المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الذين لا يؤخذ منهم العلم ــ لفضيلة الشيخ أحمد بازمول حفظه الله



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
19-Feb-2013, 02:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وممن لا يؤخذ عنه العلم : من الفساق ولو كثر علمهم :

لفضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول حفظه الله


قال الخطيب : " إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه إجهاد النفس على العمل بموجبه ، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة ، وليس يعد عالما من لم يكن بعلمه عاملا ، وقيل : العلم والد والعمل مولود ، والعلم مع العمل والرواية مع الدراية ، فلا تأنس بالعمل ما نمت مستوحشا من العلم ، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرا في العمل ، ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما .
وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته ، والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة وتمم على عبده النعمة ، فأما المدافعة والإهمال وحب الهوينى والإسترسال ، وإيثار الخفض والدعة والميل مع الراحة والسعة فإن خواتم هذه الخصال ذميمة وعقباها كريهة وخيمة " .
وقال ابن عبد البر : " قد ذم الله في كتابه قوما كانوا يأمرون الناس بأعمال البر ولا يعملون بها ذما وبخهم الله بها توبيخا يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة ، فقال : (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) " .
وعن أسامة بن زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ، مالك ، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه " .
وعن جندب بن عبد الله الأزدي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السّراج يضيء للناس ويحرق نفسه ".
وقال أيوب :" لا خبيث أخبث من قارئ فاجر ".
وقال الشعبي :" يشرف أهل الجنة في الجنة على قوم في النار فيقولون : ما لكم في النار وإنما كنا نعمل بما تعلمونا ؟ فيقولون : إنا كنا نعلمكم ولا نعمل به ".
وقال ابن عيينة :" العلم إن لم ينفعك ضرك ".
قال الخطيب :" يعني : إن لم ينفع بأن يعمل به ضره بكونه حجة عليه ".
وقال الخطيب :" علماء المسلمين لم يختلفوا في أن الفاسق غير مقبول الفتوى في أحكام الدين وإن كان بصيرا بها ".
وقال مالك بن دينار :" لأنا للقارئ الفاجر أخوف مني من الفاجر المبرز بفجوره إن هذا أبعدهما غورا ".
وقال سفيان بن عيينة :" من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبّادنا كان فيه شبه من النصارى وفي الحديث ".
وقال ابن ادريس :" لا يسمع الحديث ممن شرب مسكر ، لا ولا كرامة " .
وقال سفيان الثوري :" الأعمال السيئة داء والعلماء دواء ، فإذا فسد العلماء فمن يشفي الداء ".
وقال الشعبي :" اتقوا الفاجر من العلماء والجاهل من المتعبدين ، فإنهما آفة لكل مفتون ".
وقال سفيان :" اتقوا فتنة العابد الجاهل والعالم الفاجر ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون ".
قال سفيان الثوري :" العلماء ثلاثة :
ـ عالم بالله يخشى الله ليس بعالم بأمر الله .
ـ وعالم بالله عالم بأمر الله يخشى الله ، فذاك العالم الكامل .
وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله لا يخشى الله ، فذلك العالم الفاجر ".
وقال أبو مسلم الخولاني :" العلماء ثلاثة :
ـ فرجل عاش في علمه وعاش معه الناس فيه .
ـ ورجل عاش في علمه ولم يعش معه فيه أحد .
ـ ورجل عاش الناس في علمه وكان وبالا عليه ".
وقال الزهري :" لا يوثق للناس عمل عامل لا يعلم ، ولا يرضى بقول عالم لا يعمل :.
وقال مالك بن أنس :" لقد تركت جماعة من أهل المدينة ما أخذت عنهم من العلم شيئا ، وإنهم لممن يؤخذ عنهم العلم ، وكانوا أصنافا فمنهم من كان كذابا في غير علمه تركته لكذبه ، ومنهم من كان جاهلا بما عنده فلم يكن عندي موضعا للأخذ عنه لجهله ، ومنهم من كان يدين برأي سوء ".
وقال مالك أيضا :" لا يؤخذ العلم من كذاب يكذب في أحاديث الناس ، وإن كان لا يتهم على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وقال مالك :" لا يحتمل العلم عمّن يكذب في حديث الناس وإن كان في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا ، لأن الحديث والعلم إذا سمع من العالم فإنما قد جعل حجة بين الذي سمعه وبين الله تعالى ".
وقال عبد الرحمن بن مهدي :" ثلاثة لا يحمل عنهم : الرجل المتهم بالكذب ، والرجل كثير الوهم والغلط ، ورجل صاحب هوى يدعو إلى بدعة ".
وقال هرم بن حيّان :" إياكم والعالم الفاسق . فبلغ عمر بن الخطاب فكتب إليه وأشفق منها ما العالم الفاسق ، قال : فكتب إليه هرم : يا أمير المؤمنين والله ما أردت به إلا الخير ، يكون إمام يتكلم بالعلم ويعمل بالفسق فيشبه على الناس فيضلون ".
وعلق عليه الذهبي بقوله :" إنما أنكر عليه عمر ، لأنهم لم يكونوا يعدون العالم إلا من عمل بعلمه ".
وقال ابن رجب :" الرعاية هي القيام بحقوق الرواية من العمل والتعليم ، وهي ثمرة الدراية ، والحكماء هم أهل الحكمة ، والحكمة : هي معرفة الدين والعمل به ، كما قاله مالك والليث ، وغيرهما من السلف ، وكذلك ذكره ابن قتيبة وغيره .
فالحكماء : هم خواص العلماء ، كما كان الفضيل بن عياض يقول : العلماء كثير ، والحكماء قليل ، وقال له رجل : العلماء ورثة الأنبياء ، فقال فضيل : الحكماء ورثة الأنبياء .
وإنما قال هذا ، لأنه صار كثير من الناس يظن أن العلماء الممدوحين في الشريعة يدخل فيهم من له لسان عليم ، وإن لم يكن عنده من حقائق الإيمان والعمل بالعلم ما يوجب سعادته ، فبين الفضيل أنه لا يدخل في مدح الله ورسوله للعلماء إلا أهل الحكمة، وهم أهل الدراية والرعاية .
وقد كان السلف لا يطلقون اسم العالم إلا على من عنده علم يوجب له الخشية ، كما قال بعضهم : إنما العالم من يخشى الله ، وكفى بخشية الله علما ،وهذا مطابق لقوله تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) ، والله تعالى أعلم ".
وقال ابن رجب :" التشبه بالمشركين والمغضوب عليهم والضالين من أهل الكتاب منهي عنه ، ولابد من وقوعه في هذه الأمة كما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، حيث قال :" لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ".
قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال :" فمن ".
قال ابن عيينة : كان يقال : من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى .

ووجه هذا : أن الله ذم علماء اليهود بأكل السحت ، وأكل الأموال بالباطل والصد عن سبيل الله ، وبقتل النبيين بغير حق ، وبقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وبالتكبر عن الحق وتركه عمدا خوفا من زوال المأكل والرياسات ، وبالحسد ، وبقسوة القلب ، وبكتمان الحق ، وتلبيس الحق بالباطل ، وكل هذه الخصال توجد في علماء السوء من أهل البدع ونحوهم .
ولهذا تشبهت الرافضة باليهود في نحو من سبعين خصلة ".
وقال ابن قيم الجوزية :" كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه ، لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ، ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات ، فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا .
فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة ، متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق ، ولا سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة ويثور الهوى ، فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق ، وإن كان الحق ظاهرا لا خفاء به ، ولا شبهة فيه ، أقدم على مخالفته ! وقال : لي مخرج بالتوبة !
وفي هؤلاء وأشباههم قال تعالى : (( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا )) .
وقال تعالى فيهم أيضا : (( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون )) .
فأخبر سبحانه أنهم أخذوا العرض الأدنى مع علمهم بتحريمه عليهم وقالوا سيغفر لنا ، وإن عرض لهم عرض آخر أخذوه ، فهم مصرون على ذلك ، وذلك هو الحامل لهم على أن يقولوا على الله غير الحق ، فيقولون هذا حكمه وشرعه ودينه وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلاف ذلك ، أولا يعلمون أن ذلك دينه وشرعه و حكمه ! فتارة يقولون على الله ما لا يعلمون ، وتارة يقولون عليه ما يعلمون بطلانه .
وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الآخرة خير من الدنيا ، فلا يحملهم حب الرياسة والشهوة على أن يؤثروا الدنيا على الآخرة .
وطريق ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسنة ، ويستعينوا بالصبروالصلاة ، ويتفكروا في الدنيا وزوالها وخستها ، والآخرة وإقبالها ودوامها ، وهؤلاء لابد أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل ، فيجتمع لهم الأمران ، فإن اتباع الهوى يعمي عين القلب فلا يميز بين السنة والبدعة ، أو ينكسه فيرى البدعة سنة والسنة بدعة ، فهذه آفة العلماء إذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات .
وهذه الآيات فيهم إلى قوله : (( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ـ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث )) ، فهذا مثل عالم السوء الذي يعمل بخلاف علمه .

وتأمل ما تضمنته هذه الآية من ذمة وذلك من وجوه :
أحدها : أنه ضل بعد العلم واختار الكفر على الإيمان عمدا لا جهلا .
وثانيها : أنه فارق الإيمان مفارقة من لا يعود إليه أبدا ، فإنه انسلخ من الآيات بالجملة كما تنسلخ الحية من قشرها ، ولو بقي معه منها شيء لم ينسلخ منها .
وثالثها : أن الشيطان أدركه ولحقه بحيث ظفر به وافترسه ! ولهذا قال : (( فأتبعه الشيطان )) ولم يقل : تبعه ، فإن في معنى ( اتبعه ) : أدركه ولحقه ، وهو أبلغ من ( تبعه ) لفظا ومعنى .
ورابعها : أنه غوى بعد الرشد ، والغي : الضلال في العلم والقصد ، وهو أخص بفساد القصد والعمل ،كما أن الضلال أخص بفساد العلم والإعتقاد ، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر وإن اقترنا فالفرق ما ذكر .
وخامسها : أنه سبحانه لم يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلاكه ، لأنه لما رفع به فصار وبالا عليه عليه فلو لم يكن عالما كان خيرا له وأخف لعذابه .
وسادسها : أنه سبحانه أخبر عن خسة همته ، وأنه اختار الأسفل الأدنى على الأشرف الأعلى .
وسابعها : أن اختياره للأدنى لم يكن عن خاطر وحديث نفس ، ولكنه كان عن إخلاد إلى الأرض وميل بكليته إلى ما هناك ، وأصل الإخلاد اللزوم على الدوام كأنه قيل : لزم الميل إلى الأرض ، ومن هذا يقال أخلد فلان بالمكان إذا لزم الإقامة به .
وعبر عن ميله إلى الدنيا بإخلاده إلى الأرض ، لأن الدنيا هي الأرض وما فيها وما يستخرج منها من الزينة والمتاع .
وثامنها : أنه رغب عن هداه واتبع هواه ، فجعل هواه إماما له يقتدي به ويتبعه .
وتاسعها : أنه شبهه بالكلب الذي هو أخس الحيوانات همة وأسقطها نفسا وأبخلها وأشدها كلبا ولهذا سمي كلبا .
وعاشرها : أنه شبه لهثه على الدنيا وعدم صبره عنها وجزعه لفقدها وحرصه على تحصيلها بلهث الكلب في حالتي تركه والحمل عليه بالطرد وهكذا هذا إن ترك فهو لهثان على الدنيا وإن وعظ وزجر فهو كذلك ، فاللهث لا يفارقه في كل حال كلهث الكلب .
قال ابن قتيبة : كل شيء يلهث فإنما من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال ، وحال الراحة ، وحال الري ، وحال العطش ، فضربه الله مثلا لهذا الكافر فقال : إن وعظته فهو ضال ، وإن تركته فهو ضال ، كالكلب إن طردته لهث وإن تركته على حاله لهث ، وهذا التمثيل لم يقع بكل كلب وإنما وقع بالكلب اللاهث ، وذلك أخس ما يكون وأشنعه ".
وقال الشيخ صالح الفوزان : " لا تأخذ دينك إلا عن عالم تقي ، قال تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) فخذ من العلماء الذين يخشون الله بشرطين : أن يكون عالما ، وأن يكون يخشى الله .
فإن كان عالما لا يخشى الله فلا تأخذ عنه ، وإن كان يخشى الله لكنه ليس بعالم فلا تأخذ عنه ".


المصدر :
شرح قول ابن سيرين " إن هذا العلم دين " [ ص 222 ـ 235 ]
لفضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول حفظه الله

أبو خالد الوليد خالد الصبحي
19-Feb-2013, 02:22 PM
سم الله الرحمن الرحيم



قال فضيلة الشيخ أحمد بازمول حفظه الله :


وممن لا يؤخذ عنه العلم : أهل الرأي المحض المجرد عن الدليل :

