرة في دينه وشرعه ـ:
فإن أهل البدع والأهواء، المخالفين للسنة والسبيل، والمفارقين للمنهج السلفي القويم، والخارجين عن الهدي العتيق السليم ـ وقاكم الله شرِّ سُمومهم، وكفاكم جرب فهومهم ـ مع بدعهم وضلالاتهم وأهوائهم وانحرافاتهم بين الناس على حالين، وينقسمون إلى صنفين:
الصنف الأول: من يُظهر بدعته بين الناس ويُشهرها.
وهذا الإظهار والإشهار منه قد يكون:
إما بفعلها حين يأتي وقتها ومناسبتها، أو بتقريرها في كتاب أو مقال أو درس أو محاضرة، أو بدعوة الناس إلى اعتقادها وقولها وفعلها عبر الكتاب أو الشريط أو الإذاعة أو الفضائية أو الجريدة أو المجلة أو الإنترنت، أو البعض أو الكل.
وهذا الصنف من أهل الأهواء والبدع والانحراف والتفرق ـ بحمد الله ـ أمره ظاهر، وحاله مفضوح، وخبره واضح بيِّن، وصورته جلية مشاهدة، لا تخفى عند أهل السنة والحديث في كل زمان ومكان، وعند كل أحد يعقل من ذكر أو أنثى، فلا أمللكم فأُكثر الكلام عنه، وأزيد القول فيه، وأوسع الحديث عليه.
الصنف الثاني: من يُخفي بدعته ولا يُظهرها بين الناس.
وهذا الصنف قد يستمر في إخفائها إلى أن تُدركه ساعة أجله، وقد يُخفيها إلى أمد بسبب خوف من عقوبة سلطان، أو رهبة من ردود أكابر أهل العلم بالسنة والحديث عليه تُسفله وتُسقطه، وتشوش طريقه وتعكره، أو بسب مصلحة دنيوية يخشى فواتها أو انقطاعها كوظيفة أو مال يجري عليه من شخص أو جهة أو جماعة أو حزب أو تنظيم، أو بسبب مرحلة زمنية يقتضيها حاله الدعوي أو حال من ينتمي إليه من جماعة وحزب ومذهب وتنظيم.
وعلى هذا الإخفاء الوقتي لا الأبدي سوادهم الأعظم، وجمهورهم الأكثر.
وهذا الصنف ـ بحمد الله ـ قد كَشف لنا أسلافنا الماضون، وأئمتنا السابقون، وقدواتنا الصالحون ـ رحمهم الله تعالى ـ طريق معرفة حاله وأمره، وسبيل إزالة تدثره وتزمله، وباب فتح تغطيه وتواريه، وإلى أيِّ قوم ينتسب، ومع من يكون، وفي سلك من ينتظم، وعلى أي مذهب يسير، أعلى مذهب السلف الصالح أهل السنة والحديث أم على مذهب أهل البدع والأهواء؟.
ودونكم بعض طرق هذا الكشف:
الطريق الأول: النظر إلى خِلانه وأصحابه وأخدانه ومجالسيه وبطانته، وإلى من يألفهم ويألفونه، ويودهم ويودونه، ويطمئن ويرتاح لهم ويطمئنون ويرتاحون إليه، وينزل عندهم ويأوي إليهم وينزلون عنده ويأوون إليه.
فإذا وجدته يصاحب أو يألف أو يود أو يطمأن أو يرتاح أو يأوي إلى من ليسوا على منهج السلف الصالح من أهل زمانه وعصره وبلده، فاعرف أنه ليس على السنة يسير، وإن قال ما قال، أو تحجج وتغطى بشيء.
ودونكم جملة من الآثار السلفية الزَّكية الطيبة في تأكيد ذلك لعلكم ترشدون:
أولاً: ثبت عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( اعتبروا الناس بالأخدان، فإن الرجل لا يُخادن إلا من رضي نحوه أو حاله )).
وفي لفظ آخر: (( اعتبروا الناس بأخدانهم،، فإن الرجل يُخادن من يعجبه نحوه )).
وقد أخرجه عبد الرزاق (7894) وابن أبي شيبة (25592) والطبراني في "المعجم الكبير"(8827أو8919) وابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان"(38) وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(499و500و501و502و503) بألفاظ مختلفة، وبعضهم مختصرة.
ثانياً: ثبت عن إمام أهل الشام الأوزاعي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( من خفيت علينا بدعته، فلن تخفا علينا أُلْفَتُه )).
