المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين المستعمل والمتأول الشيخ عبد الخالق ماضي وشمس الدين الدعي



أبو عبد الله بلال الجزائري
18-Jan-2013, 10:12 PM
بين المستعمل والمتأول الشيخ عبد الخالق ماضي وشمس الدين الدعي[1]

لأبي عبد السلام عبد الصمد المغنوي



2- المغالطة والتلبيس الثاني في كلام الدعي على الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله: ومما انتقده الدعي على الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله وصفه له بالخبيث حيث قال وهو يذكر كلام الشيخ عبد الخالق حفظه الله: ماذا يقول عني: خبيث. خبيث وربي يقول:"وأحل الله الطيبات وحرم الخبائث" يعني: الخبائث حرام، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول عن الخمر:"أم الخبائث"، كيف أنت مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله تقول عنه خبيث؟.
- والجواب على هذه المغالطة سيكون كالتالي: بالجواب على دليله الذي استدل به، وبالجواب على استنكاره إطلاق وصف الخبيث عليه.
1- الجواب على دليله الذي استدل به:
والكلام على استدلال الدعي يكون بإذن الله من ناحيتين: من ناحية الدليل ومن ناحية الدلالة.
أ- من ناحية الدليل: استدل الدعي على إنكاره وصف الشيخ عبد الخالق حفظه الله له بالخبيث بقول عزاه إلى القرآن الكريم، ونسبه إلى الله رب العالمين وهو:" وأحل الله الطيبات وحرم الخبائث".
واستدلاله بهذا القول يدل على جهله من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الذي استدل به وعزاه إلى القرآن الكريم، ونسبه إلى الله رب العالمين، لا وجود له في كتاب الله، ولا حتى في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا جهل عظيم بكتاب الله ممن يدعي أنه يدعوا إلى الله، بل ممن يزعم أنه أمضى حياته بأكملها داعيا إلى دين الله.
الوجه الثاني: أن استدلاله بهذا القول الذي نسبه إلى ربه، مدعيا أنه من كلامه، وقع منه بأحد سببين اثنين وأحلاهما مر:
الأول: أنه يعتقد بسبب جهله أن هذا الكلام الذي استدل به هو من كلام الله العظيم، وموجود في كتابه الكريم، كما يظن بعض من يشتغل بالدعوة فضلا عن كثير من العوام، أن المقولة التي يستعملها جملة من العلماء والأعلام وهي:" الأقربون أولى بالمعروف" هي من كلام الله، أو من كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، والصحيح أنها لا أصل لها كما نبه على ذلك أئمة الإسلام، وعلماؤه الكرام[2].
الثاني: أن يكون على علم بأن هذا الكلام ليس من كلام الله، ولا هو في كتاب الله، وأن الموجود في كتاب الله جاء بلفظ آخر، وبكلام مغاير، ومع ذلك فهو يذكره بالمعنى، ولا يهتم بالمبنى، فإن كان هذا هو السبب فهو أمر عظيم، وخطب جسيم، لأن ذكر كلام الله بالمعنى دون العناية بالمبنى، لا يجوز بالإجماع[3].
- اعتراض وجوابه: قد يقول القائل أن هذا سبق لسان، وخطأ يمكن أن يقع فيه أي إنسان، والذي كان يريد أن يذكره ويستدل به، هو قول الله تعالى في محكم تنزيله، واصفا به أفضل خلقه وأعظم أنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليه:"وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" سورة الأعراف من الآية 157.
وجواب هذا الاعتراض كالتالي:
أولا: أن سبق اللسان لا يمكن أن يكون بتغيير جملة بأكملها، وإنما قد يكون ذلك في كلمة من كلماتها، أو قد يكون بتلاوة آية مكان أختها، أما أن يُتلى ما ليس في كتاب الله، منسوبا إلى كلام الله، فهذا لا يمكن أن يكون سبق لسان والله المستعان.
ثانيا: أن الكلام الذي ذكره واستدل به، فيه وصف الله بأنه هو الذي يحل الطيبات ويحرم الخبائث، بينما الآية الموجودة في كتاب الله فيها وصف النبي صلوات الله وسلامه عليه بذلك، فكيف يمكن أن يقصد الآية المذكورة وما ذكره يخالفها في المعنى والمبنى، فسبق اللسان قد يكون في المبنى دون المعنى، أو في المعنى دون المبنى، أما أن يكون فيهما معا فهذا ليس بسبق لسان، بل هو الجهل الذي لا يشك فيه إنسان، ولا ينكره إلا متعصب حيران.
