أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
30-Jan-2013, 10:14 AM
إبطال افتراءات السرورية والحدادية وأشباههم على الشيخ العلامة ربيع المدخلي حفظه الله فيما يتعلق بجناب الرب تعالى- للشيخ الفاضل أسامة بن عطايا العتيبي -رعاه الله -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
فإن الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي من أعلام السنة المعظمين لجناب الرب تعالى، العالمين بالله ودينه وشرعه، الوقافين عند حدوده، والسالكين في عقيدتهم ودعوتهم مسلك ومنهج السلف الصالحين، المعظمين للحق والهدى، ومن المعروفين بتعظيم جناب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، والمنزلين لأهل العلم من السلف ومن جاء بعدهم ممن سلك سبيلهم منازلهم، المتحرين في ذلك الحق والصواب.
ولقد جاهد هذا الإمام في سبيل الله ببنانه ولسانه، ووطئ ساحات الوغى بأقدامه أيام جهاد المسلمين للروس الشيوعيين.
وقد ناله في سبيل الله من الأذى والضر ما ناله بسبب دعوته لتعظيم الرب جل وعلا وتقديره حق قدره، فبيَّن حقيقة الصوفية الخرافية أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وكشف شبهات الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، وبين جنايتهم على توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
ورد على القاديانية والرافضة والصوفية والملاحدة واليهود والنصاى في جنايتهم على جناب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ورد على الرافضة والشيعة ومن تشبه بهم من أدعياء السلفية الذين انتهكوا حرمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وبين جناية العيد الشريفي، والمأربي، والحلبي على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في وصفهم بالأوصاف القبيحة مع الإصرار والعناد والتلاعب.
وجنَّد نفسه للدفاع عن منهج السلف، والحرص الشديد على نقاء المنهج السلفي، وتنقيته من كل دخيل عملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم: ((تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) .
وقد جرت سنة الله أن من دعا إلى توحيد الله وإخلاص العمل له، وتجريد التدين بشرعه لا بالأهواء والبدع أنه سيبتلى، وسيواجه من أهل الباطل التهم والافتراءات وشتى أنواع الكيد والمكر والمحاربة للحق والهدى، لأن هؤلاء المبطلين هم جند الشيطان الذي أمهله الله إلى يوم الدين فوعد بالهلاك والإهلاك بوسوسته واستفزازه وإجلابه:
قال تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء: 61 - 65]
ولقد تنوعت أساليب المبتدعة في هذا الزمان في محاربتهم للشيخ ربيع وتشويه سمعته والكيد به والمكر بالدعوة السلفية، ولقد وصلت الجرأة على الكذب بهم أن اتهموا الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- بأنه تكلم بكلام لا يليق بحق الربِّ -عزَّ وجلَّ-، وهم كاذبون فيما ادعوه، متناقضون فيما يقولون ويفترون.
فحينما يتكلم معظم من معظمي أولئك الحزبيين بكلام صريح في الذم والسب، ويُدان بذلك، ويطالب بالتوبة يدَّعي هو وأشياعه أنَّ ما تكلَّم به ليس سباً ولا تنقصاً، كما عرف عن بعضهم كالمأربي والحلبي من دعواهما أنَّ وصف الصحابة -رضي اللهُ عنهم- بالغثائيَّة ليس سبّاً!!
ثم مع جهلهما الفاضح بما هو سب وتنقص، وبما ليس كذلك يأتون إلى عبارات وقعت في كلام الشيخ ربيع -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- ليست سباً ولا خطأً فيجعلونها سبا وتنقصاً متناقضين بذلك، ومتكلمين بما ليس لهم به علم كما سيأتي بيانه -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى- .
وقد تولى كبر هذه القضية أبو الحسن مصطفى السليماني المأربي المصري، فجند بعض أتباعه من المبتدعة الفجرة فجمعوا كلمات مقطعة من أشرطة للشيخ ربيع بتروا منها ما بتروا، وحرفوا ما حرفوا، وزاد المأربي ما زاد فيها من الكذب والتحريف والجهل، ونشرها زاعماً أن الشيخ ربيعاً تكلم بكلام لا يليق بالله عز وجل، وكذب وخاب وافترى هذا المأربي قصم الله ظهره، ورد كيده في نحره.
وإن من خيبة هذا المأربي وخسرانه أن صار ما كتبه مرجعاً للخوارج وأهل الضلال عند طعنهم في السلفيين عموماً بأن شيخاً من شيوخهم تكلم بكلام فيه ما لا يليق بالله عز وجل، فأصبح قدوة في الشر والضلال والافتراء، كما قال تعالى عن فرعون وقومه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القصص: 41، 42]
وما زال أهل البدعة لا يكلون ولا يملون في نشر هذه الفرى لأنهم من الشيطان يؤزون، ولأوليائهم من أهل الفتن يتقربون، ووالله إنهم هم الخاسرون الخائبون.
وسبق أن رددت على تلك الفِرَى والأكاذيب في كتابي: "إرواء الغليل في الدفاع عن الشيخ ربيع المدخلي حامل لواء الجرح والتعديل"، وسأذكر ما يتعلق بهذه الفرية التي جدد نشرها بعض أهل البدع في موقع يقال له: "الشبكة الإسلامية العربية الحرة"، وتولى كبر نشر هذا الموضوع كاتب مجاهر بالبدعة لقب نفسه بـ"السروري"، وسمى مقاله-أخزاه الله-: "المطالبة بمحاكمة شيخ الجامية الضال ربيع المدخلي لسوء أدبه مع الذات الإلاهية!!!!" .
وما درى هذا الفاجر أنه استسمن ورماً، وحسب أنه وقع على تمرٍ وهو وقع على جَمْرٍ يتحساه في بطنه بدعة وضلالة في الدنيا، والغريب أن مقاله مسروق من سارقين!! مما يؤكد أنهم من الضالين الغارقين في وحل المبتدعين!!
وسأشرع في ذكر كلام المأربي-قصم الله ظهره- ثم ردي عليه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
*قال المأربي قصم الله ظهره: "أولاً:فمن هذه الأخطاء: أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأن يفقه الواقع!!!"
واستدل بقول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فيشريط "الجلسة الثالثة من المخيّم الربيعي" (أ): "هو بنفسه- يعني الشيخ ابن باز - هذا كلامه مسجل , يقول: إني ما قرأت للبنا والمودودي ,ولاشئ ,إنسان وقته كله مشغول بقضايا الأمة, ماعنده فراغ للهراءات هذه,إحنا عندنا وقت فراغ ,نتابع هذه البلايات "
فقال السائل: على قولك يا شيخ، راح يقولون: الشيخ ابن باز ما يفقه الواقع؟! قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "الشيخ يفقه الواقع، لكن ما يفقه الواقع كله مثل الله ".
ثم قال المأربي: "فهل هذا التعبير فيه إجلال لله عزوجل؟وهل بمثله يعبِّر العلماء الكبار؟!! إن هذا التعبير لوعبر به طالب علم؛لابتدرته الأبصار بالتعجب والدهشة ,لكن حدِّث أيها الشيخ بمايحلو لك؛ فإن وراءك أقواماً لايعرفون معروفاً من غيرك, ولا ينكرون منكراً منك,فالله المستعان!!".
ثم قال المأربي: ",فإني لم أعلم عن أحد من السلف أنه قال: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وقوله ما لم يقله .
فليس في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن الله "يفقه الواقع" لكنه وصف الشيخ ابن باز بفقه الواقع مع نفيه أن يكون فقهه للواقع -أي علمه ومعرفته بالواقع- مثل الله .
فالمثلية راجعة إلى المعنى الذي تضمنته لفظة "الفقه" لا مجرد اللفظ.
الوجه الثاني: على التسليم أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأنه يفقه الواقع فتعبيره صحيح ولكنه خلاف الأولى .
وذلك لأن فقِه تأتي بمعنى علم فيكون المعنى: الله يعلم الواقع وهذا حق بلا ريب.
قال في القاموس المحيط: "الفقه -بالكسر-: 1- العلم بالشيء، 2- والفهم له، 3- والفطنة، 4- وغلب علم الدين لشرفه"([1] (http://m-noor.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn1)).
فذكر للفقه هنا أربعة معانٍ كما هو موضح.
وسياق كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يدل على هذا فهو يتكلم عن معرفة الواقع والعلم به ويبين أن الإحاطة بالواقع إنما هو من خصائص الله لا يستطيعه الشيخ ابن باز -رحمه الله- ولا غيره من البشر .
الوجه الثالث: أن المأربي جعل وصف الله بالفقه بالواقع أي العلم به مثل قول القائل: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!.
وهنا يظهر سوء فهم المذكور- لكلمة "الفقه" فهو يظنها بالمعنى الاصطلاحي عند علماء الفقه وأصوله وهو: العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية .
ولكن نقول للمأربي: إن الفقه يأتي بمعنى العلم ويجوز في العلم أن تقول: الله أعلم من فلان، وفلان في علمه ليس كعلم الله .
وعليه فيصح إطلاق الفقه موضع العلم، لكنه خلاف الأولى لما فيه من الإيهام لا سيما إذا كان جاهلاً مثل هذا المأربي فيتوهم في الله ما لا يليق به عز وجل.
إنكار مصطفى المأربيّ لصفة "الإدراك"
* قال المذكور-: "ثانياً:وللشيخ ربيع كلام ظاهره قبيح,ولازمه أنه يصف الله عز وجل بالبداء، وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-!!"
ثم نقل كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في شريط "مناظرة عن أفعانستان" (أ): "...فأي انحدار يلحق "هذا الإسلام من الإنسان من هذا"؟ أن يعبد القردة والفرج والصنم والحجر والشجر، هذا خطير،ما هو ساذج, هذا أمر خطير, أمر خطير جدًا، ولهذا أدرك خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه ..."
ثم قال المذكور-: "فقوله: (ولهذا أدرك خطورته ربنا ...) هذا لفظ ظاهر جداً في القبح!! يجب على الشيخ ربيع أن يتراجع عنه، وإني لأعلم أنه ما يقصد حقيقة اللفظ، لأن حقيقته يلزم منها ما سبق ذكره، واليهود- أو أكثرهم, على ما عندهم من البلاء- ينكرون جواز النسخ، لأنه يلزم منه البداء، فلا شك أن الشيخ ما يقصد هذا المعنى، إنما هو خطأ لفظي،".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" ليس خطأ لفظياً، بل هو حق وصواب، وإنما أتي المأربي من قبل سوء فهمه، مع سوء قصده، وحبه الظهور، والانتصار لنفسه، ولو بالكذب والبهتان .
وبيان هذا بأمور:
الأمر الأول: أن صفة الإدراك ثابتة لله عز وجل .
قال الله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}.
وقال تعالى: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم}.
فإدراك الله عز وجل للأبصار هو إحاطته بها وعلمه بها .
فالإدارك بمعنى الإحاطة كما ثبت عن غير واحد من السلف.
وقال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: {وهو يدرك الأبصار} أي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه لأنه خلقها ..".
وأما الإدراك في الآية الثانية فبمعنى اللحاق والإحاطة أيضاً فمعنى الآية: لولا أن نعمة الله لحقته وأحاطت به لنبذ بالعراء وهو مذموم .
قال الإمام القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء الحنبلي في كتابه«المعتمد في أصول الدين»(ص/48): «وهو سبحانه مدرك لجميع الْمدْرَكَاتِ، وذلك صفة هو عليها، زائدة على معنى وَصْفِهِ بأنه حي عالم قادر مريد».
فثبت أن الله عز وجل يوصف بالإدراك، والتدارك، وهو بمعنى الإحاطة والعلم، وتأتي بمعنى اللحاق مع الإحاطة .
فكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهره وباطنه: أن الله أدرك بعلمه وإحاطته حاجة الناس إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب لخطورة الشرك في الألوهية .
ولو استبدلنا كلمة (أدرك) بـ(علم) أو (أحاط علمه) فستكون العبارة هكذا: "ولهذا (علم) خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه".
فهل هذا فيه أي محظور أو بداء أيها المتعالم؟!!
الأمر الثاني: أن كثيراً من العلماء لما فسروا صفة العلم لله عز وجل؛ فسروه بأنه الإدراك .
وأذكر مثالين مع كثرة الأمثلة .
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً، والله عز وجل {يعلم ما بين أيديهم} المستقبل، {وما خلفهم} الماضي، وكلمة {ما} من صيغ العموم تشمل كل ماض وكل مستقبل، وتشمل أيضاً ما كان من فعله وما كان من أفعال الخلق."
وقال شيخ الإسلام: "فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة".
وانظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/331) ومفتاح دار السعادة لابن القيم(1/258).
الأمر الثالث: أن كثيراً من العلماء فسروا صفة السمع بالإدراك .
من ذلك: قال الإمام البيهقي في الاعتقاد(ص/51تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي): "السميع: من له سمع يدرك به المسموعات، والسمع له صفة قائمة بذاته" .
وانظر: الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام(1/89) .
الأمر الرابع: أن كثيراً من العلماء فسروا البصر بالإدراك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد(3/686): "والتحقيق أن السمع له مزية، والبصر له مزية، فمزية السمع العموم والشمول، ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه ، فالسمع أعم وأشمل، والبصر أتم وأكمل فهذا أفضل من جهة شمول إدراكه وعمومه، وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه".
وكلامه -رحمه الله- في صفتي السمع والبصر على الإطلاق فإذا أضيفت كان لله ما يليق بكماله وجلاله وغناه، وللعبد ما يليق بضعفه وفقره.
وانظر: الصواعق المرسلة(3/874-875) والعقيدة الأصفهانية(ص/84) .
وقد قال الشيخ عبد الباقي البعلي الحنبلي المتوفى عام1071هـ في كتاب"العين والأثر في عقائد أهل الأثر" راداً على من أنكر أن كلام الله بحرف وصوت(ص/87): "أنَّ الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه، كما أن إدراك البصر بأنه إدراك المبصرات، والسمع في أنه إدراك المسموعات، والعلم في أنه إدراك المعلومات ليس بتشبيه كذلك هذا".
وانظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعة(ص/96) .
الوجه الثاني: من سبقك من العلماء أو حتى الجهلاء إلى أن لفظة: "أدرك" بمعنى البداء؟!
وكيف تجعل فهمك السقيم –غير المسبوق- حكماً على أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟!!
ألا تستحي وتتقي الله وتلزم حدك؟!!
الوجه الثالث: أن المأربي لجهله بمسائل التوحيد يظن –فيما يظهر لي- أنَّ صفة العلم ونحوها من الصفات كالسمع والبصر إذا تعلقت بزمن أو بسبب فهذا يلزم منه القول بالبداء أو أن الله لم يكن يعلم فعلم!!
وهذا باطل .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فهل سيأتي جاهل ويفهم من هذه الآية أن الله لما فرض عليهم القتال والمشركون عشرة أضعافهم لم يكن يعلم ضعفهم؟!!