وفي لفظ آخر: (( من ستر عنا بدعته لم تخف علينا أُلْفَتُه )).
وقد أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان"(40) وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(508و420) واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(257).
ثالثاً: ثبت عن محمد بن عبيد الله الغلابي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان يقال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة )).
وقد أخرجه ابن بطة في كتابه "الإبانة الكبرى"(510).
رابعاً: ثبت عن الحافظ معاذ بن معاذ العنبري ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا في جليسه )).
أخرجه ابن بطة في كتابه "الإبانة الكبرى"(509).
خامساً: قال الإمام ابن بطة ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإبانة الكبرى"(514):
قال أبو حاتم: حُدثت عن أبي مُسهر قال: قال الأوزاعي: (( يُعرف الرجل في ثلاث مواطن: بألفته، ويعرف في مجلسه، ويعرف في منطقه )).
قال أبو حاتم: وقدم موسى بن عقبة الصوري بغداد فَذُكِر لأحمد بن حنبل فقال: (( انظروا على من نزل وإلى من يأوي )).اهـ
سادساً: أخرج الإمام ابن بطة ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإبانة الكبرى"(419) عن الأعمش أنه قال: (( كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث: ممشاه، ومدخله، وإلفه من الناس )).
سابعاً: أخرج الإمام ابن بطة ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإبانة الكبرى"(421) عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال:(( لما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع ـ يعني ابن صبيح ـ وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة، قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر، قال: هو قدري )).
وقال الإمام ابن بطة ـ رحمه الله ـ عقبه:
رحمة الله على سفيان الثوري، لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة، ويدركه العِيان، ويعرفه أهل البصيرة والبيان، قال الله ـ عز وجل ـ:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}.اهـ
ثامناً: ثبت عن عبد الصمد ين يزيد أنه قال: سمعت الفضيل ـ يعني: ابن عياض الإمام ـ يقول: (( الأرواح جنوده مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، ولا يُمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق )).
أخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(429أو434) واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(266و261).
وقال الإمام ابن بطة ـ رحمه الله ـ عقبه:
صدق الفضيل ـ رحمة الله عليه ـ فإنا نرى ذلك عياناً.اهـ
تاسعاً: أخرج الإمام ابن بطة ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإبانة الكبرى"(422) عن الأصمعي أنه قال: سمعت بعض فقها المدينة يقول: (( إذا تلاحمت بالقلوب النسبة تواصلت بالأبدان الصحبة )).
وقال الإمام ابن بطة ـ رحمه الله ـ عقبه:
وبهذا جاءت السنة.اهـ
الطريق الثاني: محاولته صرف الكلام عن أشخاصِ مَنْ ليسوا على منهج السلف الصالح وأحزابهم وجماعاتهم وتنظيماتهم إلى غيره، وذلك حين يُذكرون بالبدعة والمخالفة لسبيل السلف الصالح في المجالس أو في المقابلات عبر الإذاعات والفضائيات أو في الدروس والمحاضرات والفتاوى.
وقد أخرج ابن عساكر ـ رحمه الله ـ في كتابه "تاريخ دمشق"(8/15) عن عقبة بن علقمة أنه قال: (( كنت عند أرطأة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنة ويخالطهم فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم؟ قال: يقول أرطأة: هو منهم، لا يلبس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطأة، قال: فقدمت على الأوزاعي وكان كشافاً لهذه الأشياء إذا بلغته، فقال: صدق أرطأة، والقول ما قال، هذا ينهى عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يُشاد بذكرهم )).
الطريق الثالث: الاحتماء لأشخاصهم وأحزابهم وجماعاتهم وتنظيماتهم والضيق والحرج إذا ذكروا بشيء يخدشهم ويبين مخالفتهم للحق وسبيل السلف الصالح.
فقد ثبت عن أبي السكين زكريا بن يحيى ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( سمعت أبا بكر بن عياش وقال له رجل: يا أبا بكر من السني؟ قال: الذي إذا ذكرت الأهواء لم يتعصب لشيء منها )).
أخرجه الآجري في كتابه "الشريعة" (4/231رقم:2112أو5/255رقم:2058) واللالكائي في كتابه"اعتقاد أهل السنة"(53).
الطريق الرابع: التلون والتغير والتقلب في الأحوال والأحكام والاعتقادات على حسب المرحلة الزمنية والأشخاص والأحزاب والنفوس والأهواء لا على حسب الدليل القاطع، والحجة الواضحة، والبرهان الساطع الظاهر، والعلم بعد الجهل.
