المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف علماء الجزائر فيما يتعلَّق بالتصوُّف - مستل من مقال تبرئة الشيخ ابن باديس وأسلاف الجمعية من الانتساب إلى الأشاعرة والصوفية -



أبو عبد الله بلال الجزائري
01-Feb-2013, 12:28 AM
موقف علماء الجزائر فيما يتعلَّق بالتصوُّف - مستل من مقال تبرئة الشيخ ابن باديس وأسلاف الجمعية من الانتساب إلى
الأشاعرة والصوفية -


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فقد عمل أناسٌ على إحياء ما اندثر من هذه العوائد البدعيّة والمواسم الشّركيّة، الّتي اتّخذت غطاءَ''إحياء التّراث''و''التّذكير بعوائد الأجداد''، و''المحافظة على ثقافة وموروث الشّعوب''....إلخ، وقد لقيت هذه دعماً رسميًّا، ورصدت لها ميزانيّات من الأموال، وسهّلت لها الطّرق تسهيلاً، وحظيت بإعلام واسعٍ، فتوالى الحديث عنها في (التلفزيون)وفي الإذاعات والجرائد، بغرض التّرويج لها، وليس َ هو حديثَ من يستنكرها، ويستهجن ما يحصل فيها من منكرات ومخالفات، أشدّها: ما يدخلُ على النّاس من الفساد في دينهم وفي عقيدتهم، بسوء ما يعتقدونه فيها وفيمن أُقيمت هذه الأعمال لأجلهم وعلى شرفهم كما يقولون!([1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn1)) ، و لما أنكر أهل السنة في الجزائر على هذه المنكرات و الشركيات أقيمت الدنيا عليهم في الجرائد و غيرها من وسائل الإعلام ، و مما سمعته ممن ينتسب كذبا و زورا للدين أنه يجب المحافظة على الشخصية الجزائرية المتمثلة في الإحتفال بالمولد و الذكر الجماعي ، و الحمد لله أنه لم يقل الحفاظ على الإسلام لأن ما ذكره ليس من الإسلام في شيء ، و قد ذكر لي أحد الأئمة بقسنطينة أن هذا المعتوه لما جاء إلى قسنطينة إثر افتتاحية مدرسة لتخريج الأئمة ، لم يتركهم يصلون صلاة الظهر ، و أجبرهم على سماع النشيد الوطني ، و بعد انتهاء النشيد بدأ هذا الغلام الخرف بشرح مفردات النشيد الوطني !!!!و كأنه وحي منزل فيا سبحان الله ، و مما قاله لهم أنه يجب على الإمام أن يحافظ على الشخصية الجزائرية المتمثلة في إقامة الدرس قبل صلاة الجمعة و الذكر الجماعي !!! ، فالعجب من هؤلاء الصوفية أصبح الدين عندهم وراثة ورثوها عن الأجداد ، كل بلد و له عوائدهم الخاصة !!!فهل نسوا أن دين الله واحد ؟ و هل نسوا أن محمد صلى الله عليه و سلم نبي لكل البشرية؟ أم لهم نبي من غيره و نحن لا نعلم ؟

و لترسيخ هذه المبادئ في نفوس الشعب لابد من إقامة الدورات و اللقاءات التليفزيونية و غيرها ، و لكن هيهات كأن أهل السنة لن يردوا عليهم إفكهم ، و لهذا شن هؤلاء هجمة شرسة على السلفية بغية تشويهها و تصويرها في أقبح الصور لدى العامة من الناس حتى تسقط من أعينهم و يظهر الصوفي المتمايل بشطحاته البطل الذي سيخرجهم من الظلمات و الذي سيقودهم إلى النجاة ، و لهذا أخي المسلم و خاصة الجزائري اعلم أن الذي حارب الصوفية قديما و الذي أخرج الجزائر من الإنحطاط و الجهل إلى الرقي و العلم و الإزدهار هي السلفية التي تسب اليوم في كل مكان و المتمثلة في جمعية العلماء المسلمين بقيادة العلامة ابن باديس رحمه الله تبارك و تعالى ، فهاهو أمامك موقفهم من الصوفية([2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn2) لتتأكد بنفسك و لتكن على بينة من أمرك و لتعلم أن السلفية هي الدرع الحصين و الحصن المنيع للجزائر خاصة و للعالم الإسلامي عامة ،و لنبدأ بقول العربي التبسي رحمه الله عن السلفية :
قال الشيخ العربي التبسي -رحمه الله-: «أمَّا السلفيُّون الذين نجَّاهم الله مما كِدْتُم لهم فهُم قومٌ ما أَتَوْا بجديدٍ وأحدثوا تحريفًا، ولا زعموا لأنفسهم شيئًا ممَّا زعمه شيخكم، وإنما هم قومٌ أمروا بالمعروف ونَهَوْا عن المنكر في حدود الكتاب والسنَّة، وما نقمتم منهم إلاَّ أن آمنوا بالله وكفروا بكم»([3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn3)).
