المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القول القاضي للفصل في قصة علي رضي الله عنه مع شريح القاضي.



أبو عبد الله بلال الجزائري
21-Feb-2013, 11:03 PM
القول القاضي للفصل في قصة
علي رضي الله عنه
مع
شريح القاضي


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فإنه لمن المخزي جدا أن ترى ممن ينتسب للعلم و يتزيا بزي الواعظين المصلحين عدم التحري فيما يرويه من أخبارٍ سواء كانت أحاديث عن رسولنا المختار صلى الله عليه و سلم أم عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، و مما أسمعه يتكرر بل كنت أظنه و أنا صغير من الأخبار الصحيحة قصة علي رضي الله عنه مع اليهودي الذي أخذ درعه و خاصمه عند القاضي شريح و حكم القاضي لصالح اليهودي و بعدها أسلم اليهودي لما رأى ما رأى من أمير المؤمنين و القاضي ، و بعد البحث و النظر في الكتب المعتمدة وجدت أن هذه القصة ضعيفة لا يُعتمد عليها و لكني لم أتفاجأ لأني عهدت من هؤلاء الغششة أعظم من هذا ، و لهذا أخي القارئ سأنقل لك ما جاء في هذه القصة ثم أتبعها بأقوال أهل العلم فيها حتى تستبين أمر هؤلاء المساكين و أكون بذلك برأت ذمتي و أديت ما علي فالله أسأل أن يجعل هذا العمل لوجهه الكريم و أن لا يجعله لأحد من خلقه أجمعين كما أسأله تبارك و تعالى أن ينفع به المسلمين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قصة علي رضي الله عنه مع اليهودي الذي أخذ درعه([1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn1)) :
عرف علي رضي الله عنه درعا له مع يهودي فقال : يا يهودي ؛ درعي سقطت مني يوم كذا وكذا ! فقال اليهودي : ما أدري ما تقول ! ؟ درعي وفي يدي ، بيني وبينك قاضي المسلمين .
فلما رآه شريح ، قام له من مجلسه ، وجلس علي ، ثم أقبل على شريح فقال :
إن خصمي لو كان مسلما جلست معه بين يديك ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تساووهم في المجلس ، ولا تعودوا مرضاهم ! ولا تشيعوا جنائزهم ، واضطروهم إلى أضيق الطريق ، فإن سبوكم فاضربوهم ، وإن ضربوكم فاقتلوهم !)
ثم قال : درعي عرفتها مع هذا اليهودي !
فقال شريح لليهودي : وما تقول ؟
قال درعي وفي يدي ! فقال شريح : صدقت والله يا أمير المؤمنين !
إنها درعك كما قلت ، ولكن لا بد من شاهدين ، فدعا قنبرا([2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn2)) فشهد له ، ودعا الحسن بن علي ، فشهد له ، فقال شريح :
أما شهادة مولاك فقد أجزناها ، وأما شهادة ابنك لك فلا أرى أن أجيزها . فقال علي:
نشدتك الله ! أسمعت عمر بن الخطاب يقول :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "؟
قال : اللهم نعم !
قال لا تجيز شهادة شباب أهل الجنة ، والله لتخرجن إلى (بانِقيا)([3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn3)) فلتقضين بين أهلها أربعين يوما !
قال : ثم سلّم الدرع إلى اليهودي ، فقال اليهودي : أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه فقضى عليه فرضي به صدقت والله إنها لدرعك ، سقطت منك يوم كذا وكذا عن جمل لك أورق فالتقطتها أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله.
فقال علي : هذا الدرع لك وهذا الفرس لك ، وفرض له في بيت المال تسع مئة ثم لم يزل معه حتى قتل يوم صفين)([4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn4)).
قلت : القصة ذكرها الجوزجاني في كتابه القيم الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير(2/197) ، قال : حدثنا أبو سمير حكيم بن حزام([5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn5)) ، قال حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم بن يزيد التيمي ، قال : عرف علي ... القصة .
قال الجوزجاني : باطل تفرد به أبو سمير وهو منكر الحديث ، قال محمد بن سليمان : [محمد بن إسماعيل البخاري يقول : حكيم بن حزام أبو سمير] البصري منكر الحديث يرى القدر ، و قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي : سمعت أبي يقول : حكيم بن حزام متروك الحديث.
و في ترجمة أبي سمير حكيم ابن خذام في ميزان الاعتدال للإمام الذهبي ذكر أن أبا حاتم قال: (إنه متروك الحديث. وقال البخاري منكر الحديث يرى القدر. وقال القواريري: وكان من عباد الله الصالحين )([6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn6)).
و القصة أخرجها البيهقي في الكبرى( 10/136) قال : أخبرنا : أبو الحسن بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد ، ثنا أحمد بن علي الخزاز ، ثنا أسيد بن زيد الجمال ، ثنا عمرو بن شمر ح و أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكى أنبأ أبو محمد ابن الخرساني ثنا محمد بن عبيد بن أبي هارون ثنا إبراهيم بن حبيب ثنا عمر بن شمر عن جابر عن الشعبي قال : ( خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا قال : فعرف علي رضي الله عنه الدرع ... ) إلى آخر القصة .
قال البيهقي في آخر القصة: (وروي من وجه آخر أيضا ضعيف عن الأعمش عن إبراهيم التيمي) .
قلت : و هذا إسناد ضعيف فيه عمرو بن شمر و جابر الجعفي .
أولا: عمرو بن شَمِر الجعفي الكوفي الشيعي .
قال الذهبي : ( قال الجوزجاني زائغ كذاب ، قال ابن حبان: رافضي يشتم الصحابة وقال عنه البخاري منكر الحديث ، و قال يحي لا يكتب حديثه )([7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn7)).
ثانيا: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة .
قال عنه النسائي: متروك، وقال ابن معين لا يكتب حديثه ولا كرامة، وقال أبو داود ليس عندي بالقوي في حديثه ([8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftn8)).
أقول : و من هنا تبين لي أن هذا الأثر ضعيف و الله تعالى أعلم ، فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان فالله أسأل أن يغفر لي ذنوبي و أن يتجاوز عني إنه وحده القادر على ذلك و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



أبو عبد الله بلال القسنطيني الجزائري.



[1] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref1) : تنبيه : ليس الغرض من إبطال هذه القصة الطعن في شريح القاضي أو في علي رضي الله عنه كما تصوره المتسرعون ، فليس المعنى من كون القصة باطلة أن شريحا ليس عادلا ، أو أنه لو تخاصم عنده يهودي و مسلم لتعسف في حق اليهودي كلا ثم كلا و من فهم هذا فاتهم عقله بالنقصان و الله المستعان.
[2] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref2) : قنبر مولى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[3] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref3) :بانِقيا : بكسر النون : ناحية من الكوفة. [ معجم البلدان ليقوت الحموي (1/331) ].
[4] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref4) : و انظر القصة في الحلية لأبي نعيم ( 4/139)
[5] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref5) : ربما قد وقع تصحيف في ( الأباطيل ) للجوزجاني ، فـ : (حكيم بن حزام) هذا هو الاسم الموجود في السند وقد صحف (خِذام) بالخاء والذال إلى (حزام) بالحاء والزاي ، والصحيح خذام كما هو مثبت في الميزان و الله تعالى أعلم.
[6] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref6) : ميزان الإعتدال للحافظ الذهبي ( 1/585) رقم (2218).
[7] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref7) : المصدر السابق( 3/268) برقم (6384) .
[8] (http://www.al-amen.com/vb/#_ftnref8) : المصدر السابق (1/380).