بل المراد بالعلم هنا علم حادث متجدد لما وجد الضعف، وإن كان الله جل وعلا يعلم ضعفهم في الأزل، وفائدته بيان رحمة الله، ومراقبته لهم، وتخفيفه عليهم .
*ومن عبارات العلماء السلفيين: ما قاله قتادة -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى:{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}: "لم ينفع قرية كفرت، ثم آمنت حين حضرها العذاب، فَتُرِكَت إلا قوم يونس، لَمَّا فقدوا نبيَّهم، وظنُّوا أنَّ العذاب قد دنا منهم؛ قذفَ اللهُ في قلوبهم التَّوبةَ، ولبسوا الْمُسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عَجُّوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم؛ كشف عنهم العذاب، بعد أن تدلى عليهم" نقله ابن كثير وأقره .
ومن ذلك ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل(ص/161): "ثم أخبر سبحانه خبراً مستأنفاً عنهم أنه سيهديهم، ويصلح بالهم لما علم أنهم سيقتلون في سبيله، وأنهم بذلوا أنفسهم له فلهم جزآن جزاء في الدنيا بالهداية على الجهاد وجزاء في الآخرة بدخول الجنة ..."
فهل يفهم من كلام ابن القيم -رحمه الله- أن الله لم يكن يعلم أنهم سيقتلون في سبيله ثم علم ذلك؟!!!!
ونحو ذلك من العبارات .
فلما نقول: لما علم .. ليس معناه أنه لم يكن يعلم ..
فافهم هذا أيها المأربيّ .
وانظر: روضة المحبين(ص/30-31)، الجواب الكافي(ص/129)، إعلام الموقعين(4/202) .
يزيده بياناً:
الوجه الرابع: قول المأربي: "وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-".
قد يفهم منه أن هذا المأربي -عامله الله بعدله- يلزم من يثبت علم الله الحادث أن يكون قد سبقه جهل!!
وهذا باطل .
فعِلْمُ الله -عز وجل- نوعان: علم أزلي قديم، وعلم حادث متجدد متعلق بالمعلومات ووجدوها حسب أزمان حصولها .
وقد نبه على هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- في المسائل والرسائل .
وقال -رحمه الله- في الرد على المنطقيين(ص/464): "أدلة القرآن والحديث على إثبات العلم لله تعالى.
وعامة من يستشكل الآيات الواردة في هذا المعنى كقوله {إلا لنعلم}، {حتى نعلم}؛ يتوهم أن هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون .
وهذا جهل؛ فإنَّ القرآن قد أخبر بأنه يعلم ما سيكون في غير موضع، بل أبلغ من ذلك: أنه قدر مقادير الخلائق كلها، وكتب ذلك قبل أن يخلقها، فقد علم ما سيخلقه علماً مفصلاً، وكتب ذلك وأخبر بما أخبر به من ذلك قبل أن يكون .
وقد أخبر بعلمه المتقدم على وجوده، ثم لما خلقه علمه كائناً مع علمه الذي تقدم أنه سيكون، فهذا هو الكمال، وبذلك جاء القُرْآنُ في غير موضع.." إلخ كلامه وهو نفيس جداً.
* فإن قيل: إن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- إنما علل الإدراك بالمفاسد فقال: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" فهو يجعل الإدراك معللاً وهذا يلزم منه أن ناتج عن أمر سابق، والذي يلزم منه أنه ظهر لله بعد أن لم يكن ظاهراً .
فالجواب:
هذا باطل، وهو مردود عليه بما سبق، فإن الله علل علمه بأشياء، وعلق علمه على وجودها كقوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم} الآية.
فليس فيه أن الله لم يكن يعلم المجاهدين، ولكنه علم حادث بما يستحقون عليه الثواب.
وكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لم يخرج عن الألفاظ الشرعية فإنه علق إنزال الكتب وإرسال الرسل على هذا الإدراك (العلم والإحاطة) وعلق قبل ذلك هذا الإدراك على المفاسد الناتجة من الشرك .
فليس فيه أن الله سبحانه لم يكن مدركاً (محيطاً بعلمه) هذا الأمر في الأزل، بل هو مدرك له في الأزل، ولكنه تجدد علمه بهذه المفاسد بعد عشرة قرون من وفاة آدم عليه السلام، ووقوع الناس في الشرك والفساد، فعلم الله حاجة الناس للرسل والكتب فأرسل نوحاً عليه السلام بالدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك بشتى صنوفه .
وهذا يصح أن يقال بلا إشكال لأنه مبني على استنباط من الأحاديث النبوية .
والله أعلم .
فبما سبق يتبين لنا:
1- أن الإدراك من صفات الله عز وجل الثابتة بالأدلة الشرعية .
2- أن معنى الإداراك هو الإحاطة، وقد تكون الإحاطة بالعلم، أو القدرة ، أو نعمته عز وجل، والسياق هو الذي يبين المراد .
3-أن علم الله نوعان: قديم أزلي، وحادث متجدد . وجهل المأربي بهذا هو الذي أزل قدمه .
4-أن القول بالعلم الحادث أو الإدراك لا يلزم منه القول بالبداء إلا على قول الجهمية وغلاة المعطلة .
5- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أصاب في كلامه، وأنه صحيح لفظاً ومعنى، وإنما أتي المأربي من قبل جهله، وسوء فهمه، وحبه تتبع العثرات الذي أعمى بصره وبصيرته .
مصطفى المأربيّ لا يفرق بين الاستفهام الإنكاري والاستفهام التقريري
* قال المأربي: "ثالثاً:ومما لا يليق ذكره في حق الله عز وجل، ما قاله الشيخ ربيع في نفس الشريط في سياق ذم من يرمي دعاة التوحيد بأنهم دراويش، فقال: (...يعني ربنا درويش، والرسول درويش؟ يا جماعة اتقوا الله، الآن الذي يحارب هذه الأشياء؛ يقولون: درويش، وهذه دروشة!!...).اه
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتهمه قومه بعدة اتهامات، وذلك لما دعاهم إلى توحيد الله، وحارب الشرك بجميع صوره , ولم يقل لهم: إذا كنتم تقولون عني: كذاب وساحر ومجنون... الخ بسبب دعوتي إياكم إلى التوحيد؛ وتحذيري إياكم من الشرك؛فقولوا مثل ذلك في الرب عز وجل!!هل قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا جماعة اتقوا الله ,يعني ربنا ساحر وشاعر ..."؟!حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا!!أليس لك – أيها الشيخ - في رسول الله أسوة حسنة,الذي لم يعبـر بهذا التعبيـر السيئ؟!
وهل يُلزم المخالفون أن ما قالوه في الدعاة من مقالة السوء؛ أن يقولوا ذلك كله في الله عز وجل، أو في رسوله صلى الله عليه وسلم؟!ولو لزمهم هذا؛هل نعبر نحن بهذا التعبير؟!!إنا لله وإنا إليه راجعون".
زيادة على كتابي إرواء الغليل:
وكذلك ما ذكروه عن الشيخ ربيع أنه قال: (الله مو فنان)
وكذلك ما نسبه بعضهم أن الشيخ ربيعا أنكر على بعض المبتدعة رمي أهل السنة بالإرجاء مع صراحة الأدلة من الكتاب والسنة بنفي الإرجاء فنسبوا للشيخ ربيع أنه قال: (الله مرجئ؟! الرسول مرجئ؟! الصحابة مرجئة؟!)) وهذا الكلام لم يوردوا له سنداً وقد يكون صاحبه كذاباً
الجواب:
هذا من المأربي جهل بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطريقة أهل العلم في الرد على المخالفين للحق .
وهو جهل من المأربي بين الاستفهام التقريري والاستفهام الإنكاري .