ثالثا: وحتى لو قلنا من باب التنزل أن هذا الذي وقع منه من سبق اللسان، الذي لا ينجو منه إنسان، فأين الدلالة في الدليل الذي ساقه، أو حتى الدليل الذي قصده وخانه فيه لسانه، على مراده الذي أراد أن يستدل عليه؟ وهذا ما سيأتي بحثه في النقطة التالية.
ب- من ناحية الدلالة: لاشك أن الدعي إنما ساق هذا الذي نسبه إلى ربه، وزعمه من كلامه، مع الحديث الذي أشار إليه بذكر بعض لفظه، من أجل أن يستدل به على عدم جواز وصف الشيخ له بالخبيث، فما علاقة المحرمات التي حرمها الله وذكر أنها من الخبائث بوصف الشيخ له بالخبيث؟. فهل الدعي من المأكولات أو المشروبات أو المنكوحات أو الأقوال أو الأفعال التي أحلها الله وجعلها من الطيبات حتى يستنكر وصف الشيخ له بالخبيث مستدلا بما ذكره على أن الخبيث محرم؟ أَيُّ علم هذا الذي يرد به الدعي على خصومه، بل قل: أَيُّ تعالم هذا الذي أطل قرنه، وأَيُّ جهل هذا الذي صرنا نسمعه؟.
يوضحه ما قاله علماء التفسير في تفسير الآية التي نفترض أنه قصد الاستدلال بها وهي قول الله تعالى: "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" سورة الأعراف من الآية 157.
- قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقوله:"وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" أي: يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر، والسوائب، والوصائل، والحام، ونحو ذلك، مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم، ويحرم عليهم الخبائث.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: كلحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى.
وقال بعض العلماء: كل ما أحل الله تعالى، فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه، فهو خبيث ضار في البدن والدين..." إلى أن قال:"... وكذا احتج بها من ذهب من العلماء إلى أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها، إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها، وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته. وفيه كلام طويل أيضا" اهـ.
- قال الإمام السعدي رحمه الله في تيسر الكريم الرحمن: فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه:"يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ" من المطاعم والمشارب، والمناكح.
"وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال" اهـ.
فالأدلة في واد ومراده الذي أراد أن يستدل عليه بها في واد آخر فهل من معتبر؟.
- اعتراض وجوابه: قد يقول القائل إنما أراد الدعي بسوقه هذه الأدلة أن يستدل بها على أن الخبيث إنما يطلق على المحرمات من المآكل والمشارب والمناكح لا على الآدميين.
والجواب على هذا أن يقال:
أولا: ليس هذا هو مراده لأنه قال بعد ذلك:"مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله تقول عنه خبيث" فاستنكاره إطلاق هذا الوصف عليه كان من أجل كونه مسلما لا من أجل كونه آدميا فتنبه.
ثانيا: إذا كان هذا المُدَّعَى هو مراده، فهو مما يدل أيضا على جهله، لأن لفظ الخبيث يطلق على الآدميين كما يطلق على الأفعال والأقوال وغير ذلك، ولا بأس من ذكر بعض ما يطلق عليه هذا اللفظ لبيان جهل هذا المتعالم الدعي:
- يوصف به الآدمي ذكورا وإناثا على حد سواء ومنه قول الله تعالى:"الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)"سورة النور.
- ويوصف به الرزق الحرام ومنه قول الله تعالى:"وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)" سورة النساء. وما جاء عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» رواه مسلم.
- ويوصف به الكسب والرزق المكروه ومنه ما جاء عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» رواه مسلم. لأن كسب الحجام مكروه وليس بحرام كما قرر العلماء[4].
- ويوصف به الرديء من المكاسب ومنه قول الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)" سورة البقرة.
- وتوصف به الأقوال المنهي عنها ومنه قول الله تعالى:"وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)" سورة إبراهيم.
- وتوصف به الأعمال المنهي عنها ومنه قول الله تعالى:"وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)" سورة الأنبياء. وما جاء عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا". قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟. قَالَ:"نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ" متفق عليه.
- وتوصف به الشياطين من الذكور والإناث ومنه ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ" متفق عليه.
- وتوصف به بلاد الله وأرضه ومنه قول الله تعالى:" وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)"سورة الأعراف.
- ويوصف به الشيء الكريه الطعم أو الرائحة ومنه ما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا» رواه مسلم.
- وتوصف به شجرة مرة الطعم وهي الحنظل ومنه قول الله تعالى:"وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)" سورة إبراهيم.
- ويوصف به وسخ وقذر الحديد والفضة ومنه ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله. و عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ نُقَاتِلُهُمْ وَفِرْقَةً تَقُولُ لَا نُقَاتِلُهُمْ فَنَزَلَتْ { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } وَقَالَ إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ" رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
- وتوصف به الحزبية المقيتة ومنه ما جاء عن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:"مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ" ثُمَّ قَالَ:"مَا شَأْنُهُمْ؟". فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ" وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" رواه البخاري رحمه الله.
- ويوصف به الدواء المحرم ومنه ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ يَعْنِي السُّمَّ" رواه أحمد وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في المشكاة رقم 4539.
- ويوصف به النجس ومنه ما جاء عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال:سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال" إذا كان الماء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الخَبَثَ" روا أبو داود وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله على شرط الشيخين في صحيح سنن أبي داود رقم 56.
- قال أبن منظور رحمه الله في لسان العرب: "الخَبِيثُ ضِدُّ الطَّيِّبِ من الرِّزْق والولدِ والناسِ.." وقال أيضا:".... قال أَبو عبيد الخَبِيثُ ذو الخُبْثِ في نَفْسه..." وقال أيضا:"... والخابِثُ الرَّديُّ من كل شيء فاسدٍ يقال هو خَبِيثُ الطَّعْم وخَبِيثُ اللَّوْنِ وخَبِيثُ الفِعْل والحَرامُ البَحْتُ يسمى خَبِيثاً مثل الزنا والمال الحرام والدم وما أَشْبهها مما حَرَّمه الله تعالى..." وغير ذلك مما قاله تحت مادة خبث.
- قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة تحت مادة "خبث": (خبث) الخاء والباء والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على خلاف الطّيّب. يقال خبيثٌ، أي ليس بطيِّب.
وبعد هذه الجولة مع معاني كلمة خبيث في الكتاب والسنة ولغة العرب أقول: فإذا كان الدعي يقصر لفظ الخبيث على المحرم فقط فقد فضح نفسه بنفسه، وأعلن للناس عن جهله، وأطلعهم على تعالمه وادعائه، نعوذ بالله من الخذلان.
2- الجواب على استنكاره إطلاق وصف الخبيث عليه: لقد استنكر الدعي إطلاق الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله وصف الخبيث عليه بقول:" كيف أنت! مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله تقول عنه خبيث؟" وكأنه يريد أن يقرر أن المسلم لا يجوز أن يطلق عليه وصف الخبيث.
والجواب على هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن وصف الخبيث يجوز أن يطلق على الآدمي سواء كان من الكافرين المعاندين أو المنافقين المندسين أو المسلمين الموحدين ويكون الإطلاق على كل واحد منهم بحسبه:
فإطلاق الخبيث على الكافر إنما يكون لكفره.
وإطلاقه على المنافق إنما يكون لنفاقه.
أما إطلاقه على المسلم فإنما يكون لفسقه وعصيانه وانحرافه.
والشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله إنما وصف الدعي هداه الله بالخبيث، لانحرافه وضلاله، وإغراقه في البدع التي تعارض دين ربه سبحانه. يوضحه.
الوجه الثاني: أن إطلاق وصف الخبيث على الكافرين، وعلى المنافقين المندسين، وحتى على المسلمين العاصين، شيء متقرر في شريعة رب العالمين، والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها:
أ- الدليل على إطلاق وصف الخبيث على الكافرين:
- قال الله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)" سورة الأنفال.
- قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره: يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله، إلى جهنم، ليفرق بينهم وهم أهل الخبث، كما قال وسماهم "الخبيث"، وبين المؤمنين بالله وبرسوله، وهم "الطيبون"، كما سماهم جل ثناؤه. فميَّز جل ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته، وأنزل أهل الكفر نارَه.
- قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى:" لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:" لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" فيميز أهل السعادة من أهل الشقاء، وقال السُّدِّي: يميز المؤمن من الكافر.