فبالأمس كان يُحذِّر من فلان، ويُنفِّر عنه، ويطعن عليه، فيقول: إنه منحرف، ومخالف للسنة، ولا يسير على جادة السلف الصالح، ودخل في سلك أهل الأهواء، فقد وقع في كذا وكذا من الضلال، وقرَّر كذا وكذا من البدع، ودافع عن فلان وفلان من المبتدعة، وأثنى على فرقة كذا وكذا من أهل الأهواء، وهو يعرف حالهم، ونُصح فلم يرجع.
واليوم يقول عنه: هو أخونا ومنا ومعنا وصاحبنا وحبيبنا، وعلى المنهج الصحيح، وطريقة السلف الصالح.
ولكن هل تراجع فلان عن ضلالاته وانحرافاته عن السبيل والسنة، أو تاب من ثنائه على بعض فرق أهل الأهواء، أو استغفر من دفعه ودفاعه عن بعض أهل البدع والأهواء، وأصلح وبيَّن؟.
كما قال الله ـ عز وجل ـ: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }.
وهل سكت وترك الخوض وأمسك لسانه عن هذه الأمور، وفي هذا الباب؟.
لا، لا شيء وقع من ذلك، بل كل يوم هو في ازدياد من الانحراف وتوسع، ولا تزال مخالفاته في ظهور واشتهار، وأمره يَبِين أكثر من ذي قبل، وحاله في نزول ونقص وسُفول.
بالأمس كان يقول عن المظاهرات والمسيرات والاعتصامات هي من المحرمات، ومن هدي الضالين، وسنن الكافرين، ومن الخروج على الولاة، ويدلل بالنصوص الشرعية ويحتج، ويذكر أقوال أهل العلم في تحريمها، ويعدد أضرارها ومفاسدها وعواقبها، وربما صنف فيها رسالة مستقلة.
واليوم قد تكون من الجهاد في سبيل الله أو جائزة في بلد دون بلد، أو تباح إذا أذن بها ولي الأمر، وبلا دليل يذكره، ولا حجة يرويها، ولا برهان يطرحه.
بالأمس كان الزجر والتشديد والتغليظ في الخروج على ولاة الأمر، وذِكر أدلة تحريمه من نصوص شرعية وإجماعات محكية، وتعديد آثاره المرة عبر التاريخ، ونقل كلام السلف الماضين والأئمة المعاصرين في النهي عنه، والتحذير منه، وتبيين أنه من سنن الخوارج وإخوانهم من أهل الأهواء والبدع، بل قد يكون له فيه مُصَنَّف ومقال ومطوية وبحث.
واليوم خزن للسان، وإحجام عن ذكر الحق، وتبرير للمخالف، وإيجاد للمعاذير، ووقوف في صف المخالف لا النص، وسير مع الساحة لا السُّنة، وتعاضد مع الميدان لا الأدلة، وتعاضد مع الإعلام لا الحجة، بل قد يُذكي لهب المعركة، ويزيد من إشعالها واشتعالها، ويُسَمِّن وقعها وينميه بذكر الأثرة والجور والتقصير الحاصل على الناس من الولاة.
بالأمس كانت السُّنَّة الواجبة مجانبة الفتن، وكف اللسان واليد عن الخوض والمشاركة فيها، والبعد عن أهلها ودعاتها وأماكنها وتجمعاتها، ولا خير في فتنة، والسعيد من جُنِّب الفتن، ويحتج لذلك ويدلل بالسنة والإجماع وكلام السلف الصالح.
واليوم يبارك للداخلين فيها ويثني، أو يزكِّي ويمدح، أو يذكر مآثرهم ويشيد، أو يحث على المشاركة ويُرغِّب، أو يجمعها كلها وأكثر، بل قد يخرج بنفسه ليكون أقوى في التأثير، وأبين في الاقتداء، وأظهر في الصدارة، وأضمن للشهرة والقيادة.
بالأمس كان التقارب مع أهل الأهواء والبدع، وجموع أهل الأديان المخالفة للإسلام، وأصحاب المذاهب اللبرالية والعلمانية والقومية والشيوعية حرام وضلال، ومنكر وفجور، ومصادم للقرآن والسنة، ومن الركون إلى الضالين والفاسقين والكافرين، وهدم للعقيدة والسنة، وكلمات ظاهرة مشتهرة في ذمه وقبحه، وتبيين حرمته وجرمه، وقد يزيد فيلقي محاضرة أو خطبة أو يؤلف كتاباً في نقضه ورده.
