المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " وصية مختصرة في منهج طلب العلم" ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي



أبو عبد الصمد محمد بن عبد الله
19-Apr-2013, 01:46 AM
وصية مختصرة في منهج طلب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

" وصية مختصرة في منهج طلب العلم"
ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي
-حفظه الله تعالى-
في منزله على مجموعة من طلبة العلم من دولة الكويت يوم الثلاثاء السادس عشر من شهر ربيع الآخر عام أربعة وثلاثين وأربعمائة وألف
هجرية نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفع بها الجميع.

بسم الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيما يتعلق بالوحصية في هذا الباب، الذي أوصي به نفسي وإخوتي وأبنائي،

أولا: الحرص على الوقت، فإن الوقت هو عمر الإنسان، وعمره نفيس عنده فلا يُذهب هذا النفيس إلا في النفيس الذي يستحقه، وأغلى ما يستحق أن ينفق فيه هذا النفيس، وأعز ما ينبغي أن يذهب فيه هذا النفيس وينفق هو العلم، ولا شك أن طلب العلم قد تيسر كثيرًا ولله الحمد في هذه الآونة،والكلام فيه كثير ولكن الذي يظهر لي مناسبًا لهذا الوقت هو الوصية بعدة أمور :
الأول: أن يعتني الإنسان بالحفظ؛ فإن الحفظ هو الذي يبقى وينتفع به صاحبه في أي مكان فهو مثل المال الذي يكون في الجيب للنفقه متى ما
احتجت تأخذ منه ولهذا قالوا: "اجعل محفوظك بمنزلة المال الذي في جيبك للنفقة والذي في الكتب كالمال في الخزائن" ترجع اليه إذا احتجت إلى المال
الكثير، والذي في الكتب يرجع إليه عند الحاجة إلى نقل النصوص بحروفها وعند تثبيت الحفظ وضبط ما نقله الإنسان يخشى أن يكون قد زل في عبارة
أخطأ في حرفٍ ونحو ذلك في النقل فيريد أن يوثقه وينقله عمن قاله نقلًا دقيقًا، هذا يرجع فيه إلى هذه الخزائن، إلى ما في الخزائن والمراد بها هنا
المكتبات، أما الأصل معه الذي للنفقة دائمًا وأبدًا فهو محفوظه، فلابد من أن يعتني بالحفظ فالله -جل وعلا- قد مدح هذه الأمة به قال –
جل وعلا- مخبرًا عن كتابه: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ في صدُور الَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ ﴾ ]العنكبوت : 94 [
فمدحهم بحفظهم للكتاب وأنه في صدورهم والنبي – صلى الله عليه وسلم- دعا أيضًا لأححاب الحفظ قال: نَضََّّر اللهَُّ امْرَأً سَمعَ منَّا حَديثًا فَحَفظَهُ فَأَدَّاهُ إلَى مَنْ هُوَ أَحْفَظُ منْهُ فَرُبَّ حَامل فيقْهٍ لَيْسَ بفَقيهٍ وَرُبَّ حَامل فيقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ منْهُ *1* (( فهذا الحديث فيه دعاء بالنضارة وهي البهاء والحسن في الوجوه لحُفاظ السنة، سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوافق الكتاب والسنة على الإشادة بمن يحفظ هذين الأصلين، الكتاب والسنة إذ هما منبع الأحكام،

----------------------------

1 - سنن الدارمي - الْمُقَدِّمَةُ - نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه فأداه إلى من هو أحفظ منه



وبعد إن العلم خير مقتنى *** والفقه أولى ما به العبد اعتنى
حض عليه الله والرسول *** في جمل شروحها تطول
فدونه -يعني الفقه- لا يمكن اتباع *** أمر ولا بالعظة انتفاع
من لم يكن يفقه كيف يعمل *** بموجب الأمر الذي لا يعقل
هذا الفقه يحتاج إلام ؟ يحتاج إلى الضبط وإلى الحفظ
أدلّة الشّرع الشّريف أربعةْ *** محكم آيٍ سُنّة متَّبعةْ
والثالث الإجماع حيث ينجلي *** والرّابع القياس واخصص الجلي
لا رأي في الدِّين ولا استحسانا *** فالله قد أكمله بيانا
فالشِّرك في التّشريع منه ينفجر *** شرك العباد بالإله المُقتدر
فهذه الأدلة لابد لها من حفظ من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والإجماع ينقل ويعتمد فيه على الأئمة المدققين الحافظين المتقنين،
الذين لا يعرفون بالتساهل، والقياس إنما يكون بناءً على هذا الأصل على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

