المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إثبات مشروعية امتحان الناس بالناس و بالمقالات والرد على شبهات



أبو خالد الوليد خالد الصبحي
11-Apr-2010, 05:04 PM
إثبات مشروعية امتحان الناس بالناس وبالمقالات والرد على شبهات
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ...ثم أما بعد:

فهذا بحث مختصر –وإن كان فيه نوع تفصيل- في مسألة امتحان الناس بالناس وامتحانهم –أيضاً- بالمقالات.
وهذه المسألة قد خاض فيها كثير من الناس في زماننا فمنهم من أجاد الكلام فيها ولم يزد على عرض منهج السلف الحق في مسألة الامتحان ومنهم وهم أكثر قد خاضوا فيها بجهل وبعض هؤلاء بهوى وسوء طوية-بقرائن دلت على هذا الطوية السيئة([1] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn1))-ولم يسبقوا بهذا الخوض-المبني على الجهل والهوى وسوء الطوية- بأحد عليه الاعتماد إنما تعلقوا ببعض النصوص المتشابهة لمن تقدم من أئمة السنة فجمعوا شراً على شر فهم عرضوا منهج أهل السنة في هذه المسألة عرضاً مشوهاً ثم نسبوا هذا العرض لأئمة هم مما نسبوه إليهم برآء.
لذا عزمت على أن أجمع كلام أهل العلم المتناثر في بطون الكتب والمتعلق بمسألتنا-حسب استطاعتي-ثم أسلكه في مطالب وإن شئتَ قُل في مباحث أبين فيها ماهية الامتحان وحكمه وأدلة مشروعيته ثم أعرج على بعض الشبه والشنشنات التي يثيرها الكثيرون حول هذه المسألة.
وقد أعرج أثناء ذلك على بعض الأسماء منتقداً كلامهم فلا يضيقن صدرك إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت والله المستعان وهو حسبي لا إله إلا هو .
· توطئة لا مفر منها :

إن الكلام في المنهج السلفي (أعني منهج أهل السنة والجماعة)يجب أن يكون قائماً على الإتباع لا الابتداع ويجب أن يكون بعد التأمل لطريقتهم ومعرفة ما درجوا عليه وما لم يدرجوا عليه.
فمن أراد أن ينسب للمنهج فعلاً أو طريقةً أو قولاً لا يأتي بفعلٍ انفرد فيه أحدهم وخالفه غيره فيقول هذا منهج السلف! قال الألباني رحمه الله:((الآثار السلفية إذا لم تكن متضافرة متواترة فلا ينبغي أن يؤخذ عن فرد من أفرادها منهج))([2] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn2))اهـ
وفي المقابل من أراد نفي شيء عن منهجهم لا يأتي ويبدِّعُ أمراً قد درجوا وتعاقبوا عليه
قال السفاريني:(( وإنما أخذ أهل السنة الاعتقادات واعتمدوا من المعتقدات على ما جاءت به النصوص الصريحة والأخبار الصحيحة ودرج عليه سلف الأمة ونهج إليه أعلام الأئمة من الرعيل الأول ومن عليهم دون سواهم المعول))([3] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn3))اهـ
الشاهد من كلامه يرحمه الله: أن ما لم يدرج عليه السلف لا ينسب لهم ولو قال به أحدهم وأن ما درج عليه السلف فهو من منهجهم في أي باب كان،لذاك لا يصح أن يأتي أحدٌ كائناً من كان وينفي شيئاً قد درج عليه السلف ثم ياليته اكتفى بنفيه لقلنا:جهل أمر القوم!،وخطئه(وإن كان كبيراً) ليس بفداحة لو أنه تمادى في نفيه وبدع هذا الفعل فإن هذا من التسرع المذموم بل فيه طعن في السلف فهم بحسب جنايته كأنهم تعاقبوا على بدعة جيلاً بعد جيل!! وقد يدخل تسرعه هذا في إتباع غير سبيل المؤمنين الذي ذم الله تعالى أهله وتوعدهم قال تعالى :﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.
-معنى الامتحان وماهيته:

أ-معنى الامتحان لغة:
وهو من محن قال ابن فارس: الميم والحاء والنون كلماتٌ ثلاثُ على غير قياس.الأولى المَحْن: الاختبار. ومَحَنَه وامتحنه.
والثانية: أتيتُه فما مَحَنني شيئاً، أي ما أعطانيه.
والثالثة مَحَنه سَوطاً: ضربَه.([4] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn4))
وقال الأزهري: قال الليث المحنة معنى الكلام الذي يُمْتَحَنُ به ليُعرف بكلامه ضميرُ قلبه ، تقول : امتحنْتُه وامتحَنْتُ الكلمةَ إذا نظرتَ إلى ما يصير إلَيْهِ صَيُّورُها ، وقال غيره محنته وامتحنْتُه بمنزلةِ خَبَرْتُه واختبرتُه وبلوته وابتلَيْتُه وأصل المَحْن الضربُ بالسوْطِ .([5] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn5))
ب-معنى الامتحان اصطلاحاً:

وسننتهج تعريف الامتحان بالمثال لا الحد لأن الأخير يجب أن يكون جامعاً مانعاً والأول أسهل وأكثر بياناً للمراد فكم تعريف قد صيغ بالحد احتاج لمن يفك مشكله ويكشف الغموض الذي اعتراه؛قال شيخ الإسلام ابن تيمية:((فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق))([6] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn6))،عليه فنقول: إن السلف قد امتحنوا بالأشخاص وبالمقالات،فأما امتحانهم بالأشخاص: كقول أحمد بن عبد الله بن يونُس، قال سفيان : امتحنوا أهل الموصل بالمعافى، فمن ذكره يعني بخير، قُلْتُ : هؤلاء أصحاب سنة وجماعة، ومن عابه قُلْتُ : هؤلاء أصحاب بدع. ([7] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn7)).
قلت:وسم الطاعن في المعافى بالبدعة لأنه لم يطعن فيه لشخصه إنما طعن في السنة التي يحملها، والتي هي منهج أهل السنة جميعاً فكان هذا الطاعن مستحق للطعن فيه هو رميه بالابتداع،وهكذا لو أنه أثنى على مبتدع معروف ببدعته ومنهجه المنحرف عن الصراط السوي استحق هذا المثني ما استحقه ذاك الطاعن في المعافى كما مر معنا من وصفه بالابتداع لأنه لو كان سنياً لما أثنى على مبتدع وهذا ظاهر واضح لمن منّ الله عليه بالبصيرة.
وأما امتحانهم بالمقالات فمثاله ما رواه ابن أبي حاتم : نا علي بن الحسن بن يزيد السلمي ، سمعت أبي ، يقول : سمعت هشام بن عبيد الله الرازي وحبس رجلاً في التجهم فجيء به إليه ليمتحنه، فقال له : أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ قال : لا أدري ما بائن من خلقه !فقال : ردوه فإنه لم يتب بعد([8] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn8)).
يعني أن الامتحان يمثل الحكم على الرجل بحسب موقفه من رجل ظاهر بالسنة أو رجل ظاهر بالبدعة أو بحسب موقفه من مقالة واضحة بغض النظر عن كونها صواباً كمسألة علو الله أو خطئاً كمسألة تكفير الحاكم الظالم المسلم.
-ماهية الامتحان:
الامتحان هو وسيلة من وسائل معرفة أحوال الأشخاص وتمييزهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(( ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادات الناس , وتارة تكون بالجرح والتعديل, وتارة تكون بالاختبار والامتحان))([9] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn9))
فدل على كونه وسيلة من وسائل معرفة أحوال الناس،وكما هو معلوم أن الوسائل لها أحكام المقاصد فإذا كان المقصد واجباً أخذت حكمه تلكم الوسيلة وإذا كان محرماً تبعته في الحكم وهكذا.
وشيخ الإسلام رحمه الله ذكر وسائل أخرى إلى جانب الامتحان كالجرح والتعديل فمعلوم أن هناك صور للجرح أو التعديل محرمة كمن جرح شخص دون أيما حاجة داعية ،وله صور يكون فيها الجرح والتعديل واجباً كمعرفة أحوال الرواة لتحفظ السنة وأيضاً جرح أهل البدع الذين يتصدرون للدعوة وينسبون باطلهم للإسلام، كذلك الامتحان له صور وتطبيقات سنية لا غبار عليها وهنالك صور وتطبيقات بدعية محرمة.
-الأدلة على مشروعية الامتحان:

تقرر فيما سبق بيانه أن من أراد نسبة شيء لمنهج السلف فإنه لا ينسب لهم إلا شيئاً قد درجوا عليه وأن لا ينفي عنهم شيئاً إلا شيئاً لم يفعلوه بل تجدهم قد فعلوا خلافه.
والحمد لله في مسألتنا هذه فالأدلة والآثار متوافرة متكاثرة عن سلف الأمة على مشروعية هذه الوسيلة وأول من شرع هذه الوسيلة هو النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث الجارية المشهور الذي رواه مسلم من طريق معاوية بن الحكم السلمي قال: كَانَتْ لِى جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِى قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بني آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّى صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَىَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا قَالَ « ائْتِنِي بِهَا ». فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا « أَيْنَ اللَّهُ ». قَالَتْ فِى السَّمَاءِ.قَالَ « مَنْ أَنَا ». قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ « أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ »([10] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn10)).
فهذا امتحان منه صلى الله عليه وسلم للجارية فقد امتحنها بقضية علو الله على خلقه وامتحنها بشخصه وهو امتحان بقضية النبوة فإن كانت مؤمنة بأنه-صلى الله عليه وسلم-نبي مرسل فإنها مؤمنة بما أخبر به عليه الصلاة والسلام.
قال الإمام أبو سعيد الدارمي في كتابه الرد على الجهمية :(( حدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : قِيلَ لَهُ : كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ : " بِأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ " .
قال أبو سعيد رحمه الله: وَمَا يُحَقِّقُ قَوْلَ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْجَارِيَةِ : " أَيْنَ اللَّهَ "؟ يَمْتَحِنُ بِذَلِكَ إِيمَانَهَا،فَلَمَّا قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ "،وَالآثَارُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرَةٌ، وَالْحُجَجُ مُتَظَاهِرَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ))([11] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn11))اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:((فإن النبي صلى الله عليه وسلم سَأَلَ بـ((أين))،فقال:((أين الله؟))،فقال له المسئول:في السماء،فحكم بإيمان من قال ذلك))([12] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn12))اهـ
فهذه ثمرة الامتحان الحكم على الإنسان وتصنيفه إذا دعت الحاجة لذلك بحسب موقفه من حامل للسنة أو حامل للبدعة أو مقالة واضحة.
وفي زماننا سئل الشيخ عبد المحسن العباد-حفظه الله ووفقه-:
هل يستفاد من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ ومن أنا؟) جواز اختبار بعض الناس لمعرفة عقيدتهم وكذلك لمعرفة منهجهم بسؤالهم بعض الأسئلة؟
فأجاب:(( السؤال هناك حصل لمعرفة كونها من أهل الإيمان، فإذا كانت هناك حاجة إلى معاملة إنسان أو إلى مداخلة إنسان فيمكن للإنسان أن يحتاط في التعرف عليه بسؤاله عما يحتاج إلى معرفته))([13] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn13))
وفي جوابه –حفظه الله- تأكيدٌ لما سبق بيانه ،فقوله :السؤال هناك حصل لمعرفة كونها من أهل الإيمان)) فيه أن الامتحان وسيلة لها حكم مقصدها وهذا ظاهر.
وقد امتحن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من جاءه من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه وذلك عندما قدِمَ الكوفة فقد روى ابن سعد في الطبقات: َخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ حَبَّةَ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ حَتَّى رَأَوْا أَنَّهُ يَمْتَحِنُهُمْ، قَالَ : " وَأَنَا أَقُولُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي، قَالُوا أَوْ أَفْضَلَ، قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَحَلَّ حَلالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَقِيهٌ فِي الدِّينِ، عَالِمٌ بِالسُّنَّةِ "
وقد رواه بإسناد أخر قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ، فَذَكَرْنَا بَعْضَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَثْنَى الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْنَا رَجُلا كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا، وَلا أَرْفَقَ تَعْلِيمًا، وَلا أَحْسَنَ مُجَالَسَةً، وَلا أَشَدَّ وَرَعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: " نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ، إِنَّهُ لَصِدْقٌ مِنْ قُلُوبِكُمْ؟ "،قَالُوا : نَعَمْ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَقُولُ فِيهِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوْ أَفْضَلَ "([14] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn14))اهـ
وهذا فيه سؤال علي وامتحانه لمن أظهروا أمامه الثناء على ابن مسعود رضي الله عنه فسألهم واستحلفهم.
وقد سار على هذا الدرب أئمة السنة فدرجوا على استعمال هذه الوسيلة ولم يجدوا غضاضة في ذلك والآثار عنهم في ذلك كثيرة جداً أذكر طائفة منها إذ ليس المراد حصرها:
-سليمان بن طرخان التيمي:
قال ابن حبان عنه : كان من عباد أهل البصرة وصالحيهم ثقة وإتقانا وحفظا وسنة.([15] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn15))
من أخبار امتحانه لمن أراد السماع منه:
روى أبو نعيم في الحلية بإسناده عن مَهْدِيَّ بْنَ هِلالٍ ، يَقُولُ : " أَتَيْتُ سُلَيْمَانَ (التَّيْمِيَّ) ، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ وَيَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ وَبِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ وَأَصْحَابَنَا الْبَصْرِيِّينَ فَكَانَ لا يُحَدِّثُ أَحَدًا حَتَّى يَمْتَحِنَهُ فَيَقُولُ لَهُ : الزِّنَا بِقَدَرٍ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ، اسْتَحْلَفَهُ أَنَّ هَذَا دَيْنُكَ، فَإِنْ حَلَفَ حَدَّثَهُ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ ".
لأن البصرة كانت مرتعاً للقدرية فكان يمتحن من أراد السماع منه بهذه المسألة العقدية ألا وهي الإيمان بالقدر وهذا الامتحان يدخل في قسم الامتحان بالمقالات.
-سفيان الثوري:

الإمام العلم الحجة .
قال المزي:((وقال بشر بْن الحارث، عَن أَحْمَد بْن يونس : كَانَ سفيان إذا جاءه قوم من أهل الموصل امتحنهم بحب المعافى، فإن رآهم كما يظن قربهم وأدناهم، وإلا فلا))([16] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn16))
وقال أيضاً:(( وقال مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي المثنى، عَن أَحْمَد بْن يونس، قال سفيان : امتحنوا أهل الموصل بالمعافى، فمن ذكره يعني بخير، قُلْتُ : هؤلاء أصحاب سنة وجماعة، ومن عابه قُلْتُ : هؤلاء أصحاب بدع))([17] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn17))
-زائدة ابن قدامة الثقفي :

كان لا يحدث إلا أصحاب السنة أما أهل البدع فلا يحدثهم،قال البخاري في جزء رفع اليدين:(( وكان زائدة لا يحدث إلا أهل السنة اقتداء بالسلف))([18] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn18)) اهـ
وهذا النص من البخاري لا تنساه فإني سأذكرك به في مبحث الرد على الشبهات التي أثارها بعضهم حول الامتحان.
قال المزي في تهذيب الكمال في ترجمة زائدة :(( قال أبو داود الطيالسي حدثنا زائدة بن قدامة وكان لا يحدث قدريا ولا صاحب بدعة يعرفه))([19] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn19)) ومن أخبار امتحانه ما رواه الرامهرمزي حيث روى بإسناده عن مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُهَلَّبِ الأَزْدِيُّ ، قَالَ : " كَانَ زَائِدَةُ لا يُحَدِّثُ أَحَدًا حَتَّى يَمْتَحِنَهُ، فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا، قَالَ لَهُ : مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، قَالَ : أَيْنَ مُصَلاكَ؟ وَيَسْأَلُ كَمَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنِ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ، قَالَ : لا تَعُودَنَّ إِلَى هَذَا الْمَجْلِسِ، فَإِنْ بَلَغَهُ عَنْهُ خَيْرًا أَدْنَاهُ وَحَدَّثَهُ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا الصَّلْتِ، لِمَ تَفْعَلْ هَذَا؟ قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ عِنْدَهُمْ، فَيَصِيرُوا أَئِمَّةً يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ، فَيُبَدِّلُوا كَيْفَ شَاءُوا "([20] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn20))
قلت:في هذا النص فائدة عظيمة وهي بيان مقصد زائدة من امتحانه لمن أراد أن يسمع منه فقال:أكره أن يكون العلم عندهم،فيصيروا أئمةً يُحتاج إليهم أي أهل البدع فرحمة الله على هذه الإمام السني السلفي.
وروى الخطيب بإسناده قال حسين الجُعفي:((كان زائدة لا يحدث أحداً حتى يمتحنه))([21] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn21))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( والمؤمن محتاج إلى امتحان من يريد أن يصاحبه ويقارنه بنكاح وغيره,قال تعالى: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهم)))([22] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn22))اهـ
وقوله(وغيره) يدخل فيها كل حاجة دعت إلى امتحان الناس وتمييز أحوالهم ومعرفتها.
وكان رحمه الله (أي زائدة) يستتيب من يأتيه من الحسن بن صالح بن حيي قال المزي:(( وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن خلف بن تميم : كان زائدة يستتيب من أتى حسن بن صالح ))([23] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn23)).

-عبد الرحمن بن مهدي:
روى ابن أبي حاتم بإسناده عنه قال:(( إذا رأيت حجازيا يحب مالك بن أنس فهو صاحب سنه))([24] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn24))
وأيضاً بإسناده عنه قال:(( إذا رأيت بصريا يحب حماد بن زيد فهو صاحب سنة))([25] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn25))،وأيضاَ بإسناده عنه قال:(( إذا رأيت شاميا يحب الأوزاعي وأبا إسحاق الفزاري فهو صاحب سنة))وقال:((إذا رأيت الشامي يذكر الأوزاعي والفزارى يعنى بخير فاطمئن إليه )) ([26] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn26))
-بقية بن الوليد:

قال ابن حجر :((وقال بقية بن الوليد: إنا لنمتحن الناس بالأوزاعي فمن ذكره بخير عرفنا أنه صاحب سنة))([27] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn27))

-إمام أهل السنة أحمد بن حنبل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(( قال رجل لأحمد بن حنبل: "من السني؟ قال: من أين أنت؟ قال: من أهل البصرة قال: أتحب أيوب السختياني؟ قال: نعم قال: سني))([28] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn28))اهـ
فانظر رحمني الله وإياك كيف حكم على الرجل من خلال موقفه ومحبته لأيوب لأنه لو كان مبتدعاً لما أحبه.
وقال رحمه الله:(( إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَغْمِزُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلامِ ، فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدًا عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ))([29] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn29)) -أبو رجاء قتيبة بن سعيد:
روى ابن أبي حاتم بإسناده عن قتيبة بن سعيد:(( إذا رأيت الرجل يحب احمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة وجماعة))([30] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn30))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(( فلما امتحن الناس بذلك، واشتهرت هذه المحنة , وثبت الله من ثبته من أئمة السنة، وكان الإمام -الذي ثبته الله وجعله إماماً للسنة حتى صار أهل العلم بعد ظهور المحنة يمتحنون الناس به، فمن وافقه كان سنياً، وإلا كان بدعياً- هو الإمام أحمد بن حنبل))([31] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn31))،وقال في موضع أخر:(( هذا أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والصابر في المحنة الذي قد صار للمسلمين معياراً يفرقون به بين أهل السنة والبدعة))([32] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn32))
-يحيى بن معين:

قال المزي:(( وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي عن يحيى بن معين : إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام))([33] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn33))


-أبو حاتم الرازي:

روى الخطيب عنه بإسناده أنه قال:(( إذا رأيت الرازي وغيره يبغض أبا زرعة فاعلم أنه مبتدع))([34] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn34))


-نعيم بن حماد:

روى المزي بإسناده عنه قال:(( إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه وإذا رأيت الخرساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير فاتهمه في دينه))([35] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn35))


- أبو العباس محمد بن إسحاق السراج:

قال عنه الذهبي :شيخ الإسلام وقال:(( قَالَ الحَاكِمُ:وَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ بنَ أَبِي بَكْرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ مِنْ أَمرِ الكُلاَّبِيَّةِ مَا وَقَعَ بِنَيْسَابُوْرَ، كَانَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ يَمْتَحِنُ أَوْلاَدَ النَّاسِ، فَلاَ يُحَدِّثُ أَوْلاَدَ الكُلاَّبِيَّةِ، فَأَقَامَنِي فِي المَجْلِسِ مَرَّةً، فَقَالَ:قُلْ:أَنَا أَبْرَأُ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - مِنَ الكُلاَّبِيَّةِ.فَقُلْتُ:إ ِنْ قُلْتُ هَذَا، لاَ يُطْعِمُنِي أَبِي الخُبْزَ.فَضَحِكَ، وَقَالَ:دَعُوا هَذَا.))([36] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn36))اهـ
وهذه منه رحمه الله امتحان لمن أراد السماع منه فيمتحنه بالبراءة من طريقة أهل الكلام العفنة.
-أبو الحسن التميمي الجوبري:

قال ابن عساكر :(( أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني: لما مضيت إليه لأسمع منه الحديث .. فلما صرت إليه قال لي: ما أحدثك أو أدري أي شيء مذهبك قلت له: عن أي شيء تسألني عن مذهبي قال: ما تقول في معاوية ؟ قلت: وما عسى أن أقول فيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله عليه. قال: الآن أحدثك))([37] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn37))


وبهذا القدر من الآثار عن السلف الصالح أكتفي فكما بينت أن ليس مرادي الحصر إنما التنبيه على أن امتحان الناس أمرٌ قد درج عليه أعلام من أعلام السنة .

-الرد على شبه مثارة حول مسألة الامتحان:

اعلم أن شبه أهل الباطل المشغبين على طريقة أهل السنة لا انقضاء لها ،فهم لا يفترون عن اختراع الشبه وإثارتها لذا سأتطرق للرد على الشبه التي وقفت عليها من خلال تصفحي لما كتب في هذه المسألة وأود أن أنوه إلى رد مهم عليهم وهو أنه لم يسبقهم في محاولة طمس هذه الوسيلة كليةً أحد من الأئمة الذين عليهم الاعتماد ممن سبقنا وغاية ما يستندون عليه كلام لبعض المعاصرين فمن أحق بأن يرمى بمخالفة منهج أهل السنة وأنه خارج عنهم وعليهم ؟!فنحن-أهل السنة-عندما مقول بمشروعية الامتحان قد قلنا بما قال به من قبلنا من أهل السنة وانتظمنا في سلك عقدهم أما أنتم من سبقكم إلى هذه الدعوة لدرجة أن قال قائلهم كالغنيمان:((حتى أهل البدع لا يجوز امتحانهم))([38] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn38)) ! إن كانوا أهل بدع فحالهم إذا معروفة ولا داعي لامتحانهم أصلاً لكن ما ارتقى الغنيمان هذا المرتقى وغيره إلا لخوفهم من الامتحان وصنوه الجرح والتعديل لأن فيهما يتم معرفة السني من المبطل.