ب- الأدلة على إطلاق وصف الخبيث على المنافقين:
- الدليل الأول: قال الله تعالى:"الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)"سورة النور.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: قال ابن عباس: الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول. والطيبات من القول، للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من القول. قال: ونزلت في عائشة وأهل الإفك.
وهكذا رُوي عن مجاهد، وعطاء، وسعيد بن جُبَير، والشعبي، والحسن بن أبي الحسن البصري، وحبيب بن أبي ثابت، والضحاك. واختاره ابن جرير، ووجَّهَهُ بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس، والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس، فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة هم أولى به، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم؛ ولهذا قال:"أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ".
- الدليل الثاني: قال الله تعالى:" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)"سورة آل عمران.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ثم قال تعالى:"مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" أي: لا بُد أن يعقد سببا من المحنة، يظهر فيه وليه، ويفتضح فيه عدوه. يُعرف به المؤمن الصابر، والمنافق الفاجر. يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستر المنافقين، فظهر مخالفتهم ونُكُولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال:" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ".
- الدليل الثالث: الحديث المتقدم عن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..." إلى أن قال:"... وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" رواه البخاري رحمه الله.
قد يقول الدعي إني لا أخالفكم في جواز إطلاق وصف الخبيث على الكافرين والمنافقين ولكن أين الدليل على جواز إطلاقه على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ والجواب على ذلك في الوجه التالي:
الوجه الثالث: أنه يجوز إطلاق وصف الخبيث على المسلم، إذا وقع في مخالفة دين الله المعظم، كالمقارف للشهوات، ومن باب أولى المنحرف بالشبهات، ومن الأدلة على ذلك:
- الدليل الأول: قال الله تعالى:"قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)"سورة المائدة.
- قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، "ولو أعجبك كثرة الخبيث"، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصي فعجبت من كثرتهم، لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلُّوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا.
- الدليل الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ" رواه البخاري ومسلم.
- الدليل الثالث: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي" متفق عليه.
- وجه الدلالة من الحديثين أنهما في المسلم قطعا، لكن قد يظن ظان أن بينهما تعارضا واختلافا ولذلك أنقل لكم ما قال الإمام الطحاوي رحمه الله فيهما لأمرين اثنين:
الأول: لبيان أن الخبيث يطلق على المسلم العاصي كما يطلق على الكافر والمنافق.
الثاني: حتى لا يتوهم متوهم التعارض بين الحديثين السابقين.
- قال الإمام الطحاوي رحمه الله في شرح مشكل الآثار ج1 ص 318[5]:
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:" إن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام كل عقدة منها يضرب مكانها عليك ليل طويل فإذا أصبح ولم يصل أصبح كسلان خبيث النفس"
- حدثنا الربيع المرادي، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي الزناد، ومالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال:" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد، كل عقدة يضرب مكانها: عليك ليل طويل، ارقد، فإذا استيقظ، فإن ذكر ربه عز وجل، انحلت عقدة، وإن توضأ، انحلت عقدة، وإن صلى، انحلت عقدة، وأصبح نشيطا طيب النفس، وإن لم يفعل، أصبح خبيث النفس كسلان"[6].
- حدثنا فهد، حدثنا الحسن بن الربيع الكوفي، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام:" إن للشيطان عند رأس أحدكم حبلا فيه ثلاث عقد، فإذا استيقظ ووحد الله، حلت عقدة، وإن قام وتوضأ، حلت عقدة أخرى، فإذا هو صلى، حلت عقده كلها، وأصبح خفيفا طيب النفس، وإن هو نام حتى يصبح، أصبح عليه عقد، وأصبح وهو ثقيل خبيث النفس"[7].
فقال قائل: فكيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رويتم عنه النهي عن وصف النفس بالخبث، وأمره أن يقول ـ من يريد أن يقول خبثت نفسي ـ "لقست نفسي" مكان "خبثت نفسي"، وذكر في ذلك:
- ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال: حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا ابن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، وليقل لقست نفسي"[8].
- وما قد حدثنا ابن خزيمة أيضا، حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله[9].
- وما قد حدثنا يونس، أنبأ ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقول[10] أحدكم خبثت نفسي، وليقل لقست نفسي"[11].
