أبو بكر يوسف لعويسي
15-Jan-2013, 01:54 PM
المحجة العلمية في بيان معنى الحشوية والرد على من رمى به الفرقة الناجية المرضية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، إلى يوم الدين.
أما بعد :
يعد هذا اللقب [الحشوية ] من أكثر الألقاب ذيوعا وورودا في كتب مخالفي أهل السنة أتباع السلف الصالح ، وذلك لكثرة الفرق التي رمت أهل السنة به ، فلا أدرى أهو مما تواصوا به أم تشابهت قلوبهم ، فاتفقت أقوالهم على وصم ووصف أهل السنة والأثر به ؟ولم يكتف أولئك المنحرفون المخرفون عن الصراط المستقيم والطريق القويم بذلك الغي والضلال الذي أثقلوا عقولهم به ، ليصدوا عن أنفسهم ردود أهل الحق عليهم؛ لا، ولكنهم اتهموا أهل السنة أتباع السلف الصالح في القديم والحديث بشتى الألقاب التي هم أحق بها وأهلها ، منها هذا اللقلب الذي نحن بصدد بيانه ،وسأذكر طائفة من أقوال الفرق التي رمت أهل السنة به ، ثم أرد عليهم بكلام أهل العلم ليحق الحق ويزهق الباطل.
والتاريخ يعيد نفسه ، فما أشبه الليلة بالبارحة ، فأولئك المبتدعة سلسلة ظالمٌ أهلها ، ابتدأت من المعتزلة الضلال الأُوَلِ .. ثم لم يخب أوارها إلى هذه الساعة .. فتلقفها طائفة من الجهال من أراذل العصر من أهل السخافات ، وأصبحوا يكررونها في كل محفل ومناسبة ليغرروا بها ذوي العقول القاصرة ، ويبهروا ذوي الأنظار الضعيفة الذين يظنون أن كل شيء يلمع هو ذهب، والأمر ليس كذلك ، فالذهب ذهب ولو كان في التراب ، والسلفي سلفي ولو عصفت به الرياح من كل باب .
فلما رأيت ذلك التغرير بكثرة التكرير ، بكل بصير وضرير ، وارتفع صوت التهويل والتضليل، والتجهيل والتقويل ، واستجاب له صوت الكثير بالتكبير والتهليل ، ترشح عندي لزوم بيان ذلك بالدليل اليسير والقليل ، لعله يكون كافيا لمن اتبع الرسول وخاف الجليل فرجع إلى منهج السلف وترك التأويل والتحريف والتعطيل ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
وإليك أخي القارئ جملة من أقوالهم كما وعدتك والرد عليها ، ولكن بعد أن أذكر لك معنى ذلك اللفظ [الحشوية ] لغة واصطلاحا حتى تعرف من هو الذي أحق بذلك اللقب القبيح ؟.
أما لغة : فالحشو: هو أن يودع الشيء وعاء باستقصاء، يقال: حشوته أحشوه حشوا ... ويقال : فلان من حشوة بني فلان أي : من رذالهم ، وإنما قيل ذلك لأن الذي تحشى به الأشياء لا يكون من أفخر المتاع بل أدونه .معجم مقاييس اللغة لابن فارس [ج2/ص74].
وقال في اللسان[ج3/ 180] : والحشو من الكلام : الفضل الذي لايعتمد عليه ، وكذلك هو من الناس ، وحشوة الناس رذالتهم .. وفلان من حشوة بني فلان بالكسر : أي من رذالهم .
وفي المعجم الوسيط (1/177)(الحشو ) ما يحشى به الشيء ومن الناس الذي لا يعتمد عليه ومن الكلام الفضل الذي لا خير فيه ومن الناس رذالتهم ويقال ما أكثر حشوة أرضه ما فيها من دغلها ( الحشوية ) نسبة إلى الحشو أو الحشا طائفة تمسكوا بالظواهر وذهبوا إلى التجسيم وغيره.
وفي تهذيب اللغة [5/90] للأزهري والحَشْوُ من الكلام الفضْل الذي لا يُعتَمد عليه . والحَشْوُ من النّاس الذين لا يُعتدُّ بهم .
وفي أساس البلاغة (1/45http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gifلأبي القاسم محمود الزمخشري : ونبتت لبني فلان نابتة: نشأ لهم نشأٌ صغار، وإنّ بني فلان لنابتة شرّ، وهذا قول النابتة والنوابت وهم الحشوية.ونقلها عنه الزبيدي في تاج العروس (5/113) فقال: وفي الأَساس : النَّوابِتُ طائِفَةٌ من الحَشْوِيَّة أَي أَنهم أَحْدَثُوا بِدَعاً غَرِيبةً في الإِسلام ، قال شيْخُنا : وللجاحِظِ فيهم رِسالةٌ قَرَنَهُم فيها بالرَّافِضَةِ .
وفي اصطلاح عند من أطلقه يراد به أحد المعاني الآتية :
1 - يراد به العامة الذين هم حشو الناس. ورذالتهم وجمهورهم ، وهم غير الأعيان والمتميزين(1). وهم عند الشيعة والروافض السواد الأعظم من هذه الأمة ، كما جاء في فرق الشيعة : للنوبختي(2).حيث نبز كل من لم يقل بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الحشو :
وهذا كلامه :<< ..فلما قتل علي رضي الله عنه – التفت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت مع طلحة والزبير وعائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان ؛ إلا القليل منهم من شيعته ومن قال بإمامته بعد النبي صلى الله عليه وسلم – وهم السواد الأعظم وأهل الحشو واتباع الملوك وأعوان كل من غلب ؛ أعني الذين التقوا مع معاوية ...>>أنظر إليه كيف يصف الصحابة بأنهم أهل حشو .. عليه من الله ما يستحق.
2 – يراد به : رواة الأحاديث من غير تمييز لصحيحها من سقيمها : قال ابن الوزير :(3) فإن الحشوية إنما سموا بذلك ؛ لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أي يدخلونها فيها وليست منها .
قال : نشوان الحميري في كتابه الحور العين( 1/60) :وسميت الحشوية: حشوية، لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه.
قلت:كأنهم لا يعرفون ما يحدثون به..وقد بين ابن الوزير براءة أهل الحديث والسنة من هذا اللقب فقال : [.. فأكثر عامة المسلمين لا يدرون من الحشوية ؟ ولا يعرفون أن هذه النسبة غير مرضية ... ومن كان له أدنى عرف أنّ نقاد الحديث وأئمة الأثر هم أعداء الحشوية وأكره الناس لهذه الطائفة الغوية .
