تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : استدلال الصوفية على مشروعية الإحتفال بالمولد النبوي بخبر تخفيف العذاب عن أبي لهب و جواب الشيخ فركوس عن هذه الشبهة



أبو عبد الله بلال الجزائري
14-Feb-2013, 07:30 PM
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : (حدثنا الحكم بن نافع (http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=11931)أخبرنا شعيب (http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=16108)عن الزهري (http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=12300)قال أخبرني عروة بن الزبير (http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=16561)أن زينب بنت أبي سلمة (http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=170)أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان (http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=10583)أخبرتها أنها قالت يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان فقال أوتحبين ذلك فقلت نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ذلك لا يحل لي قلت فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة قال بنت أم سلمة قلت نعم فقال لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن قال عروة وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة قال له ماذا لقيت قال أبو لهب لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة) ([1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn1))

و هذا الحديث يستدل به الصوفية على جواز الإحتفال بالمولد النبوي و هي حجة باطلة لا يُعتمد عليها ، قال الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله أمَّا من رأى أبا لهب بعد موته في النوم أنه خُفِّف عنه بعض العذاب كلَّ ليلة الاثنين([2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn2))، فجوابه من عِدَّة وجوه:
الأول: إنَّه ليس في حديث البخاري أنَّه يخفَّف عنه كلّ اثنين، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل بشارتها إيَّاه بولادته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقد ذكر ابنُ حجر أنَّه أعتقها أبو لهب بعد هجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم([3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn3))وروي أنَّه أعتقها قبل ولادته بزمن طويل([4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn4))

الثاني: إنَّه خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدَّثه به. الثالث: وعلى تقدير أنَّه موصول فالذي في الخبر رؤيا منام فلاَ حُجَّة فيه كما صَرَّح الحافظ ابنُ حَجَر([5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn5))، قال المعلمي رحمه الله: (اتفق أهلُ العلم على أَنَّ الرُّؤْيَا لا تصلح للحُجَّة، وهي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجَّة شرعية صحيحة)([6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn6)).الرابع: إنَّ الرائي في المنام: له أَخُوهُ العباس رضي الله عنه وذلك بعد سَنَةٍ من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر ذكره السُّهيلي([7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn7))، ولعلَّ الرَّائي لم يكن إذ ذاك قد أسلم([8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn8)).الخامس: إنَّ الخبر مخالِفٌ لظاهر القرآن والإجماع، قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، ولقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: 39]، وقوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: 18]، ولقد كان أبو لهب من أشدِّ الناس عداوةً للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ومُبالغةً في إيذائه، الأمر الذي يهدم ما سلف من الفرح به لو صحَّ ذلك، وقد ذكر القاضي عياض انعقاد الإجماع على أنَّ الكُفَّار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذابٍ وإن كان بعضهم أشدَّ عذابًا من بعض([9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn9)).السادس: وعلى فرض التسليم والقَبول جَدَلًا بأن خفِّف عنه لإعتاقه ثويبة بسبب ولادته وإرضاعه؛ فإنَّ هذا الأمر لا يخفى عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، كما لم يَخْفَ عنه تخفيف العذاب عن أبي طالب لأجل حمايته ونصرته، ومع هذا العلم لم ينقل عنه اتخاذ يوم مولده عيدًا، ولا أصحاب القرون المفضّلة بعده([10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn10)).قلت : كما أن الخبر مخالف لظاهر القرآن فهو يخالف الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه ، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ : لَا يَنْفَعُهُ ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ )([11] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn11) ).هذا و الكفار أعمالهم الصالحة يُثابون عليها في دنياهم الفانية ، بأنواع الرزق و كثرة الولد و التفنن في مجالات الحياة و ما التطور الذي وصولوا إليه إلا دليل على ما أثابهم به الله تبارك و تعالى في هذه الدنيا لأنهم قوم اختاروا الدنيا على الآخرة ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوباً، وعند رأسه أُهُب معلّقة؛ فرأى أثر الحصير في جنبه، فبكى؛ فقال (: ما يبكيك؟فقال له: "يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله" فقال عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟)([12] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn12)) ، و هذا دليل واضح على أن الدنيا للكفار ينالون منها من كل شيء فهم قوم عُجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ،وأما في الآخرة فلا ينالون شيئا من تلك الحسنات ، فالكفر كما هو معلوم محبط لجميع الحسنات ، و لا يغفره ربنا سبحانه و تعالى ولا ينفع معه عمل صالح ، و الكفار يتفاوتون في العذاب في جهنم ، بحسب ما اقترفوه من جرائم شيطانية في الدنيا، و هم خالدون فيها جميعا ،قال البيهقي : ( ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة ، ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات)([13] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn13)).
هذا ما وصلت إليه و الله أعلم فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان فالله أسأل أن يغفري لي ما قصرت فيه و أن يثبتنا على دينه الحنيف وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.





أبو عبد الله بلال القسنطيني الجزائري.





[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref1):أخرجه البخاري في النكاح برقم (5101) باب ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، من حديث عروة بن الزبير.

[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref2):المواهب اللدنية للقسطلاني (1/260).
[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref3):الإصابة لابن حجر (4/258).
[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref4):شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (1/259).
[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref5):فتح الباري لابن حجر (9/145).
[6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref6):التنكيل للمعلمي (2/242).
[7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref7):البداية والنهاية لابن كثير (2/273).
[8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref8):الإصابة لابن حجر (2/271).
[9] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref9):فتح الباري لابن حجر (9/145).
[10] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref10): مجلة الإحياء العدد (05) ، الصفحة (12). وهي إحدى كلمات الشيخ الشهرية المنشورة على موقعه بعنوان : حكم الاحتفال بمولد خير الأنام عليه الصلاة والسلام :(18 صفر 1426ﻫ/الموافق لـ: 28 مارس 2005م)
[11] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref11):مسلم برقم(214).
[12] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref12): حديث متفق عليه ، البخاري برقم (4913) و مسلم برقم (1479).
[13] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref13): الفتح (9/145).