المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [بيان] السَّلفيَّة منهج رباني وتصرفات السَّلفيين سلوك إنساني بقلم : أحمد معمر-وفقه الله-



أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
01-Feb-2013, 06:12 PM
السَّلفيَّة منهج رباني وتصرفات السَّلفيين سلوك إنساني بقلم : أحمد معمر-وفقه الله-
السَّلفيَّة منهج رباني وتصرفات السَّلفيين سلوك إنساني

بقلم : أحمد معمر-وفقه الله-




بسم الله الرحمن الرحيم

[المقال نُشر في جريدة الشروق ليوم الخميس 31 جانفي 2013م / الموافق لــ 17 ربيع الأول 1434هـ / العدد (3912)]

قبل أن نلج إلى المقصود أريد أن أقول ، إنَّه نعزل قضية طرح ملف الإسلاميين ، واستدعاء النقاش حول السَّلفيَّة – وجعله يطفو إلى السطح – عن مجريات الأحداث في الدَّاخل والخارج ، وحقيقة في هذا المقام أن ننوه بأنَّ علماء السَّلفيَّة ودعاتها ، لا تعزب عن فطنتهم حقائق الوقائع ، ولا تغيب عن قريحتهم خفايا مختلف التداعيات ، ولا يمكن هذا الَّذي يجري هذه الأيام بريئا من مكايدة سياسية ، أو أن يستغل – على أقل تقدير – لصالح جهة ما ، وقد تشعر الأطراف المشاركة بذلك وقد لا تشعر به ، لكن السَّلفيَّة كعقيدة واضحة جلية ، تمتلك العملة النادرة هذه الأيام وهي : "الاستمساك والثبات على المبادئ الشرعية والذّود عن المنهج الإسلامي الأصيل" ، ليس لديها ما تستسر به أو تخفيه عن أحد ، ومرجعيتها الشرعية تسعفها عند كل مقام بمقال ، وعند كل حادثة بحديث ، وفي منهجنا عدَّة لكلّ شدَّة


معرفة المنهج من المصدر لا من المنتسبين : عند النقَّاد وأهل التحقيق في الانتقاد ، توزن الأفكار والأقوال بالمقاييس العلمية ، المحكومة بالأدلَّة الشرعية ، والقواعد والأصول الكلية ، التي استقرَّت محلَّ إجماع عند العلماء ، وللوقوف على حقيقة العقائد والأفكار بعدل وإنصاف ، يَتحتَّم على دارس الفكرة العودة إلى أصول مصادرها ومعين استمدادها ، إذا تمهَّد هذا فعلى الَّذين ينتقدون السَّلفيَّة أن يظهروا لنا الخلل فيها كعقيدة تعتمد الكتاب والسنة ، وإجماع سلف الأمَّة ، وماذا يعيبون عليها كمنهج !؟ وليس كأشخاص يجوز عليهم الخطأ ، وبعضهم أقرب من بعض إلى عقيدة السَّلف .

السَّلفيَّة – وليس السلفيون – هي سبيل الله إلى الجنة ، لما تكاثرت الفرق وتباينت الاتجاهات في فهم الإسلام اختار "السلفيون" طريق السَّلف الصَّالح من الصَّحابة وتابعيهم في فهم الإسلام على النهج الأول الَّذي تركهم عليه النَّبي في القرون الأولى المفضلة ، امتثالا لقوله : "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" ، لقد اختاروا الإسلام السلفي النقي ، الَّذي لما التزمه الصحابة قال الله لهم "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ " [سورة الحج:78] وجانبوا كل ما أطلق عليه "إسلام" وحقيقته خرافات شيعية ! ، أو انحلال مرجئي ! أو عقلانية معتزلية ! ، أو غلو خارجي ! امتثالا لقوله : "وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ ضَلاَلَةٌ" إذا فالسَّلفيَّة لا تعدو أن تكونَ النُّسخة الأصلية للإسلام

