المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [منهجية] إبطال افتراءات السرورية والحدادية وأشباههم على الشيخ العلامة ربيع المدخلي حفظه الله



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
30-Jan-2013, 10:14 AM
إبطال افتراءات السرورية والحدادية وأشباههم على الشيخ العلامة ربيع المدخلي حفظه الله فيما يتعلق بجناب الرب تعالى- للشيخ الفاضل أسامة بن عطايا العتيبي -رعاه الله -



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
فإن الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي من أعلام السنة المعظمين لجناب الرب تعالى، العالمين بالله ودينه وشرعه، الوقافين عند حدوده، والسالكين في عقيدتهم ودعوتهم مسلك ومنهج السلف الصالحين، المعظمين للحق والهدى، ومن المعروفين بتعظيم جناب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، والمنزلين لأهل العلم من السلف ومن جاء بعدهم ممن سلك سبيلهم منازلهم، المتحرين في ذلك الحق والصواب.
ولقد جاهد هذا الإمام في سبيل الله ببنانه ولسانه، ووطئ ساحات الوغى بأقدامه أيام جهاد المسلمين للروس الشيوعيين.
وقد ناله في سبيل الله من الأذى والضر ما ناله بسبب دعوته لتعظيم الرب جل وعلا وتقديره حق قدره، فبيَّن حقيقة الصوفية الخرافية أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وكشف شبهات الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، وبين جنايتهم على توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
ورد على القاديانية والرافضة والصوفية والملاحدة واليهود والنصاى في جنايتهم على جناب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ورد على الرافضة والشيعة ومن تشبه بهم من أدعياء السلفية الذين انتهكوا حرمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وبين جناية العيد الشريفي، والمأربي، والحلبي على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في وصفهم بالأوصاف القبيحة مع الإصرار والعناد والتلاعب.
وجنَّد نفسه للدفاع عن منهج السلف، والحرص الشديد على نقاء المنهج السلفي، وتنقيته من كل دخيل عملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم: ((تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) .
وقد جرت سنة الله أن من دعا إلى توحيد الله وإخلاص العمل له، وتجريد التدين بشرعه لا بالأهواء والبدع أنه سيبتلى، وسيواجه من أهل الباطل التهم والافتراءات وشتى أنواع الكيد والمكر والمحاربة للحق والهدى، لأن هؤلاء المبطلين هم جند الشيطان الذي أمهله الله إلى يوم الدين فوعد بالهلاك والإهلاك بوسوسته واستفزازه وإجلابه:
قال تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء: 61 - 65]
ولقد تنوعت أساليب المبتدعة في هذا الزمان في محاربتهم للشيخ ربيع وتشويه سمعته والكيد به والمكر بالدعوة السلفية، ولقد وصلت الجرأة على الكذب بهم أن اتهموا الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- بأنه تكلم بكلام لا يليق بحق الربِّ -عزَّ وجلَّ-، وهم كاذبون فيما ادعوه، متناقضون فيما يقولون ويفترون.
فحينما يتكلم معظم من معظمي أولئك الحزبيين بكلام صريح في الذم والسب، ويُدان بذلك، ويطالب بالتوبة يدَّعي هو وأشياعه أنَّ ما تكلَّم به ليس سباً ولا تنقصاً، كما عرف عن بعضهم كالمأربي والحلبي من دعواهما أنَّ وصف الصحابة -رضي اللهُ عنهم- بالغثائيَّة ليس سبّاً!!
ثم مع جهلهما الفاضح بما هو سب وتنقص، وبما ليس كذلك يأتون إلى عبارات وقعت في كلام الشيخ ربيع -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- ليست سباً ولا خطأً فيجعلونها سبا وتنقصاً متناقضين بذلك، ومتكلمين بما ليس لهم به علم كما سيأتي بيانه -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى- .
وقد تولى كبر هذه القضية أبو الحسن مصطفى السليماني المأربي المصري، فجند بعض أتباعه من المبتدعة الفجرة فجمعوا كلمات مقطعة من أشرطة للشيخ ربيع بتروا منها ما بتروا، وحرفوا ما حرفوا، وزاد المأربي ما زاد فيها من الكذب والتحريف والجهل، ونشرها زاعماً أن الشيخ ربيعاً تكلم بكلام لا يليق بالله عز وجل، وكذب وخاب وافترى هذا المأربي قصم الله ظهره، ورد كيده في نحره.
وإن من خيبة هذا المأربي وخسرانه أن صار ما كتبه مرجعاً للخوارج وأهل الضلال عند طعنهم في السلفيين عموماً بأن شيخاً من شيوخهم تكلم بكلام فيه ما لا يليق بالله عز وجل، فأصبح قدوة في الشر والضلال والافتراء، كما قال تعالى عن فرعون وقومه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القصص: 41، 42]
وما زال أهل البدعة لا يكلون ولا يملون في نشر هذه الفرى لأنهم من الشيطان يؤزون، ولأوليائهم من أهل الفتن يتقربون، ووالله إنهم هم الخاسرون الخائبون.
وسبق أن رددت على تلك الفِرَى والأكاذيب في كتابي: "إرواء الغليل في الدفاع عن الشيخ ربيع المدخلي حامل لواء الجرح والتعديل"، وسأذكر ما يتعلق بهذه الفرية التي جدد نشرها بعض أهل البدع في موقع يقال له: "الشبكة الإسلامية العربية الحرة"، وتولى كبر نشر هذا الموضوع كاتب مجاهر بالبدعة لقب نفسه بـ"السروري"، وسمى مقاله-أخزاه الله-: "المطالبة بمحاكمة شيخ الجامية الضال ربيع المدخلي لسوء أدبه مع الذات الإلاهية!!!!" .
وما درى هذا الفاجر أنه استسمن ورماً، وحسب أنه وقع على تمرٍ وهو وقع على جَمْرٍ يتحساه في بطنه بدعة وضلالة في الدنيا، والغريب أن مقاله مسروق من سارقين!! مما يؤكد أنهم من الضالين الغارقين في وحل المبتدعين!!
وسأشرع في ذكر كلام المأربي-قصم الله ظهره- ثم ردي عليه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
*قال المأربي قصم الله ظهره: "أولاً:فمن هذه الأخطاء: أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأن يفقه الواقع!!!"
واستدل بقول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فيشريط "الجلسة الثالثة من المخيّم الربيعي" (أ): "هو بنفسه- يعني الشيخ ابن باز - هذا كلامه مسجل , يقول: إني ما قرأت للبنا والمودودي ,ولاشئ ,إنسان وقته كله مشغول بقضايا الأمة, ماعنده فراغ للهراءات هذه,إحنا عندنا وقت فراغ ,نتابع هذه البلايات "
فقال السائل: على قولك يا شيخ، راح يقولون: الشيخ ابن باز ما يفقه الواقع؟! قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "الشيخ يفقه الواقع، لكن ما يفقه الواقع كله مثل الله ".
ثم قال المأربي: "فهل هذا التعبير فيه إجلال لله عزوجل؟وهل بمثله يعبِّر العلماء الكبار؟!! إن هذا التعبير لوعبر به طالب علم؛لابتدرته الأبصار بالتعجب والدهشة ,لكن حدِّث أيها الشيخ بمايحلو لك؛ فإن وراءك أقواماً لايعرفون معروفاً من غيرك, ولا ينكرون منكراً منك,فالله المستعان!!".
ثم قال المأربي: ",فإني لم أعلم عن أحد من السلف أنه قال: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!".


الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وقوله ما لم يقله .
فليس في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن الله "يفقه الواقع" لكنه وصف الشيخ ابن باز بفقه الواقع مع نفيه أن يكون فقهه للواقع -أي علمه ومعرفته بالواقع- مثل الله .
فالمثلية راجعة إلى المعنى الذي تضمنته لفظة "الفقه" لا مجرد اللفظ.
الوجه الثاني: على التسليم أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأنه يفقه الواقع فتعبيره صحيح ولكنه خلاف الأولى .
وذلك لأن فقِه تأتي بمعنى علم فيكون المعنى: الله يعلم الواقع وهذا حق بلا ريب.
قال في القاموس المحيط: "الفقه -بالكسر-: 1- العلم بالشيء، 2- والفهم له، 3- والفطنة، 4- وغلب علم الدين لشرفه"([1] (http://m-noor.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn1)).
فذكر للفقه هنا أربعة معانٍ كما هو موضح.
وسياق كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يدل على هذا فهو يتكلم عن معرفة الواقع والعلم به ويبين أن الإحاطة بالواقع إنما هو من خصائص الله لا يستطيعه الشيخ ابن باز -رحمه الله- ولا غيره من البشر .
الوجه الثالث: أن المأربي جعل وصف الله بالفقه بالواقع أي العلم به مثل قول القائل: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!.
وهنا يظهر سوء فهم المذكور- لكلمة "الفقه" فهو يظنها بالمعنى الاصطلاحي عند علماء الفقه وأصوله وهو: العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية .
ولكن نقول للمأربي: إن الفقه يأتي بمعنى العلم ويجوز في العلم أن تقول: الله أعلم من فلان، وفلان في علمه ليس كعلم الله .
وعليه فيصح إطلاق الفقه موضع العلم، لكنه خلاف الأولى لما فيه من الإيهام لا سيما إذا كان جاهلاً مثل هذا المأربي فيتوهم في الله ما لا يليق به عز وجل.


إنكار مصطفى المأربيّ لصفة "الإدراك"

* قال المذكور-: "ثانياً:وللشيخ ربيع كلام ظاهره قبيح,ولازمه أنه يصف الله عز وجل بالبداء، وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-!!"
ثم نقل كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في شريط "مناظرة عن أفعانستان" (أ): "...فأي انحدار يلحق "هذا الإسلام من الإنسان من هذا"؟ أن يعبد القردة والفرج والصنم والحجر والشجر، هذا خطير،ما هو ساذج, هذا أمر خطير, أمر خطير جدًا، ولهذا أدرك خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه ..."
ثم قال المذكور-: "فقوله: (ولهذا أدرك خطورته ربنا ...) هذا لفظ ظاهر جداً في القبح!! يجب على الشيخ ربيع أن يتراجع عنه، وإني لأعلم أنه ما يقصد حقيقة اللفظ، لأن حقيقته يلزم منها ما سبق ذكره، واليهود- أو أكثرهم, على ما عندهم من البلاء- ينكرون جواز النسخ، لأنه يلزم منه البداء، فلا شك أن الشيخ ما يقصد هذا المعنى، إنما هو خطأ لفظي،".


الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" ليس خطأ لفظياً، بل هو حق وصواب، وإنما أتي المأربي من قبل سوء فهمه، مع سوء قصده، وحبه الظهور، والانتصار لنفسه، ولو بالكذب والبهتان .
وبيان هذا بأمور:
الأمر الأول: أن صفة الإدراك ثابتة لله عز وجل .
قال الله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}.
وقال تعالى: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم}.
فإدراك الله عز وجل للأبصار هو إحاطته بها وعلمه بها .
فالإدارك بمعنى الإحاطة كما ثبت عن غير واحد من السلف.
وقال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: {وهو يدرك الأبصار} أي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه لأنه خلقها ..".
وأما الإدراك في الآية الثانية فبمعنى اللحاق والإحاطة أيضاً فمعنى الآية: لولا أن نعمة الله لحقته وأحاطت به لنبذ بالعراء وهو مذموم .
قال الإمام القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء الحنبلي في كتابه«المعتمد في أصول الدين»(ص/48): «وهو سبحانه مدرك لجميع الْمدْرَكَاتِ، وذلك صفة هو عليها، زائدة على معنى وَصْفِهِ بأنه حي عالم قادر مريد».
فثبت أن الله عز وجل يوصف بالإدراك، والتدارك، وهو بمعنى الإحاطة والعلم، وتأتي بمعنى اللحاق مع الإحاطة .
فكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهره وباطنه: أن الله أدرك بعلمه وإحاطته حاجة الناس إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب لخطورة الشرك في الألوهية .
ولو استبدلنا كلمة (أدرك) بـ(علم) أو (أحاط علمه) فستكون العبارة هكذا: "ولهذا (علم) خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه".
فهل هذا فيه أي محظور أو بداء أيها المتعالم؟!!
الأمر الثاني: أن كثيراً من العلماء لما فسروا صفة العلم لله عز وجل؛ فسروه بأنه الإدراك .
وأذكر مثالين مع كثرة الأمثلة .
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً، والله عز وجل {يعلم ما بين أيديهم} المستقبل، {وما خلفهم} الماضي، وكلمة {ما} من صيغ العموم تشمل كل ماض وكل مستقبل، وتشمل أيضاً ما كان من فعله وما كان من أفعال الخلق."
وقال شيخ الإسلام: "فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة".
وانظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/331) ومفتاح دار السعادة لابن القيم(1/258).
الأمر الثالث: أن كثيراً من العلماء فسروا صفة السمع بالإدراك .
من ذلك: قال الإمام البيهقي في الاعتقاد(ص/51تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي): "السميع: من له سمع يدرك به المسموعات، والسمع له صفة قائمة بذاته" .
وانظر: الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام(1/89) .
الأمر الرابع: أن كثيراً من العلماء فسروا البصر بالإدراك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد(3/686): "والتحقيق أن السمع له مزية، والبصر له مزية، فمزية السمع العموم والشمول، ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه ، فالسمع أعم وأشمل، والبصر أتم وأكمل فهذا أفضل من جهة شمول إدراكه وعمومه، وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه".
وكلامه -رحمه الله- في صفتي السمع والبصر على الإطلاق فإذا أضيفت كان لله ما يليق بكماله وجلاله وغناه، وللعبد ما يليق بضعفه وفقره.
وانظر: الصواعق المرسلة(3/874-875) والعقيدة الأصفهانية(ص/84) .
وقد قال الشيخ عبد الباقي البعلي الحنبلي المتوفى عام1071هـ في كتاب"العين والأثر في عقائد أهل الأثر" راداً على من أنكر أن كلام الله بحرف وصوت(ص/87): "أنَّ الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه، كما أن إدراك البصر بأنه إدراك المبصرات، والسمع في أنه إدراك المسموعات، والعلم في أنه إدراك المعلومات ليس بتشبيه كذلك هذا".
وانظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعة(ص/96) .
الوجه الثاني: من سبقك من العلماء أو حتى الجهلاء إلى أن لفظة: "أدرك" بمعنى البداء؟!
وكيف تجعل فهمك السقيم –غير المسبوق- حكماً على أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟!!
ألا تستحي وتتقي الله وتلزم حدك؟!!
الوجه الثالث: أن المأربي لجهله بمسائل التوحيد يظن –فيما يظهر لي- أنَّ صفة العلم ونحوها من الصفات كالسمع والبصر إذا تعلقت بزمن أو بسبب فهذا يلزم منه القول بالبداء أو أن الله لم يكن يعلم فعلم!!
وهذا باطل .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فهل سيأتي جاهل ويفهم من هذه الآية أن الله لما فرض عليهم القتال والمشركون عشرة أضعافهم لم يكن يعلم ضعفهم؟!!
بل المراد بالعلم هنا علم حادث متجدد لما وجد الضعف، وإن كان الله جل وعلا يعلم ضعفهم في الأزل، وفائدته بيان رحمة الله، ومراقبته لهم، وتخفيفه عليهم .
*ومن عبارات العلماء السلفيين: ما قاله قتادة -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى:{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}: "لم ينفع قرية كفرت، ثم آمنت حين حضرها العذاب، فَتُرِكَت إلا قوم يونس، لَمَّا فقدوا نبيَّهم، وظنُّوا أنَّ العذاب قد دنا منهم؛ قذفَ اللهُ في قلوبهم التَّوبةَ، ولبسوا الْمُسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عَجُّوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم؛ كشف عنهم العذاب، بعد أن تدلى عليهم" نقله ابن كثير وأقره .
ومن ذلك ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل(ص/161): "ثم أخبر سبحانه خبراً مستأنفاً عنهم أنه سيهديهم، ويصلح بالهم لما علم أنهم سيقتلون في سبيله، وأنهم بذلوا أنفسهم له فلهم جزآن جزاء في الدنيا بالهداية على الجهاد وجزاء في الآخرة بدخول الجنة ..."
فهل يفهم من كلام ابن القيم -رحمه الله- أن الله لم يكن يعلم أنهم سيقتلون في سبيله ثم علم ذلك؟!!!!
ونحو ذلك من العبارات .
فلما نقول: لما علم .. ليس معناه أنه لم يكن يعلم ..
فافهم هذا أيها المأربيّ .
وانظر: روضة المحبين(ص/30-31)، الجواب الكافي(ص/129)، إعلام الموقعين(4/202) .
يزيده بياناً:
الوجه الرابع: قول المأربي: "وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-".
قد يفهم منه أن هذا المأربي -عامله الله بعدله- يلزم من يثبت علم الله الحادث أن يكون قد سبقه جهل!!
وهذا باطل .
فعِلْمُ الله -عز وجل- نوعان: علم أزلي قديم، وعلم حادث متجدد متعلق بالمعلومات ووجدوها حسب أزمان حصولها .
وقد نبه على هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- في المسائل والرسائل .
وقال -رحمه الله- في الرد على المنطقيين(ص/464): "أدلة القرآن والحديث على إثبات العلم لله تعالى.
وعامة من يستشكل الآيات الواردة في هذا المعنى كقوله {إلا لنعلم}، {حتى نعلم}؛ يتوهم أن هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون .
وهذا جهل؛ فإنَّ القرآن قد أخبر بأنه يعلم ما سيكون في غير موضع، بل أبلغ من ذلك: أنه قدر مقادير الخلائق كلها، وكتب ذلك قبل أن يخلقها، فقد علم ما سيخلقه علماً مفصلاً، وكتب ذلك وأخبر بما أخبر به من ذلك قبل أن يكون .
وقد أخبر بعلمه المتقدم على وجوده، ثم لما خلقه علمه كائناً مع علمه الذي تقدم أنه سيكون، فهذا هو الكمال، وبذلك جاء القُرْآنُ في غير موضع.." إلخ كلامه وهو نفيس جداً.
* فإن قيل: إن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- إنما علل الإدراك بالمفاسد فقال: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" فهو يجعل الإدراك معللاً وهذا يلزم منه أن ناتج عن أمر سابق، والذي يلزم منه أنه ظهر لله بعد أن لم يكن ظاهراً .
فالجواب:
هذا باطل، وهو مردود عليه بما سبق، فإن الله علل علمه بأشياء، وعلق علمه على وجودها كقوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم} الآية.

فليس فيه أن الله لم يكن يعلم المجاهدين، ولكنه علم حادث بما يستحقون عليه الثواب.
وكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لم يخرج عن الألفاظ الشرعية فإنه علق إنزال الكتب وإرسال الرسل على هذا الإدراك (العلم والإحاطة) وعلق قبل ذلك هذا الإدراك على المفاسد الناتجة من الشرك .
فليس فيه أن الله سبحانه لم يكن مدركاً (محيطاً بعلمه) هذا الأمر في الأزل، بل هو مدرك له في الأزل، ولكنه تجدد علمه بهذه المفاسد بعد عشرة قرون من وفاة آدم عليه السلام، ووقوع الناس في الشرك والفساد، فعلم الله حاجة الناس للرسل والكتب فأرسل نوحاً عليه السلام بالدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك بشتى صنوفه .
وهذا يصح أن يقال بلا إشكال لأنه مبني على استنباط من الأحاديث النبوية .
والله أعلم .
فبما سبق يتبين لنا:
1- أن الإدراك من صفات الله عز وجل الثابتة بالأدلة الشرعية .
2- أن معنى الإداراك هو الإحاطة، وقد تكون الإحاطة بالعلم، أو القدرة ، أو نعمته عز وجل، والسياق هو الذي يبين المراد .
3-أن علم الله نوعان: قديم أزلي، وحادث متجدد . وجهل المأربي بهذا هو الذي أزل قدمه .
4-أن القول بالعلم الحادث أو الإدراك لا يلزم منه القول بالبداء إلا على قول الجهمية وغلاة المعطلة .
5- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أصاب في كلامه، وأنه صحيح لفظاً ومعنى، وإنما أتي المأربي من قبل جهله، وسوء فهمه، وحبه تتبع العثرات الذي أعمى بصره وبصيرته .




مصطفى المأربيّ لا يفرق بين الاستفهام الإنكاري والاستفهام التقريري

* قال المأربي: "ثالثاً:ومما لا يليق ذكره في حق الله عز وجل، ما قاله الشيخ ربيع في نفس الشريط في سياق ذم من يرمي دعاة التوحيد بأنهم دراويش، فقال: (...يعني ربنا درويش، والرسول درويش؟ يا جماعة اتقوا الله، الآن الذي يحارب هذه الأشياء؛ يقولون: درويش، وهذه دروشة!!...).اه
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتهمه قومه بعدة اتهامات، وذلك لما دعاهم إلى توحيد الله، وحارب الشرك بجميع صوره , ولم يقل لهم: إذا كنتم تقولون عني: كذاب وساحر ومجنون... الخ بسبب دعوتي إياكم إلى التوحيد؛ وتحذيري إياكم من الشرك؛فقولوا مثل ذلك في الرب عز وجل!!هل قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا جماعة اتقوا الله ,يعني ربنا ساحر وشاعر ..."؟!حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا!!أليس لك – أيها الشيخ - في رسول الله أسوة حسنة,الذي لم يعبـر بهذا التعبيـر السيئ؟!
وهل يُلزم المخالفون أن ما قالوه في الدعاة من مقالة السوء؛ أن يقولوا ذلك كله في الله عز وجل، أو في رسوله صلى الله عليه وسلم؟!ولو لزمهم هذا؛هل نعبر نحن بهذا التعبير؟!!إنا لله وإنا إليه راجعون".
زيادة على كتابي إرواء الغليل:
وكذلك ما ذكروه عن الشيخ ربيع أنه قال: (الله مو فنان)
وكذلك ما نسبه بعضهم أن الشيخ ربيعا أنكر على بعض المبتدعة رمي أهل السنة بالإرجاء مع صراحة الأدلة من الكتاب والسنة بنفي الإرجاء فنسبوا للشيخ ربيع أنه قال: (الله مرجئ؟! الرسول مرجئ؟! الصحابة مرجئة؟!)) وهذا الكلام لم يوردوا له سنداً وقد يكون صاحبه كذاباً
الجواب:
هذا من المأربي جهل بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطريقة أهل العلم في الرد على المخالفين للحق .
وهو جهل من المأربي بين الاستفهام التقريري والاستفهام الإنكاري .
وهذه آفة هذا المأربي الجاهل .