شبهة!ورد في كلام بعض أهل العلم وصف الامتحان بالبدعة:
هذه الشبهة قائمة على نصوص من متشابه كلام أهل العلم ،فقد ورد في بعض كلامهم رحمهم الله وهم في صدد الكلام على حوادث حصل فيها امتحان للناس عبارات مثل: والامتحان بدعة،وامتحان الناس بدعة وهكذا.
فطار من وجد هذه الكلمة فرحاً لأنه اعتقد أنه سيضع أهل الحق على المحك وأنه سيحرجهم بهذه النصوص ويظهر أهل السنة بأنهم يرتكبون بدعة بل ويدعون إليها مع تغليفه اتهامه هذا بألفاظ كالغلاة والمجرحة إلى أخر الافتراءات التي يشيعها أهل الباطل على أهل السنة وما علم بأنه بهذا الفعل قد نقض بنيانه بيده !،وبيان ذلك كالآتي:
قد مر معنا أن الامتحان وسيلة وأن الوسائل لها أحكام المقاصد فإن كان المقصد مشروعاً أخذت حكمه وإن كان المقصد محدثاً محرماً أخذت حكمه وهكذا،وعلى هذا تخرج نصوص أهل العلم التي ورد فيها وصف الامتحان بالبدعة ،وإليك مثال على هذا:
روى ابن عساكر في تاريخه بإسناده: ((أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه وعقد له المجلس حسده من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأى إقبال الناس إليه واجتماعهم فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق فامتحنوه به في المجلس فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه فقال الرجل: يا أبا عبد الله وأعاد عليه القول فأعرض عنه ولم يجبه ثم قال في الثالثة فالتفت إليه محمد بن إسماعيل وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوق والامتحان بدعة فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه))([39] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn39))
وكقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(( وحَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالظُّلْمِ كَالْخَوَارِجِ وَأَمْثَالِهِمْ يَظْلِمُونَ الْأُمَّةَ وَيَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ إذَا نَازَعُوهُمْ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الدِّينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُمْ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا كَمَا تَفْعَلُ الرَّافِضَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرُهُمْ وَاَلَّذِينَ امْتَحَنُوا النَّاسَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ كَانُوا مِنْ هَؤُلَاءِ ؛ ابْتَدَعُوا بِدْعَةً وَكَفَّرُوا مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا))([40] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn40))
قلت :ووصف الإمامين للامتحان بالبدعة لم يريدا بذلك أصل الامتحان كوسيلة إنما أرادا هذه الصورة المحدثة فكلمة لفظي بالقرآن مخلوق مجملة قد يريد به الممتحن ما هو حق وقد يريد ما هو باطل !فاستحق الامتحان بها حكمها ؛لذلك قال شيخ الإسلام :((وليس لأحد أن يمتحن الناس بلفظ مجمل ابتدعه هو من غير بيان لمعناه))([41] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn41))
قلت: فهو هنا رحمه الله يبين أن الامتحان بلفظ مجمل ليس لأحد خاصة إن كان مبتدعاً كقولهم :لفظي بالقرآن مخلوق ،ومفهوم كلامه أن له أن يمتحنهم بلفظ واضح غير مبتدع.

والآن هل يصح أن يتجرأَ أحدٌ ما وينسب للإمامين البخاري وابن تيمية القول ببدعية الامتحان مطلقاً كيف وقد مر معك ثناء البخاري على زائدة وأنه لا يحدث إلا عن أهل السنة اقتداء بالسلف الصالح !ومعلوم طريقة زائدة في معرفة مذهب من أراد السماع منه كما نقلنا ذلك عنه في مبحث الأدلة على مشروعية الامتحان،ومعر معك أيضاً نص شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال فيه: :(( فلما امتحن الناس بذلك، واشتهرت هذه المحنة , وثبت الله من ثبته من أئمة السنة، وكان الإمام -الذي ثبته الله وجعله إماماً للسنة حتى صار أهل العلم بعد ظهور المحنة يمتحنون الناس به، فمن وافقه كان سنياً، وإلا كان بدعياً- هو الإمام أحمد بن حنبل))([42] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn42))اهـ

وهو رحمه الله قد جمع في نص واحد صورتين للامتحان الأولى بدعية وهي قوله((امتحن الناس بذلك)) وهي امتحان الناس بخلق القرآن وقد وصفه بالبدعة كما نقلت عنه مسبقاً والثانية سنية((حتى صار أهل العلم بعد ظهور المحنة يمتحنون الناس به)).