3 – يراد به التجسيم : كما نقل التهاوني عن السبكي أنهم سموا بذلك لأن منهم المجسمة أو هم أنفسهم . والجسم حشو .
وقال ابن أبي الحديد في نهج البلاغة :( 1/1223)وأصل ضلالة الحشوية التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل حيث قالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملا بظواهر النصوص .
وقال في شرح نهج البلاغة( 3/237):وقالت السالمية وبعض الحشوية : إن الكفار يرونه يوم القيامة ، وهو قول محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ذكر ذلك عنه محمد بن الهيصم .
وقال أيضا:( 6/404) واعلم أن هذا الفصل يمكن أن تتعلق به الحشوية المانعون من تأويل الآيات الواردة في الصفات ، القائلين بالجمود على الظواهر .
ونسب ابن القيم لجهلة الجهمية أنهم لقبوا أهل السنة بذلك لأنهم بزعمهم – جعلوا ربهم حشو هذا الكون بإثباتهم له صفة الفوقية والاستواء ؛ وأنه في السماء [4] .
فهذه المعاني الثلاثة أو أحدها هي المسوغات التي اعتبرها مخالفوا أهل السنة أتباع السلف الصالح ، وهم ينبزونهم بهذا اللقب الجائر القبيح .فعند الرافضة كل من لم يقل بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حشوي ،وعند المعتزلة كل من أثبت الصفات ، وأثبت القدر فهو من حشو الناس، وعند الأشاعرة والماتريدية والشيعة كل من أثبت الصفات الخبرية ولم يؤولها ويصرفها عن ظاهرها فهو حشوي ، وتوقف عند ظواهر النصوص من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل ولا تكييف وإليك بعض أقوالهم .
المعتزلة : وهم أول من تولى كبر ذلك ، إذ أول من عرف أنه تكلم في الإسلام بهذا اللفظ هو عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة حيث قال : يصف بعض الصحابة بذلك : < كان ابن عمر حشويا ..> قال ابن العماد في ترجمته : وكانت له جرأة فإنه قال : عن ابن عمر : هو حشوي . قال : فانظر هذه الجرأة والافتراء عامله الله بعدله [5].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مجموع الفتاوى [3/185]: هَذَا اللَّفْظُ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ ، فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ الْحَشْوَ ، كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ ، وَحَشْوُ النَّاسِ : هُمْ عُمُومُ النَّاسِ وَجُمْهُورُهُمْ وَهُمْ غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزِينَ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ حَشْوِ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ هَذَا مِنْ جُمْهُورِهِمْ . وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، وَقَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَشْوِيًّا.
ونقله عنه الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه معجم المناهي اللفظية ومعه فوائد في الألفاظ (7/9) ثم عقب عليه بقوله : فانظر إلى هذه الجسارة الخبيثة في قولة المعتزلي عمرو بن عبيد في حق إمام من أئمة الهدى الصحابي عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - وما تزال سلسلة الفساد يجترها المرضى بفساد الاعتقاد يطلقون عباراتهم الفجة في حق أهل السنة والجماعة فيلقبونهم بالحشوية وينبزونهم . والله الموعد .
وذكر ابن جرير الطبري عن الخليفة العباسي المأمون الذي تبنى قول المعتزلة في خلق القرآن الكريم أنه نبز مخالفيه بأنهم حشو رعاع فقال : في كتابه إلى إسحاق بن إبراهيم الخزاعي في امتحان القضاة والمحدثين : [[.. وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ..]](6).
وهاهو القاضي عبد الجبار رأس من رؤوس المعتزلة يقول : في كتابه شرح الأصول الخمسة : [[ فقد ذهبت الحشوية والنوابت من الحنابلة إلى أن هذا القرآن المتلو في المحاريب والمكتوب في المصاحف غير مخلوق ولا محدث ..]](7). وقال:[[ .. ولسنا نقول في الصراط ما يقوله الحشوية من أن ذلك أدق من الشعر وأحد من السيف ]](http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gif.
ونقل عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (6/334) قوله :" لا نعلم خلافا بين أهل النظر في ذلك إلا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا بمكلفين.
الرافضة والشيعة : قد تقدم نقل كلام النوبختي في ذلك ،وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وهذا كلام أحمد بن حمدان بن أبي حاتم الرازي قال: ومن ألقابهم أي – أهل السنة الحشوية – حشوية لقبوا بذلك ؛ لاحتمالهم كل حشو روي من الأحاديث المختلفة المتناقضة .. حتى قال فيهم بعض المحلدين : يروون أحاديث ثم يروون نقيضها ، ولروايتهم أحاديث كثيرة مما أنكره عليهم أصحاب الرأي وغيرهم من الفرق في التشبيه وغير ذلك ..فلقبوهم الحشوية بذلك (9).
ويقصد بقوله : من الفرق في التشبيه أحاديث الصفات، وأهل السنة لم يقولوا إلا بما صح عندهم منها فآمنوا به واعتقدوا ما دل عليه ، وماأنكر ذلك عليهم إلا معروف ببدعة أو هوى ، أو ساذج مغفل لم يعرف القصد من هذا المعنى.
الأشاعرة : فقد تلقوا هذه التركة الموروثة عن المعتزلة ، فتراهم يتابعونهم على ما درجوا عليه من نبز أهل السنة والأثر بهذا اللقب الجائر القبيح،وهذه بعض أقوالهم.
قال إمامهم أبو المعالي الجويني : وذهب الكرامية وبعض الحشوية إلى أن الباري تعالى متحيز مختص بجهة فوق ... (10). قلت : ولا أدري كيف فهم بلغ في العلم مبلغا حتى لقب بإمام الحرمين قول الله تعالى {{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}} (50) النحل . وقوله تعالى :{{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ..}}(10) فاطر .
ولا أدري إلى أي جهة كان المسكين يرفع يديه بالدعاء ، فربما كان لا يرفعهما إطلاقا خوفا من الوقوع في الجهة ، فإنه بأي جهة ولاهما أثبت الجهة وناقض نفسه .وأهل السنة لا يقولون بأي جهة وإنما قولهم أن الله في جهة العلو الطلق ، أي الفوقية المطلقة دون تحديد أو تجسيم .
