المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [خطبة]الكبر- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
05-Apr-2010, 10:14 PM
الكبر- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ




إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له؛ ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اِتقُّوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله،صلاحُ ابنِ آدمَ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، والسَّعيُ في إصلاحِ القلوبِ أعظمُ من نوافلِ العبادةَ، وأعمالُ القلوبِ كأعمالِ الجوارحِ، من حيثُ الثوابُ والعقابُ.
أيُّها المسلمُ، وإنّ أصلَ كلِّ شيء، وأساسَ كلِّ بلاءٍ خُلُقُ الكِبْرِ، فالكبرُ خلقٌ ذميمٌ، خلقٌ مقيتٌ، خلقٌ سيئٌ، خُلُقٌ يدعو إلى الرَّذيلةِ، وخُلُقٌ يَنْأَى بالمسلمِ عن كُلِّ كرامةٍ وفضيلة.
أيُّها المسلمُ، الكِبْرُ اِتَصَفَّ به إبليسُ، فحسد أبانا آدمَ، وأَبَى عن قَبولِ أمرِ اللهِ (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ) [البقرة:34]، وقومُ نوحٍ حَمَلَهُم على الكفر ورَدِّ قولِ نوحٍ عليه السلام، ما في نفوسهم من الكِبْرِ قال اللهُ عنه -عليه السلام- أنه قال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً) [نوح:5]، والكبرُ مَنَعَ قومَ عادٍ من طاعةِ نبيِّهم هودٍ -عليه السلام- قال اللهُ جلَّ وعلا: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت:15]، والكبرُ مَنَعَ قومَ هودًا، قومَ صالحٍ، منعهُم من قَبولِ الحقِّ (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [الأعراف:76]، وقومُ شعيبٍ كفروا به استكبارًا (قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا) [الأعراف:88]، والكبرُ منع فرعونَ وقومَه من طاعةِ موسى -عليه السلام- (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُون) [القصص:39]، والكبرُ منعَ كثيرًا من بني إسرائيلَ عن قَبولِ الحقِّ والانقيادِ لَهُ (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون) [البقرة:87]، والكبرُ منعَ كفَّارَ قريشٍ من الانقيادِ لما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم؛ فإنّ اللهَ أخبرَ أنهم لا يكذِّبونَه، ويَعلَمون صِدقَه وأمانتَه، لكنّ الكبرَ في نفوسهم مَنَعَهم عن الانقيادِ (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ* وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) [الصافات:35]، واليهودُ في عهدِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ لم يقبلوا دعوتَه، وجَحَدوا ما عندهم من العلمِ تَكَبُّرًا وتعالِيًا (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة:89].
أيُّها المسلمُ، وإنّ اللهَ جلَّ وعلا حذَّرَنا من الكبرِ، والتَّخَلُقِ بالكبرِ في كتابِه العزيزِ، وحذَّرَنا منه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، وبيَّن حقيقتَه وغايتَه؛ فأخبرَنا تعالى أنه يَصرِفُ عن الانتفاعِ بالآياتِ وتَدَبُّرِها والعملِ بها، مَن في قلبِه كبرٌ واستعلاءٌ (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:146]، فتأمَّلْ أخي معي هذه الآية َ(أَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف:146] فالمُتَكَبِّرون يصرف أو تصرف أفهامُهم عن وعيِ القرآنِ وتَدَبُّرِه؛ فلا ينتفعون به، ولا يَستفيدون منه، ثم يُعقِبُهم ذلك أنهم إذا دُعوا لسبيلِ الرَّشادِ أبَوه (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) [الأعراف:146]؛ فهم يعلمون الحقَّ من الباطل، لكنِ الكبرُ حَمَلَهم على تركِ الحقِّ والإعراضِ عنه، وأخبرَ تعالى أيضا أنه يُعاقِب المتكبِّرين بالطَّبعِ على قلوبِهم، حتى تنقلبَ الحقائقُ في أنظارِهم فيَرَوْن َالباطل حقا و حق باطل (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر:35] (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر:35]، والكبرُ يمنع المُتكبِّرَ محبَّةَ الله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) [النحل:23]، و الكبر مأواهم النار (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:72] ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم حذَّرَنا من خُلُقِ الكبرِ في سنته صلى الله عليه وسلم فأخبرنا بقوله: "ألا أُخبِرُكم بأهلِ النار؟ كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَاظٍ، مُستكبر" وقال: "احتجت الجنة والنار فقالت الجنة: فيَّ ضعفاءُ المسلمين ناس ومساكنُهم، وقالت النار: فيَّ الجبَّارون، والمُتكبِّرون؛ فقال اللهُ بينهما بقوله: "إنك الجنة رحمتي، أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي، أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها"، ولكلاكما عليّ ملؤها" وأخبرَ صلى عليه وسلم أن اللهَ يُعاقِبُ المتكبِّرَ المُتعاليَ يومَ القيامةِ على نقيضِ قصدِه، وأن المتكبِّرِين يُحشَرون يومَ القيامةِ، أمثالَ الذَّرِ في صور الرجال، يغشاهم الذُّلُ من كلِّ مكانٍ، يغشاهم الذُلُّ من كل مكان، وأخبرنا أن ربَّنا يقول: "العزة إزاري والكبرياء ردائي من نازعني شيئاً منهما عذبته" وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الكبرَ سببٌ من أسبابِ عدمِ دخولِ الجنةِ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلُ الجنَّةَ مَن في قلبهِ مثقالُ ذرَّةٍ من كبرٍ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، الرّجلُ يُحِبُّ أن يكونَ ثوبُه حسنة ونعلُه حسنة، قال: إنّ اللهَ جميلٌ، يُحِبُّ الجمالَ، الكبرُ بطرُ الحقِّ وغمْطُ الناسِ"، ففي هاتين الكلمتين يُبَيِّنُ صلى الله عليه وسلم حقيقةَ الكبرِ المذمومِ، وأنه بطرُ الحقِّ، وردُّ الحقِّ، وعدمُ قَبولِهِ، تقولُ له: قال اللهُ، تقول له: قال رسولُ الله؛ فلا يسمعُ ولا ينقادُ، بل يصم أذنيه عن سماعِ الحقِّ، وعن قبولِ الحقِّ، بل قد يُصرِّحُ برفض الحقِّ، وعدم ِ الانقيادِ إليه، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ، قال اللهُ -جلَّ وعلا- عن هؤلاء: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) [النور:51] هؤلاء متكبرون ثم قال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51] فردُّ الحقِّ وعدمُ قَبوله وعدمُ الانقيادِ إليه بعد العلم، كبرٌ يحملُ ذلك في نفوسهم (إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ) [غافر:56] (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [غافر:56]، وثانيًا: غمطُ الناس،ِ وظلمُ الناسِ، والتعدِّي عليهم، في أموالهم، وأعراضهم، ودمائهم، وإنما يحمِلُ عليه الكبرُ والطغيانُ والجبَروتُ؛ فالمسلمُ يحترمُ دماءَ المسلمين وأموالهم وأعراضَهم، ويحترمُ ذلك إيمانًا وديانا.
أيُّها المسلمُ، لكُلِّ شيءٍ سببٌ؛ فأسبابُ الكِبْرِ أمورٌ فبي أعظم أسبابِ الكبر العلمُ، العلمُ، فالعلمُ الذي يدعوُ إلى خشيةِ اللهِ ومحبةِ اللهِ، والتقرُّبِ إلى اللهِ بما يرضه، قد يُطغي العلمُ صاحبَه؛ فيحملُه على الكبرِ والترَّفُعِ عن الناس؛ فيَغتَّرُ بعلمه، ويرى الكمالَ في نفسه، وما يدري المسكينُ أنّ ما عنده من العلمِ قليلٌ (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:85]، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف:76].
إن العلمَ الحقيقي الخالصَ يدعو إلى خشيةِ اللهِ والتواضعِ لله ثم لعباده (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28] وهو يقول لنبيه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، والله يقول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34]، فصاحبُ العلمِ إن لم يحملْهُ علمُه على التواضع، وقبولِ الحقِّ، والإصغاءِ إليه، لم يكن ذلك علما نافعا استأذن عُيَيْنَةُ بنُ حِصنٍ على عمر ابن الخطاب، وقال لخاله الحر بن قيس ٍ: استأذن ْ لي لهذا الأمير فقال فدخل عمر فقال عُيَيْنَةُ بنُ حِصنٍ رضي الله عنه إنك لا تعطينا الجزلى، ولا تحكم فينا بالعدل، قال: فهَمَّ به عمرُ؛ فقال الحرُُّ: يا أميرَ المؤمنين، إن الله يقول: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وإنّ هذا من الجاهلين، قال: فوالله ما جاوَزَها عمرُ، وكان وقَّافًا عند كتاب الله، وكان وقافا عند كتاب الله.