سلامة منهجنا لا تعني سلامة أشخاصنا ، إذا عرفنا أن العقيدة السَّلفيَّة لا يتسلل إليه خلل ، ولا ينسب إليها زلل لأنَّها معصومة بعصمة الكتاب والسنة وإجماع الأمَّة ، فيجب أن نعرف كذلك أنَّها لا تمنح "صك عصمة" للمتشرِّفين بالتزامها ، والمهتدين بهديها ، حتى لو كانوا في رتبة أئمة الدِّين والعلماء المجددين ، لأن من أصول العقيدة السَّلفيَّة – خلافا للفرق الضالَّة – أنَّ الإمامة لا تستلزم العصمة ، والسلفيون لا يتعصَّبون لعالم دون غيره ، بل يدركون جيدا أن واجبهم تجاه الحق التقديس ، وواجبهم تجاه العلماء التقدير .

نقد السلفيين واجب شرعي ونقد السَّلفيَّة كَمِين غربي ، السلفيون كغيرهم من المسلمين الَّذين يسعون إلى الاقتداء بسنة النبي وسنة الخلفاء الرَّاشدين ابتغاء مرضاة الله وجنته ، منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ، وحظ كل سلفي من فهم السَّلف الصَّالح بقدر صدق انتمائه ، وتوفيق الله له ، فالسلفي قد يزل اتباعا لشهوة أو تعثرا بشبهة ، وقد تعتري بعضهم شدة ، وآخرون تصيبهم تساهلات ، وقد ينجرُّ بعضهم إلى إفراط أو تفريط ، فليس كل سلفي وإن صدق في انتمائه يوفق في عكس الصورة الحقيقية للعقيدة السَّلفيَّة ، ولهذا علماؤنا ودعاتنا – حفظهم الله – لا يفتؤون يمارسون النقد الذَّاتي ، ويقومون بواجب المراجعات والتقويم ، ولا يطوون نصحهم عن أحد كلَّما اقتضى الأمر ذلك ، سبيلهم القرآن والسنة ، في التنبيه على هفوات بعض الصحابة .

ولكن الهجوم على السَّلفيَّة بتصيّد العثرات ، وبعثرة الأوراق ، وذرّ الرّماد في عيون الناس ! بإبراز بعض الهنات والتجاوزات ! وردم الحسنات مع الخلط بين أصول المنهج واجتهادات علماء ، قد يصيبون فيها أو يخطئون ، والتذرّع بزلات بعض السلفيين – التي لا ينجو منها بشر – لتشويه الدَّعوة السَّلفيَّة ، وقذف الاتهامات بلا نيات ، فهذا دعم مباشر وتغذية مفعمة للمشروع الغربي التغريبب في الهجوم الإعلامي ، لتشويه الإسلام عامة والمنهج السَّلفي خاصَّة ، وأمر القوم بات اليوم أظهر من لَـمْعِ البرق إذا لَمَع ، ولا أصدق من الواقع إذا وقع !


من معاثر المنتقدين للسَّلفيَّة :

تصوير السَّلفيَّة كنتاج بشري ودعوة إقليمية ، حيث يعمد المنتقدون وبشكل متكرر إلى تصوير السَّلفيَّة في شكل دعوة إصلاحية ، انحصرت في مكان ما ، أو إظهارها كمجموعة جهود دعوية ، نشأت مع عالم أو مصلح في زمان ما ، وكأنَّها نتاج بشري منعزل عن مرجعيَّة الشَّرعيَّة الَّتي يستمدها من الكتاب والسنة ، وإجماع الأمَّة ، وهم يقومون بهذا كمقدمة تمهيدية لرفع الحصانة عنها لنقدها ، بعد إقناع النَّاس بأنَّ السَّلفيَّة لا تعدو أن تكون مجموعة آراء ومذاهب إصلاحية اجتهادية ، حتَّى يتسنَّى لهم بعدُ ، الهجوم عليها ونقض عراها ، وهذه مغالطة باطلة ، انطوت على مرواغة المتلقي بطمس حقائق وإخفاء بعضها ، منها :