واليوم مصلحة الوطن ـ أو بالأصح مصلحة الحزب والجماعة والنفس ـ تقتضي، والدين واسع رحب يسع الجميع بمذاهبهم ومشاربهم ومعتقداتهم وبدعهم وأديانهم، والشريعة تكفل حرية الجميع في معتقداتهم وأقوالهم وأفعالهم، وتساوي بينهم، والقواسم المشتركة أكثر من المتقاطعة.
بالأمس كان الذي يُثني على أهل البدع والأهواء ليس على سبيل السلف وطريقهم، ويُلحق بمن أثنى عليهم، ويُحكم له بحكمهم، ويُذم ويُقدح فيه مثلهم، ويُنَفَّر عنه، ويُحَذَّر منه ويُحْذَر، على هذا سار السلف الصالح، وبهذا حكموا وتعاملوا.
واليوم لا زال منا ومعنا ومثلنا، لا زال على المنهج والطريق يسير، لا زال سُنِّياً سلفياً.
فسبحان الله ما الذي غيرك وبدلك، وكيف انقلبت وانسلخت، ولِمَا تحولت وابتعدت؟.
أين النصوص الشرعية التي كنت تذكرها، أين الإجماعات الذي كنت توردها، أين أقوال السلف التي كنت تتزين بها، أين الفتاوى التي كنت تتقوى بها، وتتكئ عليها، أين الحجج والبراهين التي كنت تجمعها؟.
لقد ذهبت أدراج الرياح، وطارت في سويعات ولحظات، وتلاشت حين هبت عواصف التغيير، وأُخفيت حين أزفت بوادر وصول الجماعة والحزب والتنظيم والرفاق والأخلاء والنظراء والقريبين إلى سدة الحكم، والتربع على العرش.
لقد هدمتها الانتماءات والمذاهب والأحزاب والجماعات، لقد أفسدتها الشهرة والسمعة والظهور.
لقد جرفها إغراق جمعيات جمع الأموال، وتدفق الدرهم والدينار، وتواصل العطاء والإمداد.
وهذا بلية وشر على صاحبه، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ )) أخرجه أحمد (15784و2376) والترمذي (2376)، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان والألباني، وقال البغوي: حديث حسن.
فإلى هذا، وإلى من خفي عليه حاله والتبس، أقول: قد ثبت عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ((إِنَّ الضَّلَالَةَ حَقَّ الضَّلَالَةِ: أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ, وَتُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ, وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ )).
أخرجه عبد الرزاق (20454) ابن بطة في "الإبانة"(25و576و577و578) واللالكائي (120) والهروي في "ذم الكلام"( 626) والحاكم بنحوه والبيهقي في "السنن"( 10/42) وفي "الأسماء والصفات"( 267).
وأخرج الحاكم (8545) عن أبي الشعثاء ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( خَرَجْنَا مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ فَقُلْنَا لَهُ: اعْهَدْ إِلَيْنَا، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَلُزُومِ جَمَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَنْ يَجْمَعَ جَمَاعَةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَإِنَّ دَيْنَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّلَوُّنَ فِي دَيْنِ اللَّهِ، وَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحُ مِنْ فَاجِرٍ )).
وقال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.اهـ
ووافقه الذهبي.
وثبت عن إبراهيم النخعي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّلَوُّنَ في الدِّينِ )).
أخرج ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(579) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (673) وأبو نعيم في "الحلية"(4/233) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1771).
وقال أيضاً: (( كَانُوا يَرَوْنَ التَّلَوُّنَ فِي الدِّينِ مِنْ شَكِّ الْقُلُوبِ فِي اللَّهِ )).
أخرج ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(580).
ألا وإنَّ هذا الصنف المضر بنفسه وبالناس، والمنقص لإيمانه وإيمان الناس، أكثر ما يَتَجَلَّى حاله، وينكشف لغالب الناس، ويظهر بوضوح: في أزمنة الفتن، ووقت الهرج والمرج، وحين التنافس على الشعبية العالمية، وحال التنافس على المناصب الدينية العالية، والمجالس النيابية أو البرلمانية أو الشعبية، وعند القُرب من الوصول إلى سُدة الحكم، وولاية أمر الناس.
وكتبه: عبد القادر بن محمد الجنيد
م:سحاب.