- وما قد حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي أمامة، عن النبي عليه السلام فذكر مثله ولم يقل عن أبيه.
- فكان جوابنا له في ذلك أن وصف النفس بالخبث، وصف لها بالفسق، ومنه قوله تعالى:" الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ"، فكان مكروها للرجل أن يفسق نفسه، إذا لم يكن منها ما يوجب ذلك عليها، وكان محبوبا له أن يقول مكان ذلك: لقست نفسي، وإن معناهما معنى واحد، وهو الشراسة، وشدة الخلق، كذلك معناهما عند أهل العربية، وممن حكى ذلك عنه منهم أبو عبيد، حكى ذلك لنا عنه علي بن عبد العزيز، وقال فيما حكاه لنا عنه في ذلك، ومنه قول عمر رضي الله عنه في صفة الزبير: إنه وعقة لقس، يعني هذا المعنى.
ولما كان معنى الخبيث ومعنى اللقس الذي ذكرنا واحدا، كان أولاهما بمن يريد وصف نفسه بالمعنى الذي يرجعان إليه أحسنَهما، وهو ما أمره النبي عليه السلام به في حديثي عائشة وسهل، حتى يكون من نفسه ما يستحق له أن يوصف بالخبث من تركها الصلاة، وإنشائها، واختيارها النوم على ذلك، فيكون ذلك فسقا منها، وتستحق بذلك أن توصف بالخبث الذي معناه بهذا الفسق، على ما في حديث أبي هريرة الذي قد روينا، فقد بان بحمد الله أن كل معنى من المعنيين اللذين ذكرنا في هذه الروايات غير مخالف للمعنى الآخر المذكور فيها، ولا مضاد له، وأن كل واحد منهما قد انصرف إلى معنى من المعنيين المذكورين في هذه الأحاديث غير المعنى الذي انصرف إلى الحديث الآخر منهما مع أنه قد روي عن رسول الله عليه السلام بإسناد محمود أنه قال:" وإذا أصبح ولم يصل أصبح لقس النفس".
- وهو ما قد حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد الأزدي، ثنا عبد الله بن محمد الفهمي المعروف بالبيطري، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام:.... فذكر مثل حديثي الربيع وفهد، اللذين ذكرنا في هذا الباب إلا أنه قال في آخره:" فإن لم يفعل ـ يعني لم يذكر الله ـ ولم يتوضأ ولم يصل أصبح لقس النفس كسلان"[12].
فقد ذكر هذا ما ذكرنا، ودل على أن معنى خبيث النفس أنه لقس النفس، غير أن الأولى بوصف الرجل نفسه إذا لم يكن منها اختيار للأمور المذمومة، ومعها الشراسة، وشدة الخلق بما في حديثي عائشة وسهل[13]، فإذا كان معها الاختيار للأمور المذمومة، جاز له وصفها بما في حديثي الأعرج وأبي صالح عن أبي هريرة[14]، ومما في حديث سعيد عن أبي هريرة يصفها بما شاء منهما وبالله التوفيق" انتهى كلامه رحمه الله.
قلت: تبين من كلام الإمام الطحاوي لكل ذي فهم أنه يجوز للمسلم أن يصف نفسه بالخبيث إذا كان فيها ما يقتضي ذلك.
- ومما يدل على أن هذا اللفظ يمكن إطلاقه على من انحرف من المسلمين، ببدعة تخالف سنة سيد الأنبياء والمرسلين، أو بمعصية تخرج مرتكبها عن دائرة الطائعين المخبتين، ما كان عليه أئمة الملة والدين، من إطلاقه على بعض المسلمين، بيانا لحالهم وتحذيرا للناس من شرهم، ومن ذلك:
- ذكر الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمه الله في كتابه "الجرح والتعديل" ج1 ص 336:
تحت باب تسمية من روى عنه العلم ممن اسمه أصرم:
أصرم بن حوشب أبو هشام الهمذاني، روى عن أبى سنان الشيباني، سمعت أبى يقول ذلك، ويقول: هو متروك الحديث، فإنه ذكر أنه سمع من زياد بن سعد، فأنكر عليه، وتكلم فيه يحيى بن معين.
حدثنا عبد الرحمن، انا يعقوب بن إسحاق، فيما كتب إلي، نا عثمان بن سعيد قال: سألت يحيى بن معين قلت: أصرم بن حوشب تعرفه؟ قال: كذاب خبيث.