أيُّها المسلمُ، والعبادةُ والطاعةُ إن كانت خالصةً للهِ والمعابد يريدُ وجهَ اللهِ والدار الآخرةَ، دعاه إلى التواضعِ للهِ وحال بينه وبين الكبرِ في نفسه وإن صاحَبَ العبادةَ رياءٌ وسمعةٌ، ومحبةُ ثناءِ الناسِ أدَّاهُ ذلك إلى التكبُّرِ بعبادته، واحتقارِ الآخرين، وازدِرائِهم، ويرى لنفسه منزلةً فوقَ منزلةِ الآخَرين، بل قد يتعدى إلى اعتقاد إلى هلاكِ الناسِ، وبُعدِهم عن الخير، وأنه وحدَه المستقيمُ، الذي يشارُ إليه وفي الحديث: "مَن قال هَلَاك الناسُ؛ فهو أهلكُهُم"
قال رجل ممن قبلنا يعض رجل أرتكب فبعضَ المخالفاتَ فأبى؛ فقال: واللهِ لا يغفر اللهُ لك، قال: فأوقفه اللهُ، وقال له: "من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألاّ أغفرَ لفلانٍ؟ قد غفرتُ له، وأحبطت عملَك"، فأنت إذا كنت في جانبٍ من العبادةِ والطاعةِ؛ فاحمد اللهَ، واعلم أنها فضلٌ من اللهِ عليكَ واشكره على نعمته، ولا تزدر الآخرين، ولا تغري الشماتة بالآخرين فيعافيَهم اللهُ، ويبتليَك.
وقد يحملُ على الكبر المالُ الذي يملكُه الإنسانُ؛ فإذا كان عنده ثروةُ ومالٌ وعقارٌ وأرصِفةٌ متعددةٌ، حملهُ ذلك على التعاظُمِ في نفسه، والتعالي في نفسه، واحتقارِ الآخرين، وأن له منزلةً فوقَ منزلةِ الآخَرين، ولا يعلمُ هذا المسكينُ أن اللهَ قادرٌ على أن يَسلُبَه ثروتَه في لحظةٍ من اللحظات؛ فيعودُ ذليلا بعدَ العِزِّ، فقيرًا بعد الغنى (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:284]، فاللهُ الذي أعطاك فاشكره على نعمتِه، واعتقد أنه فضلٌ منه، ولا تكن كما قال قارون: "إنما أوتِيتُه على علم عندي".
وقد ذمَّ اللهُ من انخدع بالمال بقوله: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ* قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ:35].
وقد يحملُه على الكبر نسبُه وشرفُه فيرى من دونه نسب وشرف، يراه ذليلًا حقيرًا، ولا يرى له قدرًا ولا قيمة، ولا يعلمُ هذا المُغتَرُّ أن من سلب هو، إنما أهل العزةَ والشرفَ بالطاعة والعمل الصالح؛ فاسلك مسلكهم لتكون مثلهم وإن خالفتهم؛ فإن اللهَ ليس بينه وبين خلقه حسبٌ ولا نسبٌ (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) [المؤمنون:101]، وقد يحملُ بعضَ الناس على الكبر، قد يحملُه على الكبرِ، منصبُه وولايتُه؛ فإذا كان ذا منصبٍ وشأنٍ، يرى مَن دونه لا قيمة له؛ فيحملُه جاهُه ومكانتُه الاجتماعيةُ أن يحتقرَ الآخرين ويزدري بهم، ويراهم في منزلة دونه بكثير، وهذا كلُّه من الغرور.
