أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
28-Mar-2013, 12:56 AM
الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول السائل وفقني الله وإياه : لدي سؤال شيخنا وأرجوا منك أن تجيبني عليه وهو : بخصوص إطلاق لفظ جامي ومدخلي التي يلقيها بعض الحزبيين على بعض طلبة العلم فعندما أنكرت ذلك على أحدهم قال أليس من الإنصاف أن ننكر كل هذه الألفاظ كالقطبي والسروري وقال لي إن هذه الألفاظ هي من سببت في تفريق المسلمين، فهل كلامه صحيح شيخنا؟ وإن كان كلامه خاطئ فما هو الرد على هذه الشبهة؟ وجزاكم الله خيرا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أما بعد :
إن هذا الرجل الذي يقول من الإنصاف أن ننسب طلبة العلم الذين تتلمذوا أو درسوا على الشيخين العالمين محمد آمان الجامي- رحمه الله - وربيع بن هادي المدخلي إليهما فنصفهم بالجاميين والمدخليين ، كما ننسب نحن أتباع سيد قطب إليه ونسميهم القطبيين أهل التمييع إلى الإخوان المسلمين ومنهم الحلبيين ، فإذا لم نرض بنسبتنا إلى ذلك فلا نرضى بنسبتهم إلى ذلك، وأن نترك جميع النسب للطوائف ، كما نترك النسبة للجامية والمدخلية .
فأقول وبالله أستعين : إن هذا الكلام باطل، وأنه قياس فاسد، من وجوه :
أولا : - اعلم رحمك الله تعالى - أن القاعدة عند أهل السنة والجماعة أهل الأثر والحديث أتباع السلف الصالح بإحسان -رحمهم الله تعالى - في التسمية والانتساب أنهم لا ينتسبون إلا للإسلام أو الإيمان والسنة علما وعملا أو ما دل عليه الدليل الثابت لأن التسمية عند أهل السنة لها شأنها، فهم يفارقون أهل البدع وأهل ويتميزون عنهم في أنهم ليس لهم اسم يعرفون به ولا لقب أو رمز يميزهم عن غيرهم إلا الإسلام أو الإيمان والسنة أو ما دل عليه دليل ولا ينتمون لشخص معين بالغاً ما بلغ ويجعلونه قدوتهم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقطوأخرج ابن عبد البر في الانتقاء فيفضل الأئمة الثلاثة الفقهاء (72 ) والقاضي عياض في ترتيب المدارك أيضًا (2/41-42):عن رجل جاء إلى الإمام مالك، فقال: ((من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لَقبٌ يُعرَفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي)). وقال الشاطبي الاعتصام (1/58).سئل مالك -رحمه الله - عن السنة، فقال: "هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153]. قال ابن القيم في مختصر الصواعق( ص500): ومنها- أي علامات أهل الحديث- أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها، إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها كما قال بعض أئمة أهل السنة، وقد سئل عنها فقال: السنة ما لا اسم له سوى السنة ، وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة ، وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية ، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض ، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة ا.هـ.
وقال الشيخ عبد القادر الجيلى(1) في الغنية(1/80): (( واعلم أن لأهل البدع علامات يعرفون بها فعلامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر بالحشوية ، ويريدون إبطال الآثار، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر ناصبة، وكل ذلك عصبية وغياض لأهل السنة، ولا اسم لهم إلا اسم واحد وهو: أصحاب الحديث، ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع ، كما لم يلتصق بالنبي- صلى الله عليه وسلم - تسمية كفار مكة ساحرا وشاعرا ومجنونا ومفتونا وكاهنا، ولم يكن اسمه عند الله وعند ملائكته وعند إنسه وجنه ولسائر خلقه إلا رسولا نبياً ...)).
إن الشيخين وغيرهما من علماء السنة، وغيرهم ممن درس عليهم أو على كتبهم وأشرطتهم على هذه القاعدة، فهم لا يعرفون إلا بالسنة ولا يعرفون إلا بها فيتبعون ولا يبتدعون .
ثانيا : ليس لأهل السنة السلفيين مورد يردون عليه ، وينهلون منه ولا مرجع يصدرون عنه وستدلون به إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين الأولين من السلف الصالح الماضين ، وليس لهم رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..بخلاف غيرهم من الطوائف والأحزاب المحدثة ، كالجهمية فإن رأسهم الجهم بن صفوان، والمعتزلة فإن رأسهم واصل بن عطاء والتجانية فإن رأسهم التيجاني ، والقطبيين فإن رأسهم سيد قطب وهكذا ...
إن الشيخين وغيرهما من علماء السنة، وغيرهم ممن درس عليهم أو على كتبهم وأشرطتهم على هذه القاعدة، فهم لا يعرفون إلا بالسنة ولا يعرفون إلا بها فيتبعون ولا يبتدعون .
ونسبهم في ذلك ينتهي إلى رسول الله إلى جيل الخيرية الذين جاءت النصوص الدالة على خيريتهم، ووسطيتهم والحث على اتباع سبيلهم . فشتان بين من نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى جيل الخيرية والوسطية سبيل المؤمنين، وبين من نسبه منقطع ينتهي إلى شيخ الطائفة والطريقة ، أو رئيس الفرقة أو الحزب ..
ثالثا : إن علماءالسنة والحديث يهتمون اهتماما بالغا بالدعوة إلى العقيدة الصحيحة التي كان عليها الرسول وصحبه ويركزون على تصحيح التوحيد فهذه هي دعوة الرسل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ..
فإن دعوتهم فيها الخير والبركة، ويحذرون من الشرك والضلالات، والخرافات ..والأهواء والسبل المخالفة لمنهج السلف ..