- وذكر في الكتاب نفسه ج 6 ص 99:
تحت باب من روى عنه العلم ممن يسمى عمر وابتداء اسم أبيه على الألف:
عمر بن إسماعيل بن مجالد، روى عن أبيه وأبى معاوية، كتب عنه أبو زرعة، نا عبد الرحمن، انا عبد الله بن احمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: رأيت عمر بن إسماعيل بن مجالد ليس بشيء، كذاب، رجل سوء خبيث، حدث عن أبى معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أنا مدينة العلم وعلي بابها" وهو حديث ليس له أصل، قال عبد الله: وسألت أبي عنه فقال: ما أراه إلا صدق....
- وذكر في الكتاب نفسه ج 9 ص 221:
تحت باب تسمية من روى عنه العلم ممن يسمى يوسف...
باب الخاء
يوسف بن خالد السمتي البصري، يقال إنما سمى السمتي للحيته وسمته، وكان صاحب رأى، روى عن الأعمش، وزياد بن سعد، روى عنه القواريري، والعباس بن الوليد النرسي، وأبو كامل وعبد الله بن عاصم الحماني، سمعت أبى يقول ذلك، نا عبد الرحمن، انا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، فيما كتب إلي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: وذُكر يوسف بن خالد السمتي فقال: كذاب خبيث عدو الله رجل سوء، رأيته بالبصرة مالا أحصي لا يحدث عنه أحد فيه خير.
نا عبد الرحمن قال: قرئ على العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: يوسف بن خالد السمتي كذاب زنديق لا يكتب حديثه، نا عبد الرحمن قال: سمعت أبي وسألته عن يوسف بن خالد السمتي، فقال: أنكرت قول يحيى بن معين فيه أنه زنديق، حتى حمل إلي كتاب قد وضعه في التجهم بابا بابا ينكر الميزان في القيامة، فعلمت أن يحيى بن معين كان لا يتكلم إلا على بصيرة وفهم....
- وهذه الأمثلة التي سقتها، كلها من كتاب واحد، وعن حافظ واحد من حفاظ الأمة الأماجد، أكتفي بها لأنني ما أردت الحصر وإنما التمثيل، وهي على غيرها مما لم أذكره عنوان ودليل، فالفطن يستدل بها على غيرها، وغيره لا ينتفع ولو سقت له القائمة بأكملها.
هذا: وأقتصر على هذه الأمثلة التي أوردتها، وهذه البراهين التي سقتها، لأن طالب الحق مثال واحد يكفيه، وبرهان مفرد ينفعه، بعكس أصحاب الأهواء فلو جئتهم بمئات الأدلة والبراهين، على صحة ما تدعوهم إليه من الحق المبين، لتمسكوا ولو بمثل خيوط العنكبوت ليردوا الحق الذي عند غيرهم، ويستمروا على باطلهم وجهلهم وضلالهم.
3- سؤال ينبغي الجواب عليه: هل وصف الشيخ عبد الخالق حفظه الله للرجل بالخبيث ينطبق عليه ويتحقق فيه، أم أنه بريء منه لا ينبغي أن يوصف به؟.
- الجواب: أما بالنسبة للأدلة على خبثه، وانطباق هذا الوصف عليه، فتكفي إن شاء الله هذه التعليقات ـ على حصته التي عقدها للرد على الشيخ عبد الخالق حفظه الله ـ في بيان ذلك وتوضيحه، وإن يسر الله ووفق علقت على محاضرة آثمة ألقاها في الرد على السلفية والدفاع عن الصوفية تدل على خبثه، وصدق وصحة إطلاق الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله ذلك الوصف عليه، فحينئذ سيجزم المنصف إن شاء الله بأن الشيخ عبد الخالق لم يتكلم في الدعي إلا على بصيرة وفهم، ودراية وعلم.
وأخيرا: صدق من قال عش رجبا ترى عجبا.
