المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبل أن تقول " قد تاب من بدعــته " تأمل



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
22-Mar-2013, 01:43 PM
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آلة وصحبة والتابعين له بإحسان إلي يوم الدين.. أما بعد
فهذا تلخيص لمشاركة سابقة كانت في سحاب الخير بعنوان "ميزان التوبة بين ابن عقيل و أبي الحسن" أثناء فتنة الأخير و تلبيسه في توبته، ولمَّا كان موضوع التوبة يُطرح من حين لآخر في هذا المنتدى الأغر، فأحببت أن أُلخص ذلك المقال لعل الله ينفعنا جميعاً بما فيه.
قال الإمام ابن قدامه المقدسي رحمه الله في رسالته تحريم النظر في كتب أهل الكلام:( أما بعد، فإنني وقفت على فضيحة ابن عقيل التي سماها نصيحة، و تأملتُ ما اشتملت عليه من البدع القبيحة، و الشناعة على سالكي الطريقة الواضحة الصحيحة، فوجدتها فضيحةً لقائلها قد هتك الله تعالى بها ستره، و أبدى بها عورته، ولولا أنه قد تاب إلى الله عز وجل منها، وتنصَّل و رجع عنها و استغفرَ اللهَ تعالى من جميع ما تكلم به من البدع أو كتبَهُ بخطِّه أو صنَّفه أو نُسب إليه لعددناه في جملة الزنادقةِ، فألحقناه بالمبتدعة المارقة).
بهذه الكلمات الطيبة النافعة استهل الإمام أبو محمد المقدسي رسالته القيَّمة في ردِّه على ابن عقيل مُتنبهاً و مُنبِّهاً على حيل الألفاظ و دسائس المعاني التي يُلبِّسُ بها دُعاة الضلالة لترويج باطلهم، فردَّ على صاحب الفضيحة و التي سمَّاها صاحبها النصيحة و ما لبَّس فيها من وصف الإتباع بالتقليد، و التمسُّك بالعلماء عنده من الاغترار، و المخالفة المُحدثة يراها اجتهاداً، و الرأي عنده هو الدليل، و قبول خبر الآحاد و أخبار الثِّقات عنده ركونٌ إلي التقليد المذموم، فردَّ عليه الإمامُ أبو محمد ردَّاً بليغاً وجيزاً نصر فيه السُّنة و أهلها، و شنَّع على الفضيحة و قائلها، هذا ولمَّا كان لكل قوم وارثٌ فقد ورث الباطل أناسٌ معاصرون، وإن كان الله قيَّض لذلك الزمن الإمام المجاهد أبا محمد المقدسي، فقد قيَّض بمنِّه و كرمه لهذا الزمن الإمام المجاهد أبا محمد المدخلي، فالحمد لله الذي أنقذنا بالربيع.وإليكم إخوتي هذه التأملات في توبة ابن عقيل :-
1. حضوره إلى أهل العلم و الفضل في زمانه بتواضع دون مكابرة.
2. الغاية من حضوره هو إعلان براءته من بدعته التي كان عليها دون أن يلتمس المعاذير.
3. براءته مما عليه تضَّمن الاعتراف بباطله دون مراوغة و لا مباهلة.
4. تفريقه بين البراءة و التبرئة، فالبراءة اعترافه بما نسب إليه و كان عليه من الباطل قبل ذلك و توبته منه بعد ذلك، والتبرئة نفي ما نُسب إليه من الباطل و جزمه أنه كان على الحق قبلُ و بعدُ.
5. ابتداء كلامه بالبراءة الجازمة الواضحة من المذاهب الباطلة التي انتحلها و غيرها.
6. براءته الواضحة الجلية من مصاحبة و مخالطة و تعظيم المبتدعة .
7. اعترافه بأنه نصر مذاهب المبتدعة بخطه و كتابته و قراءته و اعتقاده، اعتراف المجرم بجرمه بدون مراوغة و لا تحايل.
8. حكمه على المذاهب المبتدعة بالضلال دونما تردد.