والقطبيون والإخوان لا يهتمون بالعقيدة السلفية الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح،بل يهونون من شانها والمهم أن تكون معهم واحمل أي عقيدة شئت ، مادام الهدف واحد وهو التمكين لتوحيدالحاكمية، زعموا – بل همهم الوحيد إسقاط الحكام ومقارعتهم، وتكفير المجتمعات واعتقاد المفاصلة الشعورية الصغرى ( السرية ) والكبرى ( العلنية ) ورفع السلاح في وجوه المسلمين، والتفجير والاغتيالات ، وهكذا كل طائفة اختارت لها منهجا وطريقة مخالفة لمنهج السلف تجعله همها في تقريره والدعوة إليه والولاء والبراء عليه ...
رابعا : إن الشيخين الفاضلين هما من أهل السنة أهل الحديث حراسه هذا الدين وحماة السنة والمرابطون على ثغورمنهج السلف الصالح على وجه الخصوص، فهم يبينون حال الوضاعين ، والكذابين ، والمندسين ، والحزبيين وضلال الفرق ومن كان على شاكلتهم وسبيلهم . فهما من بين ما عند سيد قطب من ضلال ، وماجاء به من خلط وانحرافات كبيرة وخطيرة .. أما الإخوان الذين تربى في حجرهم سيد قطب ورضع من لبنهم فهم يعتمدون علىالروايات الضعيفة والموضوعة وينسبونها إلى رسول الله ويبينون عليها أحكاما وبدعا ويجمعون بين الغث والسمين كما يأخذون من جميع معتقدات الفرق ، فيأخذون من المعتزلة، والجهمية والقدرية والأشاعرة بل أغلبهم ينتهجون منهج الأشاعرة والمعتزلة، ويلفقون بين هذه الفهوم وينسبونها للإسلام ولاينتقدونها، بل ينتقدون على أهل السنة أهل الحديث الذين انتقدوا على الأشاعرة والمعتزلة والصوفية ... وعلى رموزهم ومنهم سيد قطب .
خامسا : إن مشايخ السنة وعلماء المنهج السلفي لم يأت واحد منهم بطريقة خاصة به في تقرير المسائل العلمية أو منهج الدعوة إلى الله، ولم يأتوا ببدعة يدعون الناس إلى تقريرها بتأويلاتهم وتحريفاتهم وتفسيراتهم للنصوص وفق أذواقهم الأدبية وأهواءهم في نظراتهم إلى الإسلام وواقع المسلمين كما فعله سيد قطب المنظر للخوارج في هذا العصر، وأخيه محمد قطب ومن تتلمذ عليهما ..
فمن أين جاء حسن البنا رأس الإخوان المسلمين بهذه الطريقة التي اخترعها في دعوة الناس وتحزب عليها ففرق المسلمين ثم أراد أن يجمعهم عليها على جميع معتقدات الفرق ...؟؟؟ تجد ذلك في تأصيلاته انظر مقدمة مجموع رسائله ووصاياه .
ومن أين جاء سيد قطب المنشق عن حزب وفرقة الإخوان بما قرره من ضلال في الظلال من تفسير بالرأي ، ومن أين أتى بتلك القواعد التي قررها في التصور الإسلامي، ومفاهيم على الطريق والعدالة الاجتماعية وغير ذلك مما خطته يمينه وهو لم يدرس العلم الشرعي ولا عرف به وليس له غمام في ذلك ؟؟.
ثم نقول لهذا المرجف إن من الظلم والاعتداء أن تجعل المسلمين كالمجرمين والسنيين السلفيين مثل البدعيين أهل الأهواء ما لكم كيف تحكمون؟؟ ولعل الرجل لا يعرف الإنصاف فنقول له :
الإنصاف هو أن تسلك سبيل الوسطية فتقرأ وتعرف منهج السلف الصالح الأوائل ومن تبعهم بإحسان ثم تنظر في سبيل كل من تريدون أن نجعلهم على حد سواء ثم ننتسب إليه أيهما أقرب إلى منهج السلف وأيهما على سبيل السلف الصالح؟؟ وبعبارة أخرى أعرف منهج السلف الحق تعرف المتمسك به المنتهج له فإذا عرفت ذلك عرفت أن السلفيين لا ينتسبون لأحد له حزب أو بدعة ينتسبون إليها، وعرفت أن العلماء الذين سموا أهل البدع ونسبوهم فإنما نسبوهم إلى بدعهم كالخوارج والقدرية والمرجئة، أو إلى مؤسسها كالجمهية نسبة إلى الجهم بن صفوان أو المعتزلة نسبة إلى عطاء بن واصل.
ومن هنا تدرك أن الشيخ ربيع حفظه الله والشيخ محمد آمان الجامي رحمه الله لا بدعة لهما ولا طريقة ادعاها حتى ينتسب إليهما السلفيون. أما القطبيون فهم على حزبية واضحة بدعة الإخوان، فينسبون إلى الحزب فهم من سمى نفسه بذلك ، وقطع نسبه عن نسب السلف الصالح، إلا فيما يوافق هواه وسيد قطب من الإخوان وقد انشق عنهم وأصل أصولا أخرى مع أصول الحزب الأولى فإنه لم يخرج عنها ناهيك عما جاء به من معتقدات وحدة الوجود والطعن في الصحابة على منهج الرفض، بل والطعن في الأنبياء والتنقيص من قدرهم ،والحكم على المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، والمفاصلة الصغرى والكبرى لذلك ينسب كل قائل بهذا ممن بان له الحق ودافع عن تلك الأصول ورد الحق الذي جاء به العلماء وبينوه دفاعا عن دين الله وعن الأنبياء وعن الصحابة الكرام وعن المسلمين ، كما فعل الشيخان الفاضلان الجامي وربيع .
وبقي أن أذكر لك أسباب الخلاف بين المسلمين من نصوص الكتاب والسنة وهي كثيرة ولكنني سأختصر واقتصر على أهمها حتى يعلم الذي جهل عليكم وعلينا أن الأمر ليس كما قال وهي كما سيأتي :واعلم – رحمني الله وإياك –
أن تفرق المسلمين له أسباب كثيرة من أهمها الحزبية التي عليها هؤلاء، وركوب الأهواء والبدع التي تنخر في جسم الأمة، والتعصب للفكرة والمذهب، وحب الذات، والتأويل الفاسد والتحريف، والتعطيل، والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وبناء الأحكام عليها، وبناء الأحكام على الظنون الكاذبة ، وعدم بلوغ بعض الأحاديث الصحيحة إلى بعض الأئمة، والجهل وإحداث مناهج مخالفة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم .
وإليك الآن بعض الأسباب بأدلتها .
أولاً: البغي والحسد كما قال سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ آل عمران الآية : ( 19 ) وقال تعالى ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾يونس (93) وقال عز وجل: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ الجاثية الآية: ( 17 )فالآيات كثيرة في هذا الباب وأن سبب الخلاف هو البغي والحسد بعد مجيء العلم والبينات المقتضية للاتحاد والمحبة وترك الفرقة والاختلاف وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه ومن الوقوع في الظلم والحسد والبغي في أحاديث كثيرة معلومة ومشهورة ومن أهمها ما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا)). وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)) رواه البخاري ومسلم واللفظ له .وروى البخاري (4403 )عن ابن عمر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وفيها ((أَلاَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاَثًا وَيْلَكُمْ ، أَوْ وَيْحَكُمُ انْظُرُوا لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)). وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةَ الشَّعْرِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ». أخرجه الترمذي (ح 2510) قال أبو عيسى هذا حديث صحيح وأحمد (1/164) ( 2038 )قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 3361 / 1 في صحيح الجامع .
ثانياً : اتباع الهوى والانحراف عن الصراط المستقيم باتباع السبيل التي تفرق عن سبيل الله والخروج عن الوسطية التي أمر الله بإتباعها ولزوم الخيرية التي جعلها الله في هذه الأمة المتمثلة في قوله صلى الله عليه وسلم : ((خير الناس قرني ثم اللذين يلونهم..))الحديث .
وقال تعالى: وَ﴿أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الأنعام الآية : (153 ) فجمع السبل لكثرتها ووحد سبيله لأنه واحد .
وقال تعالى : ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ الجاثية، الآية: (23) فاتباع الهوى من أعظم أسباب بين المسلمين .
ثالثاً: التحزب واتباع سبيل الشيطان عدو لبني آدم كما أخبر بذلك بقوله: ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ فاطر الآية: ( 6 ).
فهذا العدو حريص كل الحرص على تحزيب المسلمين وبث الفرقة فيهم قال تعالى مبينا ذلك : ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾المجادلة(19). وقد توصل إلى ذلك حتى جعلهم كل حزب بما لديهم فرحون قال تعالى : ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ المؤمنون (53).
وقال عز وجل ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ الروم (32) .
وقد بين الله تعالى أن التفرق والاختلاف ما هو إلا حبل من حبائل ذلكم العدو الذي لا يقبل مصانعة ولا إحسان فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ المائدة الآية : (91 ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم)) .رواه أحمد (3/366- 384 ). ورواه الترمذي برقم 1860 إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو في ( صحيح الترغيب والترهيب ) (2763 ) قال الشيخ الألباني صحيح ، الصحيحة ( 1606 ) ورواه مسلم ولكن بلفظ : ((في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)).
رابعاً: اتباع المتشابه مما لم يظهر حقيقته ولم يعرفوا معناه إلا على التمثيل والتشبيه بالمخلوق فذهبوا يعطلون ويؤولون ويحرفون .
فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ آل عمران: الآية (7).
وقد روى هذا الحديث البخاري، رحمه الله في صحيحه برقم (4547)، عند تفسير هذه الآية، ومسلم في كتاب القدر من صحيحهبرقم (2665)، وأبو داود في السنة من سننه،برقم (4598) ثلاثتهم، عن القَعْنَبِيِّ، عن يزيد بن إبراهيم التُّسْتَريّ، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ﴾ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتَ الذين يتَّبِعُون ما تشابه منه فأولئك الذين سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ)) .
ومن ذلك إطلاق الألفاظ المشتركة والمجملة المحتملة للحق والباطل وحملها على غير وجهها المراد اعتمادا على العقل واللغة دون رجوع إلى فهم السلف الصالح الذين نزل القرآن بلغتهم والجدال عليها كما حصل من الخوارج: ( لا حكم إلا لله ) والشيعة بقولهم في آية التطهير بأنهم علي وفاطمة والحسن والحسين آخذين في ذلك بحديث الكساء وضربوا بغيره من الأحاديث عرض الحائط ، والمؤولة في الاستواء بالاستيلاء وغير ذلك .
خامساً: الجهل بالدين على منهج النبوة وسبيل المؤمنين وعدم تعلمه على مراد الله ومراد رسوله من العلماء الربانيين ، والرضا بما بالتثقيف العام وتفسيرات الطوائف التي تنسب إلى الإسلام ما ليس وتنتحل من الديانات السابقة والمذاهب البشرية كالاشتراكية والرأسمالية والديمقراطية فإن العلم على منهاج النبوة نجاة و الجهل به ضلال وهلاك قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الزمر: الآية (9) قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ النساء : الآية: (83).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله يَقُولُ : ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)). أخرجه البخاري (100) ومسلم (2673) وأصحاب السنن الأربعة ومالك وأحمد .
وفي البخاري (85 )عَنْ سَالِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ)) قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ.
سادساً: الابتداع في الدين بأن يشرع ما لم يشرعه الله لعباده أصلاً وهيئة ، ووصفا وعددا ويضيف ذلك إلى الدين كما قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ... ﴾ الشورى الآية: (21 ).
وقال تعالى :﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾الحشر :(7).
وقال محذرا من مخالفته : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾النور :(63).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) مسلم (867 ) سنن أبي داود (4609) وأحمد (3/310)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)) متفق عليه ، صحيح البخاري (2697 )صحيح مسلم ( 1718)وهو حديث عظيم رواه الجماعة وهو أحد الأحاديث التي يدور عليها الإسلام .
