المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير آيات متفرقات قوله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ... لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر حفضه الله تعالى



أم هاجر السلفية
09-Apr-2013, 12:02 PM
فوائد من قوله تعالى{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ...}
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وزدنا علما ، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً ورزقاً طيبا ، اللهم واهدنا إليك صراطاً مستقيما ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
يقول الله عز وجل : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) } [فصلت:30-33]
هذه الآيات الكريمات فيها عِظم شأن الإيمان بالله والاستقامة على طاعة الله ، ونظيرها قول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأحقاف:13-14] ؛ من يكرمه الله بالإيمان به سبحانه وتعالى والاستقامة على طاعته إلى أن يتوفاه الله عز وجل يفوز الفوز المبين ، وينال رضا رب العالمين جل وعلا ، وتكون له البشارة بكل خير فلا يخاف ولا يحزن .

قال : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } ؛ قالوا ربنا الله : هذا فيه إيمانهم به سبحانه وتعالى وبكل ما أمرهم جل وعلا بالإيمان به فالذي يؤمن بالله جل وعلا محققا الإيمان به جل وعلا فإن هذا يقتضي الإيمان بكل ما أمر به جل وعلا ، قال عليه الصلاة والسلام لسفيان بن عبد الله الثقفي : ((قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ)) أي آمنت بالله رباً خالقاً رازقاً له الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وأنه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه ، وآمنت بكل ما أمرني جل وعلا بالإيمان به من أصول الإيمان العظيمة وقواعد الدين المتينة ، (( ثم استقم )) أي داوم على طاعة الله والزم صراطه المستقيم لأن أصل الاستقامة لزوم صراط الله المستقيم .
وأساس استقامة العبد استقامة قلبه على طاعة الله وعمارته بالإيمان بالله ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) فإذا استقام القلب بالإيمان واستقام اللسان بسديد الأقوال استقامت الجوارح ، ولهذا جاء في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا)) فإذا استقام قلب الإنسان بالإيمان واستقام اللسان بسديد الأقوال صلحت جوارح العبد كلها واستقامت على طاعة الله سبحانه وتعالى .
والاستقامة تكون بالقلب ، وتكون باللسان ، وتكون بالجوارح ؛ هذه كلها لابد أن تستقيم ((لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ)) ، وكذلك جوارح العبد لا تستقيم إلا إذا استقام اللسان ؛ فهي أمور آخذ بعضها بحُجَز بعض لابد منها ، لابد من مجاهدة للنفس على استقامة القلب أولاً ، ثم استقامة اللسان ، ثم الجوارح تتبع القلب واللسان في الاستقامة أو الاعوجاج .
والاستقامة كما قال أهل العلم لابد فيها من أمور ثلاثة لتتحقق ولتتم : أن تكون لله ، وبالله ، وعلى أمر الله. فهذه أمورٌ ثلاثة لابد منها في الاستقامة :
1. أن تكون لله : أي يبتغي بها وجه الله كما قال الله سبحانه وتعالى {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ } [فصلت:6] ، فالاستقامة تكون لله سبحانه وتعالى يُطلب بها مرضاته ونيل ثوابه .
2. وأن تكون بالله أي أن يستعين العبد على تحقيقها والقيام بها بالله سبحانه وتعالى ؛ لأنه لا سبيل للعبد أن يستقيم إلا إذا أعانه الله {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25] ولهذا شُرع لنا أن ندعو الله عز وجل في اليوم والليلة سبع عشرة مرة دعاءً واجباً لازماً مفروضاً علينا قائلين {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة:6] هذا دعاء نقرأه في سورة الفاتحة في صلاتنا المكتوبة سبع عشرة مرة ؛ الفجر مرتين ، والظهر أربعاً ، والعصر أربعاً ، والمغرب ثلاثاً ، والعشاء أربعاً ؛ هذه سبع عشرة مرة ، سبع عشرة مرة ندعو الله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } نطلب من الله سبحانه وتعالى الهداية إلى الصراط المستقيم ، فالهداية إلى الصراط المستقيم بيد الله سبحانه وتعالى {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [فاطر:8] . إذاً الاستقامة لابد أن تكون بالله يعني يستعين العبد في تحقيقها والقيام بها بالله جل وعلا .
3. والأمر الثالث : أن تكون على أمر الله ؛ مثل ما قال الله جل وعلا في آية أخرى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112] ، تكون على أمر الله : أي أن يكون سير الإنسان على الطريق القويم على نهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
ثم يمضي العبد في طريق الاستقامة محافظاً ملازماً مداوماً لا يروغ ولا ينحرف ، قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية الكريمة على المنبر {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا }قال : " هم الذين مضوا على الصراط ولم يروغوا روغان الثعلب " أي لا ينحرف عن الصراط ذات اليمين وذات الشمال .