وقصد بالحشوية من أثبت الفوقية لله عز وجل ، وهم أهل السنة والحديث أتباع السلف الصالح، وإن أهل السنة والحديث لم ينطقوا بلفظ التحيز والجهة نفيا ولا إثباتا كما هو منهجهم ، وإنما أثبتوا لله ما أثبته لنفسه من الفوقية ، كما في قوله تعالى الآنف الذكر {{ يخافون ربهم من فوقهم ..}} .
وهذا إمامهمالثاني أبو حامد الغزالي : فقد جعل من أثبت رؤية الله عز وجل في جهة حشويا (11).
الآمدي : حيث قال: [[ .. وبهذا يتبين فساد قول الحشوية : إن الإيمان هو : التصديق بالجنان ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان ...]] [12]. فقد عدّ من قال بقول أهل السنة في الإيمان حشويا .
الماتريدية :وهي صنو الأشعرية وشريكتها في إرث تركة المعتزلة ، ورمي أهل السنة بألقاب السوء ، وها هو شيخ الماتريدية ومؤسسها الأول أبو منصور الماتريدي يصم ويصف من يعدُ الأعمال داخلة ٌ في مسمى الإيمان بأنه حشوي . فيقول في تعريف الإرجاء : ثم اختلف في المعنى الذي سمي به من سمي مرجئا بعد اتفاق أهل اللسان على الإرجاء أنه التأخير ..
فقالت الحشوية : سميت المرجئة بما لم يسموا كل الخيرات إيمانا .. (13).
الخوارج : نسب ذلك إليهم الإمام أحمد بن حنبل فقال في كتاب السنة :في معرض حديثه عما أحدثه أهل الأهواء والبدع والخلاف من أسماء شنيعة قبيحة سموا بها أهل السنة : فقال– رحمه الله -: وأما الخوارج فيسمون أهل السنة : نابتة وحشوية .
وللرد على من ينبز أهل السنة بهذا اللقب ويتكرر على لسانهم ذلك نقول:
1 - إن هذا اللقب لقب مبتدع ما أنزل الله به من سلطان ، فليس هو في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نطق به أحد من سلف الأمة وأئمتها المرضيين نفيا ولا إثباتا ، فالذم به ذمٌ للناس بأسماءٍ ما أنزل الله بها من سلطان بل هو من قبيل التنابز بالألقاب المنهي عنه(14) .
2 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله - في منهاج السنة (2/309):إن الطائفة إنما تتميز باسم رجالها أو بنعت أحوالها فالأول كما يقال النجدات والأزارقة والجهمية والنجارية والضرارية ونحو ذلك ، والثاني كما يقال الرافضة والشيعة والقدرية والمرجئة والخوارج ، ونحو ذلك ، فأما لفظ الحشوية فليس فيه ما يدل على شخص معين ولا مقالة معينة فلا يدري من هم هؤلاء .
قلت: كما يقال أيضا : الجهمية ، نسبة للجهم بن صفوان ، والكلابية نسبة لابن كلاب ، والأشعرية نسبة للأشعري .. والثاني : كما يقال : الرافضة لرفضهم زيد بن علي ، ولكل من رفض إمامة الشيخين رافضي ،والشيعة أعم من ذلك ، والقدرية لقولهم بالقدر ، والمرجئة لقولهم بالإرجاء في الإيمان ، وأهل الأثر والحديث ، لأخذهم بحديث رسول الله واتباعهم لسنته ولآثاره ، والسلفيين لاتباعهم منهج السلف الصالح والوقوف عند فهمهم للنصوص الوحي، وعلى هذا جرت السنة عند أهل العلم من السلف والخف ، أما لفظ الحشوية فهو اصطلاح مولد لشيء لم يوجد في طوائف أهل السنة من هو كذلك ، فليس فيه ما يدل على شخص معين ولا مقالة معينة كما قال شيخ الإسلام [15].
3 - أنكم نبزتم أهل السنة بهذا اللقب ؛ لأنكم بزعمكم أنهم يروون الأحاديث بلا تمييز ولا إنكار . وهذا خلاف الواقع ، فإن أهل الحديث والسنة هم أسعد الناس بحديث رسول الله ، وهم الذين اختصوا بالذب عن السنة ، وميزوا صحيحها من سقيمها ، ثم إنكم أيها المخالفون المبتدعون أحق بهذا اللقب ، ولنترك القراء الكرام العقلاء من كل الطوائف يحكمون من هو أحق بهذا اللقب القبيح ؟ فأنتم تستشهدون لمذهبكم بما يؤيده من الأحاديث وإن كان ضعيفا أو موضوعا عند أهل الحديث ، ولكنكم تحشون أقوالكم ومصنفاتكم بالكلام الذي لا تعرف صحته ، بل يعرف بطلانه لمخالفته لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذه أقوالكم مطابقة لما عليه تلك الفرق المخالفة لأهل السنة ، فبان بهذا أنكم أحق بهذا اللقب القبيح من المتمسكين بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم .
4 - أما معنى التجسيم الذي نبزتم أهل السنة بالحشو لأجله ، فإنه ليس في قول أهل السنة تجسيم ، وهذه كتبهم ومصنفاتهم التي نقلوا فيها عن الصحابة والتابعين ليس فيها ذلك ، فأين تجدون ذلك في مسطورا عليهم ، وغاية ما عندهم أنهم إنما أثبتوا لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات ، مع نفي المشابهة والمماثلة للمخلوقات ، ثم إن لفظ التجسيم عندهم من الألفاظ المبتدعة فلم ينطقوا به نفيا ولا إثباتا .فهاتوا برهانكم على دعواكم إن كنتم صادقين .
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله - الفتاوى (3/185)وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ إلَى مَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ : قَالَ الشَّيْخُ الْمُقَدَّمُ فِيهِمْ لَا رَيْبَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إمَامٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَمِنْ أَكْبَرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ قَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أُنَاسٌ ابْتَدَعُوا أَشْيَاءَ .