وهذه آفة هذا المأربي الجاهل .
والجواب على جهالاته من وجوه:
الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ-لم يصف الله عز وجل بخلاف ما وجب، بل هو معظم لله تبارك وتعالى، مُنَزِّه له-عز وجل- عن إفك الأفاكين، وباطل المبطلين.
فهو نفى عن الله ما يتهمه أعداؤه –بطريق غير مباشر- بالدروشة والجهل بطرق بيان الحق والدين .
وهذا ليس فيه سوء تعبير ولا خطأ في لفظ . يوضحه:
الوجه الثاني: أن لفظة درويش كلمة غير عربية يراد بها الجاهل الذي لا يدرك غور الأمور، والغافل، والذي يعمل أعملاً ليس مما يعمله أهل العقل الرجيح.
وقد نفى الله عن نفسه الجهل في كتابه فقال تعالى: { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}.
وقال تعالى-في عدة مواضع-:{وما الله بغافل عما تعملون}
وقال تعالى: {قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى}.
وقال تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} .
وقال تعالى: {لا يعزب عنه مثقال ذرة..} الآية
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فيُنَزِّه الله نفسه عن عدم العلم (الجهل)، وعن الغفلة، وعن الضلال، وعن النسيان –بمعنى الغفلة والسهو- .
وهذه الأمور التي نفاها الله عن نفسه هي حقيقة الدروشة ومعناها، فليس فيها إساءة إلى الله ولا كلام بما لا يليق ... يوضحه:
الوجه الثالث: أن نفي العيوب والنقائص عن الله ليس موقوفاً على ألفاظ معينة بل كل ما فيه نقص ينفى عن الله عز وجل، ما لم يكن ذلك النفي يحصل بسببه نقص لا كمال، كالتفصيل في النفي والإجمال في الإثبات كما هو عليه أهل الكلام .
أما كلمة "دروشة" أو "درويش" فهي لفظة قصيرة ينفى بها عدة صفات نقص .
قال تعالى: {ولم يكن له كفواً أحد} وقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال: {هل تعلم له سمياً}.
قال شيخ الإسلام في التدمرية(ص/88): "وبالجملة، فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى، وصفات الكمال ما قد ورد، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه، كما ينفي عنه المثل والكفؤ .
فإنَّ إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده، والعقل يعرف نفي ذلك، كما يعرف إثبات ضده، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه.
فطرق العلم بنفي ما ينَزَّه عنه الرب متسعة لا يحتاج فيها إلى الإقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير الذين تناقضوا في ذلك، وفرقوا بين المتماثلين حتى أن كل من أثبت شيئاً احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه....-إلى أن قال:- فطرق تنْزيهه وتقديسه عما هو منزه عنه متسعة لا تحتاج إلى هذا..".
نفي الجسم أو إثباته فيه تفصيل بينه شيخ الإسلام في التدمرية وغيرها من كتبه .
الوجه الرابع: ينبني على ما سبق جواز نفي العيوب والنقائص عن الله ولو كانت بألفاظ غير عربية كلفظة درويش أو نحوها من الألفاظ غير العربية .
فلا محظور في إنكار وصف الله بالدروشة أو الجهالة أو الضلال أو الغفلة أو نحوها من صفات النقص.
الوجه الخامس: أن بعض الألفاظ قد ينبو عنها السمع ولكن نجد أن الله عز وجل نفاها عن نفسه، أو نفاها عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو نفاها أهل العلم من أهل السنة والجماعة .
ومن الأمثلة غير ما سبق:
* نفي الصاحبة والولد: قال تعالى: {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد}.
وقال تعالى: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} .
إلى غير ذلك من الأدلة .
* نفي الإعياء والتعب عن الله: قال تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} وقال تعالى: {ولم يعي بخلقهن}.
* نفي السِّنَة والنوم: قال تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}
* نفي الظلم عن نفسه سبحانه: قال تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} وتكرر نفي الظلم في مواطن عديدة.
* نفي اللعب عن نفسه: قال تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين}.
إلى غير ذلك من الأدلة .
*ومن أقوال العلماء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في التدمرية(ص/90-91): "وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به، وكل نقص تنَزَّه عنه المخلوق فالخالق أولى بتَنْزِيهه عن ذلك، والسمع قد نفى ذلك في غير موضع كقوله تعالى: {الله الصمد}، والصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهذه السورة هي نسب الرحمن، أوهى الأصل في هذا الباب .
وقال في حق المسيح وأمه: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقَة كانا يأكلان الطعام}، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية، فدل ذلك على تنْزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأحرى .
والكبد والطحال ونحو ذلك: هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني الْمُنَزَّه عن ذلك مُنَزَّهٌ عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنَّها للعمل والفعل، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل؛ إذ ذاك من صفات الكمال، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل.
وهو سبحانه منَزَّهٌ عن الصحابة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه، وكذلك البكاء والحزن؛ هو مستلزم الضعف والعجز؛ الذي ينَزه عنه سبحانه، بخلاف الفرح والغضب فإنه من صفات الكمال ، فكما يوصف بالقدرة دون العجز، وبالعلم دون الجهل، وبالحياة دون الموت، وبالسمع دون الصمم، وبالبصر دون العمى، وبالكلام دون البكم؛ فكذلك يوصف بالفرح دون الحزن، وبالضحك دون البكاء ونحو ذلك" .
واسمع ما يقوله ابن القيم -رحمه الله- لتعلم مدى جهلك، وتنكبك عن الصراط المستقيم: "قلت: وقريب من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب، فإنه جمعني وإياه مجلس خلوة أفضى بيننا الكلام إلى أن جرى ذكر مسبة النصارى لرب العالمين مسبة ما سبه إياها أحد من البشر .
فقلت له: وأنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة!
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأنكم تزعمون أن محمداً ملك ظالم، ليس برسول صادق، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم، ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله، ويقول: الله أمرني بهذا، وأباحه لي، ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك، ويقول أوحى إلي، ولم يوح إليه شيء، وينسخ شرائع الأنبياء من عنده، ويبطل منها ما يشاء ويبقي منها ما يشاء، وينسب ذلك كله إلى الله، ويقتل أولياءه، وأتباع رسله، ويسترق نساءهم وذرياتهم؛
فإما أن يكون الله سبحانه رائياً لذلك كله عالماً به، مطلعاً عليه أو لا؟
فإن قلتم: إن ذلك بغير علمه واطلاعه؛ نسبتموه إلى الجهل والغباوة، وذلك من أقبح السب .
وإن كان عالما به، رائياً له، مشاهداً لما يفعله؛ فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا؟
فإن قلتم: إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده؛ نسبتموه إلى العجز والضعف.
وإن قلتم: بل هو قادر على منعه، ولم يفعل؛ نسبتموه إلى السفه والظلم والجور .
هذا وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه؛ يجيب دعواته، ويقضي حاجاته، ولا يسأله حاجة إلا قضاها له، ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له، ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ..." إلخ كلامه .
فقارن بين كلام شيخ الإسلام ابن القيم وبين أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لتنظر أي الكلامين أشد وأولى بأن ينكر عليه –إن كان يستحق الإنكار-!!
فراجع نفسك أيها المأربيّ، وارفق بها، ولا تتعد حدود الله، ولا يحملنك الانتصار لنفسك وهواك أن تجعل المعروف منكراً، والمنكرَ معروفاً، والحقَّ باطلاً، والباطلَ حقاً .
وأنصحك بطلب العلم على العلماء المشهود لهم بحسن الطريقة، والاستقامة على منهج السلف كشيخنا أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- والشيخ الفوزان والشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم من علماء أهل السنة .