وهنا ينبغي أن يعلم المسلم أنه في سيره على صراط الله المستقيم سيلقى عن يمنه وعن شماله طرقاً كثيرة وسبلاً متعددة كلها تُخرج الإنسان عن الصراط {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام:153] ، فعلى جنبتي الصراط سُبل طرق كثيرة تُخرج الإنسان عن الصراط وتحرفه عن الجادة فيجب أن يكون منها على حذر ، ولهذا جاء في الحديث ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ سُبُلٌ قَالَ يَزِيدُ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ)) ، الشيطان قال - كما ذكر الله - {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف:16-17] . ولهذا يجب على الإنسان الناصح لنفسه أن يجاهد نفسه في المضيِّ على الاستقامة وأن يحذر أشد الحذر من السبل المعوجَّة والطرائق المنحرفة التي تجنح به خارج الصراط وتلقي به في مهاوي الهلكة .
وقد جاء في حديث عظيم رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره فيه مثل عظيم جداً يوضح حقيقة الصراط بتوضيح بديع نافع للغاية يقول فيه صلوات الله وسلامه عليه : ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ – يعني جداران - فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ )) الآن تصور رجل يمشي في طريق مستقيم تماماً وعلى يمينه جدار وعلى يساره جدار ، محاط بجدارين في طريق مستقيم تماماً ممتد إلى الأمام ، وعلى جنبتيه جدارين على يمينه جدار وعلى يساره جدار ، وهذه الجدر فيها أبواب كثيرة ، والأبواب عليها ستائر ، والباب الذي عليه ستارة لا يكلف الداخل جهداً ، إذا جاء الإنسان إلى باب عليه ستارة ما يكلفه جهداً عند الدخول بخلاف الباب المغلق وعليه كيلون ومفتاح هذا يأخذ وقت عند الدخول ، أما الباب الذي عليه ستارة هذا لا يكلِّف يدخل الإنسان على حاله بدون أن يحتاج لوقوف ليفتح أن يعالج الباب ، قال عليه الصلاة والسلام ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَتَفَرَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ )) لا تفتح الباب لا ترخي الستارة وتنظر ماذا وراءها لأنك إن فتحت تدخل ، النفس فيها فضول وفيها تتبع وحرص على الشهوات ، فإذا فتح الإنسان الباب يدخل ، فما هي هذه الأمور ؟ ثم بيَّن ذلك قال : (( وَالصِّرَاطُ : الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ : حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى )) أي أن الله سبحانه وتعالى حدَّ لعباده أن يكونوا داخل هذا الصراط بأموره بأعماله ، والصراط الذي حدَّ لعباده جل وعلا أن يسيروا عليه من صفاته أنه مستقيم لا انحراف فيه صراط مستقيم يوصل بالسائر عليه إلى جنات النعيم ، ومن صفات هذا الصراط أنه واسع ،كل الخلق لو آمنوا واهتدوا وسلكوا هذا الصراط يسعهم ، فهو واسع يسع كل داخل . الشاهد قال : ((وَالصِّرَاطُ : الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ : حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى )) هذه مداخل للحرام ومنافذ للباطل وهي كثيرة جداً ، العبد وهو سائر في صراط الله المستقيم على يمينه وعلى شماله منافذ كثيرة جداً تُدخله للحرام وتنفذ به إلى الباطل يجب أن يكون منها على حذر شديد . قال (( وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ - الذي يقول يا عبد الله لا تفتح الباب فإنك إن فتحته تلجه - وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)) ومن نعمة الله جل وعلا على عبده المؤمن أن جعل في قلبه واعظاً منبِّهاً ، ولهذا المسلم المستقيم على طريق الله المستقيم إذا جنحت نفسه يوماً إلى محرم يجد قلبه غير مرتاح ، يجد في قلبه ألم ، يجد عدم طمأنينة ؛ هذا واعظ الله في قلب كل مسلم ، وهذه من نعمة الله على عبده المسلم ، لكنه إذا ولغ في الحرام واستمر فيه يُطفأ فيه هذا الواعظ ويتبلَّد الإحساس ولا يشعر " وما لجرح بميت إيلام " ؛ فهذا حديث عظيم يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصراط المستقيم .

من أكرمه الله جل وعلا بالإيمان به والاستقامة على طاعته جل وعلا فاز بالثواب العظيم والأجر الجزيل ومن ذلكم ما هو مبين في هذه الآيات ؛ قال { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ } والمراد بالملائكة هنا : ملائكة الرحمة ، ومقصود التنزل : البشارة { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ } ؛ قيل إن هذا التنزل يكون عند الموت ، عندما يأتي ملك الموت لقبض روح هذا المؤمن المستقيم على طاعة الله تتنزل عليه ملائكة الرحمة للبشارة تبشره فتقول له : " لا تخاف ولا تحزن وأبشر بالجنة " ، يسمع هذه الكلمات الثلاث عند موته من ملائكة الرحمة ، تأتيه حاملة البشارة ، لا تخاف ولا تحزن عند الجمع بين الخوف والحزن فإن الخوف متعلق بالأمور القادمة والحزن يتعلق بالأمور الماضية ، الحزن يتعلق بالماضي والخوف يتعلق بالمستقبل .
