المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحاكم في السنّة لا يخلو من أحد حالين : إما أن يكون حاكما مسلما وإما أن يكون حاكما كافرا



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
22-Mar-2013, 11:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

قال فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله:

فإنك تجد الحاكم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلو من أحد حالين :
إما أن يكون حاكما مسلما وإما أن يكون حاكما كافرا ،
الأول هو الحاكم المسلم وينقسم إلى قسمين :
القسم الأول أن يكون هذا الحاكم المسلم عادلا ، مقسطا ، فاضلا ، ديّنا ، أمينا رحيما بالمسلمين ، بادلا جهده في السعي في صلاحهم وصالح الإسلام فهذا يجب على المسلمين توقيره وتبجيله وتعظيمه وإجلاله ، فإن ذلك من إجلال الله تبارك وتعالى ، كما نطق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث صح عنه أنه قال كما في السنن وغيرها :" إن من إجلال الله ، إجلال ذي الشيبة المسلم ، وذي السلطان المقسط ،وحامل القرآن غير الغالي فيه أو الجافي عنه " .
فالسلطان المقسط العادل الذي يقوم في الناس بأمر الله تبارك وتعالى ،وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويطبق شرع الله ،ويقوم فيهم بالعدل والرحمة هذا يجب أن يُجلّ وأن يُحترم وأن يُبجل وأن يُوقر ، فإن في ذلك إجلالا لله تبارك وتعالى . لماذا ؟ لأنه ظل الله في الأرض ، كما قال ذلك صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت :" السلطان ظل الله في الأرض من أكرمه أكرمه الله ومن أهانه أهانه الله " .
فأول ما يجب ، أن يُكرم هذا السلطان العادل ، فيُجل ويُحترم إجلالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم به ، فإنا نقوم بذلك وإجلالنا له من إجلالنا لربنا تبارك وتعالى .
الثاني : أن يكون هذا المسلم ظالما ، جائرا أو فاسقا في نفسه ، صاحب معاصي لكنه لم يبلغ بذلك إلى الخروج عن دائرة الإسلام، فهذا لا يجوزأيضا الخروج عليه ، ولا الدعوة إلى الخروج عليه ولا التحريض للناس على ذلك ضده ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم :" إنه سيكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون " فأخبر عليه الصلاة والسلام بذلك ، فسُئل ، فأجاب ، وأخبر ذات مرة بأنه سيكون في آخر الزمان أمراء يهدون بغير هديه ويستنون بغير سنته ، فسُئل ما العمل معهم ؟ وأجاب ، والإجابة في الجميع ماذا ؟ الإجابة في الجميع أن نسأل ونطيع ،وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون في آخر الزمان أثرة ،ـ يعني ـ استئثار بالدنيا والمال من الحكام وأمور تنكرونها وأمرنا بالسمع والطاعة ،وأخبرصلى الله عليه وسلم ، بأنه سيكون علينا أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ، لكن يصلون ، وإنما الأمر في تأخيرها عن وقتها فسأله بعض الصحابة : نقاتلهم ؟ أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال :" لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة " ، " ما صلوا " في بعض الروايات فأمر بالصبر عليهم ، بل أمر من جاء معهم أن يصلي الصلاة لوقتها ، فإذا أدركهم يصلون يصلي معهم ، عليه الصلاة والسلام ،كل ذلك حفاظا على هيبة السلطان ، ووحدة كلمة المسلمين ، وانتظام أمرهم وقوة صفهم، لماذا ؟ لأن هيبة الإسلام لا تقوم إلا بهيبة الحكام في النفوس ،وهيبة الحكام لا تحصل إلا بتعظيمهم في نفوس الناس ، ودعوة الناس إلى إجلالهم والسمع والطاعة لهم،وعدم الاستخفاف بهم ، فإن مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، لا تقوم إلا بهيبة السلطان وعظمته في نفوس الناس ، وقد حكى ابن حزم رحمه الله تعالى اتفاق العلماء على هذا الأمرأنه لا يمكن القيام بمصالح الإسلام إلا من خلال إعطاء الحكام هذه الصفة ألا وهي إجلالهم والقيام بحقوقهم وهيبتهم في نفوس الناس فإن هذا به تستقيم أمورالدين والدنيا ،كما نص على ذلك العلماء ، علماء الإسلام ، أمثال القرافي في الظفيرة وأمثال بدر الدين ابن جماعة في تحرير الأحكام والتدابيرأهل الإسلام وغيرهم ـ رحم الله الجميع ـ كلهم نصوا على أنه لابد في انتظام مصالح العباد والبلاد من إقامة سببها ، ماهو سببها الذي تقوم به ؟ هو بإقامة الهيبة للسلطان في نفوس المسلمين ، فإذا لم تكن له هيبة أو سُعي في إزالة هذه الهيبة من قلوب المسلمين انتثر عقد الولاية وحينئذ فلا سمع ولا طاعة وتحصل الفتن والشرور.
فهذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل الخروج في المظاهرات والقيام على الحكام المسلمين يوافق هذا الهدي أو يخالفه ؟ يخالفه ، فإذا كان الحاكم مسلم لم يخرج عن دائرة الإسلام لم يجز الخروج عليه ، وإن فسق ،وإن جار ، وإن ظلم ،فإن جوره وفسقه على نفسه وظلمه إنما يطال طائفة قليلة محدودة ، لكن الشر الأعظم في الخروج عليه ، هذا كله في الحاكم المسلم .