وقال -رحمه الله-: «وبعون الله سأجعل كلَّ لُحْمَةٍ من لُحَمِ الطرائق التي اشتهرتْ وذاعت بيننا، منفردةً ببحثٍ وأقيسها بعصر السلف، فإن وُجد لها أصلٌ بينهم قبلْناها وعملْنا بها، وعزَّزْناها، وما لم نجدْ له أصلاً في أيَّامهم ولاعُرفًا فيما بينهم، اعتقدْنا أنه بدعةٌ محدثةٌ مشمولةٌ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»([4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn4)) فلتُرَدَّ، ومن نصرها كان له من الوزر مثل أوزار من أحدثها، وكان في أمره متَّبعًا غير سبيل المؤمنين، وآخذًا بغير هدي محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وليس بعد هدي محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ الضلال»([5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn5)).
وقال -رحمه الله-: «ونحن نعرض عملهم هذا ونقيسه بالهدي النبوي وعمل السلف، فذلك الدين، وما لم يُعرف في تلك الأيَّام بعمومٍ أو خصوصٍ فليس من الدين، فإنكاره قربةٌ، والاعتراف به بدعةٌ»، اﻫ([6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn6)).
وقال -رحمه الله-: «بهذا الأصل صار الدين لا يمكن أن يُؤْخَذَ بحكم العوائدِ والمحاكاة، ولا تعلُّمه من الجاهلين، وإنما يُؤخذ حقًّا تعلُّمًا عن أهل العلم الحقيقيِّين، الذين يستمدُّون فهومهم من عناصر الدين الأوليَّة التي هي الكتاب والسنَّة على مقتضى فهوم الأوَّلين من علماء الإسلام الذين إذا تكلَّموا على العقائد بيَّنوها وبيَّنوا مآخذها وأدلَّتها، وشرحوا ما أُذن لهم شرحُه، وتوقَّفوا فيما لا مجالَ للعمل فيه أو ردُّوه إلى ما وضح معناه وظهر مغزاه»([7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn7)).
أمَّا ما يتعلَّق بالتصوُّف فحسْبُ القارئِ في الجواب عنه هذه النقولات من كلام علماء الجمعية -رحمهم الله- الصريح في إنكار دعوتهم على الصوفية وطرائقهم:
نبتدئ أوَّلاً بإلقاء نظرةٍ في الأصول التي قد قامتْ عليها الجمعية وبنتْ عليه دعوتها، والتي قد ذُكِرَت تحت عنوان: «دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصولها»([8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn8))، وحينئذٍ نجد أنَّ منها تبديع الطرق الصوفية، وذلك في ما يلي: «الأصل السادسَ عشرَ: الأوضاع الطُّرقية بدعةٌ لم يعرفْها السلف، ومبناها كلِّها على الغلوِّ في الشيخ والتحيُّز لأتباع الشيخ، وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ، إلى ما هنالك من الإذلال والاستغلال ومن تجميد العقول وإماتةٍ للهمم وقتلٍ للشعور وغير ذلك من الشرور»([9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn9)).
وهذا الأصل -كغيره من الأصول- يلتزم بمضمونه كلُّ أعضاء الجمعية من غير استثناءٍ، ولو لم يكن من الأدلَّة إلاَّ هذا على تضليل علماء الجمعية للصوفية لكفى به دليلاً حيث جُعل تبديعُهم من أصول دعوتهم.