{أَلَّا تَخَافُوا } أي مما أنتم قادمون عليه ، فالإنسان عندما يقبِل على الآخرة يخاف من المصير ؛ هناك أهوال هناك عقوبات ، هناك شدائد ، هناك نار فيخاف ، تقول له لا تخاف لأنه آمن واستقام فلا خوف عليه .
{ وَلَا تَحْزَنُوا }لأنه سيترك أهله وسيترك أولاده وسيترك حاجاته فتقول لا تحزن لأن هؤلاء في حفظ الله سبحانه وتعالى .
فلا تحزن على ما أنت تارك ، ولا تخاف مما أنت ملاقٍ ، وأيضاً ابشر بالجنة ؛ يبشَّر عند موته بالجنة { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } ؛ يبشر بالجنة . فيغادر الدنيا ويفارق هذه الحياة وقد بشر بهذه البشائر العظيمة.
{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } وهذه منة الله سبحانه وتعالى على عبده المؤمن حيث تولاه في الحياة الدنيا فوفقه وسدده وأعانه وهداه إلى صراطه المستقيم قال تعالى{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [البقرة:257] هذه من نعمة الله على المؤمن ، وأيضاً من نعمة الله عليه في الآخرة أن أكرمه جل وعلا بالفوز بجنات النعيم ؛ { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } في الحياة الدنيا بالتوفيق للإيمان والطاعة والعبادة والسلامة من الانحراف والزيغ والزلل ، وفي الآخرة بدخول الجنة والفوز برضا الله سبحانه وتعالى {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } [الأعراف:43] .
والأمران متلازمان ؛ من كان على الاستقامة في الحياة الدنيا رُزق أيضا الاستقامة على الصراط المنصوب على متن جهنم يوم القيامة ، وكما أن الناس في هذه الحياة الدنيا متفاوتون في السير على الصراط فهم كذلك متفاوتون في السير على الصراط الذي يُنصب على متن جهنم ، فمنهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كركاب الإبل ، ومنهم من يمر جرياً ، ومنهم من يمر زحفا ، ومنهم من يمر مشيا ، ومنهم من - والعياذ بالله- يكردس في نار جهنم . والعاقل يحرص على المحافظة على طريق الاستقامة ولزومه حتى يكون من الفائزين الناجين يوم القيامة {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران:185] .
قال { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا} أي الآخرة { مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } أي لكم في الجنة كل ما تشتهي أنفسكم من أنواع الملاذ وصنوف المطاعم والملابس والمجالس والمناظر ما تشتهي أنفسكم ؛
{ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } كل ما يطلبه الإنسان ويريده من أنواع النعم والملاذ يجده {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة:17] .
قال{ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } نزلا : أي قِرى وضيافة يعدُّها الله سبحانه وتعالى في جنات النعيم لأوليائه المؤمنين وعباده الصالحين .
{ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } ؛ وفي ختم الآية بهذين الاسمين بيانٌ أن هؤلاء هم الفائزون بمغفرة الله سبحانه وتعالى ورحمته ، فغفر لهم ذنوبهم وستر عيوبهم ورحِمهم جل علا فأدخلهم جنات النعيم ، والجنة لا يدخلها أحد إلا برحمة الله سبحانه وتعالى .
ثم قال جل وعلا : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} لما ذكر جل وعلا الإيمان والاستقامة على طاعة الله إلى الممات وذكر ثواب ذلك وأجره عنده سبحانه وتعالى حضَّ جل وعلا المؤمن المستقيم على طاعة الله على الدعوة إلى الله جل وعلا قال { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا } والاستفهام هنا استفهام تقريري ؛ أي لا أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ؛ والسياق بتمامه فيه التنبيه على أن من أكرمه الله بالإيمان والاستقامة عليه أن يعدِّي هذا الخير وأن يوصله للناس لا يقصره على نفسه ، آمن واستقام لا يقصر هذا الإيمان والاستقامة على نفسه بل يحرص على إيصاله للآخرين فيدعو الآخرين إليه ، ولهذا قال الله عز وجل في سورة العصر {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } يعني لم يكتفِ بكونه آمن وعمل الصالحات بل قدَّم هذا الخير للآخرين ورغب أن يكونوا مثله في الاستقامة والسير على منهاج الله المستقيم .
قال { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ؛ قرأ الحسن البصري رحمه الله هذه الآية فقال : " هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا خيرة الله من خلقه " لأن من كان بهذه الصفة فهو على خير عظيم ورتبة عليَّة ، جمع خيرات : آمن ، واستقام ، ودعا إلى الاستقامة ؛ من أحسن حالا ممن هذه صفته !!
اللهم وفقنا جميعا لهداك ، واهدنا جميعاً إليك صراطاً مستقيما ، وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم أعنا ولا تعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين إليك أواهين منيبين لك مخبتين لك مطيعين ، اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وثبت حجتنا واهد قلوبنا وسد ألسنتنا واسلل سخيمة صدورنا ، اللهم أصلح ذات بيننا ، وألف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا ، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا ، وما أسررنا وما أعلنَّا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

أم ريان السلفية
11-Apr-2013, 06:16 AM
جزيت خيرا