([1]) الترقيم من عندي.
المصدر : منابر النور
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
فإن الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي من أعلام السنة المعظمين لجناب الرب تعالى، العالمين بالله ودينه وشرعه، الوقافين عند حدوده، والسالكين في عقيدتهم ودعوتهم مسلك ومنهج السلف الصالحين، المعظمين للحق والهدى، ومن المعروفين بتعظيم جناب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، والمنزلين لأهل العلم من السلف ومن جاء بعدهم ممن سلك سبيلهم منازلهم، المتحرين في ذلك الحق والصواب.
ولقد جاهد هذا الإمام في سبيل الله ببنانه ولسانه، ووطئ ساحات الوغى بأقدامه أيام جهاد المسلمين للروس الشيوعيين.
وقد ناله في سبيل الله من الأذى والضر ما ناله بسبب دعوته لتعظيم الرب جل وعلا وتقديره حق قدره، فبيَّن حقيقة الصوفية الخرافية أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وكشف شبهات الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، وبين جنايتهم على توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
ورد على القاديانية والرافضة والصوفية والملاحدة واليهود والنصاى في جنايتهم على جناب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ورد على الرافضة والشيعة ومن تشبه بهم من أدعياء السلفية الذين انتهكوا حرمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وبين جناية العيد الشريفي، والمأربي، والحلبي على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في وصفهم بالأوصاف القبيحة مع الإصرار والعناد والتلاعب.
وجنَّد نفسه للدفاع عن منهج السلف، والحرص الشديد على نقاء المنهج السلفي، وتنقيته من كل دخيل عملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم: ((تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) .
وقد جرت سنة الله أن من دعا إلى توحيد الله وإخلاص العمل له، وتجريد التدين بشرعه لا بالأهواء والبدع أنه سيبتلى، وسيواجه من أهل الباطل التهم والافتراءات وشتى أنواع الكيد والمكر والمحاربة للحق والهدى، لأن هؤلاء المبطلين هم جند الشيطان الذي أمهله الله إلى يوم الدين فوعد بالهلاك والإهلاك بوسوسته واستفزازه وإجلابه:
قال تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء: 61 - 65]
ولقد تنوعت أساليب المبتدعة في هذا الزمان في محاربتهم للشيخ ربيع وتشويه سمعته والكيد به والمكر بالدعوة السلفية، ولقد وصلت الجرأة على الكذب بهم أن اتهموا الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- بأنه تكلم بكلام لا يليق بحق الربِّ -عزَّ وجلَّ-، وهم كاذبون فيما ادعوه، متناقضون فيما يقولون ويفترون.
فحينما يتكلم معظم من معظمي أولئك الحزبيين بكلام صريح في الذم والسب، ويُدان بذلك، ويطالب بالتوبة يدَّعي هو وأشياعه أنَّ ما تكلَّم به ليس سباً ولا تنقصاً، كما عرف عن بعضهم كالمأربي والحلبي من دعواهما أنَّ وصف الصحابة -رضي اللهُ عنهم- بالغثائيَّة ليس سبّاً!!
ثم مع جهلهما الفاضح بما هو سب وتنقص، وبما ليس كذلك يأتون إلى عبارات وقعت في كلام الشيخ ربيع -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- ليست سباً ولا خطأً فيجعلونها سبا وتنقصاً متناقضين بذلك، ومتكلمين بما ليس لهم به علم كما سيأتي بيانه -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى- .
وقد تولى كبر هذه القضية أبو الحسن مصطفى السليماني المأربي المصري، فجند بعض أتباعه من المبتدعة الفجرة فجمعوا كلمات مقطعة من أشرطة للشيخ ربيع بتروا منها ما بتروا، وحرفوا ما حرفوا، وزاد المأربي ما زاد فيها من الكذب والتحريف والجهل، ونشرها زاعماً أن الشيخ ربيعاً تكلم بكلام لا يليق بالله عز وجل، وكذب وخاب وافترى هذا المأربي قصم الله ظهره، ورد كيده في نحره.
وإن من خيبة هذا المأربي وخسرانه أن صار ما كتبه مرجعاً للخوارج وأهل الضلال عند طعنهم في السلفيين عموماً بأن شيخاً من شيوخهم تكلم بكلام فيه ما لا يليق بالله عز وجل، فأصبح قدوة في الشر والضلال والافتراء، كما قال تعالى عن فرعون وقومه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القصص: 41، 42]
وما زال أهل البدعة لا يكلون ولا يملون في نشر هذه الفرى لأنهم من الشيطان يؤزون، ولأوليائهم من أهل الفتن يتقربون، ووالله إنهم هم الخاسرون الخائبون.
وسبق أن رددت على تلك الفِرَى والأكاذيب في كتابي: "إرواء الغليل في الدفاع عن الشيخ ربيع المدخلي حامل لواء الجرح والتعديل"، وسأذكر ما يتعلق بهذه الفرية التي جدد نشرها بعض أهل البدع في موقع يقال له: "الشبكة الإسلامية العربية الحرة"، وتولى كبر نشر هذا الموضوع كاتب مجاهر بالبدعة لقب نفسه بـ"السروري"، وسمى مقاله-أخزاه الله-: "المطالبة بمحاكمة شيخ الجامية الضال ربيع المدخلي لسوء أدبه مع الذات الإلاهية!!!!" .
وما درى هذا الفاجر أنه استسمن ورماً، وحسب أنه وقع على تمرٍ وهو وقع على جَمْرٍ يتحساه في بطنه بدعة وضلالة في الدنيا، والغريب أن مقاله مسروق من سارقين!! مما يؤكد أنهم من الضالين الغارقين في وحل المبتدعين!!
وسأشرع في ذكر كلام المأربي-قصم الله ظهره- ثم ردي عليه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
*قال المأربي قصم الله ظهره: "أولاً:فمن هذه الأخطاء: أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأن يفقه الواقع!!!"
واستدل بقول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فيشريط "الجلسة الثالثة من المخيّم الربيعي" (أ): "هو بنفسه- يعني الشيخ ابن باز - هذا كلامه مسجل , يقول: إني ما قرأت للبنا والمودودي ,ولاشئ ,إنسان وقته كله مشغول بقضايا الأمة, ماعنده فراغ للهراءات هذه,إحنا عندنا وقت فراغ ,نتابع هذه البلايات "
فقال السائل: على قولك يا شيخ، راح يقولون: الشيخ ابن باز ما يفقه الواقع؟! قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "الشيخ يفقه الواقع، لكن ما يفقه الواقع كله مثل الله ".
ثم قال المأربي: "فهل هذا التعبير فيه إجلال لله عزوجل؟وهل بمثله يعبِّر العلماء الكبار؟!! إن هذا التعبير لوعبر به طالب علم؛لابتدرته الأبصار بالتعجب والدهشة ,لكن حدِّث أيها الشيخ بمايحلو لك؛ فإن وراءك أقواماً لايعرفون معروفاً من غيرك, ولا ينكرون منكراً منك,فالله المستعان!!".
ثم قال المأربي: ",فإني لم أعلم عن أحد من السلف أنه قال: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وقوله ما لم يقله .
فليس في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن الله "يفقه الواقع" لكنه وصف الشيخ ابن باز بفقه الواقع مع نفيه أن يكون فقهه للواقع -أي علمه ومعرفته بالواقع- مثل الله .
فالمثلية راجعة إلى المعنى الذي تضمنته لفظة "الفقه" لا مجرد اللفظ.