- وهذه مجلَّة «الشهاب» تشنُّ الغارة على مراكز الطرقية بقذائف الحقِّ بلا هوادةٍ حتى ارتفعت راية السلفية عاليةً في البلاد يستبشر بها العِبَادُ سواء العاكف منهم والبادِ،كالشيخ العلاَّمة تقيِّ الدين الهلالي -رحمه الله- لمَّا بعث برسالةٍ إلى المجلَّة يشجِّع إخوانه القائمين عليها ويعبِّر فيها عن سروره بجهودهم التي أنارتِ الظلماتِ وأزالت الخرافاتِ، وقد نُشرتْ هذه الرسالة في العدد (117) من المجلَّة، وممَّا ذُكر فيها ما يلي: «جاءنا من الأخ الفاضل العالم السلفي الأستاذ صاحب الإمضاء ما يلي: مكَّة المشرَّفة 11 صفر 1346 إلى حضرة الفاضل ... أمَّا بعد: فقد أطلعني على جريدتكم الغرَّاء المسمَّاة ﺑ«الشهاب»، ولنعم الشهاب هي على رؤوس أعداء الله القبوريِّين والطرقيِّين أعداء الحقِّ وغنم الشيطان الرجيم، أطلعني عليها الأخ الصالح الشيخ فكدتُ أطير فرحًا؛ لأنِّي تركتُ البلادَ مُظلمةً مدلهمَّةً بالخرافات والشرك، وكنت أظنُّها لا تزال تتخبَّط في ظلماتها، فإذا بأشعَّة النور أشرقتْ عليها بسبب أمثالكم وأمثال أستاذكم الشيخ عبد الحميد بن باديس، فنحن نُشهد اللهَ على محبَّتكم وموالاتكم، فإلى الأمام أيُّها الإخوان»([10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn10)).
- وقال البشير الإبراهيمي -رحمه الله- في معرض الردِّ على أصحاب الطرق: «لعمرك إنَّ الطُّرقية في صميم حقيقتها احتكارٌ لاستغلال المواهب والقوى، واستعمارٌ بمعناه العصريِّ الواسع، واستعبادٌ بأفظع صوره ومظاهره، يجري كلُّ هذا والأشياخ أشياخٌ يُقدَّس ميِّتُهم، وتُشاد عليه القباب، وتُساق إليه النذور، ويُتمرَّغ بأعتابه، ويُكتحل بترابه، وتُلتمس منه الحاجات، وتفيض عند قبره التوسُّلات والتضرُّعات، ويكون قبره فتنةً بعد الممات كما كان شخصُه فتنةً في الحياة، ثمَّ تتولَّد الفتن فيكون اسمُه فتنةً، وأولاده فتنةً ودارُه فتنةً، فإذا هو مجموع فتونٍ، تربو عدًّا على ما في مجموع المتون»([11] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn11)).
وقال -رحمه الله- في معرض الموازنة بين علم الكلام والتصوُّف أيُّهما أشرُّ وأضرُّ: «أمَّا المذاهب الكلامية فلم يكن أثرها بالقليل في تفرُّق المسلمين وتمزُّق شملهم، ولكن لمَّا كان موضوعها البحث في وجود الله وإثبات الصفات، وما يجب له من كمالٍ وما يستحيل عليه من نقصٍ -كلُّ ذلك من طريق العقل- كانت دائرتها محدودةً، وكان التعمُّق فيها مِن شأن الخواصِّ، وقعد بالعامَّة عن الدخول في معتركها إحساسُها بالتقصير في أدواته من جدلٍ وعقليَّاتٍ يُحتاج إليها في مقامات المناظرة والحجاج، فليس علمُ الكلام كعلم التصوُّف مطيَّةً ذلولاً يندفع لركوبها العاجز والحازم، فالتصوُّف شيءٌ غامضٌ يُسعى إليه بوسائلَ غامضةٍ، ويسهل على كلِّ واحدٍ ادِّعاؤه والتلبُّس به، فإن خاف مدَّعيه الفضيحةَ لم يُعدمْ سلاحًا من الجَمْجَمَة والرَّمز وتسمية الأشياء بغير أسمائها، ثمَّ الفزع إلى لزوم السمت والتدرُّع بالصمت والإعراض عن الخلق، والانقطاع والهروب منهم ما دام هذا كلُّه معدودًا في التصوُّف وداخلاً في حدوده»([12] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn12)).
وقال -رحمه الله- أيضًا في السياق نفسه: «وأمَّا المذاهب الصوفية فهي أبْعَدُ أثرًا في تشويه حقائق الدين، وأشدُّ منافاةً لروحه، وأقوى تأثيرًا في تفريق كلمة المسلمين ...»([13] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn13)).
وقال -رحمه الله- في بيان سبب تفرُّق المسلمين: «... نعلم عِلْمَ اليقين ونتحقَّق حَقَّ اليقين أنَّ الذي فرَّق الأمَّةَ ومزَّق وحدتها حتَّى أصبحت متنافرةً إلى آخر ما وصفْتُها به هي الطرق ... لا بالآثار البعيدة غير المباشرة بل بأصولها التي بُنِيَتْ عليها، وبشروطها الموثَّقة من شيوخها، وبعهودها المأخوذة على أتباعها ...»([14] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn14)).
وقال -رحمه الله-: «إنَّ الخلاف بيننا وبين هؤلاء ليس في مسائلَ علميةٍ محصورةٍ يعدُّونها في كلِّ بلدٍ بعددٍ ويُكثرون حولها اللغط ليوهموا الناس أنَّ الخلاف علميٌّ ... وإنما الخلاف بيننا وبينهم في طُرقهم وزواياهم، وما يرتكبونه باسمها من المنكرات التي فرَّقتْ كلمة المسلمين، وجعلت الدين الواحد أديانًا، فقلنا لهم ولا نزال نقول: «لا طرقيَّةَ في الإسلام»، وأقمْنا على ذلك الأدلَّة من الدين وتاريخه الأوَّل والعقل ومقتضَياته»([15] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn15)).
وقال -رحمه الله-: «...لأنه يعلم من الدراسة اليسيرة لهذا الحاضر المشهود أنَّ كلَّ ما يراه في المسلمين من جمودٍ وغفلةٍ وتناكرٍ، وقعودٍ عن الصالحات، ومسارعةٍ في المهلكات، فمردُّه إلى الطُّرق ومأتاه مباشرةً أو بواسطةٍ منها، فلا كانت هذه الطرق ولا كان مَن طرَّقها للناس»([16] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn16)).
وقال -رحمه الله-: «ومن مكرها الكُبَّار أنْ تعمد إلى العلماء -وهم ألسنة الإسلام المنافِحة عنه- فترمِيَها بالشلل والخرس، وتصرفها في غير ما خُلقتْ له، فقد ابْتَلَتْ هذه الطرقُ علماءَ الأمَّة في القديم بوساوسها وأوهامها حتَّى سكتوا لها عن باطلها، ثمَّ لم تكتفِ منهم بالسكوت بل تقاضَتْهم الإقرارَ لها والتنويه والتمجيد، وابْتَلَتْهم في الحديث بدُرَيْهِماتها ولُقَمِها حتَّى زادوا على السكوت والإقرارِ الاتِّباعَ والانتسابَ والوقوفَ بالأعتاب، حتَّى أصبحنا نرى العالِم المؤلِّف يعرِّف نفسه للناس في صدر تأليفه بمثل قوله: فلان المالكي مذهبًا الأشعري عقيدةً التيجاني طريقةً»([17] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn17)).