وقد يحملُه على الكبر عشيرتُه وقومُه، وكلُّ هذه من المغالطات فمن نظر إلى الأمورِ بحقٍّ تواضَع لربه، وألقى عنه ذلك الخلقَ السيِّئَ المَقِيتَ، الذي لا خير فيه، وإنما يجلب عليه البلاءَ والمصائبَ، نسألُ اللهَ لنا ولكم الثبات على الحق، والاستقامة عليه؛ إنه على كلِّ شيء قديرٌ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم، ولسائرِ المسلمين، من كُلِّ ذنبٍ؛ فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ اللهِ، إن للكبرِ أثارا سيئةً على المُتكبِّرِ في أحوالِه كلِّها؛ فمن أعظم آثارِه السيئةِ، التكبُّرُ على اللهِ فترى المُتكبِّرَ متعاظمًا في نفسه، لا يشكرُ اللهَ، ولا يُثني عليه، ذِكرُهُ لله قليلٌ، هو مُغترٌ بنفسه، صحةٌ ومالٌ وجاهٌ، إذًا يرى أن الأمورَ كلَّها كاملةٌ؛ فلا تراه متواضعًا لربه، ولا تراه محافظًا على طاعةِ ربِّه، ولا معظما لأمره ونهيه، بل غَرَّتْهُ دنياه، حتى تكبَّرَ على خالقه ورازقه؛ فلا يؤدي فريضةً، ولا يَكُفُّ عن مُحَرَّمٍ، وإنما الغرورُ الذي ساده في أموره كلِّها فعياذًا بالله من ذلك، تكبر على رسول الله؛ فيرُدُّ سنتة و يَزدَرِيها، ولا يقبلُها، ولا يَرضى بها، بل إذا تُليت عليه أعرضَ عنها تكبُّرًا وعنادًا، وكل هذا من خِداعِ الشيطانِ، أكل رجلٌ عند النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ بشماله؛ فقال: "كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر؛ فعاقبه اللهُ، قال الراوي: "فما رفعها إلى فيه قط".
وكان السلفُ والصحابةُ يعظمون سنةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويثنون على مَن أحياها، ويَذُّمون من خالَفَها، حدث عبدُ الله بنُ عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: "إذا استأذنت أحدَكم امرأتُه في المسجد فلا يمنعها"، فقال رجلٌ من أبنائه: "والله لمنعَهنَّ" قال: فالتفت عبدُ الله، وسبَّهُ سبًّا ما سمعته سبَّهُ قطُّ، فقال: "أقولُ لك قال رسولُ الله، وتقول أمنعهن؟ والله لا أُكَلِّمُك أبدًا"، كُلُّ هذا تعظيمٌ لأمرِ السنةِ، ومحافظةً عليها، ولما نوقِشَ ابنُ عباس في متعةِ الحجِّ قال: "يوشِكُ أن تقعَ عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر، وعمر"، ولما سُئِل ابنُ عمرَ عن متعةِ الحجِّ، وأن أباه عمر ينهى عنها، قال: "أَرسولُ اللهِ أَحَقُّ أن يُتَّبَعَ أم عمرُ؟ أَرَسولُ اللهِ أَحَقُّ أن يُتَّبَعَ أم عمرُ"؟ كُلُّ هذا من تعظيم سنة رسول الله وان المسلم إذا بلغ السنة سمع ونقاد لها .قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "أجمع المسلمون على أن من بلغته سنةٌ من سننِ رسول الله لا يجوز له أن يتركها لقول كائن من كان".
ومن التكبُّر على الأبوين فترى بعض المُغترِّين من المتكبرين عندما يبلغُ الأبوان الكِبَرَ ترى يحتقِرُهما ويَزدَرِيهما، ولا يجالسُهما، ولا يسألُ عنهما، بل هو مُتَنَاسٍ لفضائلهما، مُحتقِرٌ لهما، ومُتَكَبِّرٌ عليهما بعد ما ضعفت قُوَّتُهُمَا، وقَلَّ جَهدُهما، أعرضَ عنهما تكبُّرًا وتعاظمًا واغترارًا بنعمة ماله وولده.