الوجه الثاني: على التسليم أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأنه يفقه الواقع فتعبيره صحيح ولكنه خلاف الأولى .
وذلك لأن فقِه تأتي بمعنى علم فيكون المعنى: الله يعلم الواقع وهذا حق بلا ريب.
قال في القاموس المحيط: "الفقه -بالكسر-: 1- العلم بالشيء، 2- والفهم له، 3- والفطنة، 4- وغلب علم الدين لشرفه"([1] (http://m-noor.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn1)).
فذكر للفقه هنا أربعة معانٍ كما هو موضح.
وسياق كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يدل على هذا فهو يتكلم عن معرفة الواقع والعلم به ويبين أن الإحاطة بالواقع إنما هو من خصائص الله لا يستطيعه الشيخ ابن باز -رحمه الله- ولا غيره من البشر .
الوجه الثالث: أن المأربي جعل وصف الله بالفقه بالواقع أي العلم به مثل قول القائل: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!.
وهنا يظهر سوء فهم المذكور- لكلمة "الفقه" فهو يظنها بالمعنى الاصطلاحي عند علماء الفقه وأصوله وهو: العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية .
ولكن نقول للمأربي: إن الفقه يأتي بمعنى العلم ويجوز في العلم أن تقول: الله أعلم من فلان، وفلان في علمه ليس كعلم الله .
وعليه فيصح إطلاق الفقه موضع العلم، لكنه خلاف الأولى لما فيه من الإيهام لا سيما إذا كان جاهلاً مثل هذا المأربي فيتوهم في الله ما لا يليق به عز وجل.
إنكار مصطفى المأربيّ لصفة "الإدراك"
* قال المذكور-: "ثانياً:وللشيخ ربيع كلام ظاهره قبيح,ولازمه أنه يصف الله عز وجل بالبداء، وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-!!"
ثم نقل كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في شريط "مناظرة عن أفعانستان" (أ): "...فأي انحدار يلحق "هذا الإسلام من الإنسان من هذا"؟ أن يعبد القردة والفرج والصنم والحجر والشجر، هذا خطير،ما هو ساذج, هذا أمر خطير, أمر خطير جدًا، ولهذا أدرك خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه ..."
ثم قال المذكور-: "فقوله: (ولهذا أدرك خطورته ربنا ...) هذا لفظ ظاهر جداً في القبح!! يجب على الشيخ ربيع أن يتراجع عنه، وإني لأعلم أنه ما يقصد حقيقة اللفظ، لأن حقيقته يلزم منها ما سبق ذكره، واليهود- أو أكثرهم, على ما عندهم من البلاء- ينكرون جواز النسخ، لأنه يلزم منه البداء، فلا شك أن الشيخ ما يقصد هذا المعنى، إنما هو خطأ لفظي،".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" ليس خطأ لفظياً، بل هو حق وصواب، وإنما أتي المأربي من قبل سوء فهمه، مع سوء قصده، وحبه الظهور، والانتصار لنفسه، ولو بالكذب والبهتان .
وبيان هذا بأمور:
الأمر الأول: أن صفة الإدراك ثابتة لله عز وجل .
قال الله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}.
وقال تعالى: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم}.
فإدراك الله عز وجل للأبصار هو إحاطته بها وعلمه بها .
فالإدارك بمعنى الإحاطة كما ثبت عن غير واحد من السلف.
وقال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: {وهو يدرك الأبصار} أي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه لأنه خلقها ..".
وأما الإدراك في الآية الثانية فبمعنى اللحاق والإحاطة أيضاً فمعنى الآية: لولا أن نعمة الله لحقته وأحاطت به لنبذ بالعراء وهو مذموم .
قال الإمام القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء الحنبلي في كتابه«المعتمد في أصول الدين»(ص/48): «وهو سبحانه مدرك لجميع الْمدْرَكَاتِ، وذلك صفة هو عليها، زائدة على معنى وَصْفِهِ بأنه حي عالم قادر مريد».
فثبت أن الله عز وجل يوصف بالإدراك، والتدارك، وهو بمعنى الإحاطة والعلم، وتأتي بمعنى اللحاق مع الإحاطة .
فكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهره وباطنه: أن الله أدرك بعلمه وإحاطته حاجة الناس إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب لخطورة الشرك في الألوهية .
ولو استبدلنا كلمة (أدرك) بـ(علم) أو (أحاط علمه) فستكون العبارة هكذا: "ولهذا (علم) خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه".
فهل هذا فيه أي محظور أو بداء أيها المتعالم؟!!
الأمر الثاني: أن كثيراً من العلماء لما فسروا صفة العلم لله عز وجل؛ فسروه بأنه الإدراك .
وأذكر مثالين مع كثرة الأمثلة .
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً، والله عز وجل {يعلم ما بين أيديهم} المستقبل، {وما خلفهم} الماضي، وكلمة {ما} من صيغ العموم تشمل كل ماض وكل مستقبل، وتشمل أيضاً ما كان من فعله وما كان من أفعال الخلق."
وقال شيخ الإسلام: "فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة".
وانظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/331) ومفتاح دار السعادة لابن القيم(1/258).
الأمر الثالث: أن كثيراً من العلماء فسروا صفة السمع بالإدراك .
من ذلك: قال الإمام البيهقي في الاعتقاد(ص/51تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي): "السميع: من له سمع يدرك به المسموعات، والسمع له صفة قائمة بذاته" .
وانظر: الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام(1/89) .
الأمر الرابع: أن كثيراً من العلماء فسروا البصر بالإدراك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد(3/686): "والتحقيق أن السمع له مزية، والبصر له مزية، فمزية السمع العموم والشمول، ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه ، فالسمع أعم وأشمل، والبصر أتم وأكمل فهذا أفضل من جهة شمول إدراكه وعمومه، وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه".
وكلامه -رحمه الله- في صفتي السمع والبصر على الإطلاق فإذا أضيفت كان لله ما يليق بكماله وجلاله وغناه، وللعبد ما يليق بضعفه وفقره.
وانظر: الصواعق المرسلة(3/874-875) والعقيدة الأصفهانية(ص/84) .
وقد قال الشيخ عبد الباقي البعلي الحنبلي المتوفى عام1071هـ في كتاب"العين والأثر في عقائد أهل الأثر" راداً على من أنكر أن كلام الله بحرف وصوت(ص/87): "أنَّ الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه، كما أن إدراك البصر بأنه إدراك المبصرات، والسمع في أنه إدراك المسموعات، والعلم في أنه إدراك المعلومات ليس بتشبيه كذلك هذا".
وانظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعة(ص/96) .
الوجه الثاني: من سبقك من العلماء أو حتى الجهلاء إلى أن لفظة: "أدرك" بمعنى البداء؟!
وكيف تجعل فهمك السقيم –غير المسبوق- حكماً على أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟!!
ألا تستحي وتتقي الله وتلزم حدك؟!!
الوجه الثالث: أن المأربي لجهله بمسائل التوحيد يظن –فيما يظهر لي- أنَّ صفة العلم ونحوها من الصفات كالسمع والبصر إذا تعلقت بزمن أو بسبب فهذا يلزم منه القول بالبداء أو أن الله لم يكن يعلم فعلم!!
وهذا باطل .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فهل سيأتي جاهل ويفهم من هذه الآية أن الله لما فرض عليهم القتال والمشركون عشرة أضعافهم لم يكن يعلم ضعفهم؟!!
بل المراد بالعلم هنا علم حادث متجدد لما وجد الضعف، وإن كان الله جل وعلا يعلم ضعفهم في الأزل، وفائدته بيان رحمة الله، ومراقبته لهم، وتخفيفه عليهم .