والجواب على جهالاته من وجوه:

الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ-لم يصف الله عز وجل بخلاف ما وجب، بل هو معظم لله تبارك وتعالى، مُنَزِّه له-عز وجل- عن إفك الأفاكين، وباطل المبطلين.
فهو نفى عن الله ما يتهمه أعداؤه –بطريق غير مباشر- بالدروشة والجهل بطرق بيان الحق والدين .
وهذا ليس فيه سوء تعبير ولا خطأ في لفظ . يوضحه:
الوجه الثاني: أن لفظة درويش كلمة غير عربية يراد بها الجاهل الذي لا يدرك غور الأمور، والغافل، والذي يعمل أعملاً ليس مما يعمله أهل العقل الرجيح.
وقد نفى الله عن نفسه الجهل في كتابه فقال تعالى: { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}.
وقال تعالى-في عدة مواضع-:{وما الله بغافل عما تعملون}
وقال تعالى: {قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى}.
وقال تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} .
وقال تعالى: {لا يعزب عنه مثقال ذرة..} الآية
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فيُنَزِّه الله نفسه عن عدم العلم (الجهل)، وعن الغفلة، وعن الضلال، وعن النسيان –بمعنى الغفلة والسهو- .
وهذه الأمور التي نفاها الله عن نفسه هي حقيقة الدروشة ومعناها، فليس فيها إساءة إلى الله ولا كلام بما لا يليق ... يوضحه:
الوجه الثالث: أن نفي العيوب والنقائص عن الله ليس موقوفاً على ألفاظ معينة بل كل ما فيه نقص ينفى عن الله عز وجل، ما لم يكن ذلك النفي يحصل بسببه نقص لا كمال، كالتفصيل في النفي والإجمال في الإثبات كما هو عليه أهل الكلام .
أما كلمة "دروشة" أو "درويش" فهي لفظة قصيرة ينفى بها عدة صفات نقص .
قال تعالى: {ولم يكن له كفواً أحد} وقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال: {هل تعلم له سمياً}.
قال شيخ الإسلام في التدمرية(ص/88): "وبالجملة، فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى، وصفات الكمال ما قد ورد، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه، كما ينفي عنه المثل والكفؤ .
فإنَّ إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده، والعقل يعرف نفي ذلك، كما يعرف إثبات ضده، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه.
فطرق العلم بنفي ما ينَزَّه عنه الرب متسعة لا يحتاج فيها إلى الإقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير الذين تناقضوا في ذلك، وفرقوا بين المتماثلين حتى أن كل من أثبت شيئاً احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه....-إلى أن قال:- فطرق تنْزيهه وتقديسه عما هو منزه عنه متسعة لا تحتاج إلى هذا..".
نفي الجسم أو إثباته فيه تفصيل بينه شيخ الإسلام في التدمرية وغيرها من كتبه .
الوجه الرابع: ينبني على ما سبق جواز نفي العيوب والنقائص عن الله ولو كانت بألفاظ غير عربية كلفظة درويش أو نحوها من الألفاظ غير العربية .
فلا محظور في إنكار وصف الله بالدروشة أو الجهالة أو الضلال أو الغفلة أو نحوها من صفات النقص.
الوجه الخامس: أن بعض الألفاظ قد ينبو عنها السمع ولكن نجد أن الله عز وجل نفاها عن نفسه، أو نفاها عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو نفاها أهل العلم من أهل السنة والجماعة .
ومن الأمثلة غير ما سبق:
* نفي الصاحبة والولد: قال تعالى: {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد}.
وقال تعالى: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} .
إلى غير ذلك من الأدلة .
* نفي الإعياء والتعب عن الله: قال تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} وقال تعالى: {ولم يعي بخلقهن}.
* نفي السِّنَة والنوم: قال تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}
* نفي الظلم عن نفسه سبحانه: قال تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} وتكرر نفي الظلم في مواطن عديدة.
* نفي اللعب عن نفسه: قال تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين}.
إلى غير ذلك من الأدلة .
*ومن أقوال العلماء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في التدمرية(ص/90-91): "وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به، وكل نقص تنَزَّه عنه المخلوق فالخالق أولى بتَنْزِيهه عن ذلك، والسمع قد نفى ذلك في غير موضع كقوله تعالى: {الله الصمد}، والصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهذه السورة هي نسب الرحمن، أوهى الأصل في هذا الباب .
وقال في حق المسيح وأمه: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقَة كانا يأكلان الطعام}، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية، فدل ذلك على تنْزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأحرى .
والكبد والطحال ونحو ذلك: هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني الْمُنَزَّه عن ذلك مُنَزَّهٌ عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنَّها للعمل والفعل، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل؛ إذ ذاك من صفات الكمال، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل.
وهو سبحانه منَزَّهٌ عن الصحابة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه، وكذلك البكاء والحزن؛ هو مستلزم الضعف والعجز؛ الذي ينَزه عنه سبحانه، بخلاف الفرح والغضب فإنه من صفات الكمال ، فكما يوصف بالقدرة دون العجز، وبالعلم دون الجهل، وبالحياة دون الموت، وبالسمع دون الصمم، وبالبصر دون العمى، وبالكلام دون البكم؛ فكذلك يوصف بالفرح دون الحزن، وبالضحك دون البكاء ونحو ذلك" .
واسمع ما يقوله ابن القيم -رحمه الله- لتعلم مدى جهلك، وتنكبك عن الصراط المستقيم: "قلت: وقريب من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب، فإنه جمعني وإياه مجلس خلوة أفضى بيننا الكلام إلى أن جرى ذكر مسبة النصارى لرب العالمين مسبة ما سبه إياها أحد من البشر .
فقلت له: وأنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة!
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأنكم تزعمون أن محمداً ملك ظالم، ليس برسول صادق، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم، ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله، ويقول: الله أمرني بهذا، وأباحه لي، ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك، ويقول أوحى إلي، ولم يوح إليه شيء، وينسخ شرائع الأنبياء من عنده، ويبطل منها ما يشاء ويبقي منها ما يشاء، وينسب ذلك كله إلى الله، ويقتل أولياءه، وأتباع رسله، ويسترق نساءهم وذرياتهم؛
فإما أن يكون الله سبحانه رائياً لذلك كله عالماً به، مطلعاً عليه أو لا؟
فإن قلتم: إن ذلك بغير علمه واطلاعه؛ نسبتموه إلى الجهل والغباوة، وذلك من أقبح السب .
وإن كان عالما به، رائياً له، مشاهداً لما يفعله؛ فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا؟
فإن قلتم: إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده؛ نسبتموه إلى العجز والضعف.
وإن قلتم: بل هو قادر على منعه، ولم يفعل؛ نسبتموه إلى السفه والظلم والجور .
هذا وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه؛ يجيب دعواته، ويقضي حاجاته، ولا يسأله حاجة إلا قضاها له، ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له، ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ..." إلخ كلامه .
فقارن بين كلام شيخ الإسلام ابن القيم وبين أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لتنظر أي الكلامين أشد وأولى بأن ينكر عليه –إن كان يستحق الإنكار-!!
فراجع نفسك أيها المأربيّ، وارفق بها، ولا تتعد حدود الله، ولا يحملنك الانتصار لنفسك وهواك أن تجعل المعروف منكراً، والمنكرَ معروفاً، والحقَّ باطلاً، والباطلَ حقاً .
وأنصحك بطلب العلم على العلماء المشهود لهم بحسن الطريقة، والاستقامة على منهج السلف كشيخنا أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- والشيخ الفوزان والشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم من علماء أهل السنة .

([1]) الترقيم من عندي.

المصدر : منابر النور

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
30-Jan-2013, 10:15 AM
خلط مصطفى المأربيّ بين النفي والإثبات، وإنكاره ما ثبت في كتاب الله


* قال المأربي: "رابعاً:ومن ذلك أن الشيخ في سياق رده على الذين يرمون أهل السنة بالعمالة,لأنهم – في نظرهم – لا ينكرون باطل الحكام ,ويطالبونهم بالانضمام إليهم ,في الخروج على الحكام ,أو التهييج عليهم, ولقد أحسن الشيخُ في رده على ذلك ,إلا أنه أتى بعبارات سيئة ,تشمئز منها قلوب الموحدين ,وتقشعر منها الجلود ,فقد قال في شريط:"مرحباً يا طالب العلم "(1/أ):) الآن الذي لا يناطح الحكام عميل!! ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!! ولماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يناطح هذه المناطحات؟!! أهؤلاء أهدى من الله؟!!وأهدى من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!! يبدأون الدعوة إلى الإسلام, من آخر مراحل الإسلام , ولا يبدأون من الأصول والمنابع الأولى في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ....).
وفي هذا الكلام عدة مؤاخذات:
1-هل يجوز للشيخ أن يقول:(ليه ربنا ما ناطح الحكام؟) هل يوصف الله عزوجل بالمناطحة؟!!سبحانك هذا بهتان عظيم .
2-هل يجوز للشيخ أن يقول:(أهؤلاء أهدى من الله؟) هكذا بصيغة أفعل التفضيل ,فأثبت أن الله عزوجل مهتدٍ,إلا أنه سبحانه أهدى من غيره!!!
فهل يجوز لنا أن نقول:الله عزوجل أهدى من فلان؟!!فإلى الله المشتكى..
..."
الــــجَــــواب:
انتقد المأربي الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- في موضعين من هذا الكلام .
الأول: قول الشيخ حفظه الله وكسر شوكة عدوه: "!! ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!! ولماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يناطح هذه المناطحات؟!!".
الثاني: قوله الشيخ -حفظَهُ اللهُ-: "أهؤلاء أهدى من الله؟!!وأهدى من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!!".


والجواب عن الأمر الأول من وجوه:

الوجه الأول: أن مصطفى المأربي كذب على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- إذ نسب إليه وصفَ الله بالمناطحة!!
قال المأربي: "هل يوصف الله عز وجل بالمناطحة؟!!" موهما أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يقول بذلك .
الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- إنما قال: "ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!!"
فلم يفرق المأربي الجاهل بين الاستفهام الاستنكاري المتضمن إنكار الوصف المنسوب إلى الله، وبين الاستفهام الاستعلامي والاستخباري .
علماً بأن المأربي وضع بعد سؤال الشيخ علامة استفهام وعلامتي تعجب دلالة على أن السؤال سؤال استنكار لا استفسار!
فإن قيل: إنه وضع علامة التعجب لاستنكار لفظة المناطحة!
فيقال: لو كان الأمر كذلك لكان موضع علامة التعجب بعد كلمة "ناطح" وليس بعد نهاية السؤال .
الوجه الثاني: معنى كلمة ناطَح: مأخوذ من الفعل نطح .
قال ابن منظور: "النطح للكباش ونحوها؛ نطحه ينطِحُه وينطَحُه نطحاً...ويقتاس من ذلك تناطحت الأمواج والسيول والرجال في الحرب .
قال ابن سيده: والنطيح والناطح ما يستقبلك ويأتيك من أمامك من الطير والظباء ..
وقال الجوهري: نواطح الدهر شدائده . ويقال: أصابه ناطحٌ أي: أمر شديد ذو مشقة قال الراعي: وقد مسَّه منا ومنهن ناطحُ .
وفي الحديث: ((فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبداً)) ([1] (http://m-noor.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn1)) قال أبو بكر: معناه: فارس تقاتل المسلمين مرة أو مرتين . وقيل: معناه: فارس تنطح مرة أو مرتين فيبطل ملكها ويزول أمرها" لسان العرب(14/184) .
فيتبين مما سبق أن كلمة ناطح لا تعني بالضرورة الضرب بالقرون كما يظهر من فهم المأربي وصنيعه!!
لا سيما أنه مزارع فلعله يعالج الثيران أو البهائم!!
فلا يلزم من الوصف بالنطح أن يكون له قرنان!!
بل ركناه: الضرب والمواجهة .
فيكون معنى ناطح الحكام: أي قاتلهم مواجهة .
والله -عَزَّ وَجَلَّ- وجل يحارب أعداءه.
قَالَ تَعَالَى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }البقرة27
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-: ((إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ
وأعداؤه يحاربونه:
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33.
فالمقصود أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- وجل لَمْ يحارب الحكام ، وَكَذَلِكَ رسوله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، وإنما يحارب مَنْ يعادي أولياءه، أَوْ لا ينتهي عَنْ الربا، ولَيْسَ ذَلِكَ خاصاً بالحكام.
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يصف الله بالمناطحة، بل نفاها عن الله عز وجل، واستنكر فعل الحزبيين الذين يواجهون الحكام ويعلنون عليهم الحرب والمخالفة دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله.
وقد سبق ذكر شيء من هذا في الفقرة السابقة كقوله تعالى: {وما كنا لاعبين}، وقوله: {لا يضل ربي ولا ينسى}.
وقوله تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} ونحوها من الأدلة، وقد نقلت كلام بعض العلماء بنحو ذلك.
الوجه الرابع: لو كان الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أخبر عن الله بلفظ "ناطح" فإن سياق كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يبين مراده بلفظة المناطحة ألا وهو المواجهة .
فالشيخ يقول بعد ذكره للأحبار والرهبان وأن الله عز وجل حذر منهم وبين مدى فسادهم وهم ليسوا ملوكاً ولا حكاماً ثم ذكر قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} ثم قال: فين الكلام على كسرى وقيصر؟ أين هو؟
ثم قال -حفظَهُ اللهُ-: "الآن الذي لا يناطح الحكام عميل!!" ومعناه ظاهر؛ أي الذي لا يواجه الحكام ويعلن عليهم الحرب والمخالفة يعده الحزبيون عميلاً . دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله؛ كما بينه الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في سياق كلامه بعد الكلام الذي نقله المأربي .
ثم قال -حفظَهُ اللهُ- مستنكراً ومنكراً على هؤلاء الحزبيين: "ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!!" يعني: لماذا ما واجه الله الحكام بمثل ما عليه الحزبيون من الدعوة إلى السياسة والحكم دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله؟!!
ثم قال -حفظَهُ اللهُ-: "ولماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يناطح هذه المناطحات؟!!" أي: لماذا ما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يواجه الحكام بمثل ما يواجه به الحزبيون حكامهم من الدعوة إلى السياسة والحكم دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله؟!!
فهذا هو ظاهر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
ولا نقول إن قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- موهم أو مشتبه ونحتاج إلى كلام آخر له في موضع آخر لنعرف مقصده من كلامه!!
بل هو ظاهر كلامه وسياقه وسباقه ولحاقه وهذا عليه أهل العلم قاطبة وعلى رأسهم شيخنا الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
الوجه الخامس: من باب التَّنَزُّل: أن استخدام كلمة ناطح مع نفيها في هذا الموضع إنما هو من باب الإخبار -مع ظهور المراد به في سياق الكلام- وهو أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء.
قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين(3/415): "وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به فإنه يخبر عنه بأنه شيء وموجود ومذكور ومعلوم ومراد ولا يسمى بذلك"
وقال في بدائع الفوائد(1/170): "السابع أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل(1/297-298): "وقد يُفَرَّقُ بين اللفظ الذي يدعى به الرب، فإنه لا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وبين ما يخبر به عنه لإثبات حق أو نفي باطل .
وإذا كنا في باب العبارة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا أن نفرق بين مخاطبته وبين الإخبار عنه؛ فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى حيث قال: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} فلا نقول: يا محمد، يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضا، بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله.
والله سبحانه وتعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم، فقال: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}...ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال: {يا أيها النبي}، {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر}...فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه .
وأما إذا كنا في مقام الإخبار عنه قلنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}...
فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل، وبه يظهر الفرق بين ما يُدعى الله به من الأسماء الحسنى، وبين ما يُخبَرُ به عنه عز وجل مما هو حق ثابت؛ لإثبات ما يستحقه سبحانه من صفات الكمال، ونفى ما تنَزَّه عنه عز وجل من العيوب والنقائص، فإنه الملك القدوس السلام سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا".
فالشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- استنكر على الحزبيين المبطلين طريقتهم في الدعوة إلى الله، ونفى عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- مناطحة الحكام وهو مواجه الحكام وإعلان الحرب عليهم دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله .
والله أعلم .