فَقُلْت : أَمَّا هَذَا فَحَقٌّ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ أَحْمَدَ بَلْ مَا مِنْ إمَامٍ إلَّا وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أَقْوَامٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ قَدْ انْتَسَبَ إلَى مَالِكٍ أُنَاسٌ مَالِكٌ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَانْتَسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَانْتَسَبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَقَدْ انْتَسَبَ إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، وَانْتَسَبَ إلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، وَقَدْ انْتَسَبَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَنَبِيُّنَا قَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مَنْ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُنَافِقِينَ مَنْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ . وَذَكَرَ فِي كَلَامِهِ ، أَنَّهُ انْتَسَبَ إلَى أَحْمَدَ نَاسٌ مِنْ الْحَشْوِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ . فَقُلْت : الْمُشَبِّهَةُ وَالْمُجَسِّمَةُ فِي غَيْرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِيهِمْ ، هَؤُلَاءِ أَصْنَافُ الْأَكْرَادِ كُلُّهُمْ شَافِعِيَّةٌ وَفِيهِمْ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ مَا لَا يُوجَدُ فِي صِنْفٍ آخَرَ وَأَهْلُ جِيلَانَ فِيهِمْ شَافِعِيَّةٌ وَحَنْبَلِيَّةٌ . قُلْت : وَأَمَّا الْحَنْبَلِيَّةُ الْمَحْضَةُ فَلَيْسَ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي غَيْرِهِمْ . وَكَانَ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ أَنَّ الكَرَّامِيَة الْمُجَسِّمَةَ كُلَّهُمْ حَنَفِيَّةٌ وَتَكَلَّمْت عَلَى لَفْظِ الْحَشْوِيَّةِ - مَا أَدْرِي جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِ جَوَابٍ - فَقُلْت : هَذَا اللَّفْظُ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ ، فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ الْحَشْوَ ، كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ ، وَحَشْوُ النَّاسِ : هُمْ عُمُومُ النَّاسِ وَجُمْهُورُهُمْ وَهُمْ غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزِينَ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ حَشْوِ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ هَذَا مِنْ جُمْهُورِهِمْ . وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، وَقَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَشْوِيًّا : فَالْمُعْتَزِلَةُ سَمَّوْا الْجَمَاعَةَ حَشْوًا كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ . وَقُلْت - لَا أَدْرِي فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي - أَوَّلُ مَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ جِسْمٌ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ الرافضي . وَقُلْت لِهَذَا الشَّيْخِ : مَنْ فِي أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَشْوِيٌّ بِالْمَعْنَى الَّذِي تُرِيدُهُ ؟ الْأَثْرَمُ أَبُو دَاوُد المروذي الْخَلَّالُ ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ بْنُ حَامِدٍ ، الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى ، أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ عَقِيلٍ ؟ وَرَفَعْت صَوْتِي وَقُلْت : سَمِّهِمْ قُلْ لِي مِنْهُمْ ؟ مَنْ هُمْ ؟ . أَبِكَذِبِ ابْنِ الْخَطِيبِ وَافْتِرَائِهِ عَلَى النَّاسِ فِي مَذَاهِبِهِمْ تَبْطُلُ الشَّرِيعَةُ وَتَنْدَرِسُ مَعَالِمُ الدِّينِ ؟
5 – أنه ينبغي أن ينظر في الموسومين بهذا الاسم وفي الواسمين لهم به أيهما أحق به، وقد علم أن هذا الاسم مما اشتهر عن النفاة ممن هم مظنة الزندقة ، كما ذكر العلماء – كأبي حاتم -رحمه الله - وغيره .. أن علامة الزنادقة تسميتهم لأهل الحديث حشوية (16).
ويكفي أن نعرف أن أول الواسمين به هو عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة كما تقدم ، وأن أول الموسومين به هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل ،والصحابة أيضا كما في وصف ذلكم الشيعي ، ثم أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة رحمه الله ، لتعلم منزلة الواسم والموسوم .
فتبين بهذا أن القوم يرتضون قول المعتزلة والرافضة ؛ والزنادقة ؛ والفرق الأخرى التي تبنته ونطقت به في طعنها على أهل السنة أتباع السلف الصالح . ويصفون به أهل السنة وعلى رأسهم الإمام أحمد الذي نسب إليه بعضهم التأويل دون نظر ولا تحقيق في المسألة .
قال الشيخ خليل هراس في شرح النونية لابن القيم(17): فهذا عمرو بن عبيد رأس في البدعة والاعتزال ، وعبد الله بن عمر صحابي ابن صحابي ، من أكثر الصحابة رواية وحفظا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك نقم عليه ابن عبيد ، وعده حشويا لكثرة روايته ؛ لأن المعتزلة أعداء الحديث والأثر ، والإمام أحمد هو من هو في الإمامة والتقدم في العلم والسنة .
ثم ورث كلا من الواسم والموسوم أتباعه ومن على منهجه ، فورث عمرو بن عبيد في نبز أهل السنة بهذا اللقب ، أهل البدعة والخلاف ، وورث عبد الله بن عمر والأمام أحمد أهل السنة والجماعة وأنى يستوى الإرثان، هذا إرث هدى وسنة ، وذاك إرث ضلالة وبدعة .فانظروا لأنفسكم أيها الأرذال الجهال أي الإرثين ورثتم .
وكتب: أبو بكر يوسف لعويسي .
الحواشي :
1 - انظر منهاج السنة لابن تيمية [ج2/ 415-416].
2 – كتاب فرق الشيعة [ ص06]طبع استانبول931 م.
3 - انظر الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم [ج1/120].
4 - كشاف اصطلاحات الفنون [ج2/167] محمد علي الفاروقي ، تحقيق د . لطفي عبد البديع .
5- شذرات الذهب في أخبار من ذهب [ج1/221].
6 - تاريخ الأمم والملوك [ج8/632] بتحقيق أبي الفضل إبراهيم .
7 - [ص527].
8 - [ص737].
9 - كتاب الزينة ملحق بكتاب الغلو والفرق الغالية : للدكتور عبد الله سلوم السامرائي [ص267].
10 - الإرشاد [ص39].
11 - انظر الاقتصاد [ص48].
12 - انظر غاية المرام في علم الكلام بتحقيق حسن محمود عبد اللطيف [ص311 ] .
13 - كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي [ص381] بتحقيق د. فتح الله خليف ، المكتبة الإسلامية تركيا .
14 - انظر ابن تيمية ، الفتاوى [ج4/146].
15 - انظر منهاج السنة لابن تيمية :[ج2/ 414] بتصرف .
16 - انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية [ج4/ 88].
17 - [ج1/ص335].
والحمد لله رب العالمين .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، إلى يوم الدين.