*ومن عبارات العلماء السلفيين: ما قاله قتادة -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى:{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}: "لم ينفع قرية كفرت، ثم آمنت حين حضرها العذاب، فَتُرِكَت إلا قوم يونس، لَمَّا فقدوا نبيَّهم، وظنُّوا أنَّ العذاب قد دنا منهم؛ قذفَ اللهُ في قلوبهم التَّوبةَ، ولبسوا الْمُسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عَجُّوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم؛ كشف عنهم العذاب، بعد أن تدلى عليهم" نقله ابن كثير وأقره .
ومن ذلك ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل(ص/161): "ثم أخبر سبحانه خبراً مستأنفاً عنهم أنه سيهديهم، ويصلح بالهم لما علم أنهم سيقتلون في سبيله، وأنهم بذلوا أنفسهم له فلهم جزآن جزاء في الدنيا بالهداية على الجهاد وجزاء في الآخرة بدخول الجنة ..."
فهل يفهم من كلام ابن القيم -رحمه الله- أن الله لم يكن يعلم أنهم سيقتلون في سبيله ثم علم ذلك؟!!!!
ونحو ذلك من العبارات .
فلما نقول: لما علم .. ليس معناه أنه لم يكن يعلم ..
فافهم هذا أيها المأربيّ .
وانظر: روضة المحبين(ص/30-31)، الجواب الكافي(ص/129)، إعلام الموقعين(4/202) .
يزيده بياناً:
الوجه الرابع: قول المأربي: "وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-".
قد يفهم منه أن هذا المأربي -عامله الله بعدله- يلزم من يثبت علم الله الحادث أن يكون قد سبقه جهل!!
وهذا باطل .
فعِلْمُ الله -عز وجل- نوعان: علم أزلي قديم، وعلم حادث متجدد متعلق بالمعلومات ووجدوها حسب أزمان حصولها .
وقد نبه على هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- في المسائل والرسائل .
وقال -رحمه الله- في الرد على المنطقيين(ص/464): "أدلة القرآن والحديث على إثبات العلم لله تعالى.
وعامة من يستشكل الآيات الواردة في هذا المعنى كقوله {إلا لنعلم}، {حتى نعلم}؛ يتوهم أن هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون .
وهذا جهل؛ فإنَّ القرآن قد أخبر بأنه يعلم ما سيكون في غير موضع، بل أبلغ من ذلك: أنه قدر مقادير الخلائق كلها، وكتب ذلك قبل أن يخلقها، فقد علم ما سيخلقه علماً مفصلاً، وكتب ذلك وأخبر بما أخبر به من ذلك قبل أن يكون .
وقد أخبر بعلمه المتقدم على وجوده، ثم لما خلقه علمه كائناً مع علمه الذي تقدم أنه سيكون، فهذا هو الكمال، وبذلك جاء القُرْآنُ في غير موضع.." إلخ كلامه وهو نفيس جداً.
* فإن قيل: إن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- إنما علل الإدراك بالمفاسد فقال: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" فهو يجعل الإدراك معللاً وهذا يلزم منه أن ناتج عن أمر سابق، والذي يلزم منه أنه ظهر لله بعد أن لم يكن ظاهراً .
فالجواب:
هذا باطل، وهو مردود عليه بما سبق، فإن الله علل علمه بأشياء، وعلق علمه على وجودها كقوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم} الآية.
فليس فيه أن الله لم يكن يعلم المجاهدين، ولكنه علم حادث بما يستحقون عليه الثواب.
وكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لم يخرج عن الألفاظ الشرعية فإنه علق إنزال الكتب وإرسال الرسل على هذا الإدراك (العلم والإحاطة) وعلق قبل ذلك هذا الإدراك على المفاسد الناتجة من الشرك .
فليس فيه أن الله سبحانه لم يكن مدركاً (محيطاً بعلمه) هذا الأمر في الأزل، بل هو مدرك له في الأزل، ولكنه تجدد علمه بهذه المفاسد بعد عشرة قرون من وفاة آدم عليه السلام، ووقوع الناس في الشرك والفساد، فعلم الله حاجة الناس للرسل والكتب فأرسل نوحاً عليه السلام بالدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك بشتى صنوفه .
وهذا يصح أن يقال بلا إشكال لأنه مبني على استنباط من الأحاديث النبوية .
والله أعلم .
فبما سبق يتبين لنا:
1- أن الإدراك من صفات الله عز وجل الثابتة بالأدلة الشرعية .
2- أن معنى الإداراك هو الإحاطة، وقد تكون الإحاطة بالعلم، أو القدرة ، أو نعمته عز وجل، والسياق هو الذي يبين المراد .
3-أن علم الله نوعان: قديم أزلي، وحادث متجدد . وجهل المأربي بهذا هو الذي أزل قدمه .
4-أن القول بالعلم الحادث أو الإدراك لا يلزم منه القول بالبداء إلا على قول الجهمية وغلاة المعطلة .
5- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أصاب في كلامه، وأنه صحيح لفظاً ومعنى، وإنما أتي المأربي من قبل جهله، وسوء فهمه، وحبه تتبع العثرات الذي أعمى بصره وبصيرته .
مصطفى المأربيّ لا يفرق بين الاستفهام الإنكاري والاستفهام التقريري
* قال المأربي: "ثالثاً:ومما لا يليق ذكره في حق الله عز وجل، ما قاله الشيخ ربيع في نفس الشريط في سياق ذم من يرمي دعاة التوحيد بأنهم دراويش، فقال: (...يعني ربنا درويش، والرسول درويش؟ يا جماعة اتقوا الله، الآن الذي يحارب هذه الأشياء؛ يقولون: درويش، وهذه دروشة!!...).اه
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتهمه قومه بعدة اتهامات، وذلك لما دعاهم إلى توحيد الله، وحارب الشرك بجميع صوره , ولم يقل لهم: إذا كنتم تقولون عني: كذاب وساحر ومجنون... الخ بسبب دعوتي إياكم إلى التوحيد؛ وتحذيري إياكم من الشرك؛فقولوا مثل ذلك في الرب عز وجل!!هل قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا جماعة اتقوا الله ,يعني ربنا ساحر وشاعر ..."؟!حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا!!أليس لك – أيها الشيخ - في رسول الله أسوة حسنة,الذي لم يعبـر بهذا التعبيـر السيئ؟!
وهل يُلزم المخالفون أن ما قالوه في الدعاة من مقالة السوء؛ أن يقولوا ذلك كله في الله عز وجل، أو في رسوله صلى الله عليه وسلم؟!ولو لزمهم هذا؛هل نعبر نحن بهذا التعبير؟!!إنا لله وإنا إليه راجعون".
زيادة على كتابي إرواء الغليل:
وكذلك ما ذكروه عن الشيخ ربيع أنه قال: (الله مو فنان)
وكذلك ما نسبه بعضهم أن الشيخ ربيعا أنكر على بعض المبتدعة رمي أهل السنة بالإرجاء مع صراحة الأدلة من الكتاب والسنة بنفي الإرجاء فنسبوا للشيخ ربيع أنه قال: (الله مرجئ؟! الرسول مرجئ؟! الصحابة مرجئة؟!)) وهذا الكلام لم يوردوا له سنداً وقد يكون صاحبه كذاباً
الجواب:
هذا من المأربي جهل بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطريقة أهل العلم في الرد على المخالفين للحق .
وهو جهل من المأربي بين الاستفهام التقريري والاستفهام الإنكاري .
وهذه آفة هذا المأربي الجاهل .