أنَّ كلَ المجدّدين والمصلحين – مهما نأت ديارهم واختلفت أمصارهم – متفقون على منهج واحد في ربط النَّاس بالكتاب والسنة ، على طريقة السَّلف الصَّالح لهذه الأمَّة ، وهذا أمر شهدت به الأعداء وظهر لكل ذي عينين في الأرجاء ، وقد صح عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال : "إِنَّ اللَّهَ تعالى يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا " رواه البيهقي ، فالعالم الَّذي يجدّد للأمَّة دينها لا ينسب إليه الدِّين والعقيدة ، ولكن ينسب إليه تجديد إحياء العقيدة في نفوس النَّاس وحياتهم ، ثمَّ إنَّ دعوته التجديديَّة لا تُرفض لأجل شخصه أو تعاب به ، كيف والنَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم يزكيه مخبرا أن الله هو الَّذي يبعثه ، ولذلك يقول علمائنا : ليس العبرة بشخص المجدّد وجنسيته ، ولكن العبرة بالأدلَّة ومدى موافقته للحقائق الناصعة ، والبراهين السَّاطعة ، الممثَّلة في الكتاب والسنة ، ومنهج السَّلف الصَّالح ، وإلاَّ لجاز أن نرفض دعوات الفاتحين من الصَّحابة ومن بعدهم ، وجاز للمغاربة أن يرفضوا الإسلام ! لأنَّه مجرَّد دعوة قام بها عقبة بن نافع رضي الله عنه !!
تحميل السَّلفيَّة زلاَّت وتجاوزات بعض أفرادها !! ، كما أنَّ منتقدي السَّلفيَّة لا يمكن لهم أن يحكموا على الإسلام من خلال زلات بعض المسلمين وأخطائهم ، فكذلك لا مساغ لمُناوئ يُشَّغِب على السَّلفيَّة كمنهج أصيل وعقيدة ناصعة ، بفتات زلاَّت مَنْ لا تُقرِّهم السَّلفيَّة على أخطائهم ، وتسابق بالحكمة والموعظة الحسنة إلى ثنيهم عن جريرتهم ، وردّهم إلى صوابهم .


(إسهال) التساهل في التعميم ! :

فهم لا يتورَّعون عن وضع كل من انتسب أو نُسب إلى السَّلفيَّة وحُسِبَ عليها في سلَّة واحدة ، وكأنَّهم نسوا أو تناسوا أنَّ "الشَّاذ يُحفظ ولا يقاس" وأن "العبرة بالأغلبية السَّاحقة من أتباع المنهج السَّلفي" ، الَّذين عمرت بهم بيوت الله وانتعشت بحيويتهم حلق العلم والذكر ، وسعدت بأخلاقهم الشوارع والأسواق والمحلاَّت ، وتاب على أيديهم الأفراد والجماعات ، فكم من أسير للخرافة والشرك أنقذوه ، وكم من قتيل للشبهات والشهوات أحيوه ، وكم من ضال في ظلمات المعاصي والمخدِّرات هدوه .

وليعلم القاريء أنَّ آلياتهم هذه في نقد السَّلفيَّة والسلفيين تُشبهُ سياسةُ متَّبعة في حملة الإعلام الغربي ، الَّتي يسعى باستغلالها في طمس حقائق الإسلام السَّلفي – المتصل مباشرة بالمنابع الأصلية – فمن دسائس الغرب أنَّه يحاول ترسيخ صورة نمطية عن أتباع المنهج السَّلفي ، تظهرهم في سلوكات ومواقف تدعو إلى الرعب والتخوّف ، وذلك بالتركيز الممنهج ، على بعض التجاوزات ، وتقريب العدسات المكبَّرة من خطأ وقع هنا أو هنالك ، مع الرَّبط غير المنصف بين الدعوة السَّلفيَّة وأعمال العنف التي تقع من جماعات المغرَّر بهم ، وما تقارير مؤسسة رائد الأمريكية وتوصيتها عن المراقبيين ببعيدة .

منقول من : منابر النور العلمية .