شبهة!أين الدليل الشرعي على وجوب الامتحان أو استحبابه:
وقفت على هذه الشبهة في رسالة أسماها صاحبها وهو حاي الحاي (حصول الباس في امتحان الناس بالناس) حيث قال:((أين الدليل الشرعي على امتحان الناس بالناس ولنا أن نسأل سؤالاً سبكناه على هذا النحو: هل قام الدليل الشرعي على وجوب الامتحان أو استحبابه لأن العلم ما قام على الدليل ؟فهل من دليل؟))([43] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn43))اهـ
أقول: وقبل الرد على هذه الشبهة-الشنشنة-أود أن أشير إلى أن هذه الرسالة من أسوأ ما قرأت في هذه المسألة فأنت لو قرأتها تجد العجب ففيها خلط وخبط شديد من أمثلة ذلك: قال صاحبها :((من هدي السلف أنهم لا يمتحنون الناس ببعض الناس من أهل العلم ))! ثم يأتي في موضع أخر فيقول:((ومما تقدم يتبين لنا أن السلف من الصحابة والتابعين إنما كانوا يمتحنون ويختبرون الناس بمحبتهم لأئمة السنة))! وليت شعري ماذا يقول صاحب الرسالة لو أتاه صاحب هوى شديد فقال له:وهل قام الدليل الشرعي على الامتحان بمحبة أهل السنة وهل هو واجب أم مستحب؟!!لأن العلم ما قام على الدليل ؟فهل من دليل؟
تخبط ما بعده تخبط.
نعود لشبهته فأقول:
تقدم معنا أن الامتحان وسيلة مشروعة شرعها النبي صلى الله عليه وسلم ودرج على استعمالها من أتى بعده وبما أنها وسيلة فإن لها حكم مقصدها فإن كانت تحقق واجباً كانت واجبة وإن كانت تحقق مستحباً صارت مستحبة وإن كانت تفضي إلى محرم صارت محرمة وهذا يفهمه كل من تعرف على أبجديات أصول الفقه وبهذا يرد على هذه الشبهة المتهافتة والحمد لله.

شبهة!قولهم امتحنوا أهل بلد كذا بفلان هل يعني هذا نمتحنهم فرداً فرداً وهل نوقفهم في الطرقات والسكك ؟!:
وملقي هذا الشبهة أراد –والله أعلم- أن يبين أن الأمر فيه نوع غلو فكيف يمتحن أهل بلد كامل؟وهو إنما أُتي من فهمه القاصر وإليك بيان ذلك وإبطال هذه الشبهة:
ليس كل أحد يتم امتحانه إنما يمتحن من خفيت حاله ودعت الحاجة لمعرفتها؛قال شيخ الإسلام ابن تيمية :((المعروفين بالإيمان من الصحابة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحدهم:أين الله؟وإنما قال ذلك لمن شك في إيمانه كالجارية))([44] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn44))اهـ
وكذلك السني المعروف بسنيته لا يمتحن لأن حاله معروفة أما المجهول حاله ودعت الحاجة لمعرفتها فإنه يمتحن أما المجهول حاله ولا حاجة لمعرفتها فإنه لا يمتحن ،ومثال الحاجة التي ذكرنها: الطلب على شيخ غير معروف حاله؛ قال شيخنا فلاح بن إسماعيل مندكار:(( أما واحد يعني يأتينا ما عنده لا مصادر و لا عنده شيوخ و لا عنده من يشهد له من الشيوخ ولا غيره هذا ما يمكن هذا يحتاج أنه نتريث يمتحن يختبر ينظر قوله و ينظر في مذهبه ما نأخذ هذا الدين عن كل أحد))([45] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn45)).
وليس الأمر مقتصر على المجهول حاله بل حتى السني إذا انتشر وأشيعت عنه أقوال سيئة فإنه يمتحن حتى يُتأكد فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيفما يشاء ومثاله ما رواه الخلال بإسناده عن يوسف بن أسباط قال:((قال رجل لسفيان الثوري:بلغنا أنك تبغض عثمان؟ففزع فقال:لا والله ولا معاوية رحمهما الله))([46] (http://www.sahab.net/forums/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn46)).
فهل كل الناس تدعو الحاجة لمعرفة أحوالهم أو هل كل الناس تدعو الحاجة لجرحهم وتعديلهم ؟ بالطبع لا فيكون قولهم امتحنوا أهل بلد كذا أي=امتحنوا من احتجتم لمعرفة حاله من أهل بلد كذا بفلان الظاهر بالسنة أو الظاهر بالبدعة فموقفهم منه يدلكم على حالهم.
·الخلاصة:
ثبتت بحمد الله وتوفيقه مشروعية الامتحان وأنه وسيلة مقصودة لغيرها وأن لها حكم مقصدها وأنه أمرٌ قد درج عليه السلف جيلاً بعد جيل وأنه لا يثبت عن إمام من أئمة السلف القول ببدعية الامتحان مطلقاً وأن من ورد في كلامه وصف الامتحان بالبدعة إنما أراد صورة من صوره لا أصل الامتحان .
هذا والله أسأل أن يقبل مني ما كتبت وأن يوفقني وإخواني إلى مزيد من فضله وأن يرد كيد المبطلين في نحورهم وأن ينصر أهل السنة عليهم وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
---------