والجواب على جهالاته من وجوه:
الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ-لم يصف الله عز وجل بخلاف ما وجب، بل هو معظم لله تبارك وتعالى، مُنَزِّه له-عز وجل- عن إفك الأفاكين، وباطل المبطلين.
فهو نفى عن الله ما يتهمه أعداؤه –بطريق غير مباشر- بالدروشة والجهل بطرق بيان الحق والدين .
وهذا ليس فيه سوء تعبير ولا خطأ في لفظ . يوضحه:
الوجه الثاني: أن لفظة درويش كلمة غير عربية يراد بها الجاهل الذي لا يدرك غور الأمور، والغافل، والذي يعمل أعملاً ليس مما يعمله أهل العقل الرجيح.
وقد نفى الله عن نفسه الجهل في كتابه فقال تعالى: { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}.
وقال تعالى-في عدة مواضع-:{وما الله بغافل عما تعملون}
وقال تعالى: {قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى}.
وقال تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} .
وقال تعالى: {لا يعزب عنه مثقال ذرة..} الآية
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فيُنَزِّه الله نفسه عن عدم العلم (الجهل)، وعن الغفلة، وعن الضلال، وعن النسيان –بمعنى الغفلة والسهو- .
وهذه الأمور التي نفاها الله عن نفسه هي حقيقة الدروشة ومعناها، فليس فيها إساءة إلى الله ولا كلام بما لا يليق ... يوضحه:
الوجه الثالث: أن نفي العيوب والنقائص عن الله ليس موقوفاً على ألفاظ معينة بل كل ما فيه نقص ينفى عن الله عز وجل، ما لم يكن ذلك النفي يحصل بسببه نقص لا كمال، كالتفصيل في النفي والإجمال في الإثبات كما هو عليه أهل الكلام .
أما كلمة "دروشة" أو "درويش" فهي لفظة قصيرة ينفى بها عدة صفات نقص .
قال تعالى: {ولم يكن له كفواً أحد} وقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال: {هل تعلم له سمياً}.
قال شيخ الإسلام في التدمرية(ص/88): "وبالجملة، فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى، وصفات الكمال ما قد ورد، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه، كما ينفي عنه المثل والكفؤ .
فإنَّ إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده، والعقل يعرف نفي ذلك، كما يعرف إثبات ضده، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه.
فطرق العلم بنفي ما ينَزَّه عنه الرب متسعة لا يحتاج فيها إلى الإقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير الذين تناقضوا في ذلك، وفرقوا بين المتماثلين حتى أن كل من أثبت شيئاً احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه....-إلى أن قال:- فطرق تنْزيهه وتقديسه عما هو منزه عنه متسعة لا تحتاج إلى هذا..".
نفي الجسم أو إثباته فيه تفصيل بينه شيخ الإسلام في التدمرية وغيرها من كتبه .
الوجه الرابع: ينبني على ما سبق جواز نفي العيوب والنقائص عن الله ولو كانت بألفاظ غير عربية كلفظة درويش أو نحوها من الألفاظ غير العربية .
فلا محظور في إنكار وصف الله بالدروشة أو الجهالة أو الضلال أو الغفلة أو نحوها من صفات النقص.
الوجه الخامس: أن بعض الألفاظ قد ينبو عنها السمع ولكن نجد أن الله عز وجل نفاها عن نفسه، أو نفاها عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو نفاها أهل العلم من أهل السنة والجماعة .
ومن الأمثلة غير ما سبق:
* نفي الصاحبة والولد: قال تعالى: {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد}.
وقال تعالى: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} .
إلى غير ذلك من الأدلة .
* نفي الإعياء والتعب عن الله: قال تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} وقال تعالى: {ولم يعي بخلقهن}.
* نفي السِّنَة والنوم: قال تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}
* نفي الظلم عن نفسه سبحانه: قال تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} وتكرر نفي الظلم في مواطن عديدة.
* نفي اللعب عن نفسه: قال تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين}.
إلى غير ذلك من الأدلة .
*ومن أقوال العلماء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في التدمرية(ص/90-91): "وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به، وكل نقص تنَزَّه عنه المخلوق فالخالق أولى بتَنْزِيهه عن ذلك، والسمع قد نفى ذلك في غير موضع كقوله تعالى: {الله الصمد}، والصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهذه السورة هي نسب الرحمن، أوهى الأصل في هذا الباب .
وقال في حق المسيح وأمه: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقَة كانا يأكلان الطعام}، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية، فدل ذلك على تنْزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأحرى .
والكبد والطحال ونحو ذلك: هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني الْمُنَزَّه عن ذلك مُنَزَّهٌ عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنَّها للعمل والفعل، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل؛ إذ ذاك من صفات الكمال، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل.
وهو سبحانه منَزَّهٌ عن الصحابة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه، وكذلك البكاء والحزن؛ هو مستلزم الضعف والعجز؛ الذي ينَزه عنه سبحانه، بخلاف الفرح والغضب فإنه من صفات الكمال ، فكما يوصف بالقدرة دون العجز، وبالعلم دون الجهل، وبالحياة دون الموت، وبالسمع دون الصمم، وبالبصر دون العمى، وبالكلام دون البكم؛ فكذلك يوصف بالفرح دون الحزن، وبالضحك دون البكاء ونحو ذلك" .
واسمع ما يقوله ابن القيم -رحمه الله- لتعلم مدى جهلك، وتنكبك عن الصراط المستقيم: "قلت: وقريب من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب، فإنه جمعني وإياه مجلس خلوة أفضى بيننا الكلام إلى أن جرى ذكر مسبة النصارى لرب العالمين مسبة ما سبه إياها أحد من البشر .
فقلت له: وأنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة!
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأنكم تزعمون أن محمداً ملك ظالم، ليس برسول صادق، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم، ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله، ويقول: الله أمرني بهذا، وأباحه لي، ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك، ويقول أوحى إلي، ولم يوح إليه شيء، وينسخ شرائع الأنبياء من عنده، ويبطل منها ما يشاء ويبقي منها ما يشاء، وينسب ذلك كله إلى الله، ويقتل أولياءه، وأتباع رسله، ويسترق نساءهم وذرياتهم؛
فإما أن يكون الله سبحانه رائياً لذلك كله عالماً به، مطلعاً عليه أو لا؟
فإن قلتم: إن ذلك بغير علمه واطلاعه؛ نسبتموه إلى الجهل والغباوة، وذلك من أقبح السب .
وإن كان عالما به، رائياً له، مشاهداً لما يفعله؛ فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا؟
فإن قلتم: إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده؛ نسبتموه إلى العجز والضعف.
وإن قلتم: بل هو قادر على منعه، ولم يفعل؛ نسبتموه إلى السفه والظلم والجور .
هذا وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه؛ يجيب دعواته، ويقضي حاجاته، ولا يسأله حاجة إلا قضاها له، ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له، ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ..." إلخ كلامه .
فقارن بين كلام شيخ الإسلام ابن القيم وبين أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لتنظر أي الكلامين أشد وأولى بأن ينكر عليه –إن كان يستحق الإنكار-!!
فراجع نفسك أيها المأربيّ، وارفق بها، ولا تتعد حدود الله، ولا يحملنك الانتصار لنفسك وهواك أن تجعل المعروف منكراً، والمنكرَ معروفاً، والحقَّ باطلاً، والباطلَ حقاً .
وأنصحك بطلب العلم على العلماء المشهود لهم بحسن الطريقة، والاستقامة على منهج السلف كشيخنا أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- والشيخ الفوزان والشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم من علماء أهل السنة .
([1]) الترقيم من عندي.
المصدر : منابر النور