المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل إذا أخطأ عالم من العلماء الكبار ، يجوز أو يسع لأحد من الشباب أن يرد عليه خطأه ... ـ للشيخ العلامة عبيد الجابري ـحفظه الله ـ



عبدالله بن العيد عدونة
19-Jul-2013, 07:53 PM
السؤال :

فضيلة الشيخ : هل إذا أخطأ عالم من العلماء الكبار ، يجوز أو يسع لأحد من الشباب أن يردَّ عليه خطأه ، أم يرد عليه عالم مثله ؟
حيث إن بعض الشباب يتجرأ على رد فتوى بعض العلماء ، التي تكون الفتوى أحيانا محظورة شرعا،وأفتى بها العالم نظرًا لضرورة ، أو حكمة يراها هو ـ بارك الله فيكم ـ أفتونا مأجورين .
الجواب :
فإن ما سألتم عنه يُنظر إليه من وجهين ، كما يُنظر إلى من صدرت عنه تلك المقولة الخاطئة من جهتين أيضا ، وهكذا أهل السنة ينظرون إلى المخالفة ، وإلى المخالف .
فالمخالفة لا تخلو من حالين :
الحالة الأولى : إما أن تكون مخالفة في أمرلا يسوغ فيه الإجتهاد ، سواء أكان في أصول الدين ، أو في فروعه ؛ لأنها تضافرت عليها النصوص من القرآن و السنة ، أو أجمع عليها الأئمة , أو كانت في حكم الإجماع , وكان المخالف ليس عنده من النصوص ما يقوي مذهبه .
الحالة الثانية :وإما أن تكون المخالفة حدثت في أمر يسوغ فيه الإجتهاد , أو أمر النصوص فيه محتملة .

فالصنف الأول : وهو الذي لا يسوغ فيه الإجتهاد :

فإن الخلاف فيه غير سائغ , غير سائغ أبدًا ، ويُردُّ الخطأ على قائله , كائنا من كان .

ثم هذا المخالف لا يخلو أن يكون أحد رجلين :
*إما أن يكون صاحب سنة , عرف الناس منه الإستقامة عليها , والذَّبَّ عنها وعن أهلها , كما عرفوا منه النصح للأمة ؛ فهذا لايتابع على زلته , وتحفظ كرامته , وإن كنا رددنا مخالفته ؛ فإنَّا نتأدب معه , ونحفظ كرامته , ولا نشنع عليه كما نشنع على المبتدعة الضلال ؛ وذلك رعايةً لما منَّ الله به عليه من السابقة في الفضل , والجلالة في القدر , والإمامة في الدين , فنحن نرعى هذا كله .
وإذا نظرت في كثير من الأئمة الذين هم على السنة , يشهد لهم الناس في محياهم وبعد مماتهم ؛ حدثت منهم أخطاء , زلت بهم القدم , فردَّ عليهم المعاصرون لهم واللاحقون مع حفظ كرامتهم , وصيانة أعراضهم , وعدم التطاول عليهم بنابيات العبارات .
*وإما أن يكون هذا المخالف : خالف في أمر لا يسوغ فيه الإجتهاد ؛ وكانت مخالفته عنادًا, واستكبارًا, وترفعًا عن الحق, وانسياقًا وراء الهوى ؛ فهذا لا كرامة له عند أهل السنة ؛ يردون عليه قوله , ويشنعون عليه , ويصفونه بالبدعة والضلالة , ويحذرون منه , ويغلظون فيه القول , إلا إذا ترتبت مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة ؛ فإنهم يكتفون برد خطئه , ويحذرونه في أنفسهم .
وهذا: إذا كان ذلكم المبتدع الضال له في البلد وأهله الصولة , والجولة , والكفة الراجحة , والشوكة القوية ؛ كأن يكون مفتي البلد , أو وزيرًا من الوزراء ؛ مثل وزير الأوقاف , أو وزير العدل , أو من المقربين من الدولة , أو من العلماء الموثوق فيهم عند الدولة , ونحن مستضعفون , فإنَّا لا نصفه بشيء من هذا , نقول : هذا خطأ , أخطأ الشيخ فلان في كذا , ولا نقبله منه ؛ العبرة في الدليل ,الدليل عندنا على خلافه .

ويجب أن يكون الرد علميًّا ؛ يستند على الكتاب والسنة , وفق فهم السلف الصالح , بعيدًا عن المهاترات , والعبارات النابيات , التي تجعل السامعين يتقززون منها , وينفرون منها , ويزهدون في الحق الذي عندنا ؛ لما يسمعونه من عبارات في غير محلها لا تليق بطلاب العلم .