9. جزمه في لفظ توبته بقوله " أنا تائب " دون ربطه بتراجع فلان أو فلان.
10. البراءة من الكتابة و القراءة للبدع و المبتدعة بعد اعترافه الصريح بذلك.
11. جزمه بأنه لا يحلُّ قراءة و لا كتابة ولا اعتقاد الباطل الذي كان يُسميه " النصيحة ".
12. استغفاره من باطله و إعلان توبته على الملأ باستسلام دون مكابــرة.
13. تكراره الاعتراف بالباطل الذي كان عليه، فإن الاعتراف بالتوبة فضيلةٌ يعلمها أهل العلم والفضل.
14. تكراره لبراءته من الباطل كله دونما استثناء .
15. جزمه بأن ما كان عليه حرام باطل.
16. جزمه بأنه لا يحلُّ لمسلم أن يفعل ما فعله، فلم يلتمس المعاذير لنفسه، ولا زيَّنه لغيره بالحجج الواهية.
17. جزمه الصريح بأن تعظيم المبتدعة يُعــين على هدم الإسلام، فلم يُقِّعد القواعد ولا أصَّل أُصولاً في الدفاع عنهم.
18. الثـــناء على من كان سبباً في رجوعه للحق، و اعترافه بالفضل لهم دون شناعة عليهم.
19. اعترافه بأنه كان يعتقد في رأس من رؤوس البدعة و الضلالة و سيد زمنه أنه مِن أهل الدين و الكرامات، دون حمل مُجمله على مُفصله، و دون موازنة فاسدة.
20. اعترافه بأنه نصر و دافع عن رأس من المبتدعة في جزءٍ كتبه زخرفه بالتنظير الفاسد و التقعيد الباطل، فسوءٌ في التأصيل و سوءٌ في التفريع. فهو تائب منه كله.
21. اعترافه بأن علماء عصره كانوا على الحق المبين، و أنهم قالوا القول الأمين، وأن ما كان عليه هو من اعتقادٍ و قولٍ و عملٍ عدوانٌ على الحق المبين.
22. اعترافه بإصابة من أنكر عليه من الشيوخ العلماء ومن الأتباع الأوفياء. صفع بهذا الاعتراف وجه كل من دافع عليه و أشاد بباطله أو غمز في الشيوخ و الأتباع.
23. إثباته للفـــرق قدْراً و علماً و فضلاً بين الشيوخ و الأتباع.
24. اعترافه و إشادته بأن الأتباع كانوا أتباعاً لشيوخهم الأكابر ولم يكونوا مُقلدين.
25. تفريقهُ بعد طول حيرتهِ بين الإتباع وبين التقليد، وبين قبول الحق وبين الرأي البليد.
26. اعترافه بأن إنكار الشيوخ و الأتباع عليه كان لِما علموه من حاله و شاهدوه في كُتبه.
27. اعترافه بأن إنكارهم عليه لم يكن تحميلاً لكلامه ما لا يحتمل، أو شيئاً في النفوس، أو محبةً في الظهور، أو تمسُّكاً بألفاظٍ مُوهمةٍ مُبهمةٍ مُجملةٍ.
28. تكـــراره الثناء على الشيوخ و الأتباع ، أهل العلم و أتباعهم في زمانه، مع أنهم أهدروا دمه،و مع ذلك لم يصفهم بالشدةِ ولا المتشددةِ و الغُلاةِ ولا الغلوليين.
29. علمه بأن شدَّةَ إنكارهم عليه كان هو الحق و الواجب نحوه، فهي شدة في الحق لا شدة في الخُلُق.
30. اعترافه بأن لهم السيادة والأخوة دونما اضطراب ولا تعقيب.
31. اختياره جميل اللفظ و حُسن العبارة و رفيع الأدب، فوصفهم بالسيادة فهم سادته في العلم و الأدب، و أشهر توبته عندهم لكي يكون شهودهم لتوبته منقبة له.