أما بعد :
يعد هذا اللقب [الحشوية ] من أكثر الألقاب ذيوعا وورودا في كتب مخالفي أهل السنة أتباع السلف الصالح ، وذلك لكثرة الفرق التي رمت أهل السنة به ، فلا أدرى أهو مما تواصوا به أم تشابهت قلوبهم ، فاتفقت أقوالهم على وصم ووصف أهل السنة والأثر به ؟ولم يكتف أولئك المنحرفون المخرفون عن الصراط المستقيم والطريق القويم بذلك الغي والضلال الذي أثقلوا عقولهم به ، ليصدوا عن أنفسهم ردود أهل الحق عليهم؛ لا، ولكنهم اتهموا أهل السنة أتباع السلف الصالح في القديم والحديث بشتى الألقاب التي هم أحق بها وأهلها ، منها هذا اللقلب الذي نحن بصدد بيانه ،وسأذكر طائفة من أقوال الفرق التي رمت أهل السنة به ، ثم أرد عليهم بكلام أهل العلم ليحق الحق ويزهق الباطل.
والتاريخ يعيد نفسه ، فما أشبه الليلة بالبارحة ، فأولئك المبتدعة سلسلة ظالمٌ أهلها ، ابتدأت من المعتزلة الضلال الأُوَلِ .. ثم لم يخب أوارها إلى هذه الساعة .. فتلقفها طائفة من الجهال من أراذل العصر من أهل السخافات ، وأصبحوا يكررونها في كل محفل ومناسبة ليغرروا بها ذوي العقول القاصرة ، ويبهروا ذوي الأنظار الضعيفة الذين يظنون أن كل شيء يلمع هو ذهب، والأمر ليس كذلك ، فالذهب ذهب ولو كان في التراب ، والسلفي سلفي ولو عصفت به الرياح من كل باب .
فلما رأيت ذلك التغرير بكثرة التكرير ، بكل بصير وضرير ، وارتفع صوت التهويل والتضليل، والتجهيل والتقويل ، واستجاب له صوت الكثير بالتكبير والتهليل ، ترشح عندي لزوم بيان ذلك بالدليل اليسير والقليل ، لعله يكون كافيا لمن اتبع الرسول وخاف الجليل فرجع إلى منهج السلف وترك التأويل والتحريف والتعطيل ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
وإليك أخي القارئ جملة من أقوالهم كما وعدتك والرد عليها ، ولكن بعد أن أذكر لك معنى ذلك اللفظ [الحشوية ] لغة واصطلاحا حتى تعرف من هو الذي أحق بذلك اللقب القبيح ؟.
أما لغة : فالحشو: هو أن يودع الشيء وعاء باستقصاء، يقال: حشوته أحشوه حشوا ... ويقال : فلان من حشوة بني فلان أي : من رذالهم ، وإنما قيل ذلك لأن الذي تحشى به الأشياء لا يكون من أفخر المتاع بل أدونه .معجم مقاييس اللغة لابن فارس [ج2/ص74].
وقال في اللسان[ج3/ 180] : والحشو من الكلام : الفضل الذي لايعتمد عليه ، وكذلك هو من الناس ، وحشوة الناس رذالتهم .. وفلان من حشوة بني فلان بالكسر : أي من رذالهم .
وفي المعجم الوسيط (1/177)(الحشو ) ما يحشى به الشيء ومن الناس الذي لا يعتمد عليه ومن الكلام الفضل الذي لا خير فيه ومن الناس رذالتهم ويقال ما أكثر حشوة أرضه ما فيها من دغلها ( الحشوية ) نسبة إلى الحشو أو الحشا طائفة تمسكوا بالظواهر وذهبوا إلى التجسيم وغيره.
وفي تهذيب اللغة [5/90] للأزهري والحَشْوُ من الكلام الفضْل الذي لا يُعتَمد عليه . والحَشْوُ من النّاس الذين لا يُعتدُّ بهم .
وفي أساس البلاغة (1/45http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gifلأبي القاسم محمود الزمخشري : ونبتت لبني فلان نابتة: نشأ لهم نشأٌ صغار، وإنّ بني فلان لنابتة شرّ، وهذا قول النابتة والنوابت وهم الحشوية.ونقلها عنه الزبيدي في تاج العروس (5/113) فقال: وفي الأَساس : النَّوابِتُ طائِفَةٌ من الحَشْوِيَّة أَي أَنهم أَحْدَثُوا بِدَعاً غَرِيبةً في الإِسلام ، قال شيْخُنا : وللجاحِظِ فيهم رِسالةٌ قَرَنَهُم فيها بالرَّافِضَةِ .
وفي اصطلاح عند من أطلقه يراد به أحد المعاني الآتية :
1 - يراد به العامة الذين هم حشو الناس. ورذالتهم وجمهورهم ، وهم غير الأعيان والمتميزين(1). وهم عند الشيعة والروافض السواد الأعظم من هذه الأمة ، كما جاء في فرق الشيعة : للنوبختي(2).حيث نبز كل من لم يقل بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الحشو :
وهذا كلامه :<< ..فلما قتل علي رضي الله عنه – التفت الفرقة التي كانت معه والفرقة التي كانت مع طلحة والزبير وعائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان ؛ إلا القليل منهم من شيعته ومن قال بإمامته بعد النبي صلى الله عليه وسلم – وهم السواد الأعظم وأهل الحشو واتباع الملوك وأعوان كل من غلب ؛ أعني الذين التقوا مع معاوية ...>>أنظر إليه كيف يصف الصحابة بأنهم أهل حشو .. عليه من الله ما يستحق.
2 – يراد به : رواة الأحاديث من غير تمييز لصحيحها من سقيمها : قال ابن الوزير :(3) فإن الحشوية إنما سموا بذلك ؛ لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أي يدخلونها فيها وليست منها .
قال : نشوان الحميري في كتابه الحور العين( 1/60) :وسميت الحشوية: حشوية، لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتشبيه.
قلت:كأنهم لا يعرفون ما يحدثون به..وقد بين ابن الوزير براءة أهل الحديث والسنة من هذا اللقب فقال : [.. فأكثر عامة المسلمين لا يدرون من الحشوية ؟ ولا يعرفون أن هذه النسبة غير مرضية ... ومن كان له أدنى عرف أنّ نقاد الحديث وأئمة الأثر هم أعداء الحشوية وأكره الناس لهذه الطائفة الغوية .