قال عمر بن الخطاب :" إن أصحاب الرأي أعداء السنة ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، وتفلتت منهم فلم يعوها ، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا علم لنا ، فعارضوا السنن برأيهم ! إياك وإياهم ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" ردوا الجهالات إلى السنة ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" اتقوا الرأي في دينكم ".
قال سحنون :" يعني : البدع " .
وقال عطاء :" ليس الدين بالرأي ولكنه السمع ".
وقال أبو الزناد :" أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أولية الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب ، والأخذ بالرأي أشد العيب ، وينهوننا عن لقائهم ومجالستهم ، وحذرونا مقاربتهم أشد التحذير ، ويخبرونا أنهم على ضلال ، وتحريف لتأويل كتاب الله وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كره المسائل والتنقيب عن الأمور ، وزجر عن ذلك ، وحذره المسلمين في غير موضع ، حتى كان من قول النبي صلى الله عليه وسلم في كراهية ذلك أن قال :" ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك الذين من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ".
فأي امرئ أكب على التنقيب لم يعقل من هذا ، ولم يبلغ الناس يوم قيل لهم هذا القول من الكشف عن الأمور جزءا من مائة جزء مما بلغوا اليوم ، فهل هلك أهل الأهواء ، وخالفوا الحق إلا بأخذهم بالجدل والتفكير في دينهم ؟
فهم كل يوم على دين ضلالة وشبهة جديدة ، لا يقيمون على دين وإن أعجبهم إلا نقلهم الجدل والتفكير إلى دين سواه ، ولو لزموا السنن وأمر المسلمين وتركوا الجدل لقطعوا عنهم الشك، وأخذوا بالأثر الذي حضهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وقال مالك :" قبض رسول الله وقد تم هذا الأمر واستكمل ، فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله وأصحابه ولا نتبع الرأي ، وإنه من اتبع الرأي جاء رجل أقوى منك في الرأي فاتبعته ، فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته أرى هذا الأمر لا يتم ".
وقال عصام بن يوسف :" عليكم بالآثار ، وإياكم والرأي ".
وقال الإمام أحمد بن حنبل :" لا تكاد ترى أحدا نظرفي هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل ".
وقال أبوبكر بن أبي داود :" أهل الرأي : هم أهل البدع ".
وقال البربهاري :" اعلم أن من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأويله من غير حجة من السنة والجماعة ، فقد قال على الله ما لا يعلم ، ومن قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين ."
والحق ما جاء من عند الله عزوجل ، والسنة : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والجماعة فلج على أهل البدع كلها ".
قال أبو عمر بن عبد البر :" اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذم والعيب في الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم وعن التابعين لهم بإحسان :
فقالت طائفة : الرأي المذموم هو البدع المخالفة للسنن في الاعتقاد كرأي جهم وسائر مذاهب أهل الكلام ، لأنهم قوم قياسهم وآراؤهم في رد الأحاديث ، وردوا السنن في ذلك كله برأيهم وقياسهم ، فلهذا قال أكثر أهل العلم : إن الرأي المذموم المعيب المهجور الذي لا يحل النظر فيه ولا الاشتغال به الرأي المبتدع وشبهه من ضروب البدع .
وقال آخرون وهم جمهور أهل العلم: الرأي المذموم المذكور في الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون ، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات ، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسا دون ردها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها ، فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل ، وفرعت وشققت قبل أن تقع ، وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن .
قالوا : ففي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل للسنن ، والبعث على جهلها وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليها منها ومن كتاب الله عزوجل ومعانيه ".
قال محمد بازمول :" الرأي يطلق عند السلف على معنيين :
الأول : الرأي بمعنى الرجوع إلى العقل وتقديمه على النص .
الثاني : الرأي بمعنى الرجوع إلى العقل مع تقديم نصوص الشرع عليه ، فهو القياس الصحيح والمعاني والعلل الصحيحة التي علق الشارع بها الأحكام وجعلها مؤثرة فيها طردا وعكسا .
والرأي بالمعنى الأول مذموم ، إذ يقدم فيه العقل على النص فيما جاء فيه النص ، أو يقاس بالعقل دون الرجوع إلى أصل .
وبتأمل هذه النصوص وما في معناها يتبين أن الرأي المذموم في كلام السلف يطلق على أنواع ،وهي التالية :
1 ـ الرأي المخالف للنص ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الاسلام فساده وبطلانه ، ولا تحل الفتيا به ولا القضاء ، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد .
2 ـ الكلام في الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها ، فإن من جهلها وقاس برأيه فيما سئل عنه بغير علم بل لمجرد قدر جامع بين الشيئين ألحق أحدهما بالآخر ، أو لمجرد قدر فارق يراه بينهما يفرق بينهما في الحكم من غير نظر إلى النصوص والآثار ، فقد وقع في الرأي المذموم الباطل .
3 ـ الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية ومن ضاهاهم ، حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة ، فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم ، ومعاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلا فقابلوا النوع الأول بالتكذيب ، والنوع الثاني بالتحريف والتأويل .
4 ـ الرأي الذي أحدثت به البدع ، وغيرت به السنن وعم به البلاء ، وتربى عليه الصغير ، وهرم فيه الكبير .
5 ـ القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون ، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات ، ورد الفروع بعضها على بعض قياسا ، دون ردها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها ، فاستعمل فيها الرأي قبل أن ينزل وفرعت وشققت قبل أن تقع ، وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن .
كما يتبين أن الرأي المحمود في كلامهم يطلق على الأنواع التالية :
1 ـ رأي الصحابة .
2 ـ الرأي الذي يفسر النصوص ويبين وجه الدلالة منها ويقررها ويوضح محاسنها ويسهل طريق الاستنباط منها .
3 ـ ما تواطأت الأمة عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم ، فإن تواطؤ الأمة لا يكون إلا صوابا .
4 ـ الاجتهاد في الواقعة بعد طلب علمها من القرآن والسنة ،وما جاء عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فإنه ينظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقضية أصحابه ".
وذكر الإمام أحمد حيل أصحاب الرأي فقال :" يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

نفس المصدر