المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " حَقِيقَةٌ مُؤْلِمَةٌ "



أبو عبدالله قرة العين
24-Jun-2013, 03:22 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

" حَقِيقَةٌ مُؤْلِمَةٌ "

الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله ،وأصحابه ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد :

فإن واقع المسلمين اليوم يشهد بجهل الكثيرين بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى معرفة ما جاء به أكثر منها حاجة إلى معرفة ما تصلح به معايشها في هذه الحياة ،يقول بن تيمية -رحمه الله- :"والدنيا كلها ملعونة ،ملعون ما فيها ،إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة ،وأسس بنيانه عليها ،ولا بقاء لأهل الأرض ،إلا ما دامت آثار الرسل موجودة فيهم ،فاذا درست آثار الرسل من الأرض ،وانمحت بالكلية ،خرب الله العالم العلوى ،والسفلى ،وأقام القيامة .
وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس ،والقمر ،والرياح ،والمطر ،ولا كحاجة الانسان إلى حياته ،ولا كحاجة العين إلى ضوئها ،والجسم إلى الطعام ،والشراب ،بل أعظم من ذلك ،وأشد حاجة من كل ما يقدر ،ويخطر بالبال ،فالرسل وسائط بين الله ،وبين خلقه فى أمره ،ونهيه ،وهم السفراء بينه ،وبين عباده" . [كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه].
ومع ذلك ترى الناس -إلا من رحم الله- في غيهم سادرين ،وعن جهلهم راضين ،ولدينهم مضيعين ،ثم تراهم يعبثون بكل ما هو ديني شرعي ،عقديا كان ،أو قوليا ،أو عمليا ،فوقع ما وقع من الفتن ،وجرى ما جرى من الإحن ،وبالرغم من ذلك يتساءلون ،ما المشكلة؟،وما الحل؟،وما السبيل إلى الخلاص مما نحن فيه من تبعات الحياة ،وملماتها ،وأزماتها؟!! .
هنا تكمن الأزمة ،ويبدو جهلهم بالدين جليا واضحا ،ولو فتح أحدهم كتاب الله قارئا له ،ومتدبرا يطلب الخلاص ،لوجد اللهَ تعالى يقول :"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)" [الأعراف].
وقال -عز وجل- :"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)" [الأنفال].
وقال :"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)" [النحل].
ويزيد الأمر وضوحا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- :"يامعشر المهاجرين ،خمس إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهن- ،لم تظهر الفاحشة في قوم قط ،حتى يعلنوا بها ،إلا فشا فيهم الطاعون ،والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا .
ولم ينقصوا المكيال ،والميزان ،إلا أخذوا بالسنين ،وشدة المئونة ،وجور السلطان عليهم .
ولم يمنعوا زكاة أموالهم ،إلا منعوا القطر من السماء ،ولولا البهائم لم يمطروا .
ولم ينقضوا عهد الله ،وعهد رسوله ،إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم ،فأخذوا بعض مافي بأيديهم .
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ،ويتخيروا مما أنزل الله ،إلا جعل الله بأسهم بينهم . [صحيح أخرجه ابن ماجة في سننه ،والحاكم في مستدركه ،والطبراني في المعجم الأوسط] .
وقوله :"إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذتم أذناب البقر ،ورضيتم بالزرع ،وتركتم الجهاد ،سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .[أخرجه أبوداود والبيهقي في السنن].

ومع هذا البيان الشافي ،والتحليل الذي ليس له مثيل ،لا يزال الناس مقبلين على عقولهم ،متبعين لأهواءهم لمعرفة الداء والدواء ،فكان ما كان من شرور وفساد وفتن عظام .!!

وصدق ربنا إذ يقول :"وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)" [المؤمنون].

فالواجب على المسلمين جميعا ،أن يرجعوا إلى دين الله رب العالمين ، وأن يستسلموا استسلاما كاملا لأحكامه ،دون حرج في نفوسهم ،وإن خالفت أحكامه ،وتعاليمه أهواءهم ، حتى ترتفع المحنة ،وتنكشف الغمة ،وينقطع دابر الفتنة ،قال تعالى :"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)"[ النور ].

وعلى المسلمين ألا ينازعوا ولاة أمرهم فيما خولهم الله من مقاليد الحكم ،بل يجب عليهم جميعا أن يسمعوا لهم ويطيعوا في المعروف ،وألا ينساقوا خلف تلك الدعوات الهدامات التي تدعوا إلى منابذتهم والخروج عليهم ،فما هي إلا أفكار خبيثة من قوم خبثاء ،قد زين لهم الشيطان سوءَ أعمالهم ،واقتادهم نحو هلاكهم ،وهلاك أمتهم .!!
وأئمتهم في ذلك كل صعلوكٍ مفلوكٍ جاهلٍ متعالمٍ قديما وحديثا !!،فاحذروا دعاة الخروج ،وراضعي لبانَ الديمقراطية من نهود الكفر والزندقة ،فقد ضيعوا الأمة ،ولا يزالون يضيعونها ،لتحقيق مآرب فردية ،ومصالح شخصية ،والواقع خير شاهد ودليل على سرعة تلونهم ،ولعبهم بدين الناس ،وعقولهم ،فضلا عن إسفافهم وسفاهتهم .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله ،وصحبه ،ومن تبعهم بإحسان .

وكتب
أبو عبد الله قرةِ العين
صلاح عبدالوهاب أمين
السلفي المصري .

أبو هنيدة ياسين الطارفي
24-Jun-2013, 05:36 PM
بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتكم .حقيقة مؤلمة نعم صدقت وإلى متى الغفلة .....

أبو إبراهيم مصباح بن محمد الليبي
24-Jun-2013, 10:01 PM
جزاكم الله خيرا وبارك في علمكم ووقتكم
بوركت شيخنا

أبو عبدالله قرة العين
25-Jun-2013, 04:57 AM
جزانا وإياكم ،وفيكم بارك اللهُ .

أبو عبد المصور مصطفى الجزائري
25-Jun-2013, 05:36 PM
جزاك الله خيرا ونفع الله بك