ومن التكبُّرِ على ذوي الرحم؛ فترى الغنيَّ المتكبِرَّ لا ينظرُ إلى رحمه نظرة الإحسانِ والرحمةِ، ولكن بنظر الاحتقار والإساءة، وان أعطى فلحظوظه المادية وحظوظه النفسية، لكن لا يَصلُ رحمه صلةَ دين امتثالا لأمر الله؛ لأن غناه وصحَّتَه جعلته يحتقرُ كلَّ أحد، ترى هذا المتكبرَّ يحتقرُ المساكينَ والمحتاجينَ، وإذا وقف على بابه فقيرٌ ازدراه؛ لرداءة ملبسه، وللعاهة التي يُصابُ بها، فينظرُ إلى هؤلاء المصابين بالعاهات نضرا الاحتقار مُغترا بصحته ونفسه، ولا يدري المسكينُ أن اللهَ قادر على أن يأخذَ منه صحته بأمر من الأمور التي لا يُغني مالُه ولا جاهه في معناه عنها؛ فاتَقِّ اللهَ أخي، واسمعِ اللهَ يُعاتِبُ نبيَّه لمّا أصغى لبعض صناديد قريشٍ، وأعرضَ عن مسلمٍ مؤمنٍ، قصدُه صلى الله عليه وسلم التأليف قوله تعالى(عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى* أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى* فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) [عبس:10]فكان رسولُ اللهِ إذا آتى رجل ابنُ أمِّ مكتوم قال: "مرحبا بمن عاتبني فيه ربي"، واللهُ يقولُ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:28].
أيُّها المسلمُ فاحذر احتقارَ الفُقراءِ، واحذر احتقارَ المرضى، واحذر احتقار المحتاجين، واحذر التطاولَ عليهم (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة:263] اِلزمِ التواضعَ؛ فهو عِزٌّ لك في الدنيا والآخرةِ، والكِبْرُ ذُلٌّ وهوانٌ وعاقبته تنافرُ القلوبِ منك، وإن أظهرَ لك بعضهم مَوَدَّةً ومُوالاةً، ولكن في قلوبِهم مَقتٌ لفعلك، وكراهيةُ تَصَرُّفك؛ فاتَّق اللهَ في نفسِكَ وتواضعْ للهِ ولرسولِهِ، ثم لعبادِه المؤمنين تواضعًا منبثقًا من شكرِ اللهِ على نعمتِه وشكرِه على فضلِهِ، وأن اللهَ خَوَّلَكَ المالَ والجاهَ؛ فاجعل ذلك سببا لقُربِك من اللهِ، ورحمتك لعباد الله.
أَسألُ اللهَ أن يرزُقَنا وإيّاكم العلمَ النافعَ، والعملَ الصالحَ والتواضع له، إنه على كل شيء قديرٌ، واعلموا رحمكم اللهُ أن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعة؛ ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلُّوا رحمكم اللهُ على عبدِ اللهِ ورسولِه محمدٍ كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: ٥٦].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم، وبارك على عبدك ورسولك، محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين، وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وجودِك وإحسانِكَ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُر عبادَك الموحدين، واجعلْ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنا مُطمئِنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلحْ أئمَّتَنا وولاةَ أمرنا، اللهمَّ وفِّقْهُم لما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّق إمامَنا إمامَ المسلمين، عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمَّ أمِدَّه بعونك، وتوفيقِك، وتأييدِك، اللَّهمَّ أَرِهِ الحقَّ حقًا وارزُقهُ اتباعَه، وأرِهِ الباطلَ باطلاً، وارزقُهُ اجتنابَه، ودُلَّهُ على كلِّ عملٍ تُحِبُّه وترضاه، إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ، اللهمّ وحِّدْ به شبابَ الأمَّة، واجمعْ به كلمتهم على الخير والتقوى، اللّهُمَّ شُدَّ عَضُدَهُ بوليِّ عهده سلطانَ بنِ عبدِ العزيزِ ووفقه للصلاح في أقواله وأعماله، وأيِّدْهُ بالصحةِ والسلامةِ والعافيةِ، ووفِّقِ النائبَ الثانيَ ٍ، وأعِنْهُ على مسؤوليتِه؛ إنك على كلِّ شيءٍ قديرٍ،، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:١٠].