ولكني والله لا أدري مما أتعجب أمن جهله بكتاب الله، أم من جهله بوجوه الاستدلال به، أم من جرأته على الله حيث نصب نفسه مفتيا يوقع عنه، ويكون واسطة بينه وبين خلقه، يدلهم عليه وعلى شرعه، أم أتعجب من قناة جزائرية تعرض جهله على الناس في الداخل والخارج على أنه علم يستفاد منه، وفقه ينتفع به، فأضحكوا منَّا كل من شم رائحة العلم في داخل البلاد وخارجها، مع أن الجزائر ليست بالبلد العقيم ففيها من العلماء والفقهاء من يمثل العلم الذي فيها، ومن إذا تكلم شرفها وصار مفخرا من مفاخرها، فأسأل الله أن يبصر من ضل الطريق، وأن يردنا إليه ردا جميل فإنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وإلى كلمة أخرى مع مغالطة من مغالطاته، وتلبيس من تلبيساته، إن شاء الله ويَسَّر.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


كتبه
أبو عبد السلام
عبد الصمد بن الحسين سليمان
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

مدينة مغنية
يوم الإثنين
25 من صفر 1434 هـ
7 من جانفي 2013 م
منقول من منتدى التصفية و التربية



[1]- ثبت في المقالة السابقة صدق وصحة إطلاق الشيخ عبد الخالق حفظه الله وصف الدعي على شمس الدين ولذلك لن أذكره فيما يأتي بإذن الله إلا بهذا الوصف الذي يناسبه عكس الاسم الذي سمي به.
[2]- كالإمام السخاوي رحمه الله في المقاصد الحسنة، والعلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة الحديث رقم: 376.
[3]- قال الزرقاني رحمه الله في مناهل العرفان وهو يتكلم على ترجمة القرآن بمعنى نقله إلى لغة أخرى: الوجه السابع: أن الأمة أجمعت على عدم جواز رواية القرآن بالمعنى.
[4] - قال الخطابي في معالم السنن: فأما قوله ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث فإنهما على التحريم، وذلك أن الكلب نجس الذات محرم الثمن، وفعل الزنا محرم وبدل العوض عليه وأخذه في التحريم مثله لأنه ذريعة إلى التوصل إليه، والحجامة مباحة، وفيها نفع وصلاح الأبدان. وقد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ الواحد ويفرق بينهما في المعاني وذلك على حسب الأغراض والمقاصد فيها...
[5]- طبعة دار الرسالة تحقيق شعيب الأرنؤوط.
[6]- قال المحقق: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو في الموطأ 1/ 176.
ورواه البخاري (1142)، ومسلم (776)، وأحمد 2/ 243، وأبو داود (2306)، والبغوي (920)، من طريق مالك وسفيان، كلاهما عن أبي الزناد، به.
[7]- قال المحقق: إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو الأحوص: هو سلام بن سليم الحنفي، وأبو صالح: ذكوان.
ورواه أحمد 2/ 253، وابن ماجة ( 1329) من طريق الأعمش بهذا الإسناد.
قلت: صححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب وغيره.
[8]- قال المحقق: إسناده صحيح. محمد بن خزيمة شيخ أبي جعفر: ذكره ابن حبان في (الثقات) 9/ 133، وقال: مستقيم الحديث، ووثقه الذهبي في (الميزان)، 3 / 537، ومن فوقه ثقات على شرط مسلم. ابن سلمة هو حماد.
ورواه البخاري في صحيحه (6179)، وفي الأدب المفرد ( 809 )، ومسلم ( 2250 )، وأبو داود ( 4979 )، وأحمد 6 / 51، 209، 231، والبغوي ( 3890 )، من طرق عن هشام بهذا الإسناد. وقال عبد الله بن أحمد 6 / 281: وجدته في كتب أبي عن عامر بن صالح، عن هشام، به.
[9]- قال المحقق : إسناده صحيح وهو مكرر ما قبله.
[10]- قال المحقق: هكذا الأصل، والجادة:"لا يقل"، وما هنا له وجه في العربية.
[11]- قال المحقق: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه البخاري في صحيحه 6180، وفي الأدب المفرد 810، ومسلم 2251، وأبو داود 4978، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" 1051، من طريق يونس عن الزهري بهذا الإسناد.
[12]- قال المحقق: الحسن بن غليب: لا بأس به، وشيخه عبد الله بن محمد الفهمي، قال أحمد: ثقة صالح، ومن فوقه من رجال الشيخين.
ورواه البخاري 3269، من طريق سليمان بن بلال، بهذا الإسناد. إلا أن لفظه عنده:" وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
[13]- أي بقوله:" لقست نفسي".
[14]- أي بقوله:" خبثت نفسي".