سابعاً: الغلو في الدين ومنه الغلو في الأشياخ والصالحين ورؤساء الأحزاب والطرق والسبل التي على جنبتي الصراط ؛ ومنه الغلو في العقيدة بأخذها من علم الكلام والفلسفة ومشايخ الطرق ، و المناهج المنحرفة عن منهج السلف الصالح كالأشاعرة والماتريدية والغلو في السياسة والواقع ، والغلو في الشهوات والشبهات ، بوب البخاري في صحيحه باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِي الْعِلْمِ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالْبِدَعِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ، وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾. النساء : الآية ( 171).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))، حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده (1/215) ، والنسائي (3057 ) وصحيح ابن ماجه (2455)و الصحيحة (1283).
ثامناً: متابعة سنن أهل الكتاب من اليهود والنصارى والأمم السابقة وعباد الأصنام بوب البخاري في صحيحه باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ.(ح7319 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لاََ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ فَقَالَ وَمَنِ النَّاسُ إِلاَّ أُولَئِكَ)).
وتحت رقم (3456)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ)). ومسلم ( 2669)وأحمد (2/327 -450).
وروي أيضاً عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم حذو القذة بالقذة)) الشريعة للآجري (1/39)(ح34) وأحمد (4/125)والطبراني في الكبير (6/435)( 6994 )ومحمد بن نصر المروزي في السنة وابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها (1/65) وزاد فيه : ((حذو النعل بالنعل)) .وصححه الألباني في الصحيحة (3312).
قال الآجري (1/40): من تصفح أمر هذه الأمة من عالم عاقل ، علم أن أكثرهم العام منهم يجري أمورهم على سنن أهل الكتابين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى سنن كسرى وقيصر وعلى سنن أهل الجاهلية وذلك مثل السلطنة وأحكامهم وأحكام العمال والأمراء وغيرهم ، وأمر المصائب والأفراح والمساكن واللباس والحلية ، والأكل والشرب والولائم ، والمراكب والخدم والمجالس والمجالسة ، والبيع والشراء ، والمكاسب من جهات كثيرة ، وأشباه لما ذكرت يطول شرحها تجري بينهم على خلاف السنة والكتاب ، وإنما تجري بينهم على سنن من قبلنا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، والله المستعان .
عاشراً: كيد أعداء الإسلام والغزو الفكري من الذين أظهروا الإسلام من المستشرقين قصداً لفتِّ قوته وزرع الخلافات بين أهله مستعملين في ذلك قاعدة فرق تسود ، فلما عجزوا عن محاربته بالسلاح لجئوا إلى الحركات الباطنية والمجموعات السرية وربوا أقواما من بني جلتنا على لبن باطلهم حتى تشبعوا بمكرهم وانبهروا بحضاراتهم وجاءوا ينشرون أباطيلهم، قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء : الآية (140) .
وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا >>. فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ : ((بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ)). فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ: ((حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)). سنن أي داود (ح 4299) وأحمد (5/278) وابن أبى شيبة (7/463 ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم :( 8183 )في صحيح الجامع .
حادي عشر: الجدال بالباطل والخصومات في الدين ، والعصبية المقيتة للمذاهب الفقهية والفكرية والآراء المبنية على الفهم المخالف لفهم السلف الصالح . قال تعالى : ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾(109).وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ غافر : آية (5).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتو الجدال)) ثم قرأ :﴿ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون﴾ أخرجه الترمذي 5/353) وقال: ((هذا حديث حسن صحيح)) اهـ. والآجري في الشريعة (1/120)(106) أبو القاسم الأصبهاني الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة(1/111). تحقيق الدكتور محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي .
وقال : وقد ذم السلف الجدال في الدين ورووا في ذلك أحاديث وهم لا يذمون ما هو الصواب .
قال محمد بن الحسين الآجري (1/118): فيما ذكرت في هذا الجزء من التمسك بشريعة الحق ، والاستقامة على ما ندب الله تعالى إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وندبهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم : ما إذا تدبره العاقل علم أنه قد ألزمه التمسك بكتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبسنة الخلفاء الراشدين ، وجميع الصحابة رضي الله عنهم ، وجميع من تبعهم بإحسان ، وأئمة المسلمين ، وترك الجدال والمراء والخصومة في الدين ، ولزم مجانبة أهل البدع ، والاتباع ، وترك الابتداع ، فقد كفانا علم من مضى من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش عن ذكرهم ، من مذاهب أهل البدع والضلالات ، والله الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه .
وهذا مذهب السلف وقد قال الإمام أحمد لا يكن الرجل من أهل السنة حتى يدع الجدال والمراء في الدين ،أي بالباطل . ومن ذلك الجدال المبني على مصلحة الجماعة ، ومصلحة الدعوة ، والانتصار لها وللنفس والحزب والشيخ ، ورد الحق والتكبر عليه والنيل من العلماء الذين بينوه ، ووصمهم بأوصاف شتى وعدم إنصافهم من النفس كل ذلك من عمل الشيطان ..
الثاني عشر : مخالفة العلماء الكبار أولياء الأمور وأحل الحل والعقد في هذا الزمان ، إذا أفتوا في النوازل أو مسائل وبينوا أنها غير مشروعة كإنشاء أحزاب سياسية والخوض في السياسة ، والانتخابات والمظاهرات ، ووسائل الدعوة ، وتكوين الجمعيات ، والمراكز الصيفية والاختلاط في المدارس والجامعات و الوظائف وأماكن العمل ، وغيرها من المسائل والوسائل ، وإذا اختلف عالمان لم يردوا ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى أولي الأمر منهم بل يأخذون ما يوافق أهواءهم ومناهجهم حتى لو كانت مخالفة لصريح المعتقد الصحيح .. والأسوأ من ذلك أنك تجدهم يجادلون عن ذلك وينسبونه إلى السنة ومنهج السلف .
هذه بعض الأسباب التي كانت سببا في تفريق المسلمين أيدي سبأ نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن رحمهم الله فاستثناهم في قوله تعالى : ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ هود الآية :(119).