وقال -رحمه الله-: «...ومع أنَّنا نعلم أنَّ الطرق منتشرةٌ في العالَم الإسلاميِّ وأنَّ آثارها فيه متشابهةٌ، وأنها هي السبب الأقوى في كثيرٍ ممَّا حلَّ به من الأرزاء والنكبات، وكثيرًا ما كانت مفتاحًا لاستعمارِ ممتلكاته، فإنَّ حربنا موجَّهةٌ أوَّلاً وبالذَّات إلى طرقية الشمال الإفريقي، وبينها من الوشائج ما يجعلها كالشيء الواحد، فعلى مقدار هؤلاء الذين نعرف جنسهم وفصلهم، وفرعهم وأصلهم نفصِّل القول، وإلى هذا الهدف نسدِّد السهام، والأمرُ بيننا وبينهم من يوم شُنَّتِ الغارة دائرٌ على أحوالٍ، وسائرٌ على مراحِلَ، ينتقلون بنا من إحداها إلى الأخرى، ولا نزال نُطاردهم وهم يلتجئون من ضيِّقٍ إلى أضْيَقَ إلى الآن، وذلك لمَّا أنكرْنا عليهم باطلهم الذي يرتكبونه باسم الدين -زعموا أنَّ الطريق هي الدين-، ولمَّا نقضْنا لهم هذه الدعوة تنزَّلوا فزعموا أنَّ لها حبلاً وَاصِلاً بالدين وسندًا متَّصلاً بالسلف، ولمَّا بيَّنَّا لهم بأنَّ الحبل مقطوعٌ وأنَّ السند منقطعٌ؛ قالوا: إنَّ هذه الطرقية مرَّتْ عليها قرونٌ ولم يُنكرْها العلماء، فبيَّنَّا لهم أنَّ عدمَ إنكارِ العلماءِ الباطلَ لا يصيِّره حقًّا، ومرورُ الزمن عليه لا يصيِّره حقًّا، وقلنا لهم: إذا كان سلفُكم في الطرقية يعملون مثل أعمالكم فهُم مُبطلون مثلكم، وإذا كانوا على المنهاج الشرعي فليسوا بطُرقيِّين، ونحن نعلم من طريق التاريخ لا من طريق الشهرة العامَّة أنَّ بعض أصحاب هذه الأسماء الدائرة في عالم التصوُّف والطرق كانوا على استقامةٍ شرعيةٍ وعملٍ بالسنَّة ووقوفٍ عند حدود الله، فهُم صالحون بالمعنى الشرعي، ولكنَّ الصلاح لم يأتِهم من التصوُّف أو الطرق، وإنما هو نتيجة التديُّن، وفي مثل هؤلاء الصالحين الشرعيِّين إنما نختلف في الأسماء، فنحن نسمِّيهم صالحي المؤمنين، وهم يسمُّونهم صوفيةً وأصحاب طرقٍ، فيا ويلهم! إنَّ طريقة الإسلام واحدةٌ، فما حاجة المسلمين إلى طرقٍ كثيرةٍ؟ ثم ما هذا التصوُّف الذي لا عَهْدَ للإسلام الفطريِّ النقيِّ به؟ إنَّنا لا نُقرُّه مظهرًا من مظاهر الدين أو مرتبةً عليا مِن مراتبه. ولا نعترف من أسماء هذه المراتب إلاَّ بما في القاموس الديني: النبوَّة والصديقيَّة والصحبة والاتِّباع، ثمَّ التقوى التي يتفاضل بها المؤمنون، ثمَّ الوَلاية التي هي أثر التقوى، وإنْ كنَّا نُقرُّه فلسفةً روحانيَّةً جاءتْنا من غير طريق الدين ونرغمها على الخضوع للتحليل الديني، وهل ضاقتْ بنا الألفاظ الدينية ذات المفهوم الواضح والدقَّة العجيبة في تحديد المعاني حتَّى نستعير من جرامقة اليونان أو جرامقة الفرس هذه اللفظة المبهمة الغامضة التي يتَّسع معناها لكلِّ خيرٍ ولكلِّ شرٍّ؟ ويمينًا، لو كان للمسلمين يومَ اتَّسعت الفتوحات وتكوَّنت «المعامل» الفكرية ببغداد ديوانُ تفتيشٍ في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجمي؛ لكانت هذه الكلمة من الموادِّ الأوَّلية المحرَّمة الدخول.. فقد أصبحت هذه الكلمة التي غفلوا عنها أُمًّا ولودًا تلد البرَّ والفاجر، ثمَّ تمادى بها الزمن فأصبحت قلعةً محصَّنة تُؤوي كلَّ فاسقٍ، وكلَّ زنديقٍ، وكلَّ ممخرقٍ، وكلَّ داعرٍ، وكلَّ ساحرٍ، وكلَّ لصٍّ، وكلَّ أفَّاكٍ أثيمٍ. وانظر «طبقات الشعراني الكبرى» وما طُبع على غرارها من الكتب تجدْ أصناف المحتمين بهذه القلعة -وهم ببركة حمايتها- طلقاءُ من قيود الشريعة، وإنَّ هذه القلعة لَهِيَ المعقل الأسمى والملاذ الأحمى لأصحابنا اليوم، فكلُّ راقصٍ صوفيٌّ، وكلُّ ضاربٍ بالطبلِ صوفيٌّ، وكلُّ عابثٍ بأحكام الله صوفيٌّ، وكلُّ ماجنٍ خليعٍ صوفيٌّ، وكلُّ مسلوب العقل صوفيُّ، وكلُّ آكلٍ للدنيا بالدين صوفيٌّ، وكلُّ مُلحدٍ في آيات الله صوفيٌّ، وهلمَّ سحبًا، أَفيَجْمُلُ بجنودِ الإصلاح أن يَدَعُوا هذه القلعة تحمي الضَّلال وتُؤْويه، أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملةً صادقةً شعارُهم: «لا صوفيَّةَ في الإسلام» حتَّى يدكُّوها دكًّا، وينسفوها نسفًا، ويَذَرُوها خاويةً على عروشها؟... والحقيقة أنَّ الطرقيِّين أرادوا أن يصبغوا طرقهم بالقدسيَّة الدينيَّة، فانتحلوا لها هذه الأباطيل، وأعطَوْها خصائص الدين كلَّها»([18] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn18)).
ويقول -رحمه الله-: «أَمَا والله ما بلغ الوضَّاعون للحديث، ولا بلغت الجمعيات السرِّية ولا العلنية الكائدة للإسلام مِن هذا الدين عُشْرَ معشار ما بلغتْهُ من هذه الطرق المشؤومة»([19] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn19)).
- قال الشيخ العربي التبسي -رحمه الله-: «إنَّ الإرشاد هو الذي يُحيي القلوب الميِّتة، ويزرع الفضائل في الأمَّة، ويكثِّر العاملين بالدين الحقِّ، فإذا تُرك أو أُهمل، أو استُعمل بغير لغته، أو استمدَّ من غير أصوله وعناصره، أو تولاَّه من لا يعرفه؛ فإنَّ الدين الإسلاميَّ الذي نزل به جبريلُ وتلقَّاه محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم من ربِّه تنطوي محاسنُه، وتتبدَّل أخلاق أهله، ويترك الناسُ العملَ بالدين، وهذا ما جرى لهذه الأمَّة إلاَّ من رحم ربِّي من زمنٍ لستُ أعرف ابتداءه تاريخيًّا، ولكنِّي أستطيع أن أحدِّده بظهور آثار التغيير في هذه الأمَّة، وأزعم أنه يبتدئ من يومِ أضاع الناس السنَّة المحمَّدية، وركنوا إلى بدع الرجال التي صرفتْهم عن التربية المحمَّدية والأخلاق الإسلامية، وظهر في الشعب رؤساءُ يُنسبون إلى الدين، فكان وجودهم سببًا في انقسام الوحدة واختلاف الكلمة وذيوع الأهواء، وتحيُّز جماعاتِ الأمَّة إلى نزاعاتٍ تَفُتُّ عَضُدَ الوحدة المقصودة للدين، حتَّى أصبح الحبُّ والبغض ليسا في الله كما هي القاعدة، واتَّخذ الناس رؤساءَ جهَّالاً بدعيِّين يعدُّونهم من أولياء الله وخواصِّ عباده المقرَّبين عنده، ففُتنتْ بهم جَهَلَةُ الأمَّة وأشباه الجهلة، فنصروهم على عامِّيَّةٍ، واتَّبعوهم على غوايةٍ، وصار الدين ألعوبةً في يد هؤلاء الرؤساء وأتباعهم»([20] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn20)).