فإن الرد الذي يستند على الكتاب والسنة , وفهم السلف الصالح , ويُجلَّى فيه الحق , ويُفنَّد فيه الباطل : فإن المنصفين يقبلونه , ولا ينازعون فيه , وإن كانوا يحبون ذلك المخالف , وهذا مجرَّب ـ بارك الله فيكم ـ فتفطنوا إليه .
النوع الثاني من المخالفات : في أمر يسوغ فيه الإجتهاد .
فأنت تبين قولك حسب ما ترجح عندك , ولا تشنع على الطرف الأخر , ولا تحذر منه , ولا تصفه بالمبتدع الضال ولا الزائغ , ولكن تقول : الصواب عندنا كذا .
على سبيل المثال : الترتيب في الوضوء ؛ فالجمهور على وجوبه , ومن ذلكم الإمام أحمد وأصحابه ـ رحم الله الجميع ـ , والأحناف ومن وافقهم ـ رحمهم الله ـ على أنه لا يجب , فنحن نرد على الأحناف من غير تثريب , ومن غير إغلاظ في القول , نقول الراجح عندنا , أو أرجح القولين : الوجوب .

ومثالٌ آخر : تارك الصلاة متهاونا ؛ فالجمهور على أنه فاسق , يستتاب فإن تاب وإلا قُتل حدًّا؛ حكمه حكم غيره من الفساق ؛ يغسَّل , ويكفَّن , ويصلى عليه , ويدعى له , ويدفن في مقابر المسلمين , ويرثه المسلمون من أهله , ومن الجمهور: الزُّهري , ومالك , والشافعي , وهو إحدى الروايتين عن أحمد .

والرواية الثانية عن الإمام أحمد , وعليها محققون أئمة , ومنهم : الشيخ عبد العزيز الإمام الأثري المجتهد ـ رحمه الله ـ , والشيخ محمد بن عثيمين الإمام الفقيه , المحقق المدقق المجتهد ـ رحمه الله ـ ؛ على أنه كافر يستتاب ؛ فإن تاب وإلا قتل ردة ؛ وعليه : فإنه لايغسل , ولا يكفن , ولا يصلى عليه , ولا يدعى له , ولا يرثه المسلمون من أهله ؛ فماله فيء ؛ يصرفه الحاكم في المصارف العامة للمسلمين .

فإذا نظرت في حال هاتين الطائفتين من الأئمة ـ رحمة الله عليهم ـ : لم تجد أنَّ المفسقين يصفون المكفرين بأنهم خوارج , كذلك لم تجد أن المكفرين يصفون المفسقين بأنهم مرجئة .
لماذا ؟
لأن الكل عنده أدلة قوية , يرجع إليها في هذا الأصل الذي ذهب إليه .
بقي أن أقول : هذا العالم الجليل الذي أخطأ في أمرٍ ترونه راجحًا , أرى أن يناصح , وأن يُبيَّن له خطئه , فإن لم يقبل منكم : فارفعوا الأمر إلى علماء أكبر منكم ومنه ؛ فإنهم يناصحونه , ويبينون له , وسوف ترده السنة ـ إن شاء الله تعالى ـ .

فهذا الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ يرى أن وجه المرأة ليس بعورة ؛ يجوز لها كشفه , والشيخ عبد العزيز ـ رحمه الله ـ والشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ والشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ يرون خلاف ذلك

؛ لكن لم يُشنِّعوا عليه .
وأهل العلم يردون على الشيخ ناصر ـ رحمه الله ـ من غير تشنيع عليه , ولا تثريب , ولا شطط .
كذلك يرى ـ رحمه الله ـ تحريم الذهب المحلَّق , ويستدل له , ومن ذكرتُ من علمائنا وغيرهم لا يثرِّبون عليه ؛ يقولون : أخطأ الشيخ ناصر الألباني في هذا, والصواب كذا , وهكذا ـ بارك الله فيك ـ أهل العلم يوقر بعضهم بعضًا .
وقد بينت لكم من قبل الميزان الذي عرفته من كلام أئمتنا , وعلمائنا في المخالفة , والمخالف .
فتفطنوا إلى ذلك ؛ فليس الأمر على حد سواء .
" مجموعة الرسائل الجابرية (169 - 173) "

أبو عبد الصمد محمد بن عبد الله
20-Jul-2013, 04:00 AM
جزاك الله خيرا
وحفظ شيخنا عبيد الجابري