وأن يجعلنا وإياكم من أتباع الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل العلم ، والحديث وأن يحشرنا في زمرتهم يوم نلقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه .والحمد لله رب العالمين .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
بتاريخ 29/ذو الحجة/1433هـ
الموافق 13/نوفمبر/2012
شبكة الورقات
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أما بعد :
إن هذا الرجل الذي يقول من الإنصاف أن ننسب طلبة العلم الذين تتلمذوا أو درسوا على الشيخين العالمين محمد آمان الجامي- رحمه الله - وربيع بن هادي المدخلي إليهما فنصفهم بالجاميين والمدخليين ، كما ننسب نحن أتباع سيد قطب إليه ونسميهم القطبيين أهل التمييع إلى الإخوان المسلمين ومنهم الحلبيين ، فإذا لم نرض بنسبتنا إلى ذلك فلا نرضى بنسبتهم إلى ذلك، وأن نترك جميع النسب للطوائف ، كما نترك النسبة للجامية والمدخلية .
فأقول وبالله أستعين : إن هذا الكلام باطل، وأنه قياس فاسد، من وجوه :
أولا : - اعلم رحمك الله تعالى - أن القاعدة عند أهل السنة والجماعة أهل الأثر والحديث أتباع السلف الصالح بإحسان -رحمهم الله تعالى - في التسمية والانتساب أنهم لا ينتسبون إلا للإسلام أو الإيمان والسنة علما وعملا أو ما دل عليه الدليل الثابت لأن التسمية عند أهل السنة لها شأنها، فهم يفارقون أهل البدع وأهل ويتميزون عنهم في أنهم ليس لهم اسم يعرفون به ولا لقب أو رمز يميزهم عن غيرهم إلا الإسلام أو الإيمان والسنة أو ما دل عليه دليل ولا ينتمون لشخص معين بالغاً ما بلغ ويجعلونه قدوتهم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقطوأخرج ابن عبد البر في الانتقاء فيفضل الأئمة الثلاثة الفقهاء (72 ) والقاضي عياض في ترتيب المدارك أيضًا (2/41-42):عن رجل جاء إلى الإمام مالك، فقال: ((من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لَقبٌ يُعرَفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي)). وقال الشاطبي الاعتصام (1/58).سئل مالك -رحمه الله - عن السنة، فقال: "هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153]. قال ابن القيم في مختصر الصواعق( ص500): ومنها- أي علامات أهل الحديث- أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها، إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها كما قال بعض أئمة أهل السنة، وقد سئل عنها فقال: السنة ما لا اسم له سوى السنة ، وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة ، وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية ، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض ، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة ا.هـ.
وقال الشيخ عبد القادر الجيلى(1) في الغنية(1/80): (( واعلم أن لأهل البدع علامات يعرفون بها فعلامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر بالحشوية ، ويريدون إبطال الآثار، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر ناصبة، وكل ذلك عصبية وغياض لأهل السنة، ولا اسم لهم إلا اسم واحد وهو: أصحاب الحديث، ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع ، كما لم يلتصق بالنبي- صلى الله عليه وسلم - تسمية كفار مكة ساحرا وشاعرا ومجنونا ومفتونا وكاهنا، ولم يكن اسمه عند الله وعند ملائكته وعند إنسه وجنه ولسائر خلقه إلا رسولا نبياً ...)).
إن الشيخين وغيرهما من علماء السنة، وغيرهم ممن درس عليهم أو على كتبهم وأشرطتهم على هذه القاعدة، فهم لا يعرفون إلا بالسنة ولا يعرفون إلا بها فيتبعون ولا يبتدعون .
ثانيا : ليس لأهل السنة السلفيين مورد يردون عليه ، وينهلون منه ولا مرجع يصدرون عنه وستدلون به إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين الأولين من السلف الصالح الماضين ، وليس لهم رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..بخلاف غيرهم من الطوائف والأحزاب المحدثة ، كالجهمية فإن رأسهم الجهم بن صفوان، والمعتزلة فإن رأسهم واصل بن عطاء والتجانية فإن رأسهم التيجاني ، والقطبيين فإن رأسهم سيد قطب وهكذا ...
إن الشيخين وغيرهما من علماء السنة، وغيرهم ممن درس عليهم أو على كتبهم وأشرطتهم على هذه القاعدة، فهم لا يعرفون إلا بالسنة ولا يعرفون إلا بها فيتبعون ولا يبتدعون .
ونسبهم في ذلك ينتهي إلى رسول الله إلى جيل الخيرية الذين جاءت النصوص الدالة على خيريتهم، ووسطيتهم والحث على اتباع سبيلهم . فشتان بين من نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى جيل الخيرية والوسطية سبيل المؤمنين، وبين من نسبه منقطع ينتهي إلى شيخ الطائفة والطريقة ، أو رئيس الفرقة أو الحزب ..
ثالثا : إن علماءالسنة والحديث يهتمون اهتماما بالغا بالدعوة إلى العقيدة الصحيحة التي كان عليها الرسول وصحبه ويركزون على تصحيح التوحيد فهذه هي دعوة الرسل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ..
فإن دعوتهم فيها الخير والبركة، ويحذرون من الشرك والضلالات، والخرافات ..والأهواء والسبل المخالفة لمنهج السلف ..
والقطبيون والإخوان لا يهتمون بالعقيدة السلفية الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح،بل يهونون من شانها والمهم أن تكون معهم واحمل أي عقيدة شئت ، مادام الهدف واحد وهو التمكين لتوحيدالحاكمية، زعموا – بل همهم الوحيد إسقاط الحكام ومقارعتهم، وتكفير المجتمعات واعتقاد المفاصلة الشعورية الصغرى ( السرية ) والكبرى ( العلنية ) ورفع السلاح في وجوه المسلمين، والتفجير والاغتيالات ، وهكذا كل طائفة اختارت لها منهجا وطريقة مخالفة لمنهج السلف تجعله همها في تقريره والدعوة إليه والولاء والبراء عليه ...