3 – يراد به التجسيم : كما نقل التهاوني عن السبكي أنهم سموا بذلك لأن منهم المجسمة أو هم أنفسهم . والجسم حشو .
وقال ابن أبي الحديد في نهج البلاغة :( 1/1223)وأصل ضلالة الحشوية التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل حيث قالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملا بظواهر النصوص .
وقال في شرح نهج البلاغة( 3/237):وقالت السالمية وبعض الحشوية : إن الكفار يرونه يوم القيامة ، وهو قول محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ذكر ذلك عنه محمد بن الهيصم .
وقال أيضا:( 6/404) واعلم أن هذا الفصل يمكن أن تتعلق به الحشوية المانعون من تأويل الآيات الواردة في الصفات ، القائلين بالجمود على الظواهر .
ونسب ابن القيم لجهلة الجهمية أنهم لقبوا أهل السنة بذلك لأنهم بزعمهم – جعلوا ربهم حشو هذا الكون بإثباتهم له صفة الفوقية والاستواء ؛ وأنه في السماء [4] .
فهذه المعاني الثلاثة أو أحدها هي المسوغات التي اعتبرها مخالفوا أهل السنة أتباع السلف الصالح ، وهم ينبزونهم بهذا اللقب الجائر القبيح .فعند الرافضة كل من لم يقل بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حشوي ،وعند المعتزلة كل من أثبت الصفات ، وأثبت القدر فهو من حشو الناس، وعند الأشاعرة والماتريدية والشيعة كل من أثبت الصفات الخبرية ولم يؤولها ويصرفها عن ظاهرها فهو حشوي ، وتوقف عند ظواهر النصوص من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل ولا تكييف وإليك بعض أقوالهم .
المعتزلة : وهم أول من تولى كبر ذلك ، إذ أول من عرف أنه تكلم في الإسلام بهذا اللفظ هو عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة حيث قال : يصف بعض الصحابة بذلك : < كان ابن عمر حشويا ..> قال ابن العماد في ترجمته : وكانت له جرأة فإنه قال : عن ابن عمر : هو حشوي . قال : فانظر هذه الجرأة والافتراء عامله الله بعدله [5].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مجموع الفتاوى [3/185]: هَذَا اللَّفْظُ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ ، فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ الْحَشْوَ ، كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ ، وَحَشْوُ النَّاسِ : هُمْ عُمُومُ النَّاسِ وَجُمْهُورُهُمْ وَهُمْ غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزِينَ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ حَشْوِ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ هَذَا مِنْ جُمْهُورِهِمْ . وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، وَقَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَشْوِيًّا.
ونقله عنه الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه معجم المناهي اللفظية ومعه فوائد في الألفاظ (7/9) ثم عقب عليه بقوله : فانظر إلى هذه الجسارة الخبيثة في قولة المعتزلي عمرو بن عبيد في حق إمام من أئمة الهدى الصحابي عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - وما تزال سلسلة الفساد يجترها المرضى بفساد الاعتقاد يطلقون عباراتهم الفجة في حق أهل السنة والجماعة فيلقبونهم بالحشوية وينبزونهم . والله الموعد .
وذكر ابن جرير الطبري عن الخليفة العباسي المأمون الذي تبنى قول المعتزلة في خلق القرآن الكريم أنه نبز مخالفيه بأنهم حشو رعاع فقال : في كتابه إلى إسحاق بن إبراهيم الخزاعي في امتحان القضاة والمحدثين : [[.. وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ..]](6).
وهاهو القاضي عبد الجبار رأس من رؤوس المعتزلة يقول : في كتابه شرح الأصول الخمسة : [[ فقد ذهبت الحشوية والنوابت من الحنابلة إلى أن هذا القرآن المتلو في المحاريب والمكتوب في المصاحف غير مخلوق ولا محدث ..]](7). وقال:[[ .. ولسنا نقول في الصراط ما يقوله الحشوية من أن ذلك أدق من الشعر وأحد من السيف ]](http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gif.
ونقل عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (6/334) قوله :" لا نعلم خلافا بين أهل النظر في ذلك إلا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا بمكلفين.
الرافضة والشيعة : قد تقدم نقل كلام النوبختي في ذلك ،وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وهذا كلام أحمد بن حمدان بن أبي حاتم الرازي قال: ومن ألقابهم أي – أهل السنة الحشوية – حشوية لقبوا بذلك ؛ لاحتمالهم كل حشو روي من الأحاديث المختلفة المتناقضة .. حتى قال فيهم بعض المحلدين : يروون أحاديث ثم يروون نقيضها ، ولروايتهم أحاديث كثيرة مما أنكره عليهم أصحاب الرأي وغيرهم من الفرق في التشبيه وغير ذلك ..فلقبوهم الحشوية بذلك (9).
ويقصد بقوله : من الفرق في التشبيه أحاديث الصفات، وأهل السنة لم يقولوا إلا بما صح عندهم منها فآمنوا به واعتقدوا ما دل عليه ، وماأنكر ذلك عليهم إلا معروف ببدعة أو هوى ، أو ساذج مغفل لم يعرف القصد من هذا المعنى.
الأشاعرة : فقد تلقوا هذه التركة الموروثة عن المعتزلة ، فتراهم يتابعونهم على ما درجوا عليه من نبز أهل السنة والأثر بهذا اللقب الجائر القبيح،وهذه بعض أقوالهم.
قال إمامهم أبو المعالي الجويني : وذهب الكرامية وبعض الحشوية إلى أن الباري تعالى متحيز مختص بجهة فوق ... (10). قلت : ولا أدري كيف فهم بلغ في العلم مبلغا حتى لقب بإمام الحرمين قول الله تعالى {{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}} (50) النحل . وقوله تعالى :{{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ..}}(10) فاطر .
ولا أدري إلى أي جهة كان المسكين يرفع يديه بالدعاء ، فربما كان لا يرفعهما إطلاقا خوفا من الوقوع في الجهة ، فإنه بأي جهة ولاهما أثبت الجهة وناقض نفسه .وأهل السنة لا يقولون بأي جهة وإنما قولهم أن الله في جهة العلو الطلق ، أي الفوقية المطلقة دون تحديد أو تجسيم .