والسنة حفظها يحتاج فيه الإنسان إلى وقت، وذلك لأنها ليست كالقرآن في نقلها إلينا فقد دخل فيها الضعيف ودخل فيها الموضوع، كذب الكذابين،
لكن الله حفظها بما هيأ لها من أئمة الهدى، حيث بينوا الثابت المقبول من الضعيف المعلول المردود، وإذا كان كذلك فلابد من أن يعتني الإنسان بحفظ
هذين الأصلين فإن الحفظ يرفع صاحبه كما قال الرحبي في أصحاب الفروق:
والثُّلثان وهما التّمام *** فاحفظ فكلُّ حافظ إمام
وأنتم ترون تراجم أئمة الهدى يقولون الإمام الحافظ يمدحونه بالحفظ فلابد من الحفظ، وإذا كان كذلك فلابد من
الأمر الثاني: ألا وهو اختيار الكتاب الذي يعول عليه في كل فن، فلا يحفظ إلا المتون المعتبرة، والمعتمدة عند أهل الفن، لا يشتغل بالمتون التي لم يعتمدها
العلماء، إذا أراد أن يقرأ فيها يقرأ بعد ذلك للزيادة والتوسع، لكن الاعتماد يكون على المعتبر المعتمد عند العلماء، وذلك لأنه إذا فاته شيء من شيخه إذا
شرح له، لا يفوته إن شاء الله وجوده في كتب الشروح التي اعتنت بهذا، فيوفر عليه الوقت، والإنسان محتاج إلى توفير الوقت لأن العمر قصير والعلم
كثير، فعلى طالب العلم أن يعتني بالمشهور المعتبر المعتمد عند العلماء وأن يبتعد عن المغمور الذي لم يعول عليه أهل العلم، إذا أراد أن ينتفع كما قلنا
فلينتفع به في التوسع، فلابد من هذا.
الأمر الثالث: بعد أن يختار المتن اختيار من يقرأ عليه هذا المتن، وإن شئت عكست القضية، كله صحيح، إذا عكست القضية يعني تختار من تقرأ عليه
يكون مأمونًا فهو الذي سيرشدك إلى المتن الذي تنتفع به، وهذا أحسن فلا تختار من عندك، وإنما عليك أن تختار الموثوق بعلمه ودينه الذي يفيدك إن
سألته ويفيدك إن شرح لك، ويبتدئك إن رآك محتاجًا، وإن لم تسأله.
فما حوى الغاية في ألف سنة *** شخص وخُذ من كلِّ فن أحسنه
لحفظ متن جامع للرّاجح *** تأخذه على مفيد ناصح
فلابد أن يكون المأخوذ عليه مفيدًا، يفيدك ناصح يبتدئك وإن لم تسأله إذا رأى حاجتك، بل ويوجهك قبل أن يوجهك من لا يحسن فتضيع، فلابد من
اختيار الشيخ لابد من أن يكون الشيخ كما قلنا هكذا مفيدًا إذا جلست إليه تستفيد منه متمكن في فنه في العلم متمكن فيه مأمون في دين الله -تبارك
وتعالى- مستقيمًا على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا الذي يجب أن يؤخذ عليه، لأن المعلم أبو الروح، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:
إنَّمَا أَنَا لَكُمْ بمَنْزلَة الْوَالد ، أُعَلِّمُكُمْ (( و )) الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبييَاء *3*
فقاموا مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب فهذا الذي أنا أوصي به والوقت يضيق، ولعلنا نكتفي بهذا القدر والله أعلم،
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ونبيه محمد وآله وصحبه أجمعين.

-----------------------------------------------------------------------------

2 - سنن أبي داود - كِتَاب الطَّهَارَةِ - إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها //8//
3 - صحيح البخاري - كِتَاب الْعِلْمِ - بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