رابعا : إن الشيخين الفاضلين هما من أهل السنة أهل الحديث حراسه هذا الدين وحماة السنة والمرابطون على ثغورمنهج السلف الصالح على وجه الخصوص، فهم يبينون حال الوضاعين ، والكذابين ، والمندسين ، والحزبيين وضلال الفرق ومن كان على شاكلتهم وسبيلهم . فهما من بين ما عند سيد قطب من ضلال ، وماجاء به من خلط وانحرافات كبيرة وخطيرة .. أما الإخوان الذين تربى في حجرهم سيد قطب ورضع من لبنهم فهم يعتمدون علىالروايات الضعيفة والموضوعة وينسبونها إلى رسول الله ويبينون عليها أحكاما وبدعا ويجمعون بين الغث والسمين كما يأخذون من جميع معتقدات الفرق ، فيأخذون من المعتزلة، والجهمية والقدرية والأشاعرة بل أغلبهم ينتهجون منهج الأشاعرة والمعتزلة، ويلفقون بين هذه الفهوم وينسبونها للإسلام ولاينتقدونها، بل ينتقدون على أهل السنة أهل الحديث الذين انتقدوا على الأشاعرة والمعتزلة والصوفية ... وعلى رموزهم ومنهم سيد قطب .
خامسا : إن مشايخ السنة وعلماء المنهج السلفي لم يأت واحد منهم بطريقة خاصة به في تقرير المسائل العلمية أو منهج الدعوة إلى الله، ولم يأتوا ببدعة يدعون الناس إلى تقريرها بتأويلاتهم وتحريفاتهم وتفسيراتهم للنصوص وفق أذواقهم الأدبية وأهواءهم في نظراتهم إلى الإسلام وواقع المسلمين كما فعله سيد قطب المنظر للخوارج في هذا العصر، وأخيه محمد قطب ومن تتلمذ عليهما ..
فمن أين جاء حسن البنا رأس الإخوان المسلمين بهذه الطريقة التي اخترعها في دعوة الناس وتحزب عليها ففرق المسلمين ثم أراد أن يجمعهم عليها على جميع معتقدات الفرق ...؟؟؟ تجد ذلك في تأصيلاته انظر مقدمة مجموع رسائله ووصاياه .
ومن أين جاء سيد قطب المنشق عن حزب وفرقة الإخوان بما قرره من ضلال في الظلال من تفسير بالرأي ، ومن أين أتى بتلك القواعد التي قررها في التصور الإسلامي، ومفاهيم على الطريق والعدالة الاجتماعية وغير ذلك مما خطته يمينه وهو لم يدرس العلم الشرعي ولا عرف به وليس له غمام في ذلك ؟؟.
ثم نقول لهذا المرجف إن من الظلم والاعتداء أن تجعل المسلمين كالمجرمين والسنيين السلفيين مثل البدعيين أهل الأهواء ما لكم كيف تحكمون؟؟ ولعل الرجل لا يعرف الإنصاف فنقول له :
الإنصاف هو أن تسلك سبيل الوسطية فتقرأ وتعرف منهج السلف الصالح الأوائل ومن تبعهم بإحسان ثم تنظر في سبيل كل من تريدون أن نجعلهم على حد سواء ثم ننتسب إليه أيهما أقرب إلى منهج السلف وأيهما على سبيل السلف الصالح؟؟ وبعبارة أخرى أعرف منهج السلف الحق تعرف المتمسك به المنتهج له فإذا عرفت ذلك عرفت أن السلفيين لا ينتسبون لأحد له حزب أو بدعة ينتسبون إليها، وعرفت أن العلماء الذين سموا أهل البدع ونسبوهم فإنما نسبوهم إلى بدعهم كالخوارج والقدرية والمرجئة، أو إلى مؤسسها كالجمهية نسبة إلى الجهم بن صفوان أو المعتزلة نسبة إلى عطاء بن واصل.
ومن هنا تدرك أن الشيخ ربيع حفظه الله والشيخ محمد آمان الجامي رحمه الله لا بدعة لهما ولا طريقة ادعاها حتى ينتسب إليهما السلفيون. أما القطبيون فهم على حزبية واضحة بدعة الإخوان، فينسبون إلى الحزب فهم من سمى نفسه بذلك ، وقطع نسبه عن نسب السلف الصالح، إلا فيما يوافق هواه وسيد قطب من الإخوان وقد انشق عنهم وأصل أصولا أخرى مع أصول الحزب الأولى فإنه لم يخرج عنها ناهيك عما جاء به من معتقدات وحدة الوجود والطعن في الصحابة على منهج الرفض، بل والطعن في الأنبياء والتنقيص من قدرهم ،والحكم على المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، والمفاصلة الصغرى والكبرى لذلك ينسب كل قائل بهذا ممن بان له الحق ودافع عن تلك الأصول ورد الحق الذي جاء به العلماء وبينوه دفاعا عن دين الله وعن الأنبياء وعن الصحابة الكرام وعن المسلمين ، كما فعل الشيخان الفاضلان الجامي وربيع .
وبقي أن أذكر لك أسباب الخلاف بين المسلمين من نصوص الكتاب والسنة وهي كثيرة ولكنني سأختصر واقتصر على أهمها حتى يعلم الذي جهل عليكم وعلينا أن الأمر ليس كما قال وهي كما سيأتي :واعلم – رحمني الله وإياك –
أن تفرق المسلمين له أسباب كثيرة من أهمها الحزبية التي عليها هؤلاء، وركوب الأهواء والبدع التي تنخر في جسم الأمة، والتعصب للفكرة والمذهب، وحب الذات، والتأويل الفاسد والتحريف، والتعطيل، والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وبناء الأحكام عليها، وبناء الأحكام على الظنون الكاذبة ، وعدم بلوغ بعض الأحاديث الصحيحة إلى بعض الأئمة، والجهل وإحداث مناهج مخالفة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم .
وإليك الآن بعض الأسباب بأدلتها .
أولاً: البغي والحسد كما قال سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ آل عمران الآية : ( 19 ) وقال تعالى ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾يونس (93) وقال عز وجل: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ الجاثية الآية: ( 17 )فالآيات كثيرة في هذا الباب وأن سبب الخلاف هو البغي والحسد بعد مجيء العلم والبينات المقتضية للاتحاد والمحبة وترك الفرقة والاختلاف وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه ومن الوقوع في الظلم والحسد والبغي في أحاديث كثيرة معلومة ومشهورة ومن أهمها ما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا)). وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)) رواه البخاري ومسلم واللفظ له .وروى البخاري (4403 )عن ابن عمر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وفيها ((أَلاَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاَثًا وَيْلَكُمْ ، أَوْ وَيْحَكُمُ انْظُرُوا لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)). وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِىَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةَ الشَّعْرِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ». أخرجه الترمذي (ح 2510) قال أبو عيسى هذا حديث صحيح وأحمد (1/164) ( 2038 )قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 3361 / 1 في صحيح الجامع .
ثانياً : اتباع الهوى والانحراف عن الصراط المستقيم باتباع السبيل التي تفرق عن سبيل الله والخروج عن الوسطية التي أمر الله بإتباعها ولزوم الخيرية التي جعلها الله في هذه الأمة المتمثلة في قوله صلى الله عليه وسلم : ((خير الناس قرني ثم اللذين يلونهم..))الحديث .
وقال تعالى: وَ﴿أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الأنعام الآية : (153 ) فجمع السبل لكثرتها ووحد سبيله لأنه واحد .
وقال تعالى : ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ الجاثية، الآية: (23) فاتباع الهوى من أعظم أسباب بين المسلمين .
ثالثاً: التحزب واتباع سبيل الشيطان عدو لبني آدم كما أخبر بذلك بقوله: ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ فاطر الآية: ( 6 ).
فهذا العدو حريص كل الحرص على تحزيب المسلمين وبث الفرقة فيهم قال تعالى مبينا ذلك : ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾المجادلة(19). وقد توصل إلى ذلك حتى جعلهم كل حزب بما لديهم فرحون قال تعالى : ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ المؤمنون (53).
وقال عز وجل ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ الروم (32) .
وقد بين الله تعالى أن التفرق والاختلاف ما هو إلا حبل من حبائل ذلكم العدو الذي لا يقبل مصانعة ولا إحسان فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ المائدة الآية : (91 ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم)) .رواه أحمد (3/366- 384 ). ورواه الترمذي برقم 1860 إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو في ( صحيح الترغيب والترهيب ) (2763 ) قال الشيخ الألباني صحيح ، الصحيحة ( 1606 ) ورواه مسلم ولكن بلفظ : ((في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)).
رابعاً: اتباع المتشابه مما لم يظهر حقيقته ولم يعرفوا معناه إلا على التمثيل والتشبيه بالمخلوق فذهبوا يعطلون ويؤولون ويحرفون .
فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ آل عمران: الآية (7).
وقد روى هذا الحديث البخاري، رحمه الله في صحيحه برقم (4547)، عند تفسير هذه الآية، ومسلم في كتاب القدر من صحيحهبرقم (2665)، وأبو داود في السنة من سننه،برقم (4598) ثلاثتهم، عن القَعْنَبِيِّ، عن يزيد بن إبراهيم التُّسْتَريّ، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ﴾ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتَ الذين يتَّبِعُون ما تشابه منه فأولئك الذين سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ)) .
ومن ذلك إطلاق الألفاظ المشتركة والمجملة المحتملة للحق والباطل وحملها على غير وجهها المراد اعتمادا على العقل واللغة دون رجوع إلى فهم السلف الصالح الذين نزل القرآن بلغتهم والجدال عليها كما حصل من الخوارج: ( لا حكم إلا لله ) والشيعة بقولهم في آية التطهير بأنهم علي وفاطمة والحسن والحسين آخذين في ذلك بحديث الكساء وضربوا بغيره من الأحاديث عرض الحائط ، والمؤولة في الاستواء بالاستيلاء وغير ذلك .
خامساً: الجهل بالدين على منهج النبوة وسبيل المؤمنين وعدم تعلمه على مراد الله ومراد رسوله من العلماء الربانيين ، والرضا بما بالتثقيف العام وتفسيرات الطوائف التي تنسب إلى الإسلام ما ليس وتنتحل من الديانات السابقة والمذاهب البشرية كالاشتراكية والرأسمالية والديمقراطية فإن العلم على منهاج النبوة نجاة و الجهل به ضلال وهلاك قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الزمر: الآية (9) قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ النساء : الآية: (83).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله يَقُولُ : ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)). أخرجه البخاري (100) ومسلم (2673) وأصحاب السنن الأربعة ومالك وأحمد .
وفي البخاري (85 )عَنْ سَالِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ)) قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ.
سادساً: الابتداع في الدين بأن يشرع ما لم يشرعه الله لعباده أصلاً وهيئة ، ووصفا وعددا ويضيف ذلك إلى الدين كما قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ... ﴾ الشورى الآية: (21 ).
وقال تعالى :﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾الحشر :(7).
وقال محذرا من مخالفته : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾النور :(63).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)) مسلم (867 ) سنن أبي داود (4609) وأحمد (3/310)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)) متفق عليه ، صحيح البخاري (2697 )صحيح مسلم ( 1718)وهو حديث عظيم رواه الجماعة وهو أحد الأحاديث التي يدور عليها الإسلام .
سابعاً: الغلو في الدين ومنه الغلو في الأشياخ والصالحين ورؤساء الأحزاب والطرق والسبل التي على جنبتي الصراط ؛ ومنه الغلو في العقيدة بأخذها من علم الكلام والفلسفة ومشايخ الطرق ، و المناهج المنحرفة عن منهج السلف الصالح كالأشاعرة والماتريدية والغلو في السياسة والواقع ، والغلو في الشهوات والشبهات ، بوب البخاري في صحيحه باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِي الْعِلْمِ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالْبِدَعِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ، وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾. النساء : الآية ( 171).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))، حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده (1/215) ، والنسائي (3057 ) وصحيح ابن ماجه (2455)و الصحيحة (1283).