أيُّها المسلمُ إن المؤمنَ حقًّا من يسعىفي الخير جهده، وإن المؤمن حقًّا من يحترمُ دماءَ المسلمين، وأموالَهم وأعراضَهم، وإن المؤمن حقًّا من يُحِبُّ للآخرين ما يُحِبُّ لنفسه، ويَكره للآخَرين ما يَكرَهُ لنفسه، هكذا الإيمان الصّادِقُ، "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" "والمؤمنُ من أمنه المسلمون على دمائهم وأموالِهم" أيها المسلم أين الإيمانُ الصحيحُ، الذي يَمنعُك من أن تكون ألعوبةً بيد غيرِك؟ أين الإيمانُ الذي يَردَعُك من أن تكون سببا في إلحاق الضرر بمجتمعك المسلم؟ أين الإيمان الذي يمنعك؟ إن انعدامَ الإيمانِ هو الذي يحمل هؤلاء المخدوعين المغرورين الضالِّين، يحملهم على هذه الأفكارِ السيئةِ، والأخلاقِ القبيحةِ، والأعمالِ الرذيلةِ، هذا الإيمانُ لمَّا فُقِدَ من قلوبهم دعاهم ذلك إلى أن يمدُّوا أيديَهم نحوَ أعدائهم في خارجِ البلادِ، تعاونًا معهم على الإثم والعدوان، واللهُ يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، أين إيمانُك؟ ثم أين وطنيتُك، أين إسلامُك؟ أين خوفُك من الله؟ أين محبتُك لعباد الله؟ إن هذا الخُلُقَ السيّئَ لا يقدم عليه مَن في قلبه إيمانٌ، يخدعه المال حتى يكونَ بيد أعدائه يُوَجِّهونه كيف يشاؤون، ويُسَيِّرونه كيف يريدون، كأنه قطيعٌ من قطيعِ الغنمِ، لا يدري أين يُذهَبُ به، ولا أين يُوَجَّهُ، خُدِعَ وغُرِّرَ به، وغيِّرَتْ أفكارُه ومُعتَقَدُه؛ فأصبحَ عدُّوًا لدينه، عدُّوًا لأمَّته، عدُّوًا لمُجتمعِه المسلمِ، إن هذا أمرٌ خطيرٌ، لتفكِّرُ في نفسك أخي، راجِع نفسَك، وحاسبْ نفسَك، انظُرْ أنت مؤمنٌ حقًّا؟ هل هذه الأخلاقُ من أخلاقِ المؤمنين، أو من أخلاق الضالين المنحرفين؟ إن خُلُقَ المؤمنِ حُبُّ الخير لأمَّتِه، حُبُّ الخير لمُجتمعِه، السعيُ في الإصلاح، السعيُ فيما ينفع، أما أن يدَه وانقيادَه بيد أعدائه ليُنفِّذوا به أغراضَهم، ويَقضوا به حاجاتِهم، ويُدَمِّروا بسببه أُمَّتَهم؛ فهذا -واللهِ- لا يليقُ بالمسلم، فكِّر أيُّها المسلمُ أين الإيمانُ؟ ثم أين العقلُ والإدراكُ؟ وأين الفهمُ الصحيحُ؟ هل أنت مواطنٌ حقًّا أم أنت مجرمٌ ضالٌّ؟ أم أنت مجرمٌ شقيٌّ؟ ربَّاك الأعداءُ على مرادِهم، وخَدَعوكَ بغرورهم حتى أصبحتَ مطيةً لهم يُسَيِّرونك كيف يشاءون، ويهيئونك لما يريدون؟ أنت مؤمنٌ حقًّا؟ كُنْ يقظا من أعدائك، كن يقضا حقًّا من كُلِّ من يُسوِّلُ لك الشرَّ والبلاءَ والإفسادَ في الأرض(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33]، نعم إنه الإفسادُ بعينه إنما من يعطي قياده بيد أعدائه، ويَرضى بما يفعلون، ويدبر ما يريدون، إنه بحقٍّ مجرمٌ كيف بمسلمٍ ولا بمواطنٍ، ولكنه مفسدٌ ساعٍ في الأرض فسادا.
ثم أنت أيُّها المسلمُ المقيمُ في هذه الأرضِ المباركةِ، احتُرِمَ دمُك ومالُك وعِرضُك؛ فلا عدوان عليك، لا في مال، ولا وعرض، ولا دمٍ، ما دمت مؤديا لواجبك؛ فما هذا الحقدُ على هذا البلد المبارَك؟ وما هذا السوءُ والمؤامراتُ السيئةُ؟ وكيف يرضاها مسلمٌ لنفسه؟
إن المسلمَ من يحترمُ ديارَ الإسلامِ، ويحترمُ أمنَ الحرمين، وما أُوجِبَ عليه احترامُهما؛ فأين إيمانُك؟ وأين مروءتك؟ وأين أخلاقُك التي تحملك على الاحترامِ، والقيامِ بالواجب.