وقصد بالحشوية من أثبت الفوقية لله عز وجل ، وهم أهل السنة والحديث أتباع السلف الصالح، وإن أهل السنة والحديث لم ينطقوا بلفظ التحيز والجهة نفيا ولا إثباتا كما هو منهجهم ، وإنما أثبتوا لله ما أثبته لنفسه من الفوقية ، كما في قوله تعالى الآنف الذكر {{ يخافون ربهم من فوقهم ..}} .
وهذا إمامهمالثاني أبو حامد الغزالي : فقد جعل من أثبت رؤية الله عز وجل في جهة حشويا (11).
الآمدي : حيث قال: [[ .. وبهذا يتبين فساد قول الحشوية : إن الإيمان هو : التصديق بالجنان ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان ...]] [12]. فقد عدّ من قال بقول أهل السنة في الإيمان حشويا .
الماتريدية :وهي صنو الأشعرية وشريكتها في إرث تركة المعتزلة ، ورمي أهل السنة بألقاب السوء ، وها هو شيخ الماتريدية ومؤسسها الأول أبو منصور الماتريدي يصم ويصف من يعدُ الأعمال داخلة ٌ في مسمى الإيمان بأنه حشوي . فيقول في تعريف الإرجاء : ثم اختلف في المعنى الذي سمي به من سمي مرجئا بعد اتفاق أهل اللسان على الإرجاء أنه التأخير ..
فقالت الحشوية : سميت المرجئة بما لم يسموا كل الخيرات إيمانا .. (13).
الخوارج : نسب ذلك إليهم الإمام أحمد بن حنبل فقال في كتاب السنة :في معرض حديثه عما أحدثه أهل الأهواء والبدع والخلاف من أسماء شنيعة قبيحة سموا بها أهل السنة : فقال– رحمه الله -: وأما الخوارج فيسمون أهل السنة : نابتة وحشوية .
وللرد على من ينبز أهل السنة بهذا اللقب ويتكرر على لسانهم ذلك نقول:
1 - إن هذا اللقب لقب مبتدع ما أنزل الله به من سلطان ، فليس هو في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نطق به أحد من سلف الأمة وأئمتها المرضيين نفيا ولا إثباتا ، فالذم به ذمٌ للناس بأسماءٍ ما أنزل الله بها من سلطان بل هو من قبيل التنابز بالألقاب المنهي عنه(14) .
2 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله - في منهاج السنة (2/309):إن الطائفة إنما تتميز باسم رجالها أو بنعت أحوالها فالأول كما يقال النجدات والأزارقة والجهمية والنجارية والضرارية ونحو ذلك ، والثاني كما يقال الرافضة والشيعة والقدرية والمرجئة والخوارج ، ونحو ذلك ، فأما لفظ الحشوية فليس فيه ما يدل على شخص معين ولا مقالة معينة فلا يدري من هم هؤلاء .
قلت: كما يقال أيضا : الجهمية ، نسبة للجهم بن صفوان ، والكلابية نسبة لابن كلاب ، والأشعرية نسبة للأشعري .. والثاني : كما يقال : الرافضة لرفضهم زيد بن علي ، ولكل من رفض إمامة الشيخين رافضي ،والشيعة أعم من ذلك ، والقدرية لقولهم بالقدر ، والمرجئة لقولهم بالإرجاء في الإيمان ، وأهل الأثر والحديث ، لأخذهم بحديث رسول الله واتباعهم لسنته ولآثاره ، والسلفيين لاتباعهم منهج السلف الصالح والوقوف عند فهمهم للنصوص الوحي، وعلى هذا جرت السنة عند أهل العلم من السلف والخف ، أما لفظ الحشوية فهو اصطلاح مولد لشيء لم يوجد في طوائف أهل السنة من هو كذلك ، فليس فيه ما يدل على شخص معين ولا مقالة معينة كما قال شيخ الإسلام [15].
3 - أنكم نبزتم أهل السنة بهذا اللقب ؛ لأنكم بزعمكم أنهم يروون الأحاديث بلا تمييز ولا إنكار . وهذا خلاف الواقع ، فإن أهل الحديث والسنة هم أسعد الناس بحديث رسول الله ، وهم الذين اختصوا بالذب عن السنة ، وميزوا صحيحها من سقيمها ، ثم إنكم أيها المخالفون المبتدعون أحق بهذا اللقب ، ولنترك القراء الكرام العقلاء من كل الطوائف يحكمون من هو أحق بهذا اللقب القبيح ؟ فأنتم تستشهدون لمذهبكم بما يؤيده من الأحاديث وإن كان ضعيفا أو موضوعا عند أهل الحديث ، ولكنكم تحشون أقوالكم ومصنفاتكم بالكلام الذي لا تعرف صحته ، بل يعرف بطلانه لمخالفته لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذه أقوالكم مطابقة لما عليه تلك الفرق المخالفة لأهل السنة ، فبان بهذا أنكم أحق بهذا اللقب القبيح من المتمسكين بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم .
4 - أما معنى التجسيم الذي نبزتم أهل السنة بالحشو لأجله ، فإنه ليس في قول أهل السنة تجسيم ، وهذه كتبهم ومصنفاتهم التي نقلوا فيها عن الصحابة والتابعين ليس فيها ذلك ، فأين تجدون ذلك في مسطورا عليهم ، وغاية ما عندهم أنهم إنما أثبتوا لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات ، مع نفي المشابهة والمماثلة للمخلوقات ، ثم إن لفظ التجسيم عندهم من الألفاظ المبتدعة فلم ينطقوا به نفيا ولا إثباتا .فهاتوا برهانكم على دعواكم إن كنتم صادقين .
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله - الفتاوى (3/185)وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ إلَى مَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ : قَالَ الشَّيْخُ الْمُقَدَّمُ فِيهِمْ لَا رَيْبَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إمَامٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَمِنْ أَكْبَرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ قَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أُنَاسٌ ابْتَدَعُوا أَشْيَاءَ .