ثامناً: متابعة سنن أهل الكتاب من اليهود والنصارى والأمم السابقة وعباد الأصنام بوب البخاري في صحيحه باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ.(ح7319 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لاََ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ فَقَالَ وَمَنِ النَّاسُ إِلاَّ أُولَئِكَ)).
وتحت رقم (3456)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ)). ومسلم ( 2669)وأحمد (2/327 -450).
وروي أيضاً عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم حذو القذة بالقذة)) الشريعة للآجري (1/39)(ح34) وأحمد (4/125)والطبراني في الكبير (6/435)( 6994 )ومحمد بن نصر المروزي في السنة وابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها (1/65) وزاد فيه : ((حذو النعل بالنعل)) .وصححه الألباني في الصحيحة (3312).
قال الآجري (1/40): من تصفح أمر هذه الأمة من عالم عاقل ، علم أن أكثرهم العام منهم يجري أمورهم على سنن أهل الكتابين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى سنن كسرى وقيصر وعلى سنن أهل الجاهلية وذلك مثل السلطنة وأحكامهم وأحكام العمال والأمراء وغيرهم ، وأمر المصائب والأفراح والمساكن واللباس والحلية ، والأكل والشرب والولائم ، والمراكب والخدم والمجالس والمجالسة ، والبيع والشراء ، والمكاسب من جهات كثيرة ، وأشباه لما ذكرت يطول شرحها تجري بينهم على خلاف السنة والكتاب ، وإنما تجري بينهم على سنن من قبلنا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، والله المستعان .
عاشراً: كيد أعداء الإسلام والغزو الفكري من الذين أظهروا الإسلام من المستشرقين قصداً لفتِّ قوته وزرع الخلافات بين أهله مستعملين في ذلك قاعدة فرق تسود ، فلما عجزوا عن محاربته بالسلاح لجئوا إلى الحركات الباطنية والمجموعات السرية وربوا أقواما من بني جلتنا على لبن باطلهم حتى تشبعوا بمكرهم وانبهروا بحضاراتهم وجاءوا ينشرون أباطيلهم، قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء : الآية (140) .
وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا >>. فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ : ((بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ)). فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ: ((حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)). سنن أي داود (ح 4299) وأحمد (5/278) وابن أبى شيبة (7/463 ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم :( 8183 )في صحيح الجامع .
حادي عشر: الجدال بالباطل والخصومات في الدين ، والعصبية المقيتة للمذاهب الفقهية والفكرية والآراء المبنية على الفهم المخالف لفهم السلف الصالح . قال تعالى : ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾(109).وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ غافر : آية (5).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتو الجدال)) ثم قرأ :﴿ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون﴾ أخرجه الترمذي 5/353) وقال: ((هذا حديث حسن صحيح)) اهـ. والآجري في الشريعة (1/120)(106) أبو القاسم الأصبهاني الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة(1/111). تحقيق الدكتور محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي .
وقال : وقد ذم السلف الجدال في الدين ورووا في ذلك أحاديث وهم لا يذمون ما هو الصواب .
قال محمد بن الحسين الآجري (1/118): فيما ذكرت في هذا الجزء من التمسك بشريعة الحق ، والاستقامة على ما ندب الله تعالى إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وندبهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم : ما إذا تدبره العاقل علم أنه قد ألزمه التمسك بكتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبسنة الخلفاء الراشدين ، وجميع الصحابة رضي الله عنهم ، وجميع من تبعهم بإحسان ، وأئمة المسلمين ، وترك الجدال والمراء والخصومة في الدين ، ولزم مجانبة أهل البدع ، والاتباع ، وترك الابتداع ، فقد كفانا علم من مضى من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش عن ذكرهم ، من مذاهب أهل البدع والضلالات ، والله الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه .
وهذا مذهب السلف وقد قال الإمام أحمد لا يكن الرجل من أهل السنة حتى يدع الجدال والمراء في الدين ،أي بالباطل . ومن ذلك الجدال المبني على مصلحة الجماعة ، ومصلحة الدعوة ، والانتصار لها وللنفس والحزب والشيخ ، ورد الحق والتكبر عليه والنيل من العلماء الذين بينوه ، ووصمهم بأوصاف شتى وعدم إنصافهم من النفس كل ذلك من عمل الشيطان ..
الثاني عشر : مخالفة العلماء الكبار أولياء الأمور وأحل الحل والعقد في هذا الزمان ، إذا أفتوا في النوازل أو مسائل وبينوا أنها غير مشروعة كإنشاء أحزاب سياسية والخوض في السياسة ، والانتخابات والمظاهرات ، ووسائل الدعوة ، وتكوين الجمعيات ، والمراكز الصيفية والاختلاط في المدارس والجامعات و الوظائف وأماكن العمل ، وغيرها من المسائل والوسائل ، وإذا اختلف عالمان لم يردوا ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى أولي الأمر منهم بل يأخذون ما يوافق أهواءهم ومناهجهم حتى لو كانت مخالفة لصريح المعتقد الصحيح .. والأسوأ من ذلك أنك تجدهم يجادلون عن ذلك وينسبونه إلى السنة ومنهج السلف .
هذه بعض الأسباب التي كانت سببا في تفريق المسلمين أيدي سبأ نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن رحمهم الله فاستثناهم في قوله تعالى : ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ هود الآية :(119).
وأن يجعلنا وإياكم من أتباع الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل العلم ، والحديث وأن يحشرنا في زمرتهم يوم نلقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه .والحمد لله رب العالمين .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
بتاريخ 29/ذو الحجة/1433هـ
الموافق 13/نوفمبر/2012
شبكة الورقات