إن الواجبَ على المسلمِ أن يكونَ عينا ساهرةً على بلادِه وأمنِها واستقرارِها، ولا يسمحُ لأي مجرمٍ، ولا لأيِّ لِصٍّ أن يتخلَّلَ من خلال ذلك، يجبُ أن يكونَ سدًا منيعًا ويَقِظا، وحَذِرًا من كلِّ من يريدُ سوءا بالأمة، هذا واجبُ المسلمِ المواطنِ حقًّا، واجبُ المسلمِ الذي يخافُ اللهَ، مواطنٍ وغير مواطنٍ، واجبُه احترامُ الأمة، واجبه احترامُ دينِها، واحترامُ أمنها، واحترامُ خيرها.
إننا نعيشُ في نعمةٍ عظيمةٍ، في أمن ورخاءٍ واستقرارٍ، والتحامِ صفوفٍ، واجتماعِ كلمةٍ وغيرُنا يشقى بالأحزابِ المختلفةِ، والأفكارِ الضالَّةِ، سفكٌ للدماء، تدميرٌ للممتلكات، كم تحمل الأخبار في أمَّةٍ، يعيشون في غاية من الذُلُِّ والهوان، تركوا بلادَهم، وتَمزَّقت بلادُهم، تركوها وخرجوا عنها، وأصبحت مسرحًا للأحداث وسفكِ الدماءِ على أيدي أولئك، غُرِّرَ بهم وخُدِعُوا حتى صارُوا حربةً في نحورِ أمَّتِهم، دُمِّرت البلادُ وسُفِكت الدماءُ، ونُهِبَت الخيراتُ وعادت البلادُ الغنيةُ إلى بلادٍ فقيرةٍ مُتقعةٍ، وهذا البلد يتمتع بأمنه واستقراره، وانتظام كلمته، ووحدةِ صفِّه، فلنشكرِ اللهَ على هذه النعمةِ ولْنأخذْ على يد كُلِّ سفيهٍ.
وعلى الآباءِ والأمَّهاتِ والناسِ أجمعين أن لا يدعوا للمجرمِ فرصةً، ولا يدعوا له فرصةً بل يأخذوا على يده، ولا يَتَسَتَّروا عليه، ولا يسمحوا له بمُمارسة أخطائة السيئةَ؛ فإن الأمَّةَ مسئولةٌ عن ذا كلِّه، النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول "مثلُ القائم على حدود الله، والواقعِ فيها، كمثل قومٍ استهموا سفينةً؛ فكان بعضُهم أعلاها ومسفلها، فكان الذين في أسفلها إذ استقَووا صعدوا إلى من فوقهم فقالوا خرقنا في نصيبنا خرقًا فلم نؤذي من فوقنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
هكذا حالُنا، لا ينبغي أن نتركَ لمفسدٍ ولا مجرمٍ ولا فاقدِ الأخلاقِ أن ندعَه يعملُ ما يشاءُ، بل نأخذُ على يديه نصيحةً وتوجيهًا وإبلاغًا عنه، حتى يسلم المجتمع من كيد أولئك الشاذِّين المُنحرفين، ردَّ اللهُ الجميعَ إلى الخيرِ إنه على كُلِّ شيء قديرٌ.
ربَّنا إغفِرْ لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعلْ في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ، ربَّنا ظلمنا أنفُسَنا وإن لم تغفرْ لنا وترحمْنا لنكونَنَّ من الخاسرين، اللّهمّ أنت اللهُ، لا إله إلا أنت، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراءُ، أنزِلْ علينا الغيثَ، واجعلْ ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللّهمّ أنت اللهُ، لا إله إلا أنت أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراءُ، أنزِلْ علينا الغيثَ، واجعلْ ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين اللَّهمَّ أَغِثْنَا، اللهمَّ أَغِثْنا، اللهمَّ أغثنا، اللهم سُقْيَا رحمةٍ، لا سُقْيا بلاءٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ.ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
عبادَ اللهِ، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90] ؛ فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكُم، واشكروه على عمومِ نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

استمـاع (http://af.org.sa/archive/menbar_daawah/al-shiek/1431-4-10.ram) – حفـظ (http://af.org.sa/page.php?pg=media_desc&media_id=1086&cat_id=57)