فَقُلْت : أَمَّا هَذَا فَحَقٌّ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ أَحْمَدَ بَلْ مَا مِنْ إمَامٍ إلَّا وَقَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أَقْوَامٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ قَدْ انْتَسَبَ إلَى مَالِكٍ أُنَاسٌ مَالِكٌ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَانْتَسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَانْتَسَبَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَقَدْ انْتَسَبَ إلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، وَانْتَسَبَ إلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُنَاسٌ هُوَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ ، وَقَدْ انْتَسَبَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أُنَاسٌ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَنَبِيُّنَا قَدْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مَنْ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُنَافِقِينَ مَنْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ . وَذَكَرَ فِي كَلَامِهِ ، أَنَّهُ انْتَسَبَ إلَى أَحْمَدَ نَاسٌ مِنْ الْحَشْوِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ . فَقُلْت : الْمُشَبِّهَةُ وَالْمُجَسِّمَةُ فِي غَيْرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِيهِمْ ، هَؤُلَاءِ أَصْنَافُ الْأَكْرَادِ كُلُّهُمْ شَافِعِيَّةٌ وَفِيهِمْ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ مَا لَا يُوجَدُ فِي صِنْفٍ آخَرَ وَأَهْلُ جِيلَانَ فِيهِمْ شَافِعِيَّةٌ وَحَنْبَلِيَّةٌ . قُلْت : وَأَمَّا الْحَنْبَلِيَّةُ الْمَحْضَةُ فَلَيْسَ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي غَيْرِهِمْ . وَكَانَ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ أَنَّ الكَرَّامِيَة الْمُجَسِّمَةَ كُلَّهُمْ حَنَفِيَّةٌ وَتَكَلَّمْت عَلَى لَفْظِ الْحَشْوِيَّةِ - مَا أَدْرِي جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِ جَوَابٍ - فَقُلْت : هَذَا اللَّفْظُ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَهُ الْمُعْتَزِلَةُ ، فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ الْحَشْوَ ، كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ ، وَحَشْوُ النَّاسِ : هُمْ عُمُومُ النَّاسِ وَجُمْهُورُهُمْ وَهُمْ غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمُتَمَيِّزِينَ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ حَشْوِ النَّاسِ كَمَا يُقَالُ هَذَا مِنْ جُمْهُورِهِمْ . وَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، وَقَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَشْوِيًّا : فَالْمُعْتَزِلَةُ سَمَّوْا الْجَمَاعَةَ حَشْوًا كَمَا تُسَمِّيهِمْ الرَّافِضَةُ الْجُمْهُورَ . وَقُلْت - لَا أَدْرِي فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي - أَوَّلُ مَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ جِسْمٌ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ الرافضي . وَقُلْت لِهَذَا الشَّيْخِ : مَنْ فِي أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَشْوِيٌّ بِالْمَعْنَى الَّذِي تُرِيدُهُ ؟ الْأَثْرَمُ أَبُو دَاوُد المروذي الْخَلَّالُ ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ بْنُ حَامِدٍ ، الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى ، أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ عَقِيلٍ ؟ وَرَفَعْت صَوْتِي وَقُلْت : سَمِّهِمْ قُلْ لِي مِنْهُمْ ؟ مَنْ هُمْ ؟ . أَبِكَذِبِ ابْنِ الْخَطِيبِ وَافْتِرَائِهِ عَلَى النَّاسِ فِي مَذَاهِبِهِمْ تَبْطُلُ الشَّرِيعَةُ وَتَنْدَرِسُ مَعَالِمُ الدِّينِ ؟
5 – أنه ينبغي أن ينظر في الموسومين بهذا الاسم وفي الواسمين لهم به أيهما أحق به، وقد علم أن هذا الاسم مما اشتهر عن النفاة ممن هم مظنة الزندقة ، كما ذكر العلماء – كأبي حاتم -رحمه الله - وغيره .. أن علامة الزنادقة تسميتهم لأهل الحديث حشوية (16).
ويكفي أن نعرف أن أول الواسمين به هو عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة كما تقدم ، وأن أول الموسومين به هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل ،والصحابة أيضا كما في وصف ذلكم الشيعي ، ثم أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة رحمه الله ، لتعلم منزلة الواسم والموسوم .
فتبين بهذا أن القوم يرتضون قول المعتزلة والرافضة ؛ والزنادقة ؛ والفرق الأخرى التي تبنته ونطقت به في طعنها على أهل السنة أتباع السلف الصالح . ويصفون به أهل السنة وعلى رأسهم الإمام أحمد الذي نسب إليه بعضهم التأويل دون نظر ولا تحقيق في المسألة .
قال الشيخ خليل هراس في شرح النونية لابن القيم(17): فهذا عمرو بن عبيد رأس في البدعة والاعتزال ، وعبد الله بن عمر صحابي ابن صحابي ، من أكثر الصحابة رواية وحفظا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك نقم عليه ابن عبيد ، وعده حشويا لكثرة روايته ؛ لأن المعتزلة أعداء الحديث والأثر ، والإمام أحمد هو من هو في الإمامة والتقدم في العلم والسنة .
ثم ورث كلا من الواسم والموسوم أتباعه ومن على منهجه ، فورث عمرو بن عبيد في نبز أهل السنة بهذا اللقب ، أهل البدعة والخلاف ، وورث عبد الله بن عمر والأمام أحمد أهل السنة والجماعة وأنى يستوى الإرثان، هذا إرث هدى وسنة ، وذاك إرث ضلالة وبدعة .فانظروا لأنفسكم أيها الأرذال الجهال أي الإرثين ورثتم .
وكتب: أبو بكر يوسف لعويسي .
الحواشي :
1 - انظر منهاج السنة لابن تيمية [ج2/ 415-416].
2 – كتاب فرق الشيعة [ ص06]طبع استانبول931 م.
3 - انظر الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم [ج1/120].
4 - كشاف اصطلاحات الفنون [ج2/167] محمد علي الفاروقي ، تحقيق د . لطفي عبد البديع .
5- شذرات الذهب في أخبار من ذهب [ج1/221].
6 - تاريخ الأمم والملوك [ج8/632] بتحقيق أبي الفضل إبراهيم .
7 - [ص527].
8 - [ص737].
9 - كتاب الزينة ملحق بكتاب الغلو والفرق الغالية : للدكتور عبد الله سلوم السامرائي [ص267].
10 - الإرشاد [ص39].
11 - انظر الاقتصاد [ص48].
12 - انظر غاية المرام في علم الكلام بتحقيق حسن محمود عبد اللطيف [ص311 ] .
13 - كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي [ص381] بتحقيق د. فتح الله خليف ، المكتبة الإسلامية تركيا .
14 - انظر ابن تيمية ، الفتاوى [ج4/146].
15 - انظر منهاج السنة لابن تيمية :[ج2/ 414] بتصرف .
16 - انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية [ج4/ 88].
17 - [ج1/ص335].
والحمد لله رب العالمين .