الأمر الثاني: قوله الشيخ -حفظَهُ اللهُ-:
"أهؤلاء أهدى من الله؟!!وأهدى من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!!".

ثم قول المأربي تعقيبا عليه: "فأثبت أن الله عز وجل مهتدٍ,إلا أنه سبحانه أهدى من غيره!!!".


والجواب عليه من وجوه:

الوجه الأول: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فنسب إليه ما لم يقله، فزعم أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أثبت لله أنه "مهتدٍ" وهذا من جهل المأربي باللغة والشرع كما سيأتي .
الوجه الثاني: وهو أن كلمة "أهدى" اسم تفضيل من الفعل "هدى"، والله عز وجل من صفاته الهداية فهو عز وجل: {يهدي من يشاء ويضل من يشاء}.
وقال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}.
وقال تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.
والأدلة التي تثبت صفة الهداية لله عز وجل كثيرة جداً .
وهداية الله نوعان:
النوع الأول: هداية توفيق وإلهام وهذه من خصائص الرب جل وعلا .
قال تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} .
النوع الثاني: هداية دلالة وإرشاد وهذه مشتركة بين العبد وبين ربِّه .
فلله كمال الدلالة والإرشاد .
وللعبد من هداية الدلالة والإرشاد بما يقْدِرُه الله عليه، ويعلمه إياه ؛ وذلك لفقر الإنسان، وحاجته إلى ربِّه عز وجل .
والمفاضلة في هداية الدلالة والإرشاد جائزة صحيحة .
فيصح أن يقال: الله أهدى منكم أي: أتم دلالة وأكمل إرشاداً.
يبينه:
الوجه الثالث: أن المفاضلة في الهداية واردة في كتاب الله تعالى .
وقال تعالى: {قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون}.
ففي الآية المفاضلة في الدلالة والإرشاد بين القرآن وهو كلام الله وصفته، وبين
ما وجدوا عليه الآباء ..
وجازت المفاضلة مع أنهم مشركون لأن ما وجدوا عليه آباءهم فيه شيء من الحق، وبقية من دين إبراهيم عليه السلام .
فيصح أن يقال: إن كلام الله أهدى مما وجدوا عليه آباءهم .
وهذا لا يلزم منه ما فهمه المأربي الجاهل أن يوصف القرآن بأنه مهتد!!
الوجه الرابع: أن المأربي من قبل العجمة أتي، وكم أفسدت العجمة من الأديان والعقول!!
فالمأربي ظنَّ أن كلمة "أهدى" مأخوذة من الفعل "اهتدى" وهذا جهل بمبادئ "المشتقات" و"تصاريف الأفعال"!!
فإن الفعل الرباعي التام المثبت المتصرف الذي يقبل التفاوت ومؤنثه ليس على فعلاء يؤتى منه باسم التفضيل بفعل مساعد كأشد وأعظم ونحو ذلك .
فلو قال القائل: فمن أشد اهتداءً من الله لصح انتقاد هذا المأربي الجاهل .
ولكن أنى له وهو متخبط في اللغة والشرع تخبط أهل الزيغ والضلال.
والله المستعان .






بَتْرُ مصطفى المأربيّ كلامَ الشيخ ربيع المدخلي فيما يتعلق بأفعال الله -عزَّ وجلَّ-

قال المأربي: "خامسا:ذكر الشيخ ربيع في شريط "الجلسة الثانية من المخيم الربيعي" (ب) كلامًا عن الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله تعالى، فقال: (إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم) قال قائل: قديم النوع، قال الشيخ: (قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية).اه
وعبارة الشيخ هذه ظاهرة في تخصيص القول في هذه الصفات: بأنها قديمة النوع, حادثة الآحاد؛ بصفة الكلام فقط، وهذا هو موضع الاستدراك، فإن السلف قالوا في هذا النوع من الصفات:قديم النوع حادث الآحاد ,ولم يخصصوا ذلك بصفة الكلام، فالله عز وجل خالق لا مخلوق ,والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء متى شاء ,فكون الله خالقاً؛هذا قديم ,وأما المخلوق فمحدث,والله عز وجل يخلق ما يشاء، متى شاء، وكذلك الرحمة، فإنها صفة قديمة، ولكن الله عز وجل يرحم من خلقه من شاء ومتى شاء، وهكذا الرزق، فالله عز وجل رازق، وباعث ووارث، ومحي، ومميت، وكل هذا قديم النوع، حادث الآحاد.".
ثم قال المأربي: "وهذا بخلاف قوله السابق,فقد جزم بقوله: (هذا في كلام الله ,في الأفعال ما جاء)!! وعلى هذا فيلزمه التراجع".




الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن المأربي نقل كلام الشيخ محرفاً مزوراً ليس كما هو في الشريط، وأعني بذلك العبارة التي انتقدها المأربي على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
فالذي قاله الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بعد كلام السائل: "قديم النوع حادثة الآحاد، هذا في الكلام؛ في الأفعال الله يفعل ما يشاء , إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى ما لا نهاية".
والذي نقله المأربي وزور فيه: "قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فانظر إلى هذه الفروق بين النقلين:
1- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "قديم النوع حادث الآحاد"
ونقل المأربي: "قديمة النوع حادثة الأفعال"!!
2- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "هذا في الكلام"
ونقل المأربي: "هذا في كلام الله".
3- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "في الأفعال الله يفعل ما يشاء".
ونقل المأربي: "في الأفعال ما جاء"!!!.
فانظر إلى هذا التحريف الخطير من المأربي لتحقيق مآربه الدنيئة!!
فالجملة: "الله يفعل ما يشاء" جعلها المأربي: "في الأفعال ما جاء" .
فحسبه الله ما أكذبه، وعن الهدى ما أبعده، ولسبل أهل الزيغ ما أقربه، وللحق ما أعْنَدَه، وعلى الباطل ما أجلده!!
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قرر في كلامه المذكور القاعدة السلفية فيما يتعلق بأفعال الله وهي: أن الله يفعل ما يشاء، متى شاء، والله فعال لما يريد فيما مضى وفيما سيأتي إلى مالا نهاية، وأن أفعال الله وإن كانت حادثة الآحاد فهي ليست مخلوقة لأنها صفة الله، والقول في الصفات كالقول في الذات .
وهذا القدر أجمع عليه السلف، وليس فيه مشابهة لقول أهل البدع بل هو مبطل لكل قول مخالف لما عليه السلف في هذه المسألة .
فهذا كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهر جداً في مذهب السلف والرد على منهج الخلف.
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قد تضمن كلامه أن الله فعال في الأزل وهو معنى قول العلماء: "قديمة النوع" .
فقد قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فهذه الجملة المختصرة من شيخنا أسد السنة –حفظه الله وكسر شوكة عدوه- هي بمعنى قولهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد".
فالمأربي بجهله بعبارات العلماء يقف عند ظواهر بعض الألفاظ دون فقه أو فهم مع ما يقوم به من بتر وحذف –حسيبه الله!-.
فالسلف-أهل القرون الثلاثة- لم نجد في عباراتهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد" لفظاً، وإنما هو مستنبط من كلامهم: الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وما سيأتي ونحو ذلك .
قال حرب الكرماني في مسائله التي نقلها عن الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما: " وهو سبحانه بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش، وللعرش حمله يحملونه، وله حدٌّ، والله أعلم بحده، والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده، ولا إله غيره، والله تعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم، ويتحرك، ويسمع، ويبصر، وينظر، ويقبض ويبسط، ويفرح، ويحب، ويكره، ويبغض، ويرضى، ويسخط، ويغضب، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي ويمنع، وينْزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وكما شاء، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير -إلى أن قال:- ولم يزل الله متكلماً عالماً، فتبارك الله أحسن الخالقين" درء التعارض(2/23) .
وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي: أنا كافر برب يزول عن مكانه. فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: "لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين؛ لقوله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله تعالى بصفاته وأفعاله -يعني كما نتوهم فيهم، وإنما يجوز النظر والتفكر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله موصوفاً بالنُّزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يسأل كيف نزوله، لأن الخالق يصنع ما يشاء كما يشاء".
وقال الإمام أحمد –في كلام طويل-: "والتسليم لله بأمره يغير صفه ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف الله نفسه لا تدفع ولا ترد".
وقال عثمان الدارمي -رحمه الله-: "فالله الحي القيوم القابض الباسط يتحرك إذا شاء، وينْزل إذا شاء، ويفعل ما يشاء، بخلاف الأصنام الميتة التي لا تزول حتى تزال.
إلى أن قال: بل هو العالي على كل شيء، المحيط بكل شيء في جميع أحواله؛ من نزوله وارتفاعه، وهو الفعال لما يريد، لا يأفل في شيء، بل الأشياء كلها تخشع له وتتواضع، والشمس والقمر والكواكب خلائق مخلوقة، إذا أفلت أفلت في مخلوق في عين حمئة كما قال الله تعالى، والله أعلى وأجل لا يحيط به شيء ولا يحتوي عليه شيء".
تنبيه: النقول من درء التعارض لشيخ الإسلام -رحمه الله- المجلد الثاني.
إلى غير ذلك من العبارات التي نطق بها السلف .
فمن يثبت أن الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وفيما يأتي فهو قائل بقدم النوع وحدوث الآحاد . والله أعلم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثاً، بل قديماً، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه، فإن نعيم أهل الجنة يدوم نوعه ولا يدوم كل واحد واحدٍ من الأعيان الفانية، ومن الأعيان الحادثة مالا يفنى بعد حدوثه؛ كأرواح الآدميين، فإنها مبدعة، كانت بعد أن لم تكن، ومع هذا فهي باقية دائمة". درء التعارض(2/148) .
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أراد تقرير أمر مهم وهو أن آحاد الأفعال ليست قديمة بل هي حادثة وهي غير مخلوقة .
فقد قال -حفظَهُ اللهُ-: "إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم".
فقوله: "هذه الأفعال حادثة" إشارة إلى آحاد الأفعال ولم يتطرق إلى ذكر جنسها بتاتاً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ وهو صحيح مطابق لما عليه السلف الصالح.
الوجه الخامس: أن ما تبادر إلى ذهن المأربي من تخصيص صفة الكلام بأنها قديمة النوع حادثة الآحاد، وأن أفعال الله لا يقال فيها هذا؛ فهو من سوء فهمه .
وذلك لأنه ظن أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يتحدث عن جنس الأفعال وهذا ليس هو ظاهر كلام الشيخ -حفظَهُ اللهُ- .
وإنما ظاهره أنه أراد آحاد الأفعال وأفرادها كالنُّزول في الثلث الأخير من الليل والاستواء على العرش، والمجيء يوم القيامة ونحوها من الأفعال المقيدة بزمن، بخلاف صفة الكلام فإنها قديمة وأفرادها حادثة، وهي من الصفات الذاتية الملازمة لله عز وجل التي لا يصلح نفيها في زمن من الأزمان .
فالله عز وجل يتكلم ويسكت ولكن لما يسكت الله عز وجل لا يقال: إنه ليس متكلماً .
أما صفات الأفعال المتعلقة بأزمان فبخلاف ذلك .
مثل: صفة الغضب، فغضب الله قديم النوع حادث الآحاد ومع ذلك لا يجوز أن تقول –والله راضٍ- إنه غضبان .
ولا يجوز إذا كان غضبان أن تقول: إنه راضٍ .
أو قبل أن يستوي على العرش لا يقال إنه كان مستوياً على العرش قبل أن يخلقه.
أما صفة الكلام فهي ملازمة له أبداً .
فإذا سكت الله عز وجل لم يجز أن يقال إنه ليس بمتكلم، ويجوز أن تقول إنه لم يتكلم بصيغة الفعل وليس الوصف.
قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين في القواعد المثلى(ص/34): "القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة ومنها الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا .
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً . وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بمشيئته يتكلم متى شاء بما شاء ..." .
فصفة الكلام ذاتية فعلية بخلاف الأفعال الاختيارية كالنُّزول والاستواء والمجيء والإتيان فصفات فعلية غير ملازمة للذات دائماً .
بل هي بنوعها قديمة حادثة بآحادها .
وقال الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله- في الصفات الإلهية(ص/206): "فالقول الجامع لهذه الأقوال –في فهمنا- أن صفات الأفعال أو الصفات الاختيارية تختلف عن الصفات الذاتية الثبوتية التي تتعلق بها مشيئة الله تعالى، لا بأعيانها، ولا بأنواعها، كالقدرة، والإرادة، والعلم، والسمع والبصر، والحكمة، والعزة، والوجه، واليد، وغيرها
بل هي صفات تتعلق بها مشيئة الله، وتتجدد حسب المشيئة، كالمجيء، والاستواء، والغضب، والفرح، والضحك .
أما صفة الكلام فهي من صفات الذات باعتبار أصل الصفة، ومن صفات الأفعال باعتبار أنواع الكلام وأفراده، والله أعلم.
هذا ما يدل عليه كلام أهل العلم من أتباع السلف عند التحقيق وبالله التوفيق" انتهى كلام الشيخ محمد أمان -رحمه الله- .
فالمأربي بجهله لم يفرق بين صفة الكلام والصفات الفعلية الاختيارية كالنُّزول والإحياء والإماتة والاستواء، وظن أن التفريق يدل على أن الصفات الفعلية ليست قديمة النوع!
الوجه السادس: أن المأربي بنى نقده واتهام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بالقول بأن صفات الأفعال ليست قديمة النوع –بناه- على نقل محرف مزور مما يهدم بنيان المأربي من أساسه.
الوجه السابع: إن قيل: لم فرَّق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بين صفة الكلام وبين صفات الأفعال الأخرى؟
فيقال: الشيخ أراد الإلماح إلى الفرق الذي ذكرته من قبل عن الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد أمان وهو: أن صفة الكلام صفة ذاتية فعلية بخلاف الاستواء والنُّزول والمجيء فإنها فعلية اختيارية .