أما الحاكم الكافر : فالخروج عليه إذا وجدت القدرة في إزالته وعدم حصول شر بسبب ذلك ، واجب على المسلمين ،إذا كفر فإنه يجب على المسلمين أن يزيلوه ، لكن متى يتحقق الكفر ؟ هذا دونه أمورعظيمة ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان "

فأولا : لابد أن يكون هذا الأمركفرا الذي يُخرَج بسببه الحاكم .
ثانيا : أن يكون هذا الكفر بواحا ـ يعني ـ ظاهرا بيّنا لا خفاء فيه ولا شبهة ولا تأويل .
فإن الشبهة والتأويل تعرض للإنسان فحينئذ لا يكفر ، انظروا إلى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ دعي إلى القول بخلق القرآن وإلا ، لا ؟ القول بخلق القرآن كفر وإلا إسلام ؟ كفر باتفاق العلماء ، ملة ونحلة كفرية وتعاقب عليها من خلفاء بني العباس كم ؟ المأمون والمعتصم والواثق ، ثلاثة ، امتحنوا العلماء عليها ، والعلماء قالوا من قال القرآن مخلوق فهو كافر ، لكن أحمد كان يدعو للحاكم ويقول : لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان ، أكثر من ذلك جاءه فقهاء بغداد واجتمعوا عليه وجلسوا إليه وأخذوا يفاوضونه ويناظرونه في الخروج على هذا الحاكم وأن الأمر قد فشى ـ يعني ـ القول بخلق القرآن وامتحان العلماء عليه وتفاقم ووصل إلى درجة لا يُصبر عليها قالوا : وإنه لا سمع لهذا الرجل علينا ولا طاعة ، فقال أحمد :لا ، هذا خلاف الآثار ، اصبروا ، إن نجد في الآثار "ما صلوا فلا " ،الله ، الله في دماء المسلمين ، ونهاهم عن أن يفتحوا باب الفتنة ،قالوا : أولا ترى ما نحن فيه ؟ قال : هذه فتنة خاصة ـ يعني ـ على طائفة من الناس ، أشخاص معدودين ، الفتنة الأعظم العامة ، إذا وقع السيف ، الله ، الله في دماء المسلمين ، كفوا دماء المسلمين ، هذا خلاف الآثار ، فلم يكفره أحمد لأن له شبهة ، ما قال بكفرهم بل أمر بالسمع والطاعة لهم ، لأنهم متأولون وعندهم شبهة .
فإذا لابد أن يكون الكفر بواحا ، صريحا واضحا لا شبهة فيه ولا تأويل ،وهذا من يحكم به ؟ علماء السنة والأثر ،السائرون على طريقة أحمد رحمه الله ، أحمد ضُرب وإلا ، لا ؟ ضُرب ظهره ، وجُرّد وجُلد بالسوط حتى أغمي عليه مرات ، ومع ذلك ما حمله ظلمهم له على أن يقول فيهم بغير أمر الله ، ورسوله صلى الله عليه وسلم فهذا هو الطواعية لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
فإذا ، لابد الحاكم إذا قلنا بأنه كفر لابد أن يكون إيش ؟ الكفر بواحا ،ظاهرا ، بيّنا ، لا تأويل فيه ولا شبهة .
ثانيا : أن تكون عند المسلمين القدرة على إزالته ، فلا يترتب على إزالته ماهو شر من ذلك ، فيقومون على هذا الحاكم ليزيلوه فيقتل منهم الألاف المألفة، هذا جنون ، هذا جزاف ، هذا حمق ، وقلة فقه في دين الله تبارك وتعالى فإذا كان هذا الحاكم عنده الأسلحة الفتاكة وهؤلاء لا يملكون إلا رصاصات معدودة أو بندقيتين أو بندقيات معدودة ، لا يمكن أن تصل إلى شيئ بجوار سلاحه أو سكاكين ونحوذلك هذا باطل ، هذا حمق لأن هذا جز بالمسلمين في أتون الفتن والحروب ، والمعارك التي تطحنهم ، ويترتب عليها فساد عريض من انتهاك الحرمات وسفك الدماء ، وإخافة الناس وقطع السبل ، وإعانة المفسدين والمجرمين ،فيخرجون في هذه المدة وهذا الزمان ينتهزون الفرصة ، فيكثر اللصوص وقطاع الطرق ، والمنتهكين للأعراض ونحو ذلك ، هذا كله بسبب إنفراط عقد الأمن .
فإذا كان لا قدرة لهم فإنه لا يجوز لهم الخروج بل عليهم أن يصبروا ،حتى يجعل الله فرجا ومخرجا ويقومون بدعوة الناس وتعليم الناس ، وتفقيه الناس للحق ، ودعوتهم إلى ما جاء به أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم .
فإذن الذي نراه اليوم من الدعوة إلى المظاهرات ضد الحكام المسلمين ، وأنا أكرر هذه العبارة لأننا نعلم أن ثمة من يترصد للكلام وخصوصا من الإخوان المسلمين ، فهؤلاء لا أقر الله عيونهم بضعف أهل السنّة فضلا عن ذهابهم ، فهم أعداء السنّة في كل زمان ومكان ، وأعداء أهلها ، أقول الحكام المسلمين الذين ثبت عندنا إسلامهم بيقين ، لا يجوز الخروج عليهم ولا إخراجهم من الإسلام إلا بيقين ، فإذا خرجوا من الإسلام نظرنا في القدرة حينئذ ، هل هي متوفرة أو غيرمتوفرة ، فإن كانت متوفرة أزيلوا ، وإن كانت غير متوفرة فلا يجوز الخروج عليهم ، بل على المسلمين أن يصبروا ولا يزجوا بالمسلمين في أتون هذه الفتن والحروب التي تطحن الأخضر واليابس .
فعلى ذلك ، هؤلاء الذين يدعون على حكام المسلمين أو الحكام المسلمين ، مخطئون وأنتم سمعتم الآن كلام الإمام أحمد رحمه الله مع ما ناله من البلاء والإبتلاء رحمة الله تعالى عليه .
فنحن إمامنا هو أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وهو إمام كل سنّي إلى قيام الساعة ـ رحمة الله تعالى عليه ـ وأحمد سلفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين ،فهذا عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما ينكر على عبد الله ابن مطيع ومن معه الخروج على يزيد ابن معاوية مع ما قالوه فيه من الفسق وما قالوه فيه من الكلام العظيم ومع ذلك ينكر عليهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء هم سلف أحمد رضي الله تعالى عنهم ، وأحمد هذا طريقه السائر فيه على طريقهم رضي الله عنهم ، فلهذا من سار على هذا الطريق سلم، ومن تنكبه هلك ـ عياذا بالله من ذلك ـ وبه نعلم أن الدعوة التي تقوم الآن بالمظاهرات والدعاء على الحكام المسلمين والتشهير بهم على المنابروالخروج في المظاهرات ضدهم هذه كلها منكرة ، السلف فيها لهؤلاء فريقان :
الفريق الأول : هم الكفارالغربيون أو الشرقيون فهذه سنتهم وليس بغريب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن من أمته من سيتبع من كان قبلنا ،حذوة القذة بالقذة ، شبرا بشبر،وذراعا بذراع حتى لودخلوا جحر ضب لدخلتموه " فقيل : اليهود والنصارى يا رسول الله ؟ قال :" فمن "
والفريق الثاني : سلف هؤلاء هم الخوارج الذين كان أول أمرهم الخروج على عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، فأحاطوا به حتى قتلوه ظلما رضي الله عنه وهو صابر محتسب ، وقد اجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت رضي الله عنهم أجمعين،وشاورهم في هذا وكانوا يدعونه إلى ما يدعى إليه اليوم بعض الحكام المسلمين ، كانوا يدعونه إلى التنازل عن الحكم والخلافة فأرشد عبد الله بن عمروأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ، أرشدوا عثمان وأشاروا إليه رضي الله عنه بأن لا يتنازل حتى لا تكون سنة بعده ، كلما جاء قوم ورأوا من أميرهم أو إمامهم أو حاكمهم شيئا يكرهونه وأبغضوه ، قاموا عليه ودعوه إلى التنازل ، فقال عبد الله ابن عمر : أرى أن لا تنازل فتكون سنة بعدك كلما أبغض قوم إمامهم دعوه إلى ذلك أو كما قال رضي الله تعالى عنه .
فهؤلاء هم سلف أهل السنة ،رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، فيجب علينا جميعا أن نسير في طريقهم ، أما الحاكم غيرالمسلم فأنا قد ذكرت هذا فيما تقدم قريبا ، وفي عدة لقاءات وفي عدة مقالات وعدة كلمات وعدة دروس ، في حاله وبيان ما يجب على المسلمين حياله .


المصدر :
تفريغ كمال زيادي قسنطينة 25 ذو القعدة 1432 هـ
شريط بعنوان أسئلة السلفيين من جرز المالديف [ الدقيقة 12 الثانية 47 ] .
لفضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله .