المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من كان بالله أعرف كان منه أخوف.. كلمة قيمة لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله تعالى-



أم تراب السلفية
04-Jun-2013, 05:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

محاضرة بعنوان (من كان بالله أعرف كان منه أخوف)
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله تعالى-


لتحميل الصوتية من هنا (http://www.al-badr.net/web/index.php?page=lecture&action=download&file=mp3&lec=3910)
أو استمع لها من موقع فضيلة الشيخ (http://www.al-badr.net/web/index.php?page=lecture&action=lec&lec=3910)
لتحميل الكلمة منسقة في ملف وورد (http://www.al-badr.net/web/index.php?page=lecture&action=download&file=doc&lec=3910)


الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وأشهد أن لا إلـٰه إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمَّا بعدُ :
حديثنا في لقاءنا هذا عن كلمةٍ مأثورةٍ عن أحد السَّلف الصَّالح وهو أحمد بن عاصم الأنطاكي حيث قال رحمه الله: (( مَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْرَفْ كَانَ مِنْهُ أَخْوَفْ )) ؛ وهٰذه الكلمة رواها عنه المرْوزي رحمه الله تعالى في كتابه «تعظيم قدر الصَّلاة» .
وأحمد بن عاصم الأنطاكي صاحب هٰذه الكلمة له ترجمة في «سيَر أعلام النُّبلاء» للذَّهبي رحمه الله وصفه فيها بواعظ دمشق ، فهو رجلٌ معروف بالموعظة الحسنة وبالكلمات الرَّقيقة المؤثِّرة. يروي هذه الكلمة عن أحمد الأنطاكي : أحمدُ بن أبي الحواري ، قال أحمدُ بن أبي الحواري بعدما روى هٰذه الكلمة عن أحمد الأنطاكي: «صدق والله » أي في قوله: ((مَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْرَفْ كَانَ مِنْهُ أَخْوَفْ )) . وأحمد الأنطاكي رحمه الله هٰذا الواعظ له كلمة في هٰذا الباب نقلها عنه الذهبي في «سير أعلام النَّبلاء» ، قال فيها: « لا أغبط إلَّا من عرف مولاه» ؛ فهٰذه هي الغبطة حقًّا إنَّما تكون فيمن عرف مولاه بأسمائه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وصفاته.
وحديثُنا حول هٰذه المعرفة بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبأسمَائه جلَّ شأنه وصفاته ، وبيان ما لهٰذه المعرفة من أثرٍ بالغ على القُلوب وتأثيرٍ عظيم على النُّفوس زيادةً في الإيمان وصلة بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وخوفًا منه جلَّ شأنه ومراقبةً له وقيامًا بتحقيق العبودية له جلَّ شأنه على الوجه الذي يُرضيه عز وجل ؛ وقد قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآن الكريم: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر:28] ، أي أنَّ العبد كلَّما ازداد معرفةً بالله جلَّ شَأنه ازداد خشيةً من الله وخوفًا من الله وإقبالًا على طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحُسن التَّقرُّب إليه ، وحاجةُ القُلوب إليها هي أشدُّ الحاجات وضرورتها إليها أشدُّ الضَّرورات ؛ بل إنها أشدُّ من حاجة الإنسان إلى طعامه وشرابه ؛ لأنَّ بهذه المعرفة حياة القُلوب ، وبانعدامها موتُ القلوب .
وللعلَّامة ابن القيم رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه «الكافية الشَّافية» المعروف بـ«النُّونية» كلمة عظيمة مماثلة لكلمة الأنطاكي المتقدِّمة يقول رحمه الله: (( وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها ، ومحبته وذكره ، والابتهاج به ، وطلب الوسيلة إليه ، والزُّلفى عنده ، ولا سبيل إلى هذا إلَّا بمعرفة أوصافه وأسمائه ، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب ، وكلَّما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد ، والله تَعَالَى يُنزل العبد من نفسه حيث يُنزله العبد من نفسه ، فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضًا وعنها نافرًا منفِّرًا فالله له أشد بغضاً وعنه أعظم إعراضًا وله أكبر مقتًا )) .
شاهد القول : أنَّ هٰذه المعرفة بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لها أثرها العظيم على القُلوب ، ولها أثرها البالغ على النُّفوس، فالقلب يحتاج حاجةً ماسَّة إلى أن يذوق هٰذه المعرفة وأن يكون من أهلها ، وكلَّما تمكَّنت هٰذه المعرفة من قلب العبد استضاء بنور الإيمان وبرد اليقين وقوَّة الصِّلة بالله جل وشأنه ربِّ العالمين ، بينما إذا ضعُفت هٰذه المعرفة في القلوب ضعُفت أبواب الخير بأنواعها وضعُفت إرادات الخير وأقبلت النَّفس على أنواع الشُّرور وصُنُوف الباطل ، فالمعرفة بالله جل شأنه عصمةٌ للعبد ونجاةٌ له من الهَلكة ، وضَعف هٰذه المعرفة أو انعدامها هو هلكة العبد في دُنياه وأخراه .
وعندما نأخذ أمثلةً توضيحيةً لهٰذا الأمر مقتصرين على بعض الأمثلة التي تدلُّ على ما سواها وتُرشد إلى غيرها نُدرك من خلال ذلك هذا الأثر البالغ على المعرفة بالله عزَّ وجلَّ وما لها من أثر على القلوب صلاحًا وزكاءً ورِفعة.
عندما يحضُر في قلب المؤمن المعرفة بأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليمٌ بكلِّ شيء ، من أسمائه الحسنى : «العليم» ، ومن صفاته العليا : العلم الواسع المحيط بكلِّ شيء ، فلا تخفى عليه خافية جلَّ شأنه في الأرض ولا في السَّماء ﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:7] ، ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾[غافر:19] ، فإنَّ إحضار القلب هٰذه المعرفة وشُهُوده لها وعلمه بها يعدُّ حاجزًا وزاجرًا ؛ بل يقول الشَّنقيطي رحمه الله الإمام المفسِّر : « أَجمعَ أهل العلم على أن العلم بأنَّ الله بكل شيء عليم أكبر زاجر وأعظم واعظ» . وفعلًا إذا كان القلب تحضره هٰذه المعرفة فإنَّها تزجره عن كلِّ ما لا يليق ، وأيضا تدفعه إلى الإقبال على كل حَسَنٍ جميل ، ولهٰذا نرى آيات القرآن الكريم كثيرا ما تُختم سواء في باب الترغيب أو في باب الترهيب بـ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾، و﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ ، ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ ونحو ذلك كثير ، فهٰذا زاجر بل هو أعظم زاجرٍ للعبد عن ترك الفرائض وأيضًا فعل المحرَّمات ، كلَّما حضرت هٰذه المعرفة بالقلب زاد الإقبال وزاد الخوف . وهٰذا معنى قول الأنطاكي رحمه الله : ((مَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْرَفْ كَانَ مِنْهُ أَخْوَفْ )) ، لكن إذا ضعفت هٰذه المعرفة في القلب أو ضعف حضورها في قلب العبد يتبع ذلك أنواعٌ من الانحلال يقع فيها الإنسان بناءً على ضعف هٰذه المعرفة.
إذا أحضر المؤمن في قلبه المعرفة بأنَّ الله سميعٌ بصير عز شأنه ، وقد قال الله تعالى : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشُّورى:11] سميعٌ : يسمع جميع الأصوات على تفنُّن الحاجات واختلاف اللُّغات ، بحيث لو أنَّ الخلق من أوَّلهم إلى آخرهم قاموا في لحظة واحدة وفي صعيد واحد وسألوا الله كلٌّ تكلَّم منهم بلغته وكلٌّ منهم ذكر حاجته لسمِعَهم جل شأنه أجمعين دون أن يختلط عليه صوت بصوت ولا لغة بلغة ولا حاجة بحاجة ، كما قالت أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها : ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ)) ؛ فإذا أحضر القلب هٰذه المعرفة بأنَّ الله عز وجل سميع وأنَّ سمعه وسع الأصوات كلها أيليق بالعبد أن يسمع ربَّه ومولاه ما نهاه عنه ؟ أيليق بالعبد أن يحرِّك لسانه - ولسانه نعمة من نعم الله عليه - بما يُغضب الله؟ إنَّ الواحد منَّا يستحِي في بعض المجالس لوُجودِ شخصٍ معظَّم فتجد الإنسان توقيرًا له واحترامًا يحافظ على لسانه ويزن كلامه مراعاةً لوجود هٰذا المعظَّم، أليس هٰذا التَّعظيم وهٰذا التَّحاشي وهٰذه الصِّيانة للإنسان الأجدر بالعبد أن يكون عليها كلَّ وقت وحين تقرُّبًا لله السَّميع الذي وسع سمعه سبحانه وتعالى الأصوات كلّها !!
كذلكم إحضار العبد المعرفة بأنَّ الله بصيرٌ ؛ يرى جلَّ شأنه من فوق سبع سموات جميع الكائنات لا يغيب عنه منها شَيْء ولا يعزب عنه مثقال ذرَّة في السَّمٰوات ولا في الأرض ، يرى من فوق سبع سموات دبيب النَّملة السَّوداء على الصَّخرة الصَّماء في اللَّيلة الظَّلماء ، ويرى كلَّ جزء من أجزائها ، ويرى تحرُّكَ الغِذَاء في هٰذه النَّملة الصَّغيرة، يرى جلَّ وعلا كلّ شيء ؛ فإذا استحضر العبد هٰذه الرُّؤية وهٰذا الاطِّلاع حجزته .
ولهٰذا نقل ابن رجب رحمه الله في أحد كُتُبه أنَّ أعرابيًّا رَاوَد أعرابيَّةً في الصَّحراء على نفسها وقال لها : ممَّا تخافِينَ !! نحنُ في مكان لا يرانَا إلَّا الكواكب . فقالت له: «وأَيْنَ مُكوكبها؟ » أين خالق الكواكب ربَّ الكواكب ألا يرانا؟ فكفَّ الرَّجل .
ورأى أحدُ الصَّالحين رُجلًا وامرأة في رِيبَة فقال لهُمَا : « إنَّ الله يُراكما سَتَرَنا اللهُ وإياكمَا » .
وحقيقةً هٰذه المعرفة لما ضعُفت في القلوب تولَّدت أنواع من الانحرافات في مجالاتٍ كثيرة جدًّا ؛ الآن على سبيل المثال الخلوة التي يقع فيها كثير من الشَّباب والشَّابَّات مع القنوات أو مع الشَّبكات العنكبوتية يغلق الشَّاب أو الشَّابة على نفسه الغرفة ثم يدخل في مَرَاءٍ قبيحة ومناظر شنيعة لو دخل عليه أحد من النَّاس الغرفة لأغلق تلك المناظر ؛ لأنه يستحيي أن يراه أحد وهو يشاهد تلك المشاهد أو ينظر تلك المناظر ، والله جل وعلا أحق أن يُستحيا منه ، والواجب عليك أن تستحيي من الله سبحانه وتعالى حياءً أعظم من حيائك من أي مخلوق ، قد قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : « اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ » فهٰذه المعرفة إذا ضعُفت في القلب تولَّدت هٰذه المفاسد؛ لٰـكِـن:
إذا خلوتَ الدهر يوماً فلا تَقُلْ خَلَوْتُ ولٰـكِـن قُلْ عليَّ رقيبُ
تذكَّر أنَّ الله -جلَّ شأنه وعظُم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مُطَّلع عليك ، يراك ، لا تخفى عليه منك خافية، يعلم السِّر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصُّدور.
وهكذا عندما تُحضِر في قلبك أنواع المعارف بأسماء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحسنى وصفاته العليا كيف يكون لها الأثر البالغ العظيم على النُّفوس ، وكيف أنَّها تُبعد عن العبد أنواع الشُّرور. والحديث عن تفاصيل ذلك يطول لكنني أختم أيضاً بمعرفة أخرى من هٰذه المعارف بأسماء الله مع قصَّة عجيبة وقفتُ عليها قريبًا ومؤثرة جدًّا .
عندما تُحضر في قلبك المعرفة بأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى توَّاب ، وأنَّه غفور رحيم ، وأنَّه يقبل التَّوبة مهما عظم الذَّنب وكَبُر الجُرْم ، وهو القَائل سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾[الزُّمر:53] ، وقد جاء في الحديث « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ »، هٰذا أعظم فرح يُتصوَّر في العبد ، يقول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ » فهو تواب ويحبُّ التَّوبة من عباده.
وهٰذه التَّوبة التي يدلُّ عليها اسمه التَّوَّاب هي في الحقيقة توبتان:
1. توبةٌ منه جلَّ شَأنه قَبِلَ تَوْبَة العبد : بتوفيق العبد للتوبة.
2. وتوبةٌ بعد توبة العبد : بقبول توبة العبد.
هٰذه التوبة يمنحها الله عزَّ وجلَّ منَّة منه وتفضُّلًا وتكرُّمًا ؛ فحريٌّ بالعبد أن يتحرَّى الأسباب التي ينال بها توبة الله وينال بها رحمة الله وينال بها فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وقد جاء في الحديث الصَّحيح أنَّ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا » التي وجدت طفلها في السَّبي .
عندما نتأمل في هٰذه المعاني ونحرِّك في قلوبنا رحمة ؛ رحمةً بالعباد ، رحمةً بالنَّاس، رحمةً بالبهائم، رحمةً بالطَّير، هٰذه الرَّحمة لاشك أنَّ لها أثرها العظيم في حصول الخيرات وفي حصول البركات في هٰذه الحياة .
حُدِّثتُ قريبًا من شخص أثق به عن جارٍ له كان مُدمن خمر لا يكاد يفارقها كل يوم ، وعمره أربع وعشرين سنة، وهو تارك للصَّلاة وفيه ما فيه ، يقول : خرجت في فجر يومٍ شاتٍ شديد البرودة ومعي مبلغ قليل من المال أريد أن أشتري خبزًا وعصيرًا آكله حتى أتمكن من شرب الخمر ، لا أستطيع أن أشربه جائعًا ، يقول : فلمَّا وصلتُ إلى المكان لأشتري وإذا جرو كلب صغير جرو ينتفض ويرتعد من البرد ، قال: وقع في قلبي رحمة له وقلت سأضحِّي بالخمر اليوم لأجله ، فذهبتُ واشتريتُ حليبًا بالمبلغ الذي معي ، وأخذتُ الكلب وأدخلتُه في معطفي ودفَّيته وأخذتُه إلى البيت وسقيته الحليب وأنا في قلبي رحمة عظيمة لهٰذا الكلب ، يقول: سبحان الله !! نمتُ ثم قمتُ من نومتي وأنَا لا أطيق الخمر إطلاقاً .
سبحان الله لما سمعت هٰذه القصَّة فتحت لي بابًا في فهم حديث المرأة البغي التي وجدت كلبًا اشتدَّ به العطش فنزلت في البئر وملئت خفها وسقت الكلب فغفر الله لها . ما معنى غفر الله لها ؟ - هٰذا الأخ يقول: قمتُ من نومتي وأنا لا أطيق شُرب الخمر - هٰذه المرأة معنى غفر الله لها : أي نزع الله من قلبها البغي وهٰذه الفاحشة، ومعروف أن الإنسان إذا دخل في اللَّذائذ المحرمة يصعب عليه أن ينزع عنها في لحظة ؛ لٰـكِـن لما رحمت هٰذه المرأة هٰذا الكلب هٰذه الرَّحمة العظيمة تاب الله عليها وغفر لها فنزع عنها هٰذا البِغاء ، فأصبحت مبغِضةً له تائبةً إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، غفر الله لها ما كان من ذنوبها. ومثل ذلك قصَّة هٰذا الشَّاب العجيبة العظيمة.
على كل حال ؛ هٰذا باب عظيم من أبواب المعرفة بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحتاج إليه حاجة شديدة ، والتَّوفيق بيد الله يهدي من يشاء ويزكِّي من يشاء لا شريك له ، نسألُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يُصلح قلوبنا أجمعين ، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيمًا ، وأن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة ، وأن يُصلح لنا شأننا كلَّه ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أهل الرَّجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الأسئلة

إلقاء القصاصات التي فيها أسماء الله ألا يتنافى مع تعظيم الله ؟
الجواب : نعم ؛ القصاصات التي فيها أسماء الله أو الصحف أو الأوراق أو غيرها إلقاءها في الزبالات أو في طريق الأرجل هذا كله مما يتنافى مع تعظيم الله سبحانه وتعالى وتعظيم أسمائه جل شأنه .

لو ذكرتم أمثلة على تعظيم السلف لله جل وعلا للاقتداء بها ؟
هذا - حقيقة - باب عظيم من أبواب الفقه في هذا الباب أن ننظر في حال السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم في معرفتهم بالله سبحانه وتعالى ومعرفتهم بأسمائه جل شأنه وصفاته وكيف أن هذه المعرفة لما عَمَرَت قلوبهم تحقق بناءً على هذه المعرفة صلاحاً عظيماً في أحوالهم وأخلاقهم وسلوكهم ومعاملاتهم ، وقد مر معنا قريباً قول الأنطاكي رحمه الله « لا أغبط إلَّا من عرف مولاه» أي لا أغبط إنسان على مال ولا على صحة ولا على تجارة ولا على منصب إلى آخره لا أغبط إنساناً إلا على معرفته بمولاه لأن هذا يوضح حقاً أن يكون الإنسان على معرفة بالله سبحانه وتعالى ، أما إذا كان الإنسان أوتي ما أوتي من الدنيا ولم يؤتَ أعظم شيءٍ في الدنيا وهو معرفة الله سبحانه وتعالى هذه مصيبة ، لهذا قال بعض السلف كلاماً معناه : إن من أعظم الخسران أن يدخل العبد في هذه الحياة الدنيا ويخرج منها ولم يحصِّل أعظم شيءٍ فيها يقصد معرفة الله ، هذا أعظم الخسران إذا خرج العبد من هذه الحياة ولم يذق ولم يحصِّل أعظم شيء منها في هذه الحياة فهذا ولاشك أعظم الخسران ، وسيَر السلف مليئة بالمعاني العظيمة في هذا الباب باب معرفة الله سبحانه وتعالى .

ما معنى الله أكبر ؟
الجواب : أن معنى هذه الكلمة يمكن أن نعرفه من قول النبي عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم عندما دعاه عليه الصلاة والسلام إلى الإسلام قال له : ((مَا يُفِرُّكَ أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللَّهِ ؟ قَالَ قُلْتُ لَا ، قَالَ ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَتَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنْ اللَّهِ ؟)) وقوله عليه الصلاة والسلام لعدي (( وَتَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنْ اللَّهِ ؟)) يوضح لنا معنى الله أكبر أي أن الله سبحانه وتعالى الكبير المتعال الذي لا شيء أكبر منه سبحانه وتعالى . والذكر لله سبحانه وتعالى بهذه الكلمة وهي من جملة كلماتٍ أربع وصفها عليه الصلاة والسلام بأنها أحب الكلام إلى الله سبحانه وتعالى لاشك أن لهذا التكبير وهذا الذكر لله بهذه الكلمة الأثر البالغ على العبد في الخضوع لله والانكسار بين يديه وتعظيمه جل شأنه

ما صفة صلاة الاستخارة ؟
صفتها كما جاء في الحديث أن يصلي المسلم ركعتين من غير الفريضة ثم يأتي بالدعاء - سواء قبل السلام أو بعده - الدعاء المعروف (( اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ...)) إلى آخر الدعاء الثابت في البخاري وغيره .

هل الكبير من أسماء الله تعالى ؟
الجواب نعم ، وقد جاء في القرآن في مواضع منها قول الله سبحانه وتعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9] في سورة الرعد وفي مواضع أخرى .

هل الستار من أسماء الله جل وعلا ؟
الجواب أن الذي ثبت في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( إن الله حيي ستير )) فالستير بناء على هذا الحديث يدل على ثبوت هذا الاسم لله سبحانه وتعالى ، أما الستار يمكن أن يُخبر عن الله به لكنه ليس داخلاً في جملة أسماء الله تبارك وتعالى الحسنى .

كيف يستشعر المرء عظمة من عصى ؟
هذا الاستشعار لعظمة من عُصِيَ سبحانه وتعالى يحتاج إلى ما سبق الحديث عنه وهو إحضار هذه المعرفة بالله سبحانه وتعالى ، فإذا وُجدت المعرفة بالله وبعظمته وبأسمائه وباطِّلاعه وبعلمه وبسمعه وببصره أوجدت في القلب تعظيم الرب سبحانه وتعالى ، بينما إذا ضعفت هذه المعرفة في القلب وضعف حضورها في القلب تنعدم الآثار تبعاً لضعف هذه المعرفة .

ما حكم قول خالص الشكر ؟
بهذه الصياغة ينتقدها بعض أهل العلم ؛ لأن خالص الشكر أو الشكر الخالص لله سبحانه وتعالى ، فقول خالص شكري أو خالص الشكر أو نحو ذلك الأوْلى أن تُجتنب هذه اللفظة ويُبتعد عنها لكن شكر الإنسان على إحسانه أو على جميله أمرٌ مطلوب وقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ )) .
ولعلنا نكتفي بهذا القدر ، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

أم إبراهيم
04-Jun-2013, 09:02 PM
بارك الله فيك

ام حارث الليبية السلفية
04-Jun-2013, 10:18 PM
جزاك الله خيرا

السلفية الصغيرة
07-Jun-2013, 07:04 AM
جزاكم خيرا