المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاعتماد في الصوم والإفطار والحج على رؤية الهلال لا الحساب



أبو ياسر إسماعيل بن علي
08-Jul-2013, 08:04 PM
الاعتماد في الصوم والإفطار والحج على رؤية الهلال لا الحساب


الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.

وبعد، فإن من تيسير الله على عباده أن جعل لأوقات عباداتهم علامات ظاهرة يشترك في معرفتها الحضري والبدوي والعالم والجاهل، فجعل مثلاً علامة دخول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ووقت صلاة الظهر بعد زوال الشمس، ووقت صلاة المغرب بعد غروبها، وجعل وقت الصيام من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وجعل بدء الصوم ونهايته ودخول شهر الحج برؤية الهلال، قال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، وقال: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}، وجاء بيان أوقات الصلوات الخمس بعلامات ظاهرة في حديث إمامة جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد (3081) و (11249) وسنن أبي داود (393ــ394) والترمذي (149ــ150) وغيرها، وجاء أيضاً بيانها في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في صحيح مسلم (1385)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) رواه البخاري (1906) ومسلم (2498) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وفي لفظ لمسلم (2499): ((فاقدروا له ثلاثين))، وفي لفظ للبخاري (1907): ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين))، وفي صحيح البخاري (1909) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))، ويتبين من هذه الأدلة أن الصوم والإفطار والحج كل ذلك منوط برؤية الهلال، سواء كان ذلك بالعين أو بواسطة المناظير، وأنه لا يعوَّل في ذلك على الحساب، وقد حصل في بعض السنوات القريبة شيء من التشكيك في ثبوت الصوم أو الإفطار أو الحج برؤية الهلال إذا كان مخالفاً لقول أهل الحساب، ولا وجه لهذا التشكيك وما كان ينبغي أن يحصل ذلك؛ لأن رؤية الهلال هي المعتبرة في الشرع، ولم يأت دليل على اعتبار غيرها.

قال ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد (1/284): ((إن العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، وعلى أن الاعتبار في تحديد شهر رمضان إنما هو الرؤية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))).

وقال ابن قدامه رحمه الله في المغني (4/338): ((وكذلك لو بنَى على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب فوافق الصواب لم يصح صومه وإن كثرت إصابتهم؛ لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه ولا العمل به، فكان وجوده كعدمه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، وفي رواية: (لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه))).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (25/132): ((فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يُرى أو لا يُرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فان كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول ــ وان كان مقيدًا بالإغمام ومختصًا بالحاسب ــ فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم‏!))، وقال أيضاً (25/207): ((ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم، كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، والمعتمِدُ على الحساب في الهلال كما أنه ضال في الشريعة مبتدع في الدين فهو مخطئ في العقل وعلم الحساب)).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (4/127) في شرح حديث (1913) ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) الحديث : ((ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب؛ لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا، ويوضحه قوله في الحديث الماضي: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)، ولم يقل: فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم، وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض، ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم، قال الباجي: وإجماع السلف الصالح حجة عليهم، وقال ابن بزيزة: وهو مذهب باطل؛ فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب، مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق، إذ لا يعرفها إلا القليل)).

وقال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاواه (15/110): ((لا عبرة شرعاً بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري بدءاً وانتهاء بإجماع أهل العلم المعتد بهم ما لم تثبت رؤيته شرعاً، وهذا بالنسبة لتوقيت العبادات، ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله وقوله مردود؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع إجماع السلف، أما حساب سير الشمس والقمر فلا يُعتبر في هذا المقام لما ذكرنا آنفاً ولما يأتي))، ثم ذكر وجوهاً في بيان ذلك، وقال أيضا (25/124): ((لا يجوز لأحد أن يحتج على إبطال الرؤية بمجرد دعوى أصحاب المراصد أو بعضهم مخالفة الرؤية لحسابهم، كما لا يجوز لأحد أن يشترط لصحة الرؤية أن توافق ما يقوله أصحاب المراصد؛ لأن ذلك تشريع في الدين لم يأذن به الله، ولأن ذلك تقييد لما أطلقه الله ورسوله واعتراض على صاحب الشريعة الذي لا ينطق عن الهوى وتكليف للناس بما لا يعرفه إلا نفر قليل من الناس، فيضيقون بذلك ما وسعه الله، ومن المعلوم أنه لا أحسن ولا أكمل من حكم الله ورسوله في كل شيء كما قال الله سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، فنصيحتي لجميع المسلمين ولجميع الحاسبين بوجه أخص أن يتقوا الله وأن يحذروا مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم والتشريع للناس بما لم يأذن به الله، وقد قال الله عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ})) ثم ذكر آيات وأحاديث في ذلك، وقال أيضاً (15/68): ((الحساب لا يعول عليه في رؤية هلال رمضان ولا غيره من الأحكام الشرعية بإجماع أهل العلم، حكى الإجماع في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله، والحجة في ذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)، أما الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها، بل تكفي رؤية العين، ولكن من طالع الهلال بها وجزم بأنه رآه بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال لأنها من رؤية العين لا من الحساب)).

هذا ما أحببت التنبيه عليه في هذه المسألة، وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ليظفروا بسعادة الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

عبد المحسن بن حمد العباد البدر (http://www.al-abbaad.com/index.php/articles/13-1430-08-02)

2/8/1430هـ