([1]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في شرح الاصبهانية(ص545ط.دار المنهاج): بل القرائن وحدها قد تفيد العلم الضروري كما(وهنا يمثل رحمه الله ولا يقيد) يعرف الرجلُ رضا الرجل وغضبه،وحبه وبغضه،وفرحه وحزنه،وغير ذلك مما في نفسه بأمورٍ تظهر على وجهه قد لا يمكنه التعبير عنها.
([2]) شريط رقم 666 من سلسلة الهدى والنور.
([3]) لوامع الأخبار ص 71.
([4]) معجم مقاييس اللغة (5/302).
([5]) تهذيب اللغة(5/78).
([6]) مقدمة أصول التفسير ص37 ت.عدنان زرزور.
([7]) تهذيب الكمال( 28/152).
([8]) العلو للعلي الغفار للذهبي ص133.
([9]) مجموع الفتاوى(15/329).
([10]) صحيح مسلم كتاب الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة (537).ولأخي عبدا لله بن فهد الخليفي-وفقه الله- رسالة في الدفاع عن هذا الحديث رد فيها على المدعو حسن السقاف الذي سود –سود الله وجهه- رسالة يطعن فيها في هذا الحديث ،ورسالة أخينا منشورة في الشبكة تحت عنوان "الدفاع عن حديث الجارية".
([11]) الرد على الجهمية ص9. وهذا الاستنباط منه رحمه الله بأن النبي صلى الله عليه وسلم امتحن الجارية قد تجرأ أحد المجهولين ووصف هذا الاستنباط بالبعيد والضعيف وهو بقوله هذا يستحق أن تقشر له العصا.
([12]) الاستقامة ص 133،ط.دار الفضيلة.
([13]) في شرحه لسنن أبي داود.
([14]) الطبقات لابن سعد (3/165) ط دار صادر 1405هـ.
([15]) الثقات (4/300).
([16]) تهذيب الكمال(28/152).
([17]) المصدر السابق.
([18]) كتاب رفع اليدين للإمام البخاري ص 58ط.ابن حزم.
([19]) تهذيب الكمال 9/276.
([20]) المحدث الفاضل بين الراوي والواعي ص 196 ط.دار الفكر.
([21]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/332)ط.مكتبة المعارف.
([22]) مجموع الفتاوى(15/328).
([23]) تهذيب الكمال (6/184).
([24]) الجرح والتعديل(1/25).
([25]) المصدر السابق(1/128).
([26]) السابق(1/284)
([27]) تهذيب التهذيب(5/150).
([28]) بيان تلبيس الجهمية(1/275).
([29]) تاريخ الإسلام للذهبي.
([30]) الجرح والتعديل(1/308).
([31]) الفتاوى(5/553).
([32]) المصدر السابق(3/414).
([33]) تهذيب الكمال(7/253).
([34]) تاريخ بغداد(10/329).
([35]) المصدر السابق(2/380).
([36]) سير أعلام النبلاء(27/450-451).
([37]) تاريخ دمشق(35/293).
([38]) في لقاءه مع مجلة السمو.
([39]) تاريخ دمشق.
([40]) مجموع الفتاوى(17/311).
([41]) الفتاوى الكبرى(6/346).
([42]) الفتاوى(5/553).
([43]) الرسالة المشار إليه ص54 .
([44]) الاستقامة ص 153.
([45]) قاله في شرح الحموية شريط رقم 2 الدقيقة 27 –بواسطة موضوع أخي فارس الطاهر-وفقه الله والمنشور عبر شبكة سحاب السلفية ثبتها الله على السنة.
([46]) السنة (2/446).

أبو الوليد خالد الصبحي
23-Apr-2010, 08:04 PM
http://www.al-amen.com/vb/mwaextraedit5/extra/107.gif