32. الدعــاء لهم بالخير و الثناء عليهم و اعترافه لهم بالفضل دونما لمزٍ وغمزٍ همزٍ.
33. اعترافه المتكرر بنُصرته للباطل خطَّاً و قراءةً و اعتقاداً و أنه تائب من ذلك كله، ولم يُعوِّل على قصده، و لا قد قالها فلان قبلي .
34. جزمه الصريح بأنه كان على ضلالٍ و بدعةٍ دونما ترددٍ ولا توقفٍ و لا اغترارٍ بالمدافعين عنه.
35. جعل أمره لإمام المسلمين إذا حُفظ عليه غير ذلك.
36. اعترافه بأن ما كان عليه من الباطل يُوجب الردع و النكال و الإبعاد.
37. إشهاده لله تعالى و ملائكته و أولي العلم على جميع ما ذكر.
38. و انه في ذلك غـــير مُجبرٍ و لا مُكــرهٍ.
39. و أن باطـــنه و ظاهـــره في ذلك سواء دون أن يتلون بألوان الحيل.
40. إشهاده الشهود على إقراره بجميع ما تضمنته توبته.
41. و أن ذلك كان في المسجد أمام خلقٍ كثير.

فعلى المرء- فضلاً عن نقلة العلم و طلابه - أن يعلم صالح التوبة من طالحها، و أن يعلم حقيقة التوبة المقصودة شرعاً فلا يلتبس عليه أو يُلبَّس عليه أو يغتر بظاهرٍ قد عُلم خلافه، قال شيخ الإسلام : لأن الظاهر إنما يكون دليلاً صحيحاً معتمداً إذا لم يثبُت أن الباطن خلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يُلتفت إلى ظاهرٍ قد عُلم أن الباطن خلافه.(الصارم 343)
و أن من علامات الصلاح في التوبة بيان ما كان عليه من الباطل و معاداة أهله و بيان حالهم كما قال الإمام أحمد رحمه الله في التائب من بدعته (..ومن علامات توبته أن يجتنب مَن كان يُواليه من أهل البدع و يُوالي من كان يُعاديه من أهل السنُّة) المغني لأبن قدامة (203/9)
وكما قال ابن قدامه رحمه الله ( و أما البدعة فالتوبة منها بالاعتراف بها و الرجوع عنها و اعتقاد ضد ما كان يعتقد.( المغني 203/9).
فجميلٌ لنقلة العلم و طُلابه أن يدرسوا أنواع التوبة دراسة سلفية جلية كما قررها العلماء الأفاضل و أن يعوا الفوارق بين صحيح التوبة من سقيمها فإن ما سبق إنما هو إشارة لأهمية هذا الباب و عظم جانبه.
ثمَّ لتعلم – رعاك الله – الفرق في صحة التوبة و صدق المواقف بين ابن عقيل رحمه الله وبين دعاة الضلال في زمننا اليوم فعلى تحايلهم في نشر الباطل، تحايلوا في توبتهم ،و قد غرَّوا بتوبتهم بعضاً كما كانوا قد غرَّوا بباطلهم بعضاً آخر.
و أختم مقالتي هذه بكلمة الإمام المقدسي رحمه الله : وما عادتي ذكر معائب أصحابنا، وإنني لأحب ستر عوراتهم، ولكن وجب بيان حال هذا الرجل حين اغتر بمقالته قومٌ، و اقتدى ببدعته طائفة من أصحابنا و شككهم في اعتقادهم حُسن ظنهم فيه و اعتقادهم أنه من جملة دُعاة السُّنة، فوجب حينئذ كشف حاله و إزالة حُسن ظنهم فيه ليزول عنهم اغترارهم بقوله و ينحسم الدَّاء بحسم سببه، فإن الشئ يزول من حيث نبت و بالله التوفيق و المعونة، و نسأل الله أن يُثبتنا على الإسلام و السُّنة.( تحريم النظر85).

وصلى الله وسلم وبارك على محمد و آله و صحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين

((منقول))