هذا كلام علماء الجزائر الأجلاء فما بال القوم يتجاهلونه أهكذا يكون الإنصاف ؟ و هل من الحكمة في شيء أن نترك جهود هؤلاء تذهب هباءا منثورا ؟ كلا و الله سنحاول بكل ما نستطيع أن نربط هذا الشعب المسكين المغرر به بعلماء بلده الأفاضل رحمة الله عليهم و أن سلفيتهم هي سلفية هذا الزمان و إن تباعد ت بنا الأزمان فدين الله واحد و المنهج منهج واحد ، فلماذا كل هذا التهكم و الوقيعة و الفظاظة في الكلام و الإتهامات الجائرة بالعمالة لليهود ؟ هذا و [لننبِّه على أنَّ هذا أسلوب القوم العتيق وطريقتهم المثلى للنيل من أصحاب العقيدة السلفية منذ أن ظهرت مخالفة أولئك لأهل السنَّة في مسائل التوحيد والعقيدة، حتى أصبح من المعروف والمقرَّر المألوف عند أعلام السنَّة أنَّ من سمات أهل البدع والضلال وعلاماتهم الظاهرة وقيعتَهم في أهل الأثر وبُغْضَهم وسبَّهم وتعييرهم وإطلاق الألقاب المشينة عليهم قصد انتقاصهم والاستخفاف بهم والتنفير منهم]([21] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn21)) ، قال الإِمام أَبو حاتمٍ الرازي رحمه الله تعالى: ''وعلامةُ أهل البِدَعِ الوقيعةُ في أهل الأثر، وعلامةُ الزنادقة تَسْميَتُهُمْ أهلَ السنَّة حَشْوِيَّةً، يريدون إبطالَ الآثار، وعلامةُ الجهمية تَسْميَتُهم أهلَ السنَّة مُشبِّهةً، وعلامةُ القدرية تَسْميَتُهم أَهلَ الأثر مُجْبِرَةً، وعلامةُ المرجئَة تَسْميَتُهم أَهلَ السنَّة مُخالِفةً وَنُقصانيةً ، وعلامةُ الرافضة تَسْمِيَتُهِم أَهلَ السنَّة ناصبةً، ولا يَلْحقُ أهلَ السنَّة إلا اسْم وَاحِدٌ، ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماءُ''([22] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn22)).
هذا و الله أسأل أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه و أن يجعلنا هداة مهتدين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.


أبو عبد الله بلال القسنطيني الجزائري.



[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref1): من كلام الشيخ سمير سمراد : - وَعْدَة «سيدي الحسني» بوهران فضائحُ....ومخازي – موقع مصابيح العلم.

[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref2): كل ما سانقله عنهم نقلته من مقال : تبرئة الشيخ ابن باديس وأسلاف الجمعية -إدارة موقع الشيخ فركوس-
[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref3): المقالات (1/115).
[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref4): و رواه البخاري ، كتاب الصلح ، باب إذا اصطلحوا على صلح جور ، فالصلح مردود ، رقم (2697). و مسلم بلفظ : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )، كتاب الأقضية ، باب نقض الأحكام الباطلة ، رقم (1718)
[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref5):بدعة الطرائق في الإسلام (25).
[6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref6): المصدر السابق (28).
[7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref7): المقالات (2/27).
[8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref8): من وثائق جمعيّة العلماء المسلمين (15).
[9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref9): المصدر السابق (19).
[10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref10): العدد 117 من الشهاب (15- 16).
[11] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref11): الآثار (1/172).
[12] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref12):الآثار (1/166).
[13] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref13):الآثار (1/168).
[14] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref14):الآثار (1/304).
[15] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref15):الآثار (1/303).
[16] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref16):الآثار (1/168)
[17] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref17):الآثار (1/170).
[18] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref18):الآثار (1/176- 175).
[19] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref19):الآثار (1/171).
[20] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref20):المقالات (2/34).
[21] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref21): تبرئة الشيخ ابن باديس وأسلاف الجمعية من الانتساب إلى الأشاعرة والصوفية. إدارة موقع الشيخ فركوس- ردود و تعقيبات – و انظر مجلة الإحياء العدد: (04).
[22] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref22): شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة» (2/179) – بواسطة : مقال تبرئة ابن باديس -

أبو أنس بشير بن سلة الأثري
01-Feb-2013, 12:48 AM
جزاك الله خيرا

أبو عبد الله بلال الجزائري
01-Feb-2013, 12:52 AM
أخي الفاضل بارك الله فيك على المرور