الخلاصة

1- أن المأربي محرف ومزور لكلام الشيخ لتحقيق مآربه الدنيئة .
2- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يقل: "في الأفعال ما جاء" بل هذا من اختراع المأربي وكذبه .
3- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يصف الله بأنه فعال لما يريد في الماضي واللاحق إلى مالا نهاية وهذا حقيقة قول السلف في الصفات الفعلية: "قديمة النوع حادثة الآحاد".
4- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يفرق بين صفة الكلام والصفات الفعلية الأخرى كالنزول والمجيء ونحوها من الصفات التي لا تلازم الذات دائماً وهذا هو ما عليه السلف .
5- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يتكلم عن آحاد الأفعال لا عن جنسها فبين أنها حادثة وليست قديمة الآحاد .



بيان معنى رؤية الله بالقلب ودحض أباطيل مصطفى المأربي.

قال المأربي: " الشيخ ربيع يدعي أنه يرى الله بقلبه ـ أي في اليقظة ـ بل وكل من يؤمن بأن الله في السماء كذلك!! وهذا قول المبتدعة الضُّلاّل!!
فقد جاء في شريط "الجلسة الرابعة في المخيم الربيعي" وجه (أ): قال السائل للشيخ ربيع: هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ: (لا,لا) قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟ قال الشيخ:(اختلفوا في رؤية الله في الجنة؟)قال السائل ,لا, قال الشيخ: (اختلفوا في جزئية) قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة يا شيخ؟ قال الشيخ: (لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة ,ابن عباس يقول: رآه بقلبه, وعائشة تقول: ما رآه, فهم متفقون ما رآه بعينه أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اه
قال المأربي: "ثم تأمل كيف لجّ الشيخ في الخطأ؛ فادعى أنه يرى ربه بقلبه، وذلك في اليقظة بلا شك، لأن السياق وكلامه الذي بعد هذا؛ يدل على هذا، والإسراء والمعراج كانا في اليقظة، وليس في نوم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن ذلك في المنام، انظر" شرح الطحاوية" (1/ 273).
وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!
وقال المأربي: "وإذا رجعت إلى سياق كلام الشيخ ربيع؛ ظهر لك أنه يرى الله بقلبه، تلك الرؤية التي عزاها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا سياق كلامه مرة أخرى، قال:
" ...... ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة، ابن عباس يقول: رآه بقلبه، وعائشة تقول: ما رآه، فهم متفقون ما رآه بعينه، أما الرؤية بالقلب: أنا أرى الله بقلبي، أنت ما ترى الله بقلبك؟! .... تؤمن بالله وتعرف أن الله في السماء؟.... فهذه الرؤية القلبية" إ هـ .
فها هو يذكر الاتفاق على عدم الرؤية البصرية، ويدعي مباشرة أنه يرى الله بقلبه، أي أن الرؤية القلبية التي ادعاها ابن عباس؛ موجودة عنده وعند أخريين!! لأن الصحابة لم يختلفوا في المثال العلمي المشهود، إنما اختلفوا في الرؤية البصرية، أو القلبية، أو نفي ذلك كله، لحديث: " نور أني أراه؟ "
وإذا ظهر لك هذا الحال من كلام الشيخ ربيع، فتأمل قول شيخ الإسلام:" فهذا كله وما أشبهه، لم يريدوا به أن القلب ترفع جميع الحجب بينه وبين الله تعالى .... الخ.
فهذا شيخ الإسلام يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم رؤيةً قلبية ـ على قول ابن عباس ـ وأما غيره فلم يجوّز ذلك له أحد من العلماء، إنما هي مشاهدة تتعلق بالمثال العلمي، ولعل ذلك لزيادة الإيمان في بعض الأوقات، كما جاء في الحديث، في تعريف الإحسان:" اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وأكد ذلك شيخ الإسلام بقوله: "ولكن هذا التجلي، يحصل بوسائط .. "
فلو أن الشيخ ربيعاً أثبت لنفسه هذا التجلي -فمع ما فيه من التزكية لنفسه، وناهيك بهذه الرتبة التي ادعاها لنفسه- لربما نازعه في ذلك غير واحد، كما هو ملاحظ من حاله في ظلم كثير من العباد!! فكيف وهو يدعي رؤيةً قلبيةً، بل جاد بهذه الرتبة السنية على كل من آمن بالعلو!!!".


الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن المأربي حرَّف في نقله، وبتر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وزاد فيه من عنده فحسبه الله ما أكذبه!
وهذه الفروق بين الحوار الذي بين السائل وبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل المأربي:
1- في الحوار: "قال السائل: انزين يا شيخ ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم - ربَّه، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لربه؟".
ونقل المأربي: "قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟"
وحرَّف كلام السائل فهو قال: "يا شيخ ورأى النبي-صلى الله عليه وسلم - ربَّه،ورؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم -لربه".
والمأربي نقل: ": لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج".
وزاد المأربي في كلام السائل"في المعراج"!!!
2- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه، اختلفوا في جزئية"
وحذف المأربي كلمة:"إيه" ولها دلالة هنا .كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
3- تصرفات في كلام الشيخ غير مؤثرة ولكن تدل على اختلال أمانة النقل عند المأربي وهي كالآتي:
أ- قال السائل: "هذا ما يكون من العقيدة ياشيخ؟"
ونقل المأربي: "قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة ياشيخ؟"
فغير كلمة "من" إلى كلمة "في"!!
ب- وقال الشيخ: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة".
ونقل المأربي: "لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة".
فزاد المأربي كلمة: "نحن"!!
4- وهو التحريف الخبيث الذي فعله المأربي .
في الحوار: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى الله بقلبك؟!
قال السائل: نعم يا شيخ، أي كأنك تراه، "بعدها كلمة غير واضحة ولعلها: لا أكثر" تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية فما فيش خلاف بينهم".
ونقل المأربي: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اه ".
فقارن بين كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل هذا المجرم الأثيم .
ففيه عدة فروق مع الحذف والتزوير وأهمها أن الشيخ يقول: "أي كأنك تراه" والمأربي يجعلها: "قليل"!!
فسبحان الله!
لماذا يخفي المأربي هذه الجملة؟
لأنها توضح مراد الشيخ والذي يريد المأربي أن يوهم خلافه وليطعن على الشيخ بالكذب والتزوير.
والسائل قال: "نعم يا شيخ" والمأربي جعلها: "فسكت السائل"!!
ثم أتى بكلام السائل: نعم بعد كلام الشيخ: تؤمن بالله وتعرف أنه في السماء فنقل قول السائل: "نعم" وهو لا وجود له في الشريط، بل من كيس المأربي!!
تنبيهان:
1- كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في الوجه الثاني من الجلسة الرابعة من المخيم الربيعي وليس الوجه الأول كما ذكره المأربي .
2- قول الشيخ "أي كأنك تراه" لم تتضح لي كلمة "أي" وتشتبه مع "يعني" فلست متأكداً أن الشيخ قال: "أي" أو "يعني" والمعنى واحد ولكن ذكرته من باب الدقة والأمانة .

([1])وهو حديث ضعيف رواه ابن أبي شيبة في المصنف، والحارث في مسنده، وابن قتيبة في غريب الحديث، والواحدي في الوسيط، والثعلبي في تفسيره عن عبد الله بن محيريز به مرسلاً. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة(8/465رقم3999) .

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
30-Jan-2013, 10:17 AM
الوجه الثاني: أن الكلام الذي نقله مصطفى المأربي كان الشايجي قد نقله من قبل، وكذا الحداديون، فرددت عليهم كلامهم الفاسد قبل أكثر من سنة!
فها هو مصطفى المأربي يعيد كلام الشايجي القطبي والحداديين، ولكن مع مزيد تحريف وخيانة، فقد كانوا أقل خيانة منه في النقل. والله المستعان .
وهذا يبين لنا أن مصطفى المأربي مزبلة الحزبيين حيث إنه جمع كلام أعداء السلفيين، وصاغه بأسلوبه، وزاد في الكذب والخيانة والجهل والغباوة، عليه من الله ما يستحق .
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- وضح مراده من الرؤية القلبية وهي مرتبة الإحسان فقال الشيخ: "أي كأنك تراه" والتي حذفها مصطفى المأربي ليتم له مأربه من شين أسد السنة والطعن فيه، والمأربي حقيق بهذا الشين والطعن {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} .
الوجه الرابع: أن كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في معنى الرؤية القلبية وأنها مرتبة المشاهدة هي المرتبة الأولى من مرتبتي الإحسان؛ هو كلام العلماء .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى(3/389): "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي -صلى الله عليه وسلم - لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقال الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله- (3/999): "فقال -صلى الله عليه وسلم -: ((الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))
أخبر -صلى الله عليه وسلم - أن مرتبة الإحسان على درجتين، وأن للمحسنين في الإحسان مقامين متفاوتين:
المقام الأول-وهو أعلاهما-: أن تعبد الله كأنك تراه، وهذا مقام المشاهدة وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته الله عز وجل بقلبه وهو أن يتنور القلب بالإيمان، وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان، فمن عبد الله عز وجل على استحضار قربه منه، وإقباله عليه، وأنه بين يديه كأنه يراه أوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم ".
الوجه الخامس: هب أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يفسر مراده بقوله: "أي كأنك تراه" لكان هذا هو المتعين لأن هذا هو المراد بالرؤية القلبية والتي فسرها الشيخ بقوله: "تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى(3/390): "وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق، وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه فهذا كله يقع في الدنيا، وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ فيعلم أنه منام وربما علم في المنام أنه منام .
فهكذا من العبَّاد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه؛ وهو غالط في ذلك. وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان .
نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب)) ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله– في مجموع الفتاوى(6/420): " فصل . المقتضى لكتابة هذا أن بعض الفقهاء كان قد سألني لأجل نسائه من مدة هل ترى المؤمنات الله في الآخرة؟
فأجبت بما حضرني إذ ذاك من أن الظاهر أنهن يرينه، وذكرت له أنه قد روى أبو بكر "يعني: الآجري" عن ابن عباس –رضي الله عنهما -: أنهن يرينه في الأعياد.
وأن أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعا من الرجال والنساء،
وكذلك كلام العلماء، وأن المعنى يقتضي ذلك حسب التتبع، وما لم يحضرني الساعة .
وكان قد سنح لي فيما روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما-أن سبب ذلك أن "الرؤية" المعتادة العامة في الآخرة تكون بحسب الصلوات العامة المعتادة،

فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .
ولما كانت السنة قد مضت بأن النساء يؤمرن بالخروج في العيد حتى العواتق والحيض وكان على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يخرج عامة نساء المؤمنين في العيد جعل عيدهن في الآخرة بالرؤية على مقدار عيدهن في الدنيا".
لاحظ قوله: "وترائيه بالقلوب" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في درء تعارض العقل والنقل(8/040-41): "والإحساس نوعان نوع بلا واسطة كالإحساس بنفس الشمس والقمر والكواكب، وإحساس بواسطة كالإحساس بالشمس والقمر والكواكب في مرآه أو ماء أو نحو ذلك .
والقلوب مفطورة على أن يتجلى لها من الحقائق ما هي مستعدة لتجليها فيها،
فإذا تجلى فيها شيء أحست به إحساسا باطنا بواسطة تجليه فيها،
وأيضا فنفس مشاهدة القلوب لنفسه تبارك وتعالى أمر ممكن، وإن كان ذلك قد يقال: إنه مختص ببعض الخلق، كما قال أبو ذر وابن عباس وغيرهما من السلف أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده وقال ابن عباس: رآه بفؤاده مرتين .
فهذا النوع إذا كان ممكنا، وقد قيل: إنه واقع لم يكن نفيه إلا بدليل،
وأما الرؤية بالعين في الدنيا وان كانت ممكنة عند السلف والأئمة، لكن لم تثبت لأحد، ولم يدعها أحد من العلماء لأحد إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم على قول بعضهم وقد ادعاها طائفة من الصوفية لغيره لكن هذا باطل، لأنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن أحدا لا يراه في الدنيا بعينه،
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت)) وقد بسطنا الكلام على مسالة الرؤية في غير هذا الموضع وبينا أن النصوص عن الإمام أحمد وأمثاله من الأئمة هو الثابت عن ابن عباس من أنه يقال: رآه بقلبه أو رآه بفؤاده،
وأما تقييد الرؤية بالعين فلم يثبت لا عن ابن عباس ولا عن أحمد،
والذي في الصحيح عن أبي ذر انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال: ((نور أنى أراه))
وقد روى أحمد بإسناده عن أبي ذر –رضي الله عنه- أنه رآه بفؤاده،
واعتمد أحمد على قول أبي ذر لأن أبا ذر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه المسالة وأجابه وهو أعلم بمعنى ما أجابه به النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أثبت أنه رآه بفؤاده دل ذلك على مراده))".
وهناك كلام آخر أكتفي بما سبق .
الوجه السادس: أن الرؤية القلبية ليست خاصةً ببعض الناس الذين بلغوا رتباً سنية ولكن تتفاوت مراتب الناس في هذه الرؤية كرؤيا الله في المنام .
قال أحمد بن إبراهيم الواسطي في كتابه النصيحة في صفات الرب جلا وعلا (ص/29): ((فمن تكون الجارية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب لا يستنير بأنواع المعرفة والإيمان،
ومن أنكر هذا القول فليؤمن به وليجرب ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصراً من وجه، أعمى من وجه، كما سبق .
مبصراً من جهة الإثبات والوجود والتحقيق، أعمى من جهة الحصر والتحديد والتكييف فإنه إذا علم ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ووجد بركته ونوره عاجلا وآجلا ولا ينبئك مثل خبير والله الموفق والمعين)).
وعلى هذا فيكون كلام المأربي: "وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!" لا وجه له عند أهل السنة.
لأن المأربي يظن أن هذه الرؤية متساوية بين من تحصل له وهذا من جهله بالعقيدة والشريعة .
وفي كلام شيخ الإسلام الذي لم يتمه المأربي إبطال لهذا الظن الفاسد وبيانه في:
الوجه السابع: أن المأربي لم يفهم كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- بسبب عدم قراءته لكلامه وافياً بل اقتطع منه ما يوافق هواه .
فتتمة كلام شيخ الإسلام بعد قوله -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره " قال شيخ الإسلام: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله و كتابه و رسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون .
وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب، وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضاً من أمور الغيب هو كذلك، بل يشاهدون الأمور ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع،
فالواحد منهم يتبين له من حال المشهود ما لم يتبين للآخر، حتى قد يختلفون فيثبت هذا ما لا يثبت الآخر، فكيف فيما أخبروا به من الغيب..." إلخ كلامه -رحمه الله- .
فالمؤمنون مشتركون في المثال العلمي المشهود لكنهم متفاوتون حسب معرفتهم بالله ومحبتهم له وإيمانهم به عز وجل .
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الجواب الصحيح(3/400): "والمقصود هنا أنه كثيراً ما يوجد في كلام الناس؛ الأنبياء وغيرهم: من ذكر ظهور الله عز وجل، والمراد به ظهوره في قلوب عباده بالمعرفة والمحبة والذكر".
ولشيخ الإسلام كلام كثير بنحو هذا المعنى في الجواب الصحيح فيرجع إليه.
الوجه الثامن: فإن قيل: فما معنى قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد -صلى الله عليه وسلم- " وفي رواية: "إن الله عز وجل اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالرؤية".
ومعنى قول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره"
وقول شيخ الإسلام الذي نقله عنه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-:" ومن قال يرى في الدنيا بالفؤاد لغيره صلى الله عليه وسلم ,فهو مبتدع ضال".
فالجواب من عدة جهات:
الجهة الأولى: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ذكر أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين أن الله اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً كما في الصحيحين.
وذكر –أيضاً- أن الله اصطفى موسى بالكلام مع علم ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الله كلم آدم، وكلم الملائكة، وكلم إبليس، وكلم محمداً -صلى الله عليه وسلم- .
فلابد من أن الاختصاص أو الاصطفاء المذكور هنا هو قدر زائد لا ينفي أصل الاشتراك .
والذي يظهر لي من قول ابن عباس -رضي الله عنه- أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة حتى صارت علماً عليه فلا يذكر إبراهيم إلا ويذكر أنه خليل الله .
ولا يذكر موسى إلا ويذكر أنه كليم الله .
ولا يذكر محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا ويذكر أنه رأى الله .
هذا ما يظهر لي من توجيه لكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- .
وكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- روي مرفوعاً ولا يصح بل الصحيح أنه موقوف .
الجهة الثانية: أنه من المحتمل أن ابن عباس -رضي الله عنهما- عنى بالرؤية التي اخْتُصَّ بها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- هي رؤيا المنام .
فقد رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربَّه في المنام مرتين وقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- كلا الحديثين:
الحديث الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأيت ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أعلم يا رب . قال: فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري، قال: فتجلى لي ما بين السماء والأرض)) الحديث وهو صحيح له طرق وقد روي من حديث ابن عباس ومعاذ وثوبان -رضي الله عنهم- وغيرهما .
الحديث الثاني: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء)) وقد اختلف في صحته وقد صححه الإمام أحمد وغيره، ولتفصيل ذلك راجع إبطال التأويلات لأبي يعلى(1/139-145) .
وبنحو هذا قال شيخ الإسلام فيما نقله عنه ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد(3/37-38) .
وهذا الوجه لا يتأتى عند تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- لآيتي النجم كما سيأتي.
الجهة الثالثة: أنه من المحتمل أن تكون الرؤية التي اختص بها محمد -صلى الله عليه وسلم- هي نفسها الرؤية القلبية التي ذكرها ابن عباس -رضي الله عنه- عند تفسيره لقوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى} وقوله: {ولقد رآه نزلة أخرى}.
فقد قال -رضي الله عنه-: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بقلبه .
وفي رواية أنه قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بفؤاده مرتين
وكلاهما في صحيح مسلم.
وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: رآه بقلبه ولم تره عيناه .
ولم أجد أحدا من السلف فسر هذه الرؤية بشيء خلاف المعروف بالرؤية القلبية المعروفة في لغة العرب ألا وهي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي.
ووجدت لبعض العلماء خلاف هذا فيه تكلف ومخالفة لقول السلف .
فيصبح معنى الرؤية القلبية: أن الرؤية القلبية هي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي وهي مرتبة المشاهدة .
وهذا دل عليه كلام غير واحد من العلماء لما تكلموا على الإحسان وعلى رؤية الله بالقلب كما سبق نقله في الحلقة السابقة .
كقول شيخ الإسلام: "فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .".
وقوله: "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقوله: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون".
والنبي -صلى الله عليه وسلم- مختص بما لم يشركه به غيره
وبيانه:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غسل قلبه بماء زمزم وملئ حكمة وإيماناً قبل الإسراء به بروحه وجسده يقظة، ثم عرج به إلى السماء فوصل إلى مكان لم يصل إليه أحد قبله حتى أن جبريل عليه السلام توقف إلى حد، ثم صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مقام سمع فيه صريف أقلام القدر فكلمه ربه عز وجل بلا واسطة، ولم يكن بينه وبين ربه إلا الحجاب فهذا المرتبة السنية والمنزلة العلية أوصلت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منْزِلة في الإحسان ومشاهدة الرب بالقلب إلى درجة لم يبق بعدها إلا رؤية الله عز وجل بالعيان .
وهذه المنْزِلة خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشركه فيها غيره .
وهذا ما عناه شيخ الإسلام .
والذي يدعي وصوله إلى هذه المرتبة التي وصل إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مبتدع ضال كما نقله الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- .
وهذا ما لا يوجد في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
وما بينته هو الأصل، وهو مقتضى اللغة العربية، ومفاد كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في مواضع عديدة .
وأما ما ذكروه من خلق رؤية في القلب أو أن الله جعل بصره في قلبه فهذا يلغي فضيلة الرؤية بالعين الباصرة والتي ادخرها الله لعباده وأنبيائه وأوليائه يوم القيامة، وهو من التكلف ومما لا يوجد عليه دليل وبرهان .
فليتأمل طالب العلم فيما ذكرته يجده -إن شاء الله تعالى- هو القول الصواب الذي ينبغي أن لا يصار إلى غيره .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .




الكلام على الخلاف في العقيدة وهل هو واقع بين السلف أم لا وعلاقة مسألة رؤية الله بالقلب بكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟

قال المأربي: "فهذا كلام من الشيخ ربيع ـ هداني الله وإياه ـ قد جمع عدة مجازفات، والحامل له على ذلك الغلو في الرد على بعض الجماعات!! فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة,مع أن في المسألة تفصيلاً , ليس هذا موضعه ,بل الشيخ نفسه له كلام في بعض أشرطته، يدل على أن العالم إذا وقع في بدعة عن اجتهاد؛ فلا يسقطه أهل السنة, وقد يفصِّل في نوع البدعة في مواضع , وقد لايفصِّل.
فلما ذُكِر له أن الصحابة-رضي الله عنهم- فمن بعدهم، اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج ـ وهذا أمر عقدي بلا شك ـ اضطرب الشيخ، فقال: (هذه جزئية)!! نعم يا شيخ ربيع هذه جزئية، لكن هل هي جزئية من أجزاء العقيدة, أم جزئية خارج العقيدة؟!! لاشك أنها من العقيدة وقد صرح بعض السلف بذلك، إذاً فدعواك أنها جزئية؛ ليست جوابًا على الإيراد الوارد عليك!! وهل الاختلاف في العقيدة محصور في الاختلاف في رؤية الرب عزوجل في الجنة فقط؟من سبقك إلى هذا؟!!"
وقال: "(تنبيه آخر): الاختلاف في بعض مسائل عقدية؛موجود بين السلف، فلا حاجة للإنكار الشديد من الشيخ ربيع لهذا!!
فقد أشار شيخ الإسلام لبعض مسائل علمية عقدية، ومسائل عملية، ثم قال: (وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد على أحد بكفر، ولا بفسق، ولا معصية...)،الخ كلامه في "مجموع الفتاوى" (9/229) وما بعدها، وقال أيضًا في (19/123): (وتنازعوا -أي الصحابة- في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الحي ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة...).اه"
تنبيه: الصواب أن كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(3/229) وليس في (9/229)!!


الجواب من وجوه:

الوجه الأول: تحرير مراد الشيخ في سياق كلامه بنفي الخلاف في العقيدة .
إن المتأمل لكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يجد أن نفيه للخلاف في أمور العقيدة إنما هو في الأمور الكلية والتي يسميها العلماء الأصول وهو ما جاء النص فيها صريحاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس فيه محل اجتهاد .
فهذا لم يختلف فيه الصحابة مطلقاً .
وإنما اختلفوا في أمور لم يأت بها نص أو تنوعت فيه الأدلة .
# فقد اختلفوا في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه ليلة المعراج . وقد بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنه لا خلاف بينهم لأن الذي نفته عائشة -رضي الله عنه- غير الذي أثبته ابن عباس -رضي الله عنهما- كما سبق بيانه .
# واختلفوا في ابن صياد هل هو الدجال؟ وهذا لأنه لا يوجد نص في ذلك .
# واختلفوا في تعذيب الميت ببكاء الحي وجمع بين المثبت والنافي أنه إذا أوصى بذلك فيكون مما كسبت يداه "وأوجه الجمع كثيرة".
أما الأمور القطعية التي ورد بها النص من الكتاب والسنة فإن الصحابة لم يختلفوا فيها أبداً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فإنه سئل: "هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: (لا,لا) .
ثم سأله السائل: "انزين يا شيخ ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لربه؟"
فأجابه الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "اختلفوا في رؤية الله في الجنة؟" قال السائل: لا, قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه اختلفوا في جزئية،"
فبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذا الخلاف الذي أورده السائل في جزئية وليس في كلية أو قاعدة أو نص قاطع "سواء كان متواتراً أو آحادا صحيحا".
فضرب مثلاً للمسألة الكلية أو القطعية برؤية الله في الجنة وهذا مما لم يختلف فيه السلف .
ثم بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذه الجزئية أيضاً اتفقوا عليها وهي مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل.
الوجه الثاني: حكى الإمام عثمان الدارمي اتفاق الصحابة على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يره ربّه . كما في زاد المعاد(3/37) .
فهل هذا غلو من الإمام الدارمي؟!!
الوجه الثالث: قال ابن القيم -رحمه الله-: "اتفاق الصحابة في مسائل الصفات وقد تضمن هذا أمورا منها:
أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان.
وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال .
بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها،
ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمراً واحداً، وأجروها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه".
مع أن مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربّه من مسائل الصفات ومع ذلك لم يعتبر الإمام ابن القيم الخلاف فيها خلافاً في العقيدة فهل هو من الغلاة أيها المأربيّ؟
الوجه الرابع: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فرية ثم أجاب على نفسه بنفسه مما يدل على جهله واضطرابه!!
والعجيب أنه يرمي الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بالاضطراب وهو بناه على سوء فهم، وقلة عقل .
قال المأربي: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة".
فالشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنكر الخلاف في كليات الاعتقاد وأصوله –كما هو سياق كلامه- ولم يقل ذلك من أجل أن يرمي كل من وقع في خطأ عقدي بالبدعة
حاشاه من ذلك .
ولكن هذا من إفك المأربي وبهتانه.
والشيخ ربيع قد صنف رداً على الحداد، وذكر مقالاً ذكر فيه ميزات الحدادية، ومن منهجهم أنهم يسقطون العالم بالزلة فكيف يتهمه المأربي بما يحذر الشيخ منه وينهى عنه؟!!
علماً بأن المأربي لم يأت ببينة ولا برهان على ما زعمه إلا الدعاوى الفارغة التي يكثر منها هذا المخلوق العجيب!!
وإن ما نسبه المأربي لبعض الناس: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة" هو قول شيخنا أسد السنة ربيع المدخلي -حفظَهُ اللهُ- وقول عامة السلف .
فالمخالفة في العقيدة إن كان في جزئية ورد عن السلف خلاف فيها أو وقع فيها بعض العلماء دون إصرار وهوى فهذا لا يخرجه من أهل السنة .
والشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يعلم مخالفة شريح في صفة العجب ومخالفة ابن خزيمة وغيرهما من العلماء الذين خالفوا في بعض مسائل الاعتقاد عن اجتهاد أخطؤوا فيه لم يخرجهم من دائرة السنة ولم يبدعهم كما أوهمه المأربي .
الوجه السادس: أن المأربي لبالغ جهله ظن أن بين قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة"
وقوله: "إيه اختلفوا في جزئية،" اضطراباً وتعارضاً فأخذ يهول ويرجم بالغيب، ويورد الإيراد ويجيب عليه وسبب هذا كله الجهل والغباء .
فالأول وهو النفي: نفي للاختلاف المذموم وهو المعارض للنص، أو الذي بني على الرأي المذموم أو الهوى المتبع .
مع نفي الخلاف في الأصول والقواعد والأمور التي اتفقت عليها الأدلة .
والثاني وهو الإثبات: وفيه بيان أن هذا من الجزئيات التي تتعارض مع نفينا للخلاف في العقيدة بمثل هذا التعبير .
ثم أجاب الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن المسألة التي ذكر السائل أنها مختلف فيها وهي من مسائل الاعتقاد بنص الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه هذه جزئية".
فبين أن المنفي الرؤيا البصرية والمثبت الرؤيا القلبية ثم قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فما فيش خلاف بينهم".
فيبقى كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في نفيه الخلاف في العقيدة بين الصحابة قائماً وصحيحاً، وإنما يقال: اختلفوا في بعض مسائل الاعتقاد التي لم يرد فيها نص قاطع كاختلافهم في ابن صياد وهل هو الدجال أم لا؟
والله أعلم






بتْرُ المأربي لكلام الشيخ ربيع ليتهمه بكلام قبيح في حق الرب عز وجل، ودحض بعض أباطيل المأربي

قال المأربي: "أولاً:أسلوب قبيح من الشيخ ربيع في حق الله عز وجل!! فقد جاء في شريط "العقيدةأولاً"وجه (ب),وفي سياق الكلام فيمن يسعون للحاكمية ,بغير المنهج الصحيح, وأنهم يتظاهرون بالغيرة على الاسلام, فإذا وصلوا إلى مآربهم؛تناسوا ذلك كله؛قال الشيخ:
(فماهو هذا إلا للتهريج فقط , وللوصول إلى ما يريدون , ثم بعد ذلك , كما والله واحد منهم في الدراسات العليا , وأنطقه الله رغم أنفه,لما ركزت عليه بالكلام؛ انفجر,وقال: والله أنا أعرف واحد من كبار الإخوان يقول: نحن هانهتف باسم الله ,فإذا وصلنا إلى الكراسي؛ نحط ربنا في أي حتة!!! قال الشيخ ربيع: والله هذا الذي حكى لي , وهو صادق, وهذا الآن السودان خلاص, انتهى, الله حطوه في أي حتة, ما أدري فين)اهـ..
فتأمل أخي القارئ الكريم –كيف أن الشيخ ربيعاً عندما حكى هذه الكلمة المنكرة؛لم يكتف بنكارتها وشناعتها, وتسبيح الجالسين حوله ,استعظاماً لهذه الكلمة ,أو لم يعقب عليها بكلمة: تعالى الله عما يقول الظالمون أو الجاهلون أو المبطلون علواً كبيراً, أو قوله تعالى:(كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) إنما أعاد هذه الكلمة الشنيعة مرة أخرى -وإن كان ذلك منه على سبيل الإستهزاء من قائل هذه الكلمة-فقال:(.....وهذا الآن السودان, خلاص, انتهى,الله حطوه في أي حتة ,ما أدري فين؟!!)بل أضاف لكلمة ذاك الإخواني الضال ,إضافة باطلة, فقال: (ما أدري فين؟!) يعني بذلك أن الإخوان أخذوا كراسيهم، ووصلوا لما يريدون، ثم إنهم حققوا ـ على سبيل الإستهزاء ـ ما كانوا يقولونه!! فهل هذا من الأدب مع الله عزوجل يا شيخ ربيع؟! أتريد أن تضحك جلسائك بمثل هذه الكلمات التي تزلزل القلوب؟! وهل إذا قال المبطلون قولاً قبيحاً مثل هذا،نردده ورائهم،ونزيده إيضاحاً، وإن كنا ساخرين بهم؟! وهل هذه الكلمة الشنيعة تُحكى , ويُعقَّب عليها بهذا الأسلوب الشنيع؟! فيا سبحان الله!!"
زيادة:
ونحوه ما نسبوه إلى الشيخ ربيع من رده على بعض الصوفية الحلولية: (يعني الكون كله كالرملة في يده، ما هو بشيء، هذا إله عظيم، طاح الله، ماله وجود،خلاص، انتهى، هو سيد هذا الكون) .


الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن المأربي بتر كلام الشيخ فلم يكمله ليتطاول على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-، وينسب إليه الباطل .
فإن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قال نقلا عن بعض الناس: "...أعرف واحد من كبار الإخوان يقول: نحن هانهتف باسم الله ,فإذا وصلنا إلى الكراسي؛ حنحط ربنا في أي حتة!!! قال الشيخ ربيع: والله هذا الذي حكى لي , وهو صادق, وهذا الآن السودان خلاص, انتهى, الله حطوه في أي حتة, ما أدري فين فنسأل الله العافية" .
فحذف المأربي قول الشيخ معقباً على الكلام القبيح لذاك الإخواني: "فنسأل الله العافية".
وفي المقطع الثاني زادوا لفظة: (مات الله) وهذا من كذبهم وافترائهم.
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لما ذكر كلام ذاك الإخواني تكلم الحضور بكلام شنعوا على القائل وأقرهم الشيخ عليه فهذا يكفي في الدلالة على الإنكار بل بعض عباراتهم غاية في إبطال القول .
فقد قال بعض الحاضرين –كما في الشريط-: "لعنه الله" وقال بعضهم: "الله أكبر".
ولما كرر الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- الكلام مرة أخرى استنكر كلامه بثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الشيخ قال: "ما أدري حطوه فين" وكذلك قوله في الرد على الحلولي: (هذا إله عظيم، طاح الله، ماله وجود،خلاص، انتهى) وهذا من باب الإنكار، كقول عثمان الدارمي -رحمه الله- منكراً على من يقول: الله في كل مكان .
قال الدارمي في الرد على بشر وابن الثلجي(ص/81): "فإذا كان الله في كل مكان يلزم هذا الجاهل على ما ادعاه أن تكون ذاته ملء الخلاء بأسره، فيلزمه أن يكون ظرفاً لحوادثه، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يكون ظرفاً لحوادثه، أو تكون حوادثه ظرفاً له لأنه تعالى محيط بالأشياء لا محاط به".
الأمر الثاني: أقر بعض الحاضرين الذي قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله " .
الأمر الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قال بعدها مستنكراً سائلا الله العافية مما ابتلاهم به من القبائح فقال: "فنسأل الله العافية" .
فبعد كل هذا يأتي المأربي ويتهم الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بأنه أساء الأدب مع الله فحسبه الله ما أفجره .
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يحكه مقراً له أو ساكتاً عليه بل ذكره مستنكراً مستحقراً لهم، واستهزأ بهم مبينا فساد طريقتهم إضافة لكلام الحاضرين الذي أقره الشيخ ربيع، إضافة إلى سؤال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- العافية من حالهم .
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية(2/13): "فإن القائل: ليس في جهة ولا حيز؛ يتضمن نفيه أنه ليس داخل العالم ولا في أجواف الحيوانات ولا الحشوش القذرة، وهذا كله حق، ويتضمن أنه ليس على العرش ولا فوق العالم وهذا باطل، وكان في نفيه نفي الحق والباطل" .
فشيخ الإسلام لما نزه الله عن أن يكون في الحشوش أو أجواف الحيوانات لم يكن قائلا في الله بالقبيح لأنه من باب التنزيه .
ولكن المشكلة أن المأربي لا دربة له بكتب أهل السنة في الرد على أهل البدع فيرد الحق، ويتهم أهله بالباطل والله المستعان.

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
30-Jan-2013, 10:19 AM
بيان بطلان اتهام مصطفى المأربي للشيخ ربيع المدخلي –حفظه الله- فيما يتعلق بحسن الظَّن في الذين خُلِّفوا


1- قال المأربي: "ثانياً:الشيخ ربيع يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحسن الضن بكعب مالك وصاحبيه ,ويدعي أنهم متهمون ,بل قال: وقد يكونون متهمين بالنفاق!! فقد جاء في شريط:"الموقف الصحيح من أهل البدع"وجه (أ) قال الشيخ ربيع: (وذا كان قد أمر بهجران الصحابة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، حتى بعد توبتهم، وهم لم يركضوا بهذه الفتنة، ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا، واعترفوا، ومع ذلك لما وقعوا فيه من المخالفةِ؛ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهجرانهم،لأنهم متهمون في هذه الحالة،وقد يكونون متهمين بالنفاق،فإحسان الظن بأهل الإنحرافات وأهل البدع والضلالات؛ مخالف لمنهج الله تبارك وتعالى، فلا بد من الحذر منهم، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " فإذا رأيتم من يتبع المتشابه، فأولئك الذين عنى الله، فاحذروهم" ما قال أحسنوا بهم الظن، كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء، أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي،إذا رأينا عندك شبهاً وضلالات؛ أنت متهم، الله حذر منك، ورسول الله حذر منك، كيف ما نحذر منك؟، وكيف نحسن بك الظن؟ وقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى سوء قصدك، وحذر رسول الله منك؟فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء؟! وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة" إ هـ .
فهل جوّز أحد اتهام هؤلاء الصحابة الصادقين بالنفاق؟!ومعلوم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين،وإلا فالمنافقون قد قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى،وكيف يُجَوِّز الشيخ ربيع عليهم هذا الحكم الجائر،وهو معترف بأنهم صحابة، وبعضهم بدْريّ،وأنهم تابوا، وندموا، واعترفوا، فهل من كان كذلك، قد يكون متهماً بالنفاق؟!ولو سلمنا أن أحداً اتهمهم بذلك؛ فهل كلام الشيخ ربيع هذا عنهم ـ رضي الله عنهم ـ من جملة ذكر الصحابة بالجميل، والإمساك عما جرى منهم؟!"


الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أثنى على الذي خُلِّفوا -رضي الله عنه- .
فقد قال: "الصحابة ... حتى بعد توبتهم، وهم لم يركضوا بهذه الفتنة، ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا، واعترفوا، ... وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد ..."
فكل هذا ثناء عليهم، بل لما قال: عذر .. صحح العبارة وقال: لسبب من الأسباب .
فهو قد ذكرهم بالجميل ولكن ذكر الحال الذي وقع من باب استنباط الحكم الشرعي دون زيادة أو تزيد.
الوجه الثاني: أن المأربي زعم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين فإن كان أراد الثلاثة الذي خلفوا -رضي الله عنه- فمسلم، ولكن إنما ظهر صدقهم بعد توبة الله عليهم .
وإلا لو علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- صدقهم فلماذا يأمر بهجرهم؟
حتى أن أحدهم يسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدري هل حرك شفتيه بالسلام أم لا؟
وإنما أمر بهجرهم لوقوعهم في المعصية وهي التخلف عن الغزو المتعين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فالهجر معلق بالمعصية التي حصلت وليس لصدقهم في عدم اعتذارهم .
فلم يأمر بهجرهم لأنهم صادقون!!
الوجه الثالث: زعمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل من المنافقين فقط فيما يظهر من كلام المأربي وهذا باطل فقد قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذر ذوي الأعذار من قبل سفره لغزوة تبوك كالعرج والمرضى والعمي ومن لا يجد نفقة للسفر ونحو ذلك من الأعذار المقبولة شرعاً.
وكذلك كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع لم يقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم لأنهم ما قدموا عذراً، ولم يعتذروا كذباً كالمنافقين ولكنهم اعترفوا بذنبهم فوكل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم إلى الله حتى تاب عليهم عز وجل.
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يتهمهم بنفاق أو نحوه كما زعمه المأربي وإنما قال: "لأنهم متهمون في هذه الحالة،وقد يكونون متهمين بالنفاق" فذكر واقع الحال، ونزههم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن النفاق بعبارات كثيرة نقلتها سابقاً من ذلك قوله: "وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد".
الوجه الخامس: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال بنحو قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .

قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى(24/174-175): "نعم صح عنه أنه هجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك، وظهرت معصيتهم، وخيف عليهم النفاق، فهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم، حتى أمرهم باعتزال أزواجهم من غير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء .
وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمى لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول وتبين صدقه في التوبة؛ فأمر المسلمين بمراجعته، فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع، الداعين إليها، والمظهرين للكبائر .
فأما من كان مستتراً بمعصية، أو مسراً لبدعة غير مكفرة فان هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً.
وأما من أظهر لنا خيراً فإنا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون".


وقال المأربي: "وكذلك قوله في حق النبي صلى الله عليه وسلم: " فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء"؟ أهذا من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لكعب:" أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضيّ الله فيك"؟وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يحب أن يكون صدره سليماً على إخوانه الصحابة الكرام،فأين عدم حسن الظن بكعب؟!وحال صاحبيْه ـ رضي الله عنهم ـ كذلك، فأين عدم حسن الظن بهم؟! هل عندك دليل على نسبة هذا الخُلُق الذميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فإن كان؛ فأين هو؟ وإلا فما عليك إلا الإستغفار، وإعلان التراجع عن ذلك، والله أعلم ."


الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أما جعل سوء الظن من الخلق الذميم مطلقاً فباطل شرعاً وعقلاً.
فسوء الظن بالعدو والكافر والمنافق الذي ظهرت علامات نفاقه أمر واجب .
قال ابن حبان في روضة العقلاء(ص/127): "سوء الظن على ضربين:
أحدهما: منهي عنه بحكم النبي -صلى الله عليه وسلم- .
والضرب الآخر: مستحب.
وأما الذي نهى عنه فهو استعمال سوء الظن بالمسلمين كافة على ما تقدم ذكرنا له .
وأما الذي يستحب من سوء الظن فهو كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه مَكْرَه، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره لئلا يصادفه على غِرَّةٍ بمكره فيهلكه .
وفي ذلك أنشدني الأبرش:

وحسن الظن يحسُنُ في أمور ويمكن في عواقبه ندامهْ
وسوء الظن يسمُج في وجوه وفيه من سماجته حزامهْ

وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:

ما ينبغي لأخي ود وتجربة أن يترك الدهر سوء الظن بالناس
حتى يكون قريباً في تباعده عنا ويدفع ضر الحرص بالياس".
وانظر العزلة للخطابي(ص/168-180) فإنه مهم .
الوجه الثاني: أن مراد الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بسوء الظن وارد في سياق كلامه.
وأراد بسوء الظن هو اتخاذ اللازم مع من وقع في المعصية أو وقع في البدعة .
فإحسان الظن الذي ينكره الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- هنا هو ترك هجرهم، والتحذير منهم .
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحمله معرفته بهم وبسابقتهم أن يعاقبهم بأن هجرهم وأمر بهجرهم حتى يحكم الله فيهم بما شاء، فتاب الله عليهم وعفا عنهم ورفع درجتهم، ونفعهم الله بذلك الهجر.
وهذا الذي بينته واضح جداً من سياق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-.
فإنه قال: "ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " فإذا رأيتم من يتبع المتشابه، فأولئك الذين عنى الله،فا حذروهم" ما قال أحسنوا بهم الظن، كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء، أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي،إذا رأينا عندك شبهاً وضلالات؛ أنت متهم، الله حذر منك، ورسول الله حذر منك، كيف ما نحذر منك؟، وكيف نحسن بك الظن؟..".
ثم قال: "فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء؟! وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون،..".
فليس المراد مطلق إحسان الظن وإنما أراد إحسان الظن الذي يلزم منه ترك المعاقبة.
الوجه الثالث: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- بين أنهم خشي عليهم النفاق بسبب المعصية وهذه الخشية هي التي أوجبت هجرهم ومعاقبتهم بما أنعم الله عليهم بالتوبة والإنابة ورفعة الدرجات -رضي الله عنهم- .
والخلاصة:
1- أن المأربي بتر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ليلحق به الشين فعاد القدح عليه ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .
2- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تكلم بكلام ينزه الله فيه، وينكر على أهل البدع جعلهم دين الله وسيلة لتحقيق مآرب دنيوية فجعله المأربي من الكلام القبيح في الله عز وجل!!
فنعوذ بالله من الجهل والغباء.
3- أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وادعى عليه أنه يتهم الصحابة بالنفاق، والحقيقة أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يحكي الواقع ويثني على الصحابة ويبين رفعتهم وصدقهم وعلو منزلتهم .
4- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تكلم بكلام صحيح، والسياق يوضح ما حاول المأربي عيب الشيخ به .
5- ظهر أن المأربي متكلف في القدح في أسد السنة –حفظه الله وكسر شوكة عدوه- .
6- وظهر أن المأربي أنكر على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أمراً هو حق، وقد سبقه بنحوه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

المقال في ملف مرفق مع تقريظ الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله لكتابي إرواء الغليل

http://m-noor.com/otiby.net/